الضرائر الشعرية، هي عملية خرم رتابة القواعد والمعايير اللغوية والنحوية والعروضية وغيرها التي تواضع عليها اللغويون والنحويون والعروضيون في آخر القرن الأول الهجري، وبداية القرن الثاني الهجري، فقد تشكلت طبقة من العلماء المهتمين بلغة التنزيل، فعملوا جاهدين فيما بعد على تخريج ما يخرق نظام قواعدهم ومعاييرهم التي تواضعوا عليها، ولحل اشكالية هذه الخروقات قالوا بالرخصة والجواز والضرورة. وعلى الرغم من اختلاف مواقف ارائهم من الضرائر الشعرية ، إنهم يتفقون على أن الشعراء يلتجأون إلى استعمال الضرائر لما كان الشعر «كلاما موزونا يخرجه الزيادة فيه والنقص منه عن صحة الوزن، ويحيله عن طريق الشعر، أجازت العرب فيه ما لايجوز في الكلام، اضطروا إلى ذلك أم لم يضطروا إليه؛ لأنه موضع ألفت فيه الضرائر» ، ويفسر هذا الكلام ان الشعر نفسه ضرورة. وان الشعراء الجاهليين والذين أتوا من بعدهم لم يكونوا مضطرين لاستعمالها، وانما قصدوها قصدا؛ لأنهم لم يعرفوا القواعد والمعايير التي تقنن اللغة، فالشاعر يستعمل حقاً من حقوقه عند نظم الشعر في اتمام المعاني التي اقتضتها طبيعة التجربة الشعرية المنجزة، وفي اقامة الوزن والقافية والموجَّه في ذلك كله حالته النفسية ساعة ابداعه الشعري. وحمل الشعراء على استعمال حقوقهم هذه في لغتهم الشعرية بسبب «المضايق التي يدفعون إليها عند حصرة المعاني الكثيرة في بيوت ضيقة المساحة، والاحراج الذي يلحقهم عند اقامة القوافي التي لا محيد لهم عند تنسيق الحروف المتشابهة في أواخرها، فلابد من ان يدفعهم استيفاء حقوق الصنعة الى عسف اللغة بفنون الحيلة»فصناعة الشعر تقتضي التغيير والتبديل والحذف والزيادة في ابنية الكلمات. وبما أن الشاعر مبدع يريد لابداع فنَّه الشعري الذروة في أفانين القول، فانه يوجه عنايته باغناء لغته الشعرية بالمعاني والصور والأخيلة، واثرائها بكل ما هو جميل ومبدع ليصل بعمله الشعري القرب إلى الكمال، فيلجأ إلى ممارسة حقه في انجازه؛ لأنه يجد أن قوانين اللغة تعوقه عن ايراد هدفه في استيفاء المداليل؛ لأن «غرضه ايراد المعنى الحسن في اللفظ الحسن» المتساوقة مع وزن موسيقى نظام القصيدة، أو المقطع، وهذا دليل على عدم التعارض بين حقوق الشاعر وبين التعبير الشعري الذي يراها بعض الباحثين المهتمين بشؤون اللغة خلاف القواعد، انه دليل على ضعف موهبة الشاعر في مقدرته اللغوية. إن ما يسمى بالضرائر هي من خصائص اللغة الشعرية الفنية الخاصة التي انمازت بها العربية ، واحدى مكونات بنية لغة الشعر، وكل ما ورد من كسر لقيود القواعد والمعايير اللغوية والنحوية والعروضية هو حق من حقوق الشاعر الذي يتمتع به في استعماله للغته الخاصة من ألفاظ وتراكيب ومعانٍ ، يتصرف في أفانين الكلام كيفما شاء على وفق قوانين النظم الشعرية؛ لأن «الشعراء أُمراء الكلام يُصرّفونه أنى شاءوا، ويجوز لهم ما لايجوز لغيرهم من اطلاق المعنى وتقييده ومن تصريف اللفظ وتعقيده ومد المقصور وقصر الممدود والجمع بين لغاته والتفريق بين صفاته واستخراج ما كلَّت الالسن عن وصفه ونعته والاذهان عن فهمه وايضاحه، فيقرّبون البعيد ويبعدون القريب ويُحْتَجّ بهم ولا يُحتج عليهم» . وفي ضوء ذلك لم تسلم دواوين الشعر الجاهلي والإسلامي في قصيدة من بيت أو أكثر من لفظ أو معنى أو نظم أو ترتيب أو تقسيم أو إعراب وغيرها، من قدح، ولكن أهل الجاهلية جدوا بالتقديم، واعتقد الناس فيهم انهم القدوة والاعلام والحجة، وان الاعتقاد الحسن في الحمل على التجويز ستر عليهم، ونفي الظنة عنهم، ومن الضرائر الشعرية التي وردت في شعر أبي طالب الخاضعة لسلطة الوزن والقافية التي اعتمدها الشاعر بوصفها حقا من حقوقه خاضعة لقانونه الشعري على وفق النظم المرسومة لعمله الشعري ضمن المستويات المختلفة: الصوتية، والتركيبية، والدلالية، والخطية وغيرها التي لاتخلو منها قصيدة في شعره.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك