الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد فإن شكر الله تعالى فيه حياة للمؤمن لأنه يحاول أن يوفي شيئا يسيرا من حق الله عليه وهو من شيمة أهل الوفاء والشهامة والمروءة قال تعالى: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ).
والشكر شطر الدين لأن العبد تكون حاله إما ضراء فيصبر وإما سراء فيشكر الله كما جاء في الحديث: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له). رواه مسلم.
والشكر سببه حصول النعم واندفاع النقم فإذا وقع ذلك شرع في مقابل ذلك شكر العبد لله تعالى كما قال تعالى: (وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِن كُنتُمُ إِيـَّاهُ تَعْبُدُونَ). ولذلك يشرع للعبد سجود الشكر إذا حصلت له نعمه أو تجددت كما ثبت في السنة.
والشكر هو المجازاة على الإحسان بالثناء على المحسن وحقيقة الشكر شرعا هي اعتراف المؤمن بحصول النعمة من المنعم واقراره بذلك باللسان واستعمال النعمة في طاعة الله قال ابن القيم: (وكذلك حقيقته في العبودية وهو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافا وعلى قلبه شهودا ومحبة وعلى جوارحه انقيادا وطاعة).
فالشكر له ثلاثة أركان لا تصح إلا بها:
الأول: أن يشهد بقلبه بنسبة النعمة للمنعم الحق مع المحبة والخضوع له. قال تعالى: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ).
الثاني: أن يثني على الله بلسانه وينسب الفضل لله وحده ويتبرأ من حوله وقوته قال تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ).
الثالث: أن يستعمل النعمة ويسخرها في طاعة الله ولا يستعملها في سخط الله قال تعالى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ).
والشكر سبب عظيم لثبوت النعم وزيادتها قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ). وقال عمر بن عبد العزيز: (قيدوا نعم الله بشكر الله). فكلما شكر العبد زاده الله في نعمته وأحدث له نعمة أخرى حسية أو معنوية.
أما إذا جحد العبد النعمة بقلبه ولم يعترف بأنها من الله أو أنكر بلسانه أو استعملها واستعان بها في معصيته لم يكن شاكرا لله بل كان كافرا بنعمة الله واقعا في الكفر الصغر قال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ).
وكفر النعم وجحودها سبب عظيم لزوال النعم كما قال تعالى: (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ). وقال تعالى مبينا حال تلك القرية العظيمة التي كانت ترفل بالنعم والأمن ثم كفرت بنعم الله: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُون). وكم زالت النعم والأمن وحل الهلاك والخوف والجوع ووقع التشرذم والتفرق وسقطت الدول في كثير من بلدان المسلمين عبر التاريخ لما كفروا بالنعم وأظهروا الفواحش وبدلوا شرع الله وأمنوا مكر الله وفرحوا بطرا كذهاب دولة الأندلس وغيرها.
وبهذا يتبين أن الناس الذين ينسبون نجاحهم وتفوقهم لذكائهم وجهدهم أو تجارتهم لحذقهم وصبرهم وكذلك الذين يستعملون نعم الله في المعاصي والمنكرات في شرب الخمور والفواحش والربا وقتل الأبرياء واستعباد الأحرار كل هؤلاء ليسوا من الشاكرين للنعم بل داخلون في كفر النعم وجحودها ويشملهم الوعيد وفعلهم مذموم شرعا.
ومن كمال شكر الله شكر المخلوق إذا أسدى نعمة لغيره فيشكره لقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس). رواه أحمد. لكن الشكر المطلق يكون لله لأنه هو المنعم حقيقة وهو الذي سخر المعطي لخدمة أخيه المؤمن ووهبه النعم قال تعالى: (وَاشْكُرُواْ للهِ إِن كُنتُمُ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ).
ومن أعظم المخلوقين الذين يسدى لهم الشكر الوالدين قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ). قال سفيان بن عيينة : (من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكرهما). وذلك لعظيم حقهما بما بذلاه من الإحسان والعناء وتجشمها المشاق الكثيرة في سبيل تربية الولد ومن ترك شكرهما كان جاحدا كافرا بنعمة الله ولو أحسن لجميع الناس.
وإذا داوم العبد على الفرائض وأقبل على الله بالنوافل وكثرة الذكر والدعاء والمناجاة واستعمل جوارحه فيما يرضي الله وحمد الله في السراء والضراء كان عبدا محققا لكمال الشكر موصوفا بالعبد الشاكر داخل في نصوص الشكر وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه قام حتى تورمت قدماه فقيل له تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال أفلا أكون عبدا شكورا).
وأسباب تقصير العبد في شكر المنعم كثيرة من أهمها الغفلة عن إدراك النعم التي يرفل فيها وعدم التأمل في تغير أحواله السابقة إلى الأفضل والغرور والإعجاب بقدراته الخاصة وجاهه وأخطر أمر على المؤمن أن يرفع بصره ويتطلع بقلبه إلى من فضله الله عليه في الدنيا ووسع عليه فيؤدي ذلك إلى ازدراء النعمة التي هو فيها ويشتغل قلبه بالطمع عن القيام بشكر الله وهذا هو حال كثير من الناس اليوم والله المستعان ولذلك نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: (انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله). رواه مسلم.
ومن أسماء الله الشاكر قال تعالى: (فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ). والشكور قال تعالى: (وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ). فالله عز وجل من عظيم كرمه يعطي الكثير من الأجر على العمل اليسير ويغفر الكثير من الذنب ويضاعف الأجور أضعاف مضاعفه ولذلك شكر للزانية على سقيها الكلب فأدخلها الجنة وشكر للرجل الذي أزال عن الطريق الغصن وغفر له وإحسانه عظيم
~ ..🌷🍃
------
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك