عدد الضغطات : 9,073عدد الضغطات : 6,571عدد الضغطات : 6,295عدد الضغطات : 5,513
التميز خلال 24 ساعة
العضو المميز المراقب المميز المشرف المميز الموضوع المميز القسم المميز
قريبا
قريبا
قريبا

بقلم :
المنتدى الاسلامي العام

العودة   منتديات الحقلة > المنتدى الاسلامي > منتدى القرآن الكريم والتفسير

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: الوجه الاخر لرجل الأعمال سعد التميمي (آخر رد :السموه)       :: احذروا سوء الظن (آخر رد :ابو طراد)       :: من فوائد وفضائل الذكر (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: هل تريد نخلة في الجنة (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: وانت في مفترق الطرق تذكر... (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: غلط يقع فيه بعض المصلين (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: علماء الأزهر (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: رائعة جداً (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: ايمانيات (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: رحله العمر (آخر رد :فاطمة صلاح)      


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 15-08-2017   #11


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتابة القرآن الكريم وتفسيره



الم (1)
خمسة وعشرون ألفا وخمسمائة حرف ، وستة آلاف ومائة وعشرون كلمة ، ومائتان وستة وثمانون آية في عدد الكوفي وعدد علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
ذكر ما ورد في فضلها :
قال الإمام أحمد : حدثنا عارم ، حدثنا معتمر ، عن أبيه ، عن رجل ، عن أبيه ، عن معقل بن يسار ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : البقرة سنام القرآن وذروته ، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا ، واستخرجت : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) [ البقرة : 255 ] من تحت العرش ، فوصلت بها ، أو فوصلت بسورة البقرة ، و " يس " : قلب القرآن ، لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له ، واقرءوها على موتاكم ، انفرد به أحمد .
وقد رواه أحمد - أيضا - عن عارم ، عن عبد الله بن المبارك ، عن سليمان التيمي عن أبي عثمان - وليس بالنهدي - عن أبيه ، عن معقل بن يسار ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرءوها على موتاكم يعني : يس .
فقد بينا بهذا الإسناد معرفة المبهم في الرواية الأولى . وقد أخرج هذا الحديث على هذه الصفة في الرواية الثانية أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه .
وقد روى الترمذي من حديث حكيم بن جبير ، وفيه ضعف ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لكل شيء سنام ، وإن سنام القرآن البقرة ، وفيها آية هي سيدة آي القرآن : آية الكرسي .
وفي مسند أحمد وصحيح مسلم والترمذي والنسائي ، من حديث سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تجعلوا بيوتكم قبورا ، فإن البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان وقال الترمذي : حسن صحيح .
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : حدثني ابن أبي مريم ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سنان بن سعد ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان يخرج من البيت إذا سمع سورة البقرة تقرأ فيه .
سنان بن سعد ، ويقال بالعكس ، وثقه ابن معين واستنكر حديثه أحمد بن حنبل وغيره .
وقال أبو عبيد : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، يعني ابن مسعود ، قال : إن الشيطان يفر من البيت الذي يسمع فيه سورة البقرة . ورواه النسائي في اليوم والليلة ، وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث شعبة ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .
وقال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن كامل ، حدثنا أبو إسماعيل الترمذي ، حدثنا أيوب بن سليمان بن بلال ، حدثني أبو بكر بن أبي أويس ، عن سليمان بن بلال ، عن محمد بن عجلان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ألفين أحدكم يضع إحدى رجليه على الأخرى يتغنى ، ويدع سورة البقرة يقرؤها ، فإن الشيطان يفر من البيت تقرأ فيه سورة البقرة ، وإن أصفر البيوت ، الجوف الصفر من كتاب الله .
وهكذا رواه النسائي في اليوم والليلة ، عن محمد بن نصر ، عن أيوب بن سليمان ، به .
وروى الدارمي في مسنده عن ابن مسعود قال : ما من بيت تقرأ فيه سورة البقرة إلا خرج منه الشيطان وله ضراط . وقال : إن لكل شيء سناما ، وإن سنام القرآن سورة البقرة ، وإن لكل شيء لبابا ، وإن لباب القرآن المفصل . وروى - أيضا - من طريق الشعبي قال : قال عبد الله بن مسعود : من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة ، أربع من أولها وآية الكرسي وآيتان بعدها وثلاث آيات من آخرها وفي رواية : لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ولا شيء يكرهه ولا يقرآن على مجنون إلا أفاق .
وعن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لكل شيء سناما ، وإن سنام القرآن البقرة ، من قرأها في بيته ليلة لم يدخله الشيطان ثلاث ليال ، ومن قرأها في بيته نهارا لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام .
رواه أبو القاسم الطبراني ، وأبو حاتم ، وابن حبان في صحيحه .
وقد روى الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه من حديث عبد الحميد بن جعفر ، عن سعيد المقبري ، عن عطاء مولى أبي أحمد ، عن أبي هريرة ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا وهم ذوو عدد ، فاستقرأهم فاستقرأ كل واحد منهم ، يعني ما معه من القرآن ، فأتى على رجل من أحدثهم سنا ، فقال : ما معك يا فلان ؟ قال : معي كذا وكذا وسورة البقرة ، فقال : أمعك سورة البقرة ؟ قال : نعم . قال : اذهب فأنت أميرهم فقال رجل من أشرافهم : والله ما منعني أن أتعلم البقرة إلا أني خشيت ألا أقوم بها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعلموا القرآن واقرءوه ، فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه وقام به كمثل جراب محشو مسكا يفوح ريحه في كل مكان ، ومثل من تعلمه ، فيرقد وهو في جوفه ، كمثل جراب أوكي على مسك .
هذا لفظ رواية الترمذي ، ثم قال : هذا حديث حسن . ثم رواه من حديث الليث ، عن سعيد ، عن عطاء مولى أبي أحمد مرسلا فالله أعلم .
قال البخاري : وقال الليث : حدثني يزيد بن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أسيد بن حضير قال : بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة ، وفرسه مربوطة عنده ، إذ جالت الفرس ، فسكت ، فسكنت ، فقرأ فجالت الفرس ، فسكت ، فسكنت ، ثم قرأ فجالت الفرس ، فانصرف ، وكان ابنه يحيى قريبا منها . فأشفق أن تصيبه ، فلما أخذه رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها ، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اقرأ يا ابن حضير . قال : فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى ، وكان منها قريبا ، فرفعت رأسي وانصرفت إليه ، فرفعت رأسي إلى السماء ، فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح ، فخرجت حتى لا أراها ، قال : وتدري ما ذاك ؟ . قال : لا . قال : تلك الملائكة دنت لصوتك ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم .
وهكذا رواه الإمام العالم أبو عبيد القاسم بن سلام ، في كتاب فضائل القرآن ، عن عبد الله بن صالح ، ويحيى بن بكير ، عن الليث به .
وقد روي من وجه آخر عن أسيد بن حضير ، كما تقدم ، والله أعلم .
وقد وقع نحو من هذا لثابت بن قيس بن شماس - رضي الله عنه - وذلك فيما رواه أبو عبيد [ القاسم ] : حدثنا عباد بن عباد ، عن جرير بن حازم ، عن جرير بن يزيد : أن أشياخ أهل المدينة حدثوه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قيل له : ألم تر ثابت بن قيس بن شماس ؟ لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح ، قال : فلعله قرأ سورة البقرة . قال : فسئل ثابت ، فقال : قرأت سورة البقرة .
وهذا إسناد جيد ، إلا أن فيه إبهاما ، ثم هو مرسل ، والله أعلم .
[ ذكر ] ما ورد في فضلها مع آل عمران
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا بشير بن مهاجر حدثني عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول : تعلموا سورة البقرة ، فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة . قال : ثم سكت ساعة ، ثم قال : تعلموا سورة البقرة ، وآل عمران ، فإنهما الزهراوان ، يظلان صاحبهما يوم القيامة ، كأنهما غمامتان أو غيايتان ، أو فرقان من طير صواف ، وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب ، فيقول له : هل تعرفني ؟ فيقول : ما أعرفك . فيقول : أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر ، وأسهرت ليلك ، وإن كل تاجر من وراء تجارته ، وإنك اليوم من وراء كل تجارة . فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، ويكسى والداه حلتين ، لا يقوم لهما أهل الدنيا ، فيقولان : بم كسينا هذا ؟ فيقال : بأخذ ولدكما القرآن ، ثم يقال : اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها ، فهو في صعود ما دام يقرأ هذا كان أو ترتيلا .
وروى ابن ماجه من حديث بشير بن المهاجر بعضه ، وهذا إسناد حسن على شرط مسلم ، فإن بشيرا هذا أخرج له مسلم ، ووثقه ابن معين ، وقال النسائي : ليس به بأس ، إلا أن الإمام أحمد قال فيه : هو منكر الحديث ، قد اعتبرت أحاديثه فإذا هي تجيء بالعجب . وقال البخاري : يخالف في بعض حديثه . وقال أبو حاتم الرازي : يكتب حديثه ولا يحتج به . وقال ابن عدي : روى ما لا يتابع عليه . وقال الدارقطني : ليس بالقوي .
قلت : ولكن لبعضه شواهد ؛ فمن ذلك حديث أبي أمامة الباهلي ؛ قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا هشام ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلام ، عن أبي أمامة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اقرءوا القرآن فإنه شافع لأهله يوم القيامة ، اقرءوا الزهراوين : البقرة وآل عمران ، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان ، أو كأنهما غيايتان ، أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن أهلهما ثم قال : اقرءوا البقرة فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة .
وقد رواه مسلم في الصلاة من حديث معاوية بن سلام ، عن أخيه زيد بن سلام ، عن جده أبي سلام ممطور الحبشي ، عن أبي أمامة صدي بن عجلان [ الباهلي ] ، به .
الزهراوان : المنيران ، والغياية : ما أظلك من فوقك . والفرق : القطعة من الشيء ، والصواف : المصطفة المتضامة . والبطلة السحرة ، ومعنى لا تستطيعها أي : لا يمكنهم حفظها ، وقيل : لا تستطيع النفوذ في قارئها ، والله أعلم .
ومن ذلك حديث النواس بن سمعان . قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن عبد ربه ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن محمد بن مهاجر ، عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي ، عن جبير بن نفير ، قال : سمعت النواس بن سمعان الكلابي ، يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به ، تقدمهم سورة البقرة وآل عمران . وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد ، قال : كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق ، أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن صاحبهما .
ورواه مسلم ، عن إسحاق بن منصور ، عن يزيد بن عبد ربه ، به .
والترمذي ، من حديث الوليد بن عبد الرحمن الجرشي ، به . وقال : حسن غريب .
وقال أبو عبيد : حدثنا حجاج ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الملك بن عمير ، قال : قال حماد : أحسبه عن أبي منيب ، عن عمه ؛ أن رجلا قرأ البقرة وآل عمران ، فلما قضى صلاته قال له كعب : أقرأت البقرة وآل عمران ؟ قال : نعم . قال : فوالذي نفسي بيده ، إن فيهما اسم الله الذي إذا دعي به استجاب . قال : فأخبرني به . قال : لا والله لا أخبرك ، ولو أخبرتك لأوشكت أن تدعوه بدعوة أهلك فيها أنا وأنت .
[ قال أبو عبيد ] : وحدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن سليم بن عامر : أنه سمع أبا أمامة يقول : إن أخا لكم أري في المنام أن الناس يسلكون في صدع جبل وعر طويل ، وعلى رأس الجبل شجرتان خضراوان تهتفان : هل فيكم من يقرأ سورة البقرة ؟ وهل فيكم من يقرأ سورة آل عمران ؟ قال : فإذا قال الرجل : نعم . دنتا منه بأعذاقهما ، حتى يتعلق بهما فتخطران به الجبل .
[ قال أبو عبيد ] وحدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن أبي عمران : أنه سمع أم الدرداء تقول : إن رجلا ممن قرأ القرآن أغار على جار له ، فقتله ، وإنه أقيد به ، فقتل ، فما زال القرآن ينسل منه سورة سورة ، حتى بقيت البقرة وآل عمران جمعة ، ثم إن آل عمران انسلت منه ، وأقامت البقرة جمعة ، فقيل لها : ( ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد ) [ ق : 29 ] قال : فخرجت كأنها السحابة العظيمة .
قال أبو عبيد : أراه ، يعني : أنهما كانتا معه في قبره تدفعان عنه وتؤنسانه ، فكانتا من آخر ما بقي معه من القرآن .
وقال أيضا : حدثنا أبو مسهر الغساني ، عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي أن يزيد بن الأسود الجرشي كان يحدث : أنه من قرأ البقرة وآل عمران في يوم ، برئ من النفاق حتى يمسي ، ومن قرأهما من ليلة برئ من النفاق حتى يصبح ، قال : فكان يقرؤهما كل يوم وليلة سوى جزئه .
[ قال أيضا : ] وحدثنا يزيد ، عن ورقاء بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : من قرأ البقرة وآل عمران في ليلة كان - أو كتب - من القانتين .
فيه انقطاع ، ولكن ثبت في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهما في ركعة واحدة .
[ ذكر ] ما ورد في فضل السبع الطول
قال أبو عبيد : حدثنا هشام بن إسماعيل الدمشقي ، عن محمد بن شعيب ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن أبي المليح ، عن واثلة بن الأسقع ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : أعطيت السبع الطوال مكان التوراة ، وأعطيت المئين مكان الإنجيل ، وأعطيت المثاني مكان الزبور ، وفضلت بالمفصل .
هذا حديث غريب ، وسعيد بن بشير ، فيه لين .
وقد رواه أبو عبيد [ أيضا ] ، عن عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن سعيد بن أبي هلال ، قال : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال . . . فذكره ، والله أعلم . ثم قال حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب ، عن حبيب بن هند الأسلمي ، عن عروة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أخذ السبع فهو حبر .
وهذا أيضا غريب ، وحبيب بن هند بن أسماء بن هند بن حارثة الأسلمي ، روى عنه عمرو بن أبي عمرو وعبد الله بن أبي بكرة ، وذكره أبو حاتم الرازي ولم يذكر فيه جرحا ، فالله أعلم .
وقد رواه الإمام أحمد ، عن سليمان بن داود ، وحسين ، كلاهما عن إسماعيل بن جعفر ، به .
ورواه - أيضا - عن أبي سعيد ، عن سليمان بن بلال ، عن حبيب بن هند ، عن عروة ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أخذ السبع الأول من القرآن فهو حبر .
قال أحمد : وحدثنا حسين ، حدثنا ابن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .
قال عبد الله بن أحمد : وهذا أرى فيه ، عن أبيه ، عن الأعرج ، ولكن كذا كان في الكتاب بلا " أبي " ، أغفله أبي ، أو كذا هو مرسل ، ثم قال أبو عبيد : حدثنا هشيم ، أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، في قوله تعالى : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني ) [ الحجر : 87 ] ، قال : هي السبع الطول : البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والأنعام ، والأعراف ، ويونس . قال : وقال مجاهد : هي السبع الطول . وهكذا قال مكحول ، وعطية بن قيس ، وأبو محمد الفارسي ، وشداد بن عبيد الله ، ويحيى بن الحارث الذماري في تفسير الآية بذلك ، وفي تعدادها ، وأن يونس هي السابعة .
[ فصل ]
والبقرة جميعها مدنية بلا خلاف ، قال بعض العلماء : وهي مشتملة على ألف خبر ، وألف أمر ، وألف نهي .
وقال العادون : آياتها مائتان وثمانون وسبع آيات ، وكلماتها ستة آلاف كلمة ومائة وإحدى وعشرون كلمة ، وحروفها خمسة وعشرون ألفا وخمسمائة حرف ، فالله أعلم .
قال ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس : أنزل بالمدينة سورة البقرة .
وقال خصيف : عن مجاهد ، عن عبد الله بن الزبير ، قال : أنزل بالمدينة سورة البقرة .
وقال الواقدي : حدثني الضحاك بن عثمان ، عن أبي الزناد ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه ، قال : نزلت البقرة بالمدينة .
وهكذا قال غير واحد من الأئمة والعلماء ، والمفسرين ، ولا خلاف فيه .
وقال ابن مردويه : حدثنا محمد بن معمر ، حدثنا الحسن بن علي بن الوليد [ الفارسي ] حدثنا خلف بن هشام ، حدثنا عبيس بن ميمون ، عن موسى بن أنس بن مالك ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقولوا : سورة البقرة ، ولا سورة آل عمران ، ولا سورة النساء ، وكذا القرآن كله ، ولكن قولوا : السورة التي يذكر فيها البقرة ، والتي يذكر فيها آل عمران ، وكذا القرآن كله .
هذا حديث غريب لا يصح رفعه ، وعيسى بن ميمون هذا هو أبو سلمة الخواص ، وهو ضعيف الرواية ، لا يحتج به . وقد ثبت في الصحيحين ، عن ابن مسعود : أنه رمى الجمرة من بطن الوادي ، فجعل البيت عن يساره ، ومنى عن يمينه ، ثم قال : هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة . أخرجاه .
وروى ابن مردويه ، من حديث شعبة ، عن عقيل بن طلحة ، عن عتبة بن فرقد قال : رأى النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه تأخرا ، فقال : يا أصحاب سورة البقرة . وأظن هذا كان يوم حنين ، حين ولوا مدبرين ، أمر العباس فناداهم : يا أصحاب الشجرة ، يعني أهل بيعة الرضوان . وفي رواية : يا أصحاب البقرة ، لينشطهم بذلك ، فجعلوا يقبلون من كل وجه . وكذلك يوم اليمامة مع أصحاب مسيلمة ، جعل الصحابة يفرون لكثافة حشر بني حنيفة ، فجعل المهاجرون والأنصار يتنادون : يا أصحاب سورة البقرة ، حتى فتح الله عليهم . رضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين .
( بسم الله الرحمن الرحيم . الم )
قد اختلف المفسرون في الحروف المقطعة التي في أوائل السور ، فمنهم من قال : هي مما استأثر الله بعلمه ، فردوا علمها إلى الله ، ولم يفسروها [ حكاه القرطبي في تفسيره عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود - رضي الله عنهم - به ، وقاله عامر الشعبي وسفيان الثوري والربيع بن خثيم ، واختاره أبو حاتم بن حبان ] .
ومنهم من فسرها ، واختلف هؤلاء في معناها ، فقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إنما هي أسماء السور [ قال العلامة أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري في تفسيره : وعليه إطباق الأكثر ، ونقله عن سيبويه أنه نص عليه ] ، ويعتضد هذا بما ورد في الصحيحين ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة : " الم السجدة " ، وهل أتى على الإنسان .
وقال سفيان الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أنه قال : " الم " ، و " حم " ، و " المص " ، و " ص " ، فواتح افتتح الله بها القرآن .
وكذا قال غيره : عن مجاهد . وقال مجاهد في رواية أبي حذيفة موسى بن مسعود ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عنه ، أنه قال : " الم " ، اسم من أسماء القرآن .
وهكذا قال قتادة ، وزيد بن أسلم ، ولعل هذا يرجع إلى معنى قول عبد الرحمن بن زيد : أنه اسم من أسماء السور ، فإن كل سورة يطلق عليها اسم القرآن ، فإنه يبعد أن يكون " المص " اسما للقرآن كله ؛ لأن المتبادر إلى فهم سامع من يقول : قرأت " المص " ، إنما ذلك عبارة عن سورة الأعراف ، لا لمجموع القرآن . والله أعلم .
وقيل : هي اسم من أسماء الله تعالى . فقال الشعبي : فواتح السور من أسماء الله تعالى ، وكذلك قال سالم بن عبد الله ، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير ، وقال شعبة عن السدي : بلغني أن ابن عباس قال : " الم " اسم من أسماء الله الأعظم . هكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث شعبة .
ورواه ابن جرير عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن شعبة ، قال : سألت السدي عن " حم " و " طس " و " الم " ، فقال : قال ابن عباس : هي اسم الله الأعظم .
وقال ابن جرير : وحدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا أبو النعمان ، حدثنا شعبة ، عن إسماعيل السدي ، عن مرة الهمداني قال : قال عبد الله ، فذكر نحوه [ وحكي مثله عن علي وابن عباس ] .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هو قسم أقسم الله به ، وهو من أسماء الله تعالى .
وروى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث ابن علية ، عن خالد الحذاء ، عن عكرمة أنه قال : " الم " ، قسم .
ورويا - أيضا - من حديث شريك بن عبد الله ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس : " الم " ، قال : أنا الله أعلم .
وكذا قال سعيد بن جبير ، وقال السدي عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود . وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " الم " . قال : أما " الم " فهي حروف استفتحت من حروف هجاء أسماء الله تعالى .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية في قوله تعالى : ( الم ) قال : هذه الأحرف الثلاثة من التسعة والعشرين حرفا دارت فيها الألسن كلها ، ليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه ، وليس منها حرف إلا وهو من آلائه وبلائه ، وليس منها حرف إلا وهو في مدة أقوام وآجالهم . قال عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، وعجب ، فقال : وأعجب أنهم ينطقون بأسمائه ويعيشون في رزقه ، فكيف يكفرون به ؛ فالألف مفتاح اسم الله ، واللام مفتاح اسمه " لطيف " والميم مفتاح اسمه " مجيد " فالألف آلاء الله ، واللام لطف الله ، والميم مجد الله ، والألف سنة ، واللام ثلاثون سنة ، والميم أربعون [ سنة ] . هذا لفظ ابن أبي حاتم . ونحوه رواه ابن جرير ، ثم شرع يوجه كل واحد من هذه الأقوال ويوفق بينها ، وأنه لا منافاة بين كل واحد منها وبين الآخر ، وأن الجمع ممكن ، فهي أسماء السور ، ومن أسماء الله تعالى يفتتح بها السور ، فكل حرف منها دل على اسم من أسمائه وصفة من صفاته ، كما افتتح سورا كثيرة بتحميده وتسبيحه وتعظيمه . قال : ولا مانع من دلالة الحرف منها على اسم من أسماء الله ، وعلى صفة من صفاته ، وعلى مدة وغير ذلك ، كما ذكره الربيع بن أنس عن أبي العالية ؛ لأن الكلمة الواحدة تطلق على معان كثيرة ، كلفظة الأمة فإنها تطلق ويراد به الدين ، كقوله تعالى : (إنا وجدنا آباءنا على أمة ) [ الزخرف : 22 ، 23 ] . وتطلق ويراد بها الرجل المطيع لله ، كقوله : ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ) [ النحل : 120 ] وتطلق ويراد بها الجماعة ، كقوله : ( وجد عليه أمة من الناس يسقون ) [ القصص : 23 ] ، وقوله : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ) [ النحل : 36 ] وتطلق ويراد بها الحين من الدهر كقوله : ( وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة ) [ يوسف : 45 ] أي : بعد حين على أصح القولين ، قال : فكذلك هذا .
هذا حاصل كلامه موجها ، ولكن هذا ليس كما ذكره أبو العالية ، فإن أبا العالية زعم أن الحرف دل على هذا ، وعلى هذا ، وعلى هذا معا ، ولفظة الأمة وما أشبهها من الألفاظ المشتركة في الاصطلاح ، إنما دل في القرآن في كل موطن على معنى واحد دل عليه سياق الكلام ، فأما حمله على مجموع محامله إذا أمكن فمسألة مختلف فيها بين علماء الأصول ، ليس هذا موضع البحث فيها ، والله أعلم ؛ ثم إن لفظ الأمة تدل على كل معانيه في سياق الكلام بدلالة الوضع ، فأما دلالة الحرف الواحد على اسم يمكن أن يدل على اسم آخر من غير أن يكون أحدهما أولى من الآخر في التقدير أو الإضمار بوضع ولا بغيره ، فهذا مما لا يفهم إلا بتوقيف ، والمسألة مختلف فيها ، وليس فيها إجماع حتى يحكم به .
وما أنشدوه من الشواهد على صحة إطلاق الحرف الواحد على بقية الكلمة ، فإن في السياق ما يدل على ما حذف بخلاف هذا ، كما قال الشاعر :
قلنا قفي لنا فقالت قاف لا تحسبينا قد نسينا الإيجاف
تعني : وقفت . وقال الآخر :
ما للظليم عال كيف لا يا ينقد عنه جلده إذا يا
قال ابن جرير : كأنه أراد أن يقول : إذا يفعل كذا وكذا ، فاكتفى بالياء من يفعل ، وقال الآخر :
بالخير خيرات وإن شرا فا ولا أريد الشر إلا أن تا
يقول : وإن شرا فشر ، ولا أريد الشر إلا أن تشاء ، فاكتفى بالفاء والتاء من الكلمتين عن بقيتهما ، ولكن هذا ظاهر من سياق الكلام ، والله أعلم .
[ قال القرطبي : وفي الحديث : من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة الحديث . قال شقيق : هو أن يقول في اقتل : إق ] .
وقال خصيف ، عن مجاهد ، أنه قال : فواتح السور كلها " ق " و " ص " و " حم " و " طسم " و " الر " وغير ذلك هجاء موضوع . وقال بعض أهل العربية : هي حروف من حروف المعجم ، استغني بذكر ما ذكر منها في أوائل السور عن ذكر بواقيها ، التي هي تتمة الثمانية والعشرين حرفا ، كما يقول القائل : ابني يكتب في : ا ب ت ث ، أي : في حروف المعجم الثمانية والعشرين فيستغنى بذكر بعضها عن مجموعها . حكاه ابن جرير .
قلت : مجموع الحروف المذكورة في أوائل السور بحذف المكرر منها أربعة عشر حرفا ، وهي : ا ل م ص ر ك ي ع ط س ح ق ن ، يجمعها قولك : نص حكيم قاطع له سر . وهي نصف الحروف عددا ، والمذكور منها أشرف من المتروك ، وبيان ذلك من صناعة التصريف .
[ قال الزمخشري : وهذه الحروف الأربعة عشر مشتملة على أنصاف أجناس الحروف يعني من المهموسة والمجهورة ، ومن الرخوة والشديدة ، ومن المطبقة والمفتوحة ، ومن المستعلية والمنخفضة ومن حروف القلقلة . وقد سردها مفصلة ثم قال : فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته ، وهذه الأجناس المعدودة ثلاثون بالمذكورة منها ، وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله ] .
ومن هاهنا لحظ بعضهم في هذا المقام كلاما ، فقال : لا شك أن هذه الحروف لم ينزلها سبحانه وتعالى عبثا ولا سدى ؛ ومن قال من الجهلة : إنه في القرآن ما هو تعبد لا معنى له بالكلية ، فقد أخطأ خطأ كبيرا ، فتعين أن لها معنى في نفس الأمر ، فإن صح لنا فيها عن المعصوم شيء قلنا به ، وإلا وقفنا حيث وقفنا ، وقلنا : ( آمنا به كل من عند ربنا ) [ آل عمران : 7 ] .
ولم يجمع العلماء فيها على شيء معين ، وإنما اختلفوا ، فمن ظهر له بعض الأقوال بدليل فعليه اتباعه ، وإلا فالوقف حتى يتبين . هذا مقام .
المقام الآخر في الحكمة التي اقتضت إيراد هذه الحروف في أوائل السور ، ما هي ؟ مع قطع النظر عن معانيها في أنفسها . فقال بعضهم : إنما ذكرت لنعرف بها أوائل السور . حكاه ابن جرير ، وهذا ضعيف ؛ لأن الفصل حاصل بدونها فيما لم تذكر فيه ، وفيما ذكرت فيه بالبسملة تلاوة وكتابة .
وقال آخرون : بل ابتدئ بها لتفتح لاستماعها أسماع المشركين - إذ تواصوا بالإعراض عن القرآن - حتى إذا استمعوا له تلي عليهم المؤلف منه . حكاه ابن جرير - أيضا - ، وهو ضعيف أيضا ؛ لأنه لو كان كذلك لكان ذلك في جميع السور لا يكون في بعضها ، بل غالبها ليس كذلك ، ولو كان كذلك - أيضا - لانبغى الابتداء بها في أوائل الكلام معهم ، سواء كان افتتاح سورة أو غير ذلك . ثم إن هذه السورة والتي تليها أعني البقرة وآل عمران مدنيتان ليستا خطابا للمشركين ، فانتقض ما ذكروه بهذه الوجوه .
وقال آخرون : بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانا لإعجاز القرآن ، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله ، هذا مع أنه [ تركب ] من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها .
ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته ، وهذا معلوم بالاستقراء ، وهو الواقع في تسع وعشرين سورة ، ولهذا يقول تعالى : ( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه ) [ البقرة : 1 ، 2 ] . ( الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه ) [ آل عمران : 1 - 3 ] . المص كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه ) [ الأعراف : 1 ، 2 ] . الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ) [ إبراهيم : 1 ] ( الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ) [ السجدة : 1 ، 2 ] . ( حم تنزيل من الرحمن الرحيم ) [ فصلت : 1 ، 2 ] . ( حم عسق كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم ) [ الشورى : 1 - 3 ] ، وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر ، والله أعلم .
وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد ، وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم ، فقد ادعى ما ليس له ، وطار في غير مطاره ، وقد ورد في ذلك حديث ضعيف ، وهو مع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته . وهو ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار ، صاحب المغازي ، حدثني الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، عن جابر بن عبد الله بن رئاب ، قال : مر أبو ياسر بن أخطب ، في رجال من يهود ، برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يتلو فاتحة سورة البقرة : ( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه ) [ هدى للمتقين ) [ البقرة : 1 ، 2 ] فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود ، فقال : تعلمون - والله - لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل الله عليه : ( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه ) فقال : أنت سمعته ؟ قال : نعم . قال : فمشى حيي بن أخطب في أولئك النفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقالوا : يا محمد ، ألم يذكر أنك تتلو فيما أنزل الله عليك : ( الم ذلك الكتاب لا [ ريب ] ) ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بلى . فقالوا : جاءك بهذا جبريل من عند الله ؟ فقال : نعم . قالوا : لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك . فقام حيي بن أخطب ، وأقبل على من كان معه ، فقال لهم : الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، فهذه إحدى وسبعون سنة ، أفتدخلون في دين نبي ، إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة ؟ ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد ، هل مع هذا غيره ؟ فقال : نعم ، قال : ما ذاك ؟ قال : " المص " ، قال : هذا أثقل وأطول ، الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والصاد سبعون ، فهذه إحدى وثلاثون ومائة سنة . هل مع هذا يا محمد غيره ؟ قال : نعم قال : ما ذاك ؟ قال : " الر " . قال : هذا أثقل وأطول ، الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والراء مائتان . فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة . فهل مع هذا يا محمد غيره ؟ قال : نعم ، قال : ماذا ؟ قال : " المر " . قال : فهذه أثقل وأطول ، الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والراء مائتان ، فهذه إحدى وسبعون ومائتان ، ثم قال : لقد لبس علينا أمرك يا محمد ، حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا . ثم قال : قوموا عنه . ثم قال أبو ياسر لأخيه حيي بن أخطب ، ولمن معه من الأحبار : ما يدريكم ؟ لعله قد جمع هذا لمحمد كله إحدى وسبعون وإحدى وثلاثون ومائة وإحدى وثلاثون ومائتان وإحدى وسبعون ومائتان ، فذلك سبعمائة وأربع سنين . فقالوا : لقد تشابه علينا أمره ، فيزعمون أن هؤلاء الآيات نزلت فيهم : ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ) [ آل عمران : 7 ] .
فهذا مداره على محمد بن السائب الكلبي ، وهو ممن لا يحتج بما انفرد به ، ثم كان مقتضى هذا المسلك إن كان صحيحا أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها ، وذلك يبلغ منه جملة كثيرة ، وإن حسبت مع التكرر فأتم وأعظم والله أعلم .






 

رد مع اقتباس
قديم 15-08-2017   #12


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتابة القرآن الكريم وتفسيره



ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)
( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)
قال ابن جريج : قال ابن عباس : ذلك الكتاب : هذا الكتاب . وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والسدي ومقاتل بن حيان ، وزيد بن أسلم ، وابن جريج : أن ذلك بمعنى هذا ، والعرب تقارض بين هذين الاسمين من أسماء الإشارة فيستعملون كلا منهما مكان الآخر ، وهذا معروف في كلامهم .
و ( الكتاب ) القرآن . ومن قال : إن المراد بذلك الكتاب الإشارة إلى التوراة والإنجيل ، كما حكاه ابن جرير وغيره ، فقد أبعد النجعة وأغرق في النزع ، وتكلف ما لا علم له به .
والريب : الشك ، قال السدي عن أبي مالك ، وعن أبي صالح عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا ريب فيه ) لا شك فيه .
وقاله أبو الدرداء وابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو مالك ونافع مولى ابن عمر وعطاء وأبو العالية والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان والسدي وقتادة وإسماعيل بن أبي خالد . وقال ابن أبي حاتم : لا أعلم في هذا خلافا .
[ وقد يستعمل الريب في التهمة قال جميل :
بثينة قالت يا جميل أربتني فقلت كلانا يا بثين مريب
واستعمل - أيضا - في الحاجة كما قال بعضهم :
قضينا من تهامة كل ريب وخيبر ثم أجمعنا السيوفا
]
ومعنى الكلام : أن هذا الكتاب - وهو القرآن - لا شك فيه أنه نزل من عند الله ، كما قال تعالى في السجدة : ( الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ) [ السجدة : 1 ، 2 ] . [ وقال بعضهم : هذا خبر ومعناه النهي ، أي : لا ترتابوا فيه ] .
ومن القراء من يقف على قوله : ( لا ريب ) ويبتدئ بقوله : ( فيه هدى للمتقين ) والوقف على قوله تعالى : ( لا ريب فيه ) أولى للآية التي ذكرنا ، ولأنه يصير قوله : ( هدى ) صفة للقرآن ، وذلك أبلغ من كون : ( فيه هدى ) .
و ( هدى ) يحتمل من حيث العربية أن يكون مرفوعا على النعت ، ومنصوبا على الحال .
وخصت الهداية للمتقين . كما قال : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ) [ فصلت : 44 ] . وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) [ الإسراء : 82 ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اختصاص المؤمنين بالنفع بالقرآن ؛ لأنه هو في نفسه هدى ، ولكن لا يناله إلا الأبرار ، كما قال : ( ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) [ يونس : 57 ] .
وقد قال السدي عن أبي مالك ، وعن أبي صالح عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هدى للمتقين ) يعني : نورا للمتقين .
وقال الشعبي : هدى من الضلالة . وقال سعيد بن جبير : تبيان للمتقين . وكل ذلك صحيح .
وقال السدي : عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هدى للمتقين ) قال : هم المؤمنون .
وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( للمتقين ) أي : الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ، ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به .
وقال أبو روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( للمتقين ) قال : المؤمنين الذين يتقون الشرك بي ، ويعملون بطاعتي .
وقال سفيان الثوري ، عن رجل ، عن الحسن البصري ، قوله : ( للمتقين ) قال : اتقوا ما حرم الله عليهم ، وأدوا ما افترض عليهم .
وقال أبو بكر بن عياش : سألني الأعمش عن المتقين ، قال : فأجبته . فقال [ لي ] سل عنها الكلبي ، فسألته فقال : الذين يجتنبون كبائر الإثم . قال : فرجعت إلى الأعمش ، فقال : نرى أنه كذلك . ولم ينكره .
وقال قتادة ( للمتقين ) هم الذين نعتهم الله بقوله : ( الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ) الآية والتي بعدها [ البقرة : 3 ، 4 ] .
واختار ابن جرير : أن الآية تعم ذلك كله ، وهو كما قال .
وقد روى الترمذي وابن ماجه ، من رواية أبي عقيل عبد الله بن عقيل ، عن عبد الله بن يزيد ، عن ربيعة بن يزيد ، وعطية بن قيس ، عن عطية السعدي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس . ثم قال الترمذي : حسن غريب .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن عمران ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، يعني الرازي ، عن المغيرة بن مسلم ، عن ميمون أبي حمزة ، قال : كنت جالسا عند أبي وائل ، فدخل علينا رجل ، يقال له : أبو عفيف ، من أصحاب معاذ ، فقال له شقيق بن سلمة : يا أبا عفيف ، ألا تحدثنا عن معاذ بن جبل ؟ قال : بلى سمعته يقول : يحبس الناس يوم القيامة في بقيع واحد ، فينادي مناد : أين المتقون ؟ فيقومون في كنف من الرحمن لا يحتجب الله منهم ولا يستتر . قلت : من المتقون ؟ قال : قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان ، وأخلصوا لله العبادة ، فيمرون إلى الجنة .
وأصل التقوى : التوقي مما يكره لأن أصلها وقوى من الوقاية . قال النابغة :
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد
وقال الآخر :
فألقت قناعا دونه الشمس واتقت بأحسن موصولين كف ومعصم
وقد قيل : إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، سأل أبي بن كعب عن التقوى ، فقال له : أما سلكت طريقا ذا شوك ؟ قال : بلى قال : فما عملت ؟ قال : شمرت واجتهدت ، قال : فذلك التقوى .
وقد أخذ هذا المعنى ابن المعتز فقال :
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
وأنشد أبو الدرداء يوما :
يريد المرء أن يؤتى مناه ويأبى الله إلا ما أرادا
يقول المرء فائدتي ومالي وتقوى الله أفضل ما استفادا
وفي سنن ابن ماجه عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما استفاد المرء بعد تقوى الله خيرا من زوجة صالحة ، إن نظر إليها سرته ، وإن أمرها أطاعته ، وإن أقسم عليها أبرته ، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله .






 

رد مع اقتباس
قديم 16-08-2017   #13


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتابة القرآن الكريم وتفسيره



الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)
( الذين يؤمنون بالغيب )
قال أبو جعفر الرازي ، عن العلاء بن المسيب بن رافع ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، قال : الإيمان التصديق .
وقال علي بن أبي طلحة وغيره ، عن ابن عباس ، ( يؤمنون ) يصدقون .
وقال معمر عن الزهري : الإيمان العمل .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس : ( يؤمنون ) يخشون .
قال ابن جرير وغيره : والأولى أن يكونوا موصوفين بالإيمان بالغيب قولا واعتقادا وعملا قال : وقد تدخل الخشية لله في معنى الإيمان ، الذي هو تصديق القول بالعمل ، والإيمان كلمة جامعة للإقرار بالله وكتبه ورسله ، وتصديق الإقرار بالفعل . قلت : أما الإيمان في اللغة فيطلق على التصديق المحض ، وقد يستعمل في القرآن ، والمراد به ذلك ، كما قال تعالى : ( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) [ التوبة : 61 ] ، وكما قال إخوة يوسف لأبيهم : ( وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ) [ يوسف : 17 ] ، وكذلك إذا استعمل مقرونا مع الأعمال ؛ كقوله : ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) [ الانشقاق : 25 ، والتين : 6 ] ، فأما إذا استعمل مطلقا فالإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقادا وقولا وعملا .
هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة ، بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد وغير واحد إجماعا : أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص . وقد ورد فيه آثار كثيرة وأحاديث أوردنا الكلام فيها في أول شرح البخاري ، ولله الحمد والمنة .
ومنهم من فسره بالخشية ، لقوله تعالى : ( إن الذين يخشون ربهم بالغيب ) [ الملك : 12 ] ، وقوله : ( من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ) [ ق : 33 ] ، والخشية خلاصة الإيمان والعلم ، كما قال تعالى : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) [ فاطر : 28 ] .
وأما الغيب المراد هاهنا فقد اختلفت عبارات السلف فيه ، وكلها صحيحة ترجع إلى أن الجميع مراد .
قال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله : ( يؤمنون بالغيب ) قال : يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وجنته وناره ولقائه ، ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالبعث ، فهذا غيب كله .
وكذا قال قتادة بن دعامة .
وقال السدي ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أما الغيب فما غاب عن العباد من أمر الجنة ، وأمر النار ، وما ذكر في القرآن .
وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( بالغيب ) قال : بما جاء منه ، يعني : من الله تعالى .
وقال سفيان الثوري ، عن عاصم ، عن زر ، قال : الغيب : القرآن .
وقال عطاء بن أبي رباح : من آمن بالله فقد آمن بالغيب .
وقال إسماعيل بن أبي خالد : ( يؤمنون بالغيب ) قال : بغيب الإسلام .
وقال زيد بن أسلم : ( الذين يؤمنون بالغيب ) قال : بالقدر . فكل هذه متقاربة في معنى واحد ؛ لأن جميع هذه المذكورات من الغيب الذي يجب الإيمان به .
وقال سعيد بن منصور : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن عبد الرحمن بن يزيد قال : كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسا ، فذكرنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وما سبقوا به ، قال : فقال عبد الله : إن أمر محمد صلى الله عليه وسلم كان بينا لمن رآه ، والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيمانا أفضل من إيمان بغيب ، ثم قرأ : ( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ) إلى قوله : ( المفلحون ) [ البقرة : 1 - 5 ] .
وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والحاكم في مستدركه ، من طرق ، عن الأعمش ، به .
وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
وفي معنى هذا الحديث الذي رواه [ الإمام ] أحمد ، حدثنا أبو المغيرة ، أخبرنا الأوزاعي ، حدثني أسيد بن عبد الرحمن ، عن خالد بن دريك ، عن ابن محيريز ، قال : قلت لأبي جمعة : حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نعم ، أحدثك حديثا جيدا : تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح ، فقال : يا رسول الله ، هل أحد خير منا ؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك . قال : نعم ، قوم من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني .
طريق أخرى : قال أبو بكر بن مردويه في تفسيره : حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا إسماعيل عن عبد الله بن مسعود ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن صالح بن جبير ، قال : قدم علينا أبو جمعة الأنصاري ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيت المقدس ، ليصلي فيه ، ومعنا يومئذ رجاء بن حيوة ، فلما انصرف خرجنا نشيعه ، فلما أراد الانصراف قال : إن لكم جائزة وحقا ؛ أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلنا : هات رحمك الله قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا معاذ بن جبل عاشر عشرة ، فقلنا : يا رسول الله ، هل من قوم أعظم أجرا منا ؟ آمنا بك واتبعناك؟ قال : ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء ، بل قوم من بعدكم يأتيهم كتاب بين لوحين يؤمنون به ويعملون بما فيه ، أولئك أعظم منكم أجرا مرتين .
ثم رواه من حديث ضمرة بن ربيعة ، عن مرزوق بن نافع ، عن صالح بن جبير ، عن أبي جمعة ، بنحوه .
وهذا الحديث فيه دلالة على العمل بالوجادة التي اختلف فيها أهل الحديث ، كما قررته في أول شرح البخاري ؛ لأنه مدحهم على ذلك وذكر أنهم أعظم أجرا من هذه الحيثية لا مطلقا .
وكذا الحديث الآخر الذي رواه الحسن بن عرفة العبدي : حدثنا إسماعيل بن عياش الحمصي ، عن المغيرة بن قيس التميمي ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الخلق أعجب إليكم إيمانا ؟ . قالوا : الملائكة . قال : وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم ؟ . قالوا : فالنبيون . قال : وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم ؟ . قالوا : فنحن . قال : وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟ . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا إن أعجب الخلق إلي إيمانا لقوم يكونون من بعدكم يجدون صحفا فيها كتاب يؤمنون بما فيها .
قال أبو حاتم الرازي : المغيرة بن قيس البصري منكر الحديث .
قلت : ولكن قد روى أبو يعلى في مسنده ، وابن مردويه في تفسيره ، والحاكم في مستدركه ، من حديث محمد بن أبي حميد ، وفيه ضعف ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بمثله أو نحوه . وقال الحاكم : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه وقد روي نحوه عن أنس بن مالك مرفوعا ، والله أعلم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن محمد المسندي ، حدثنا إسحاق بن إدريس ، أخبرني إبراهيم بن جعفر بن محمود بن سلمة الأنصاري ، أخبرني جعفر بن محمود ، عن جدته تويلة بنت أسلم ، قالت : صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة ، فاستقبلنا مسجد إيلياء ، فصلينا سجدتين ، ثم جاءنا من يخبرنا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام ، فتحول النساء مكان الرجال ، والرجال مكان النساء ، فصلينا السجدتين الباقيتين ، ونحن مستقبلون البيت الحرام .
قال إبراهيم : فحدثني رجال من بني حارثة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك قال : أولئك قوم آمنوا بالغيب .
هذا حديث غريب من هذا الوجه .
ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون قال ابن عباس : ( ويقيمون الصلاة أي : يقيمون الصلاة بفروضها .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس : إقامة الصلاة إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع والإقبال عليها وفيها .
وقال قتادة : إقامة الصلاة : المحافظة على مواقيتها ، ووضوئها ، وركوعها وسجودها .
وقال مقاتل بن حيان : إقامتها : المحافظة على مواقيتها ، وإسباغ الطهور فيها ، وتمام ركوعها وسجودها ، وتلاوة القرآن فيها ، والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهذا إقامتها .
وقال علي بن أبي طلحة ، وغيره عن ابن عباس : ( ومما رزقناهم ينفقون قال : زكاة أموالهم .
وقال السدي ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ومما رزقناهم ينفقون قال : هي نفقة الرجل على أهله ، وهذا قبل أن تنزل الزكاة .
وقال جويبر ، عن الضحاك : كانت النفقات قربات ، يتقربون بها إلى الله على قدر ميسرتهم وجهدهم ، حتى نزلت فرائض الصدقات : سبع آيات في سورة " براءة " ، مما يذكر فيهن الصدقات ، هن الناسخات المثبتات .
وقال قتادة : ( ومما رزقناهم ينفقون فأنفقوا مما أعطاكم الله ؛ هذه الأموال عواري ، وودائع عندك يا ابن آدم ، يوشك أن تفارقها .
واختار ابن جرير أن الآية عامة في الزكاة والنفقات ؛ فإنه قال : وأولى التأويلات وأحقها بصفة القوم : أن يكونوا لجميع اللازم لهم في أموالهم مؤدين ، زكاة كان ذلك أو نفقة من لزمته نفقته من أهل ، أو عيال ، وغيرهم ، ممن تجب عليهم نفقته بالقرابة والملك ، وغير ذلك ؛ لأن الله تعالى عم وصفهم ومدحهم بذلك ، وكل من الإنفاق والزكاة ممدوح به محمود عليه .
قلت : كثيرا ما يقرن الله تعالى بين الصلاة والإنفاق من الأموال ؛ فإن الصلاة حق الله وعبادته ، وهي مشتملة على توحيده ، والثناء عليه ، وتمجيده ، والابتهال إليه ، ودعائه ، والتوكل عليه ، والإنفاق هو الإحسان إلى المخلوقين بالنفع المتعدي إليهم ، وأولى الناس بذلك القرابات ، والأهلون ، والمماليك ، ثم الأجانب ، فكل من النفقات الواجبة ، والزكاة المفروضة داخل في قوله تعالى : ( ومما رزقناهم ينفقون ؛ ولهذا ثبت في الصحيحين ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت . والأحاديث في هذا كثيرة .
وأصل الصلاة في كلام العرب الدعاء ، قال الأعشى :
لها حارس لا يبرح الدهر بيتها وإن ذبحت صلى عليها وزمزما
وقال أيضا :
وقابلها الريح في دنها وصلى على دنها وارتسم
أنشدهما ابن جرير مستشهدا على ذلك . وقال الآخر :
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي نوما فإن لجنب المرء مضطجعا

يقول : عليك من الدعاء مثل الذي دعيته لي . وهذا ظاهر ، ثم استعملت الصلاة في الشرع في ذات الركوع والسجود والأفعال المخصوصة في الأوقات المخصوصة ، بشروطها المعروفة ، وصفاتها ، وأنواعها [ المشروعة ] المشهورة .
وقال ابن جرير : وأرى أن الصلاة المفروضة سميت صلاة ؛ لأن المصلي يتعرض لاستنجاح طلبته من ثواب الله بعمله ، مع ما يسأل ربه من حاجته .
[ وقيل : هي مشتقة من الصلوين إذا تحركا في الصلاة عند الركوع ، وهما عرقان يمتدان من الظهر حتى يكتنفا عجب الذنب ، ومنه سمي المصلي ؛ وهو الثاني للسابق في حلبة الخيل ، وفيه نظر ، وقيل : هي مشتقة من الصلى ، وهو الملازمة للشيء من قوله : ( لا يصلاها ) أي : يلزمها ويدوم فيها إلا الأشقى ) [ الليل : 15 ] وقيل : مشتقة من تصلية الخشبة في النار لتقوم ، كما أن المصلي يقوم عوجه بالصلاة : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ) [ العنكبوت : 45 ] واشتقاقها من الدعاء أصح وأشهر ، والله أعلم ] .
وأما الزكاة فسيأتي الكلام عليها في موضعه ، إن شاء الله .



 
التعديل الأخير تم بواسطة مصراوي ; 16-08-2017 الساعة 10:39 AM

رد مع اقتباس
قديم 16-08-2017   #14


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتابة القرآن الكريم وتفسيره



وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
قال ابن عباس : ( والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ) أي : يصدقون بما جئت به من الله ، وما جاء به من قبلك من المرسلين ، لا يفرقون بينهم ، ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربهم وبالآخرة هم يوقنون ) أي : بالبعث والقيامة ، والجنة ، والنار ، والحساب ، والميزان .
وإنما سميت الآخرة لأنها بعد الدنيا ، وقد اختلف المفسرون في الموصوفين هاهنا : هل هم الموصوفون بما تقدم من قوله تعالى : ( الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) [ البقرة : 3 ] ومن هم ؟ على ثلاثة أقوال حكاها ابن جرير :
أحدهما : أن الموصوفين أولا هم الموصوفون ثانيا ، وهم كل مؤمن ، مؤمنو العرب ومؤمنو أهل الكتاب وغيرهم ، قاله مجاهد ، وأبو العالية ، والربيع بن أنس ، وقتادة .
والثاني : هما واحد ، وهم مؤمنو أهل الكتاب ، وعلى هذين تكون الواو عاطفة صفات على صفات ، كما قال تعالى : ( سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى ) [ الأعلى : 1 - 5 ] وكما قال الشاعر :
إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
فعطف الصفات بعضها على بعض ، والموصوف واحد .
والثالث : أن الموصوفين أولا مؤمنو العرب ، والموصوفون ثانيا بقوله : ( والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ) الآية مؤمنو أهل الكتاب ، نقله السدي في تفسيره ، عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من الصحابة ، واختاره ابن جرير ، ويستشهد لما قال بقوله تعالى : ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله ) الآية [ آل عمران : 199 ] ، وبقوله تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون ) [ القصص : 52 - 54 ] . وثبت في الصحيحين ، من حديث الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي ، ورجل مملوك أدى حق الله وحق مواليه ، ورجل أدب جاريته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها .
وأما ابن جرير فما استشهد على صحة ما قال إلا بمناسبة ، وهي أن الله وصف في أول هذه السورة المؤمنين والكافرين ، فكما أنه صنف الكافرين إلى صنفين : منافق وكافر ، فكذلك المؤمنون صنفهم إلى عربي وكتابي .
قلت : والظاهر قول مجاهد فيما رواه الثوري ، عن رجل ، عن مجاهد . ورواه غير واحد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أنه قال : أربع آيات من أول سورة البقرة في نعت المؤمنين ، وآيتان في نعت الكافرين ، وثلاث عشرة في المنافقين ، فهذه الآيات الأربع عامة في كل مؤمن اتصف بها من عربي وعجمي ، وكتابي من إنسي وجني ، وليس تصح واحدة من هذه الصفات بدون الأخرى ، بل كل واحدة مستلزمة للأخرى وشرط معها ، فلا يصح الإيمان بالغيب وإقام الصلاة والزكاة إلا مع الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به من قبله من الرسل والإيقان بالآخرة ، كما أن هذا لا يصح إلا بذاك ، وقد أمر الله تعالى المؤمنين بذلك ، كما قال : ( ياأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ) الآية [ النساء : 136 ] . وقال : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ) الآية [ العنكبوت : 46 ] . وقال تعالى : ( ياأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم ) [ النساء : 47 ] وقال تعالى : ( قل ياأهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم ) [ المائدة : 68 ] وأخبر تعالى عن المؤمنين كلهم بذلك ، فقال تعالى : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ) الآية [ البقرة : 285 ] وقال : ( والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم ) [ النساء : 152 ] وغير ذلك من الآيات الدالة على أمر جميع المؤمنين بالإيمان بالله ورسله وكتبه . لكن لمؤمني أهل الكتاب خصوصية ، وذلك أنهم مؤمنون بما بأيديهم مفصلا فإذا دخلوا في الإسلام وآمنوا به مفصلا كان لهم على ذلك الأجر مرتين ، وأما غيرهم فإنما يحصل له الإيمان ، بما تقدم مجملا كما جاء في الصحيح :إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ، ولكن قولوا : آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ولكن قد يكون إيمان كثير من العرب بالإسلام الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم أتم وأكمل وأعم وأشمل من إيمان من دخل منهم في الإسلام ، فهم وإن حصل لهم أجران من تلك الحيثية ، فغيرهم [ قد ] يحصل له من التصديق ما ينيف ثوابه على الأجرين اللذين حصلا لهم ، والله أعلم .



 

رد مع اقتباس
قديم 16-08-2017   #15


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتابة القرآن الكريم وتفسيره



أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
يقول الله تعالى : ( أولئك ) أي : المتصفون بما تقدم : من الإيمان بالغيب ، وإقام الصلاة ، والإنفاق من الذي رزقهم الله ، والإيمان بما أنزل الله إلى الرسول ومن قبله من الرسل ، والإيقان بالدار الآخرة ، وهو يستلزم الاستعداد لها من العمل بالصالحات وترك المحرمات .
( على هدى ) أي : نور وبيان وبصيرة من الله تعالى . ( وأولئك هم المفلحون ) أي : في الدنيا والآخرة .
وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( أولئك على هدى من ربهم ) أي : على نور من ربهم ، واستقامة على ما جاءهم ، ( وأولئك هم المفلحون ) أي : الذين أدركوا ما طلبوا ، ونجوا من شر ما منه هربوا .
وقال ابن جرير : وأما معنى قوله : ( أولئك على هدى من ربهم ) فإن معنى ذلك : أنهم على نور من ربهم ، وبرهان واستقامة وسداد ، بتسديد الله إياهم ، وتوفيقه لهم وتأويل قوله : ( وأولئك هم المفلحون ) أي المنجحون المدركون ما طلبوا عند الله بأعمالهم وإيمانهم بالله وكتبه ورسله ، من الفوز بالثواب ، والخلود في الجنات ، والنجاة مما أعد الله لأعدائه من العقاب .
وقد حكى ابن جرير قولا عن بعضهم أنه أعاد اسم الإشارة في قوله تعالى : ( أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ) إلى مؤمني أهل الكتاب الموصوفين بقوله تعالى : ( والذين يؤمنون بما أنزل إليك ) الآية ، على ما تقدم من الخلاف . [ قال ] وعلى هذا فيجوز أن يكون قوله تعالى : ( والذين يؤمنون بما أنزل إليك ) منقطعا مما قبله ، وأن يكون مرفوعا على الابتداء وخبره ( [ أولئك على هدى من ربهم و ] أولئك هم المفلحون ) واختار أنه عائد إلى جميع من تقدم ذكره من مؤمني العرب وأهل الكتاب ، لما رواه السدي عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما الذين يؤمنون بالغيب ، فهم المؤمنون من العرب ، والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك هم المؤمنون من أهل الكتاب . ثم جمع الفريقين فقال : ( أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ) وقد تقدم من الترجيح أن ذلك صفة للمؤمنين عامة ، والإشارة عائدة عليهم ، والله أعلم . وقد نقل هذا عن مجاهد ، وأبي العالية ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، رحمهم الله .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري ، حدثنا أبي ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثني عبيد الله بن المغيرة عن أبي الهيثم واسمه سليمان بن عبد ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل له : يا رسول الله ، إنا نقرأ من القرآن فنرجو ، ونقرأ من القرآن فنكاد أن نيأس ، أو كما قال . قال : فقال : أفلا أخبركم عن أهل الجنة وأهل النار ؟ . قالوا : بلى يا رسول الله . قال : ( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه ) إلى قوله تعالى : ( المفلحون ) هؤلاء أهل الجنة . قالوا : إنا نرجو أن نكون هؤلاء . ثم قال : ( إن الذين كفروا سواء عليهم ) إلى قوله : ( عظيم ) هؤلاء أهل النار . قالوا : لسنا هم يا رسول الله . قال : أجل .



 

رد مع اقتباس
قديم 16-08-2017   #16


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتابة القرآن الكريم وتفسيره



إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)



 

رد مع اقتباس
قديم 16-08-2017   #17


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتابة القرآن الكريم وتفسيره



إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)
يقول تعالى : ( إن الذين كفروا ) أي : غطوا الحق وستروه ، وقد كتب الله تعالى عليهم ذلك ، سواء عليهم إنذارك وعدمه ، فإنهم لا يؤمنون بما جئتهم به ، كما قال تعالى : ( إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) [ يونس : 96 ، 97 ] وقال في حق المعاندين من أهل الكتاب : ( ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك ) الآية [ البقرة : 145 ] أي : إن من كتب الله عليه الشقاوة فلا مسعد له ، ومن أضله فلا هادي له ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، وبلغهم الرسالة ، فمن استجاب لك فله الحظ الأوفر ، ومن تولى فلا تحزن عليهم ولا يهمدنك ذلك ؛ ( فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) [ الرعد : 40 ] ، و ( إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل ) [ هود : 12 ] .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى : ( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى ، فأخبره الله تعالى أنه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السعادة في الذكر الأول ، ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاوة في الذكر الأول .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( إن الذين كفروا ) أي : بما أنزل إليك ، وإن قالوا : إنا قد آمنا بما جاءنا قبلك ( سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) أي : إنهم قد كفروا بما عندهم من ذكرك ، وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق ، فقد كفروا بما جاءك ، وبما عندهم مما جاءهم به غيرك ، فكيف يسمعون منك إنذارا وتحذيرا ، وقد كفروا بما عندهم من علمك ؟ !
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، قال : نزلت هاتان الآيتان في قادة الأحزاب ، وهم الذين قال الله فيهم : ( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها ) [ إبراهيم : 28 ، 29 ] .
والمعنى الذي ذكرناه أولا وهو المروي عن ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة ، أظهر ، ويفسر ببقية الآيات التي في معناها ، والله أعلم .
وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديثا ، فقال : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري ، حدثنا أبي ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثني عبد الله بن المغيرة ، عن أبي الهيثم عن عبد الله بن عمرو ، قال : قيل : يا رسول الله ، إنا نقرأ من القرآن فنرجو ، ونقرأ فنكاد أن نيأس ، فقال : ألا أخبركم ، ثم قال : ( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) هؤلاء أهل النار . قالوا : لسنا منهم يا رسول الله ؟ قال : أجل .
[ وقوله : ( لا يؤمنون ) محله من الإعراب أنه جملة مؤكدة للتي قبلها : ( سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) أي هم كفار في كلا الحالين ؛ فلهذا أكد ذلك بقوله : ( لا يؤمنون ) ويحتمل أن يكون ( لا يؤمنون ) خبرا لأن تقديره : إن الذين كفروا لا يؤمنون ، ويكون قوله : ( سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ) جملة معترضة ، والله أعلم ] .



 

رد مع اقتباس
قديم 16-08-2017   #18


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتابة القرآن الكريم وتفسيره



خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)
قال السدي : ( ختم الله ) أي : طبع الله ، وقال قتادة في هذه الآية : استحوذ عليهم الشيطان إذ أطاعوه ؛ فختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ، فهم لا يبصرون هدى ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون .
وقال ابن جريج : قال مجاهد : ( ختم الله على قلوبهم ) قال : نبئت أن الذنوب على القلب تحف به من كل نواحيه حتى تلتقي عليه ، فالتقاؤها عليه الطبع ، والطبع : الختم ، قال ابن جريج : الختم على القلب والسمع .
قال ابن جريج : وحدثني عبد الله بن كثير ، أنه سمع مجاهدا يقول : الران أيسر من الطبع ، والطبع أيسر من الأقفال ، والأقفال أشد من ذلك كله .
وقال الأعمش : أرانا مجاهد بيده فقال : كانوا يرون أن القلب في مثل هذه - يعني : الكف - فإذا أذنب العبد ذنبا ضم منه ، وقال بأصبعه الخنصر هكذا ، فإذا أذنب ضم . وقال بأصبع أخرى ، فإذا أذنب ضم . وقال بأصبع أخرى وهكذا ، حتى ضم أصابعه كلها ، ثم قال : يطبع عليه بطابع .
وقال مجاهد : كانوا يرون أن ذلك : الرين .
ورواه ابن جرير : عن أبي كريب ، عن وكيع ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، بنحوه .
قال ابن جرير : وقال بعضهم : إنما معنى قوله : ( ختم الله على قلوبهم ) إخبار من الله عن تكبرهم ، وإعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحق ، كما يقال : إن فلانا لأصم عن هذا الكلام ، إذا امتنع من سماعه ، ورفع نفسه عن تفهمه تكبرا .
قال : وهذا لا يصح ؛ لأن الله قد أخبر أنه هو الذي ختم على قلوبهم وأسماعهم .
( قلت ) : وقد أطنب الزمخشري في تقرير ما رده ابن جرير هاهنا وتأول الآية من خمسة أوجه وكلها ضعيفة جدا ، وما جرأه على ذلك إلا اعتزاله ؛ لأن الختم على قلوبهم ومنعها من وصول الحق إليها قبيح عنده - تعالى الله عنه في اعتقاده - ولو فهم قوله تعالى : ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) وقوله ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ) وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى إنما ختم على قلوبهم وحال بينهم وبين الهدى جزاء وفاقا على تماديهم في الباطل وتركهم الحق ، وهذا عدل منه - تعالى - حسن وليس بقبيح ، فلو أحاط علما بهذا لما قال ما قال ، والله أعلم .
قال القرطبي : وأجمعت الأمة على أن الله عز وجل قد وصف نفسه بالختم والطبع على قلوب الكافرين مجازاة لكفرهم كما قال : ( بل طبع الله عليها بكفرهم ) وذكر حديث تقليب القلوب : ويا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وذكر حديث حذيفة الذي في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء ، حتى تصير على قلبين : على أبيض مثل الصفاء فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض ، والآخر أسود مرباد كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا الحديث .
قال والحق عندي في ذلك ما صح بنظيره الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ما حدثنا به محمد بن بشار ، حدثنا صفوان بن عيسى ، حدثنا ابن عجلان ، عن القعقاع ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستعتب صقل قلبه ، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه ، فذلك الران الذي قال الله تعالى : ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) [ المطففين : 14 ] .
وهذا الحديث من هذا الوجه قد رواه الترمذي والنسائي ، عن قتيبة ، عن الليث بن سعد ، وابن ماجه عن هشام بن عمار عن حاتم بن إسماعيل والوليد بن مسلم ، ثلاثتهم عن محمد بن عجلان ، به .
وقال الترمذي : حسن صحيح .
ثم قال ابن جرير : فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها ، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله تعالى والطبع ، فلا يكون للإيمان إليها مسلك ، ولا للكفر عنها مخلص ، فذلك هو الختم والطبع الذي ذكر في قوله تعالى : ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ) نظير الطبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها ثم حلها ، فكذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قلوبهم وعلى سمعهم إلا بعد فض خاتمه وحله رباطه [ عنها ] .
واعلم أن الوقف التام على قوله تعالى : ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ) ، وقوله ( وعلى أبصارهم غشاوة ) جملة تامة ، فإن الطبع يكون على القلب وعلى السمع ، والغشاوة - وهي الغطاء - تكون على البصر ، كما قال السدي في تفسيره عن أبي مالك ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ) يقول : فلا يعقلون ولا يسمعون ، ويقول : وجعل على أبصارهم غشاوة ، يقول : على أعينهم فلا يبصرون .
قال ابن جرير : حدثني محمد بن سعد حدثنا أبي ، حدثني عمي الحسين بن الحسن ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس : ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ) والغشاوة على أبصارهم .
وقال : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، يعني ابن داود ، وهو سنيد ، حدثني حجاج ، وهو أبو محمد الأعور ، حدثني ابن جريج قال : الختم على القلب والسمع ، والغشاوة على البصر ، قال الله تعالى : ( فإن يشأ الله يختم على قلبك ) [ الشورى : 24 ] ، وقال ( وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ) [ الجاثية : 23 ] .
قال ابن جرير : ومن نصب غشاوة من قوله تعالى : ( وعلى أبصارهم غشاوة ) يحتمل أنه نصبها بإضمار فعل تقديره : وجعل على أبصارهم غشاوة ، ويحتمل أن يكون نصبها على الإتباع ، على محل ( وعلى سمعهم ) كقوله تعالى : ( وحور عين ) [ الواقعة : 22 ] ، وقول الشاعر :
علفتها تبنا وماء باردا حتى شتت همالة عيناها
وقال الآخر :
ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا
تقديره : وسقيتها ماء باردا ، ومعتقلا رمحا .
لما تقدم وصف المؤمنين في صدر السورة بأربع آيات ، ثم عرف حال الكافرين بهاتين الآيتين ، شرع تعالى في بيان حال المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ، ولما كان أمرهم يشتبه على كثير من الناس أطنب في ذكرهم بصفات متعددة ، كل منها نفاق ، كما أنزل سورة " براءة " فيهم ، وسورة " المنافقين " فيهم ، وذكرهم في سورة " النور " وغيرها من السور ، تعريفا لأحوالهم لتجتنب ، ويجتنب من تلبس بها.






 

رد مع اقتباس
قديم 16-08-2017   #19


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتابة القرآن الكريم وتفسيره



وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8)
النفاق : هو إظهار الخير وإسرار الشر ، وهو أنواع : اعتقادي ، وهو الذي يخلد صاحبه في النار ، وعملي وهو من أكبر الذنوب ، كما سيأتي تفصيله في موضعه ، إن شاء الله تعالى ، وهذا كما قال ابن جريج : المنافق يخالف قوله فعله ، وسره علانيته ، ومدخله مخرجه ، ومشهده مغيبه .
وإنما نزلت صفات المنافقين في السور المدنية ؛ لأن مكة لم يكن فيها نفاق ، بل كان خلافه ، من الناس من كان يظهر الكفر مستكرها ، وهو في الباطن مؤمن ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وكان بها الأنصار من الأوس والخزرج ، وكانوا في جاهليتهم يعبدون الأصنام على طريقة مشركي العرب ، وبها اليهود من أهل الكتاب على طريقة أسلافهم ، وكانوا ثلاث قبائل : بنو قينقاع حلفاء الخزرج ، وبنو النضير ، وبنو قريظة حلفاء الأوس ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وأسلم من أسلم من الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج ، وقل من أسلم من اليهود إلا عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - ولم يكن إذ ذاك نفاق أيضا ؛ لأنه لم يكن للمسلمين بعد شوكة تخاف ، بل قد كان عليه الصلاة والسلام وادع اليهود وقبائل كثيرة من أحياء العرب حوالي المدينة ، فلما كانت وقعة بدر العظمى وأظهر الله كلمته ، وأعلى الإسلام وأهله ، قال عبد الله بن أبي بن سلول ، وكان رأسا في المدينة ، وهو من الخزرج ، وكان سيد الطائفتين في الجاهلية ، وكانوا قد عزموا على أن يملكوه عليهم ، فجاءهم الخير وأسلموا ، واشتغلوا عنه ، فبقي في نفسه من الإسلام وأهله ، فلما كانت وقعة بدر قال : هذا أمر قد توجه ، فأظهر الدخول في الإسلام ، ودخل معه طوائف ممن هو على طريقته ونحلته ، وآخرون من أهل الكتاب ، فمن ثم وجد النفاق في أهل المدينة ومن حولها من الأعراب ، فأما المهاجرون فلم يكن فيهم أحد ، لأنه لم يكن أحد يهاجر مكرها ، بل يهاجر ويترك ماله ، وولده ، وأرضه رغبة فيما عند الله في الدار الآخرة .
قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) يعني : المنافقين من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم .
وكذا فسرها بالمنافقين أبو العالية ، والحسن ، وقتادة ، والسدي .
ولهذا نبه الله - سبحانه - على صفات المنافقين لئلا يغتر بظاهر أمرهم المؤمنون ، فيقع بذلك فساد عريض من عدم الاحتراز منهم ، ومن اعتقاد إيمانهم ، وهم كفار في نفس الأمر ، وهذا من المحذورات الكبار ، أن يظن بأهل الفجور خير ، فقال تعالى : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) أي : يقولون ذلك قولا ليس وراءه شيء آخر ، كما قال تعالى : ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله ) [ المنافقون : 1 ] أي : إنما يقولون ذلك إذا جاءوك فقط ، لا في نفس الأمر ؛ ولهذا يؤكدون في الشهادة بإن ولام التأكيد في خبرها ؛ كما أكدوا قولهم : ( آمنا بالله وباليوم الآخر ) وليس الأمر كذلك ، كما أكذبهم الله في شهادتهم ، وفي خبرهم هذا بالنسبة إلى اعتقادهم ، بقوله : ( والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ) [ المنافقون : 1 ] ، وبقوله ( وما هم بمؤمنين ) .



 

رد مع اقتباس
قديم 16-08-2017   #20


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتابة القرآن الكريم وتفسيره



يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)
وقوله تعالى : ( يخادعون الله والذين آمنوا ) أي : بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر ، يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك ، وأن ذلك نافعهم عنده ، وأنه يروج عليه كما يروج على بعض المؤمنين ، كما قال تعالى : ( يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ) [ المجادلة : 18 ] ؛ ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله : ( وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ) يقول : وما يغرون بصنيعهم هذا ولا يخدعون إلا أنفسهم ، وما يشعرون بذلك من أنفسهم ، كما قال تعالى : ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ) [ النساء : 142 ] .
ومن القراء من قرأ : " وما يخادعون إلا أنفسهم " ، وكلا القراءتين ترجع إلى معنى واحد .
قال ابن جرير : فإن قال قائل : كيف يكون المنافق لله وللمؤمنين مخادعا ، وهو لا يظهر بلسانه خلاف ما هو له معتقد إلا تقية ؟
قيل : لا تمتنع العرب أن تسمي من أعطى بلسانه غير الذي في ضميره تقية ، لينجو مما هو له خائف ، مخادعا ، فكذلك المنافق ، سمي مخادعا لله وللمؤمنين ، بإظهاره ما أظهر بلسانه تقية ، مما تخلص به من القتل والسباء والعذاب العاجل ، وهو لغير ما أظهر ، مستبطن ، وذلك من فعله - وإن كان خداعا للمؤمنين في عاجل الدنيا - فهو لنفسه بذلك من فعله خادع ، لأنه يظهر لها بفعله ذلك بها أنه يعطيها أمنيتها ، ويسقيها كأس سرورها ، وهو موردها حياض عطبها ، ومجرعها بها كأس عذابها ، ومزيرها من غضب الله وأليم عقابه ما لا قبل لها به ، فذلك خديعته نفسه ، ظنا منه - مع إساءته إليها في أمر معادها - أنه إليها محسن ، كما قال تعالى : ( وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ) إعلاما منه عباده المؤمنين أن المنافقين بإساءتهم إلى أنفسهم في إسخاطهم عليها ربهم بكفرهم ، وشكهم وتكذيبهم ، غير شاعرين ولا دارين ، ولكنهم على عمياء من أمرهم مقيمون .
وقال ابن أبي حاتم : أنبأنا علي بن المبارك ، فيما كتب إلي ، حدثنا زيد بن المبارك ، حدثنا محمد بن ثور ، عن ابن جريج ، في قوله تعالى : ( يخادعون الله ) قال : يظهرون لا إله إلا الله يريدون أن يحرزوا بذلك دماءهم وأموالهم ، وفي أنفسهم غير ذلك .
وقال سعيد ، عن قتادة : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ) نعت المنافق عند كثير : خنع الأخلاق ، يصدق بلسانه وينكر بقلبه ويخالف بعمله ، يصبح على حال ويمسي على غيره ، ويمسي على حال ويصبح على غيره ، ويتكفأ تكفؤ السفينة ، كلما هبت ريح هب معها .



 

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
القرآن, الكريم, وتفسيره, كتابة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لفظ (زين) في القرآن الكريم ريناد منتدى القرآن الكريم والتفسير 10 06-11-2016 12:57 AM
لفظ (وكل) في القرآن الكريم طالبة العلم منتدى القرآن الكريم والتفسير 5 05-10-2016 11:18 PM
حفظ القرآن الكريم مصراوي منتدى القرآن الكريم والتفسير 9 30-12-2015 03:20 AM
اسباب نزول القرآن الكريم ، فضل سور القرآن الكريم ، سبب تسمية كل سورة من سور القرآن ا مصراوي منتدى القرآن الكريم والتفسير 71 22-12-2015 03:03 PM
أمير الرياض يكرِّم الفائزين بجائزة حفظ القرآن وتلاوته وتفسيره انسام منتدى الاخبار المحلية والعالمية 2 09-09-2015 09:22 PM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 10:16 AM

أقسام المنتدى

الاقسام العامة | المنتدى الاسلامي العام | المنتدى العام | منتدى الترحيب والتهاني | الاقسام الرياضية والترفيهية | العاب ومسابقات | الافلام ومقاطع الفيديو | منتدى الرياضة المتنوعة | الاقسام التقنية | الكمبيوتر وبرامجه | الجوالات والاتصالات | الفلاش والفوتوشوب والتصميم | منتدى التربية والتعليم | قسم خدمات الطالب | تعليم البنين والبنات | ملتقــــى الأعضـــــاء (خاص باعضاء المنتدى) | المرحله المتوسطه | منتدى الحقلة الخاص (حقلاويات) | منتدى الاخبار المحلية والعالمية | اخبار وشـؤون قرى الحقلة | اخبار منطقة جازان | الاقسام الأدبية والثقافية | الخواطر وعذب الكلام | منتدى الشعر | عالم القصة والروايات | اخبار الوظائف | منتديات الصحة والمجتمع | منتدى الصحة | منتدى الأسرة | منتدى السيارات | منتدى اللغة الانجليزية | منتدى الحوار والنقاشات | منتدى التراث والشعبيات والحكم والامثال | منتدى التعليم العام | منتدى السفر والسياحة | الثقافه العامه | منتدى تطوير الذات | كرسي الإعتراف | منتدى عالم المرأة | عالم الطفل | المطبخ الشامل | منتدى التصاميم والديكور المنزلي | المكتبة الثقافية العامة | شعراء وشاعرات المنتدى | مول الحقلة للمنتجات | الخيمة الرمضانية | المـرحلـة الابتدائيـة | استراحة وملتقى الاعضاء | المرحله الثانويه | الصور المتنوعة والغرائب والعجائب | المنتدى الاسلامي | منتدى القرآن الكريم والتفسير | سير نبي الرحمة واهم الشخصيات الإسلامية | قصص الرسل والانبياء | قسم الصوتيات والفلاشات الاسلاميه | اخبار مركز القفل | منتدى الابحاث والاستشارات التربوية والفكرية | افلام الانمي | صور ومقاطع فيديو حقلاويات | البلاك بيري / الآيفون / الجالكسي | بوح المشاعر وسطوة القلم(يمنع المنقول ) | مناسك الحج والعمرة | منتدى | ارشيف مسابقات المنتدى | منتدى الحديث والسنة النبوية الشريفة | المنتدى الاقتصادي | منتدى عالم الرجل | اعلانات الزواج ومناسبات منتديات الحقلة | تراث منطقـة جــــازان | كرة القدم السعوديه | منتدى الرياضة | كرة القدم العربيه والعالمية | ديـوان الشـاعـر عمـرين محمـد عريشي | ديـــوان الشــاعـر عـبدة حكمـي | يوميات اعضاء منتديات الحقلة | تصاميم الاعضاء | دروس الفوتوشوب | ارشيف الخيمة الرمضانية ومناسك الحج والعمرة الاعوام السابقة | منتدى الاخبار | نبض اقلام المنتدى | ديـــوان الشــاعـر علـي الـدحيمــي | الاستشارات الطبية | الترحيب بالاعضاء الجدد | قسم الاشغال الايدويه | قسم الاشغال اليدويه | مجلة الحقله الالكترونيه | حصريات مطبخ الحقله | ديوان الشاعر ابوطراد |



Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Ramdan √ BY: ! Omani ! © 2012
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Forum Modifications Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع المواضيع والمُشاركات المطروحه في منتديات الحقلة تُعبّر عن ثقافة كاتبها ووجهة نظره , ولا تُمثل وجهة نظر الإدارة , حيث أن إدارة المنتدى لا تتحمل أدنى مسؤولية عن أي طرح يتم نشره في المنتدى

This Forum used Arshfny Mod by islam servant