موجة من التقليد الفوضويّ تجتاح شباب المسلمين؛ تحمل في ظاهرها مسمَّى الموضة ومسايرة المدنية، ومواكبة الحداثة، وفي باطنها التمرد والتسخط على كل ما يمت للتقاليد والأعراف بصلة.
يلهثون وراءها دون معرفة أصولها ولا الهدف من اتباعها.
شباب قد استسلم لضعفه، وقنع بقدراته، فاختفت قوته تحت وقع أساه، شباب حطم اليأس أرواحهم، فانكفؤوا على ذواتهم، قد شككهم تقليد غيرهم في ثوابتهم وميَّع شخصيتهم، وطمس هويتهم، ومزق روابطهم، وزعزع ثقتهم في أئمتهم وعلمائهم.
فتجد أمثلَهم طريقة يحاول التوفيق بين الإسلام وقوانين الغرب فيلوي أعناق النصوص لتتناسب معها.
قد استهوتهم حياة الغرب وانحلالاته، فأولعوا بتقليد الغرب فقط لأجل التقليد؛ فمضوا يقلدونهم في عاداتهم، ويحاكونهم في جُل تقاليدهم، ويسيرون على خطاهم نهجًا وسلوكًا، ظانّين أن الانحلال من ضروريات المدنية والتحضر.
لقد حرم الإسلام التقليد إلا فيما يفيد، تقليد في الحق يعز ولا يذل، فتقليده صلى الله عليه وسلم اتباع، وتقليد العلماء اقتداء، وتقليد الجهال ابتداع.
لقد كنا أمة قائدة ومؤثرة ورائدة، فلماذا تصبح الآن منقادة ومتأثرة وتابعة، تسفل بعد علو، وتتأخر بعد تقدم، وتنهار بعد ازدهار، لا تثبت على مبدأ ولا منهج، ولا تتمسك بخلق، بل تتخلى عن كل مقومات تحضرها وتهملها، وتلهث خلف سراب حسبته ماء.
إن الأمة لا تزداد بالتقليد الأعمى إلا نكوصًا وتقهقرا، لا تقدمًا وتطوراً.
وإن الله عز وجل لا يرضى أن يُعبد إلا بما شرع، لا بما استحدثناه نحن من أهواء وبدع.
لا بد أن نحرص على تصفية هذا الدين من كل شائبة علقت بمعينه الصافي ومنهله العذب عبر العصور المتراكمة والأحداث المتلاحقة، مرسلين من فوق ركامها المَهيل نداء يصدح في الآفاق كلها منسابًا كعبير الربيع.
لا بد أن نعمل على إعادة هيكلةٍ لأمتنا وفقًا لمعايير الترشيد والتحديث، ووفق إطار ديني شرعي لا يتنافى مع الإسلام وتشريعاته.
أمة لا تستسلم لروح الخنوع والاستكانة والانهزامية، تركل كل أمجاد الغرب الزائفة وتظل لائذةً متمسكة بمسلكها، مؤمنة برسالتها.
أمة ترتفع بالإنسان من الحيوانية الهابطة المقلدة إلى الإنسانية الراشدة.