منهج قد وقع تطبيقه في العصر النبوي، وفي عصور الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب كما تفطن لهذا -أي: لمقاصد الشريعة- عموم المجتهدين وأغلب الفقهاء والأصوليين.
ولقد حاول أفذاذ من أئمة هذه الأمة في علوم الشريعة بعد أن تفطنت نفوسهم وقلوبهم لمقاصد التشريع الإسلامي؛ فكانت منهم المحاولات الأولى لتأسيس ووضع اللبنات الأولى لعلم المقاصد الشرعية؛ من هؤلاء الشيخ عز الدين بن عبد السلام الشافعي -رحمه الله- في كتابه (قواعد الأحكام في مصالح الأنام) وكذلك الشيخ شهاب الدين القرافي المالكي في كتابه (الفروق) وهو كتاب مشهور، إلا أن الرجل الفذ الذي أفرد هذا العلم بالتدوين هو الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي المالكي في القسم الثاني من كتابه (الموافقات) تحت عنوان كتاب (المقاصد)؛ فالإمام الشاطبي في هذا الميدان هو شيخ المقاصديين بلا نزاع.
ومن أبرزهم إمام الحرمين الإمام الجويني في كتابه (البرهان)، هذا الكتاب في علم أصول الفقه، استعمل الإمام الجويني لفظ المقاصد ولفظ المقصود ولفظ القصد عشرات المرات، وأحيانًا يعبر عن المقاصد بلفظ الغرض والأغراض، وتعرض أيضًا لما يعلل وما لا يعلل من أحكام الشرع، وعرض لآراء العلماء فيها، والإمام الجويني -رحمه الله- هو صاحب الفضل والسبق في التقسيم الثلاثي لمقاصد الشارع؛ هذا التقسيم الثلاثي المشهور باسم الضروريات والحاجيات والتحسينات أو التحسينيات.
كما أن الإمام الجويني صاحب فضل وسبق في الإشارة إلى الضروريات الكبرى في الشريعة؛ وهي التي سيتم حصرها أيضًا فيما بعد تحت اسم الضروريات الخمس؛ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، ثم تتابعًا في هذه السلسلة جاء بعد إمام الحرمين الجويني تلميذه أبو حامد الغزالي فكان امتدادًا لشيخه، ولكن الإمام أبو حامد الغزالي لم يقف عند حدود ما وقف عنده الإمام الجويني سواء كان ذلك في علم أصول الفقه عامة أو في مقاصد التشريع خصوصًا، بل زاد أبو حامد الغزالي بأن نقح وطور وأضاف فصار هو أيضًا صاحب فضل وسبق؛ يبين هذا من خلال ما وضعه من مؤلفات في علم أصول الفقه كـ(شفاء الغليل) و(المستصفى).
ثم جاء بعد الإمامين الجويني وأبو حامد الغزالي الإمام فخر الدين الرازي صاحب كتاب (المحصول في علم الأصول) فأجاد في هذا الكتاب وأطال في الدفاع عن موضوع تعليل الأحكام.
وموضوع تعليل الأحكام هو الجذور الأساسية للمقاصد الشرعية وبعدهم؛ أي بعد الثلاثة كان الإمام الآمدي صاحب (الإحكام في أصول الأحكام) وابن الحاجب والبيضاوي والإسنوي وابن السبكي تاج الدين فتكلموا جميعًا فيما تكلم فيه من سبقهم، فلم يخرجوا عما وضعه إمام الحرمين وتلميذه الغزالي وكذا الفخر الرازي؛ لم يخرجوا عما قالوه وتكلموا فيه إلا بنوع من الترتيب والزيادات الخفيفة؛ إلى أن جاء الإمامان الإمام عز الدين بن عبد السلام والإمام القرافي، وما كان مما أشاروا إليه في مؤلفيهما السابق الإشارة إليهما مما يعد اللبنات الأولى لعلم المقاصد.
ثم جاء بعد ذلك فارس ميدان علم المقاصد وهو الإمام أبو إسحاق الشاطبي فرفع قواعد هذا العلم وثبت أركانه في كتابه (الموافقات).
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك