الحجامة سنة نبوية و رؤية علمية
جمع و ترتيب د محمد عبدالجواد
أخصائي أمراض صدرية / باحث ومتخصص بالحجامة
مقدمة
مثَّلت الحجامة جزءاً أساسيًّا من الممارسات الطبية التقليدية في العديد من المجتمعات، عبر التاريخ
و الأزمان ، و لما جاء الإسلام أقر ممارسة الحجامة؛ فقد مارسها الرسول محمد صلى الله عليه و سلم
و تعتبر من الأدوية النبوية الطبيعية التي وردت في الطب النبوي، حيث قال صلى الله عليه
و سلم في الصحيحين: " خيرُ ما تداويتم به الحجامة والفصد" أخرجه البخاري ومسلم
إلا أنه بعد أن انتشر الطب الغربي في بلاد العالم أجمع، تراجع استخدامها، فظلت مجرد ممارسة تقليدية.
وظل الأمر كذلك حتى سنوات قليلة ماضية، وخاصة بعدما فشل الطب الحديث في علاج العديد من الأمراض،
وبعد أن تم اكتشاف العديد من التأثيرات الجانبية للعديد من الأدوية الكيميائية، بدأت العديد من ممارسات
الطب التقليدي في الانتشار أو ما يسمى بالطب البديل. ويتم الآن تعليمها وصدرت عنها كتب
ونشرت عنها مقالات على صفحات الإنترنت كجزء من حركة الطب البديل.
لكنها لم تدخل حتى الآن في الكتب الطبية الحديثة كطريقة علاجية. حيث لا تتوفر عنها دراسات
علمية وافية كافية وفق المعايير العلمية الحديثة سوى في بعض الأمراض .
و من الملاحظ أننا نشهد حاليا عودة واسعة النطاق إلى ممارسة الحجامة لعلاج كثير من الأمراض خاصة في قطرنا العربي ، مما أدى إلى إثارة جدل واسع بين مختلف الأوساط الطبية حول مدى فعالية هذه الطريقة العلاجية ومحاذيرها في بعض الأحيان، وخاصة بالشكل الذي تمارس به الآن. و هذا ما دفع مركز الطب البديل و التكميلي بالمملكة العربية السعودية و التابع لوزارة الصحة لوضع بروتوكلات عمل واضحة و ثابتة و السعي لإقرار قوانين لجعل ممارسة الحجامة آمنة و على أساس علمي
الحجامة لها أكثر من أصل لغوى وهذه الأصول منها ما يلى :- 1- حجم بمعنى مص ، ولذا فإن حاصل هذا الأصل أن الحجامة عملية إمتصاص الدم بهدف العلاج . 2- حجّم بمعنى إعادة الشىء لحجمه الطبيعى ، و هذا الأصل يقودنا لمعنى جديد فبالحجامة
يعود العضو المصاب لوضعه الطبيعى قبل إصابته بالمرض . 3- أحجم بمعنى منع وكف ولذا فهذا الأصل يخبر هو الآخر عن فائدة جديدة لهذا العمل الجراحى
– البسيط الأداء العظيم الأثر – فبالحجامة يمنع المرض من التغلغل والتمكن من الجسد بعد
أن عادت دورته الدموية لأوج نشاطها وجهازه المناعى لسابق يقظته .
ولعلك قد لاحظت أنا الأصول الثلاثة السابقة الذكر تشرح هذه العملية إذ الشفط يؤدى
لتجميع الدم فيتراجع ويمتنع المرض بإذن الله ويعود الجسم لوضعه الطبيعى .
شرعا :
الحجامة هى إخراج الدم بعد الشرط بالمحجم من أى مكان على البدن والذى يتم
على مواضع معينة يعرفها المتخصصون بهذا المجال .
طبيا:
الحجامة عبارة عن شفط جزء من طبقة الجلد بمواضع مختلفة وذلك بتوليد ضغط سلبي يؤدي
لتجمع الدماء فى الشعيرات الدموية بمكان تطبيق الحجامة ثم يعاد الشفط على نفس الموضع
بعد تشريطه لسحب هذه الدماء المحتقنة بما تحتويه من مسببات مرضية ومسببات للألم .
تاريخ الحجامة
يعتبر العلاج باستخدام الحجامة من أكثر الطرق العلاجية قدما؛ حيث استخدمت من قبل مختلف
الشعوب القديمة وعلى نطاق واسع. فقد استخدمها الآشوريون منذ عام 3300 ق.م.
وتدل النقوش الموجودة على المقابر الفرعونية على أن الفراعنة استخدموا الحجامة لعلاج
بعض أمراضهم منذ عام 2200 ق.م. أما في الصين فإن الحجامة تعتبر واحدة من أهم ركائز
الطب الصيني التقليدي حتى الآن، وكذلك استخدمها الأطباء الإغريق ووصفوا
طرق استخداماتها واستطباباتها.
وقد عرف العرب القدماء الحجامة، ربما تأثرًا بالمجتمعات المحيطة بهم.
لما جاء الإسلام أقر ممارسة الحجامة؛ فقد مارسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ففي الصحيحين أن النبي (صلى الله عليه وسلم) احتجم وأعطى الحجَّام أجره،
كما أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على تلك الممارسة،
فقال كما جاء في البخاري: "خير ما تداويتم به الحجامة"
الحجامة مع الفصادة أو بغيرها مندوب إليهما في السُّنة النبوية ، وقد بين فقهاء الشريعة الإسلامية
أنه تسري على الحجامة الأحكام العامة التي تسري على التطبيب، فإذا نتج عن الحجامة ضرر
بالمحتجم فليس على الحجَّام ضمان إذا راعى أصول الحجامة ولم يتجاوز ما ينبغي،
أما إن أخطأ أو تجاوز أو كان جاهلاً بالصنعة فإنه يضمن.
وكان الأطباء العرب ممن استخدموا هذه الطريقة العلاجية.
فقد تكلم الرازي وبالتفصيل عن هذا الموضوع وخصص فصلاً كاملاً تحدث فيه عن الحجامة،
وبين فوائده، وطرائق تطبيقه.
أما ابن سينا فقد أوضح أن للحجامة بالشرط فوائد ثلاثاً: أولاها الاستفراغ من نفس العضو، وثانيها استنقاء جوهر الروح من غير استفراغ تابع لاستفراغ ما يستفرغ من الأخلاط، وثالثها تركها التعرض للاستفراغ من الأعضاء الرئيسية.
في حين أن الزهراوي قسم الحجامة إلى قسمين أساسيين:
الحجامة بالشرط والحجامة الجافة.
والأخيرة تستخدم في الأعضاء التي لا تحتمل الشرط عليها كالكبد والطحال والثديين والبطن
والسرة وموضع الكلى وحق الورك، والغاية من إجرائها جذب الدم من عضو إلى عضو.
وقد أوضح الزهراوي وبالرسم شكل المحاجم وأوضح طريقة تطبيقها
أنواع الحـجـامة
في البداية عرف الإنسان نوعين رئيسين من الحجامة هما: الحجامة الجافة والحجامة الرطبة
أو الدامية ثم ظهرت أنواع أخرى عديدة من الحجامة مثل الحجامة المتزحلقة أوالإنزلاقية
أو الحجامة التدليكية، وكذلك هناك طرق قديمة استخدم فيها أدوات غريبة للحجامة
ويصنفها البعض كنوع مستقل من أنواع الحجامة القائم بذاته كما ذكرت
من استخدام العرب لدودة العلق.
ويستخدم فيها المحجم بأشكاله المختلفة وتختلف عن الحجامة الجافة بتشريط الجلد تشريطاً
خفيفاً ووضع المحجمة على مكان التشريط وتفريغها من الهواء عن طريق المص
(سحب الهواء) فيندفع الدم والأخلاط الرديئة من الشعيرات والأوردة الصغيرة إلى سطح
الجلد بسبب التفريغ الذي أحدثه المص، لذلك فأن الحجامة الرطبة تسمى أيضاً بالحجامة الدامية،
وبالطبع فهي تختلف عن فصد الدم.
و جدير بالذكر أن هذا النوع هو الذي فعله النبي صلى الله عليه و سلم
و صحابته رضي الله عنهم أجمعين .
ويستعمل فيها الحجّام ما يعرف بكؤوس الهواء يضعها على موضع الألم في جسم المريض
دون شرط جلده، وتفيد في نقل الأخلاط الرديئة من مواضع الألم إلى سطح الجلد
وبذلك يختفي جزء كبير من الألم، وأكثر ما تستخدم الحجامة الجافة في الطب الصيني
وبشكل واسع، وتطبق الكاسات على نفس مواضع الوخز بالإبر الصينية.
وتسمى كذلك بالحجامة الانزلاقية، وهي تشبه الحجامة الجافة ولكنها تكون متحركة عن طريق
دهن الموضع بزيت (يستخدم زيت الزيتون أو زيت النعناع أو زيت الكافور المخفف)
ثم وضع المحجم وتحريك الكأس بطريقة معينة في المكان المطلوب لجذب الدم وتجميعه
في طبقة الجلد.. ونستطيع القول وببساطة أن الحجامة التزحلقية هي عمل تدليك للجسم
بالحجامة لذلك تسمى أيضاً بالحجامة التدليكية، وهي نافعة جداً خصوصاً في أمراض
العضلات مثل التيبس والشد وغيره، وفي الأغلب فإن هذه الطريقة تفيد في نقل سموم
الدورة الدموية تحت الجلد مباشرة، ويتم فيها أيضاً تحريك حمض البنيك المسبب
في وجع و ألم العضلات و ذلك لأصحاب الأعمال الشاقة والرياضة.
ويجب الإشارة إلى أن هناك أشكال أخرى للحجامة تُصنف أحياناً كأنواع مستقلة للحجامة
وهذه الأنواع والتنوع بطرق الحجامة لابد أنها ظهرت بسبب تعدد الشعوب التي استخدمت الحجامة،
كما أن بعض هذه الأنواع قد ظهرت وتطورت حديثاً أو ارتبطت مع أنواع علاجية تكميلية أخرى..
مميزات الحجامة
1 - آمنة : الحجامة عامة آمنة طالما ان الذي يجريها ممارس مرخص له بإجرائها .
2 - بسيطة و سهلة الاستخدام : فالعلاج بالإبر الصينية مثلا يحتاج ممارسين اكثر خبرة ،
أما الحجامة فيستخدم بها كؤوس تثير نقاط معينة بالضغط السلبي فه سهلة و بسيطة الإستخدام .
3- ليست مؤلمة نسبيا : الحجامة الرطبة ربما تكون غير مريحة و خفيفة الألم ،
بينما الحجامة الجافة لا تسبب ألما أو إدماء .
4- رخيصة الثمن : فأدوات الحجامة رخيصة الثمن و تستخدم كؤوس الحجامة
الرطبة لمرة واحدة ثم يتم التخلص منها و هناك أنواع من الكؤوس يمكن
تعقيمها و إعادة استخدامها ، اما إذا استخدمت للحجامة الجافة فيمكن
استخدامها مرة بعد الأخرى لسنوات .
من يقوم بعمل الحجامة ؟
فقط الأطباء المدربون أصحاب الخبرة هم القادرون على إجراء الحجامة خاصة التي تجرى
لعلاج الأمراض ، لأن لديهم الوعي الكافي للتشخيص المرضي ، و فهم العوامل المسببة للأمراض ،
و كذلك يمكنهم نصح المرضى بوسائل أخرى تستخدم في علاج ما يشكون منه ،
و أيضا يمكنهم نصح بعض المرضى بتجنب عمل الحجامة إذا كانت هناك موانع تمنع من ذلك ،
كل هذا لا يستطيع تقريره إلا الطبيب المرخص له بعمل الحجامة .
و إذا دعت الضرورة لأن يقوم بالحجامة ممارس صحي غير الطبيب
فيجب أن يكون مدربا و مرخصا له و يجريها تحت إشراف الطبيب .
مواضع الحجامة
من الممكن عمل الحجامة في أي موضع بالجسم ، فنقاط الحجامة من الممكن أن تكون كثيرة
أو قليلة بحسب داء المريض ، و رغم ذلك فإن الظهر و الرقبة و خلف الأذن و أسفل الظهر
تعد من أشهر المواضع لعمل الحجامة .
فيمكن استخدام كأس واحد لإصابة محدودة المكان أو عدة كؤوس لأماكن أوسع مرضا .
و يمكننا تقسيم النقاط إلى نقاط ألم موضعية و نقاط بعيدة ذات علاقة بالعضو المصاب ،
و يتم عمل الحجامة عادة في كلتاهما سويا .و يقوم الطبيب المختص بتحديدها لكل مريض على حده .
دواعي استعمال الحجامة
العلاج بالحجامة يقدم فوائد علاجية عديدة ، فقد استخدمت الحجامة لآلاف السنين لعلاج الآلام
مثل عرق النسا و و ألم أسفل الظهر و إزالة احتقان الصدر و الذي من الممكن ان يحدث
مع نزلات البرد و الإنفلونزا لكن الحجامة حديثا اكتسبت شهرة لقدرتها على مساعدة الأنسجة
على التخلص من السموم و تعزيز الدورة الدموية و تحفيز جهاز المناعة و تقليل التوتر
بإفراز مواد كيميائية بالدماغ تعمل على تقليل التوتر و الإكتئاب .
واحد من الأغراض الأساسية للعلاج بالحجامة هو تشجيع إمداد الأنسجة المصابة بالتغذية الكافية ،
و يعتقد أن الحجامة تحفز الإمداد الدموي و الليمفاوي إلى المناطق المتأثرة عن طريق تحسين
سريان الدم و الليمف إلى العضو المقابل حيث ينشط وظيفيا .
في العصور القديمة استخدامات الحجامة لم تحدد بدقة ، فقد كانت تستخدم أساسا
لإخراج الدم و الصديد من الخراج و كذلك لمص الدم من الجروح المسممة و عضات الثعابين .
لاحقا بعد ذلك و منذ أن كان هذا العلاج بسيطا و تأثيراته العلاجية كانت جيدة مدى الاستخدامات
اتسع ليغطي بعض الأمراض الباطنية العديدة .
الحجامة لها تأثير إيجابي واسع على الكثير من المشكلات الصحية منها ما ثبت علميا بالدراسات
و منها ما لوحظ بالخبرات المتراكمة ، و قد لوحظ أن عددا كبيرا من الأعراض المتكررة
تختفي فقط بعد جلسات قليلة من العلاج بالحجامة .
و يمكن تلخيص دواعي استعمال الحجامة في الآتي :
تحسين الصحة العامة عن طريق تنشيط المناعة و الجهاز الدوري فتبقيك نشيطا و في صحة جيدة .
الحالات المتعلقة بالآلام .
الصداع و الصداع النصفي .
أمراض الروماتيزم.
التهاب المفاصل .
ألم أسفل الظهر .
متلازمة الإعياء أو التعب المزمن .
الحمى و الالتهابات المزمنة
نزلة البرد و الإنفلونزا .
بعض أمراض الصدر كالكحة الزمنة و الربو الشعبي .
بعض أمراض الجهاز الهضمي كالتهابات الجهاز الهضمي المزمنة و الإمساك .
بعض أمراض الجهاز البولي كعدوى الجهاز البولي .
بعض الأمراض الجلدية كالخراج و حب الشباب و الأرتكاريا .
بعض الأمراض النفسية مثل الأرق و القلق .
بعض الأمراض المعدية كالتهاب الغدة النكفية .
موانع عمل الحجامة
من أجل تجنب المخاطر التي قد تنتج عن الحجامة ينبغي أن ألا تستخدم في الحالات التالية أو تستخدم بحذر
و يقوم الطبيب المدرب بتحديد ذلك عن طريق تقييم المريض قبل اتخاذ قرار عمل الحجامة.
الذين يعانون من أمراض النزيف.
الموقع المتضرر من مرض جلدي معد، أو الحساسية الجلدية الخطيرة ، او أن يكون متقيحا .
الرضوض والكسور، وعروق الدوالي، موقع الندبات.
في النساء الحوامل و أثناء الدورة الشهرية و فترة ما بعد الولادة.
حالات الضعف الشديد .
بعض الاضطرابات النفسية و حالات فقدان الوعي.
الأورام الخبيثة.
فشل القلب و الكبد، و الكلى و الفشل التنفسي .
الأنيميا الشديدة .
الاحتياطات
التعقيم و هذا هو المفتاح الرئيسي للنجاح حتى لا تنتقل العدوى إلى المريض .
استخدام الكؤوس المناسبة للمنطقة التي ستوضع عليها الكؤوس .
اتخاذ مزيد من الحذر مع الأطفال وكبار السن.
لا تستخدم الحجامة القوية خصوصا في الوجه و في كبار السن أو الأطفال.
اتخاذ مزيد من الحذر عند تشريط الجلد لعدم قطع وريد أو شريان.
و أسأل الله عز وجل أن يشفي كل مريض مسلم و أن يجعل الحجامة سببا في شفائه .
أخوكم د محمد عبد الجواد
أخصائي أمراض صدرية / باحث و متخصص في الحجامة
هذا هو رابط بحثي العلمي المنشور بمجلة علمية عن الحجامة و أثرها في علاج الربو الشعبي
http://goo.gl/6qmzgC
اكثروا من الحمد
.. استغفر الله الحمد لله ..
يأتي على الناس زمان تكون العافية فيه عشرة أجزاء :
تسعة منها في اعتزال الناس وواحدة في الصمت 🤐
- الإمام علي بن أبي طالب
_ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ _