التقت به كالعادة في مكانهما العام و هي مكرهة و غير مقتنعة بما تفعله ،
بادرها بالسلام .. فردت عليه و في عينيها فرح بقدومه ، و حزن على فراقه القريب، و غضب منه
لأنه قد خدعها و آن الأوان لكي تنتقم منه و تتركه للأبد .
قال لها : لمَ أنتِ صامتة ؟ ( مع العلم أن بطلنا أغبى من بطلتنا ، فهي ذكية تفهم لغة عينيه
على غراره هو ، فهو قليل الفطنة و لكنه ذكي في مواقف قد تعجز هي هن تفسيرها ، و هذا التفاوت بينهما أضفى لعلاقتهما حسنا جميلا ياليته كان في إطار الحلال!!
- ردت عليه : لا لستُ صامتة ، بل أنا أتأمل فيما يحدث من حولنا ، حياتنا تكاد تودعنا
و نحن لم نقدم فيها شيئا ... قاطعها و كأنه لا يريد أن يسمع منها تلك الكلمات الوعظية
لأنه يعلم أنها لو عزمت على تركه لتركته فورا
قال : - صديقتي الوفية .. آه لو أخبرك بما جدّ عندي من أخبار فأنتِ كاتمة الأسرار ، و ناصحة الأخيار ، و أردف كلامه بابتسامة لطيفة بادلته بها ثم قالت مباشرة : - نعم تفضل
(عندما نتحدث عن شخصية بطلتنا هذه أتذكر عنوان إحدى مؤلفات صادق الرافعي رحمه الله و هي (في اللهب و لا تحترق)
هكذا تماما كانت بطلتنا تعيش ييوميا في لهب علاقتها المحرمة مع ذلك الشخص إلا أنها لم تحترق يوما أمامه ، فكثيرا ما حاول استدراجها و لكن قوة إيمانها و ذكائها و عقلها الراجح غلبوا بطلنا ، و لعل ذلك ما جعله يحبها أكثر من كل فتاة صادقها و عرفها)
قال بطلنا : تلك الفتاة مازالت تلاحقني في شتى وسائل الاتصال ، نظرت إليه بطلتنا نظرة أمٍّ تريد أن تفهم ما يريده ابنها خلف كل حرف يقوله ثم قالت : أسألك و أجبني بصراحة ، و لنفرض أنك لست معي الآن . قال : -تفضلي و كلي آذان صاغية
قالت : - ما رأيك أنت بهذا الموقف الذي تفعله هذه الفتاة معك ؟
فأجابها تلقائيا لأنه لا يكتم شيئا من كلامه إلا حينما يريد ذلك : - رأيي الحقيقي أنني أحس بكبرياء في داخلي خلقته لي هذه الفتاة دون من سواها ، لقد جعلتني ملكا مطاعا و ذا أخلاق أتمنى لو تكون موجودة فعلا فيّ ، و في المقابل أحتقرها احتقارا شديدا لأنها وهبت نفسها و تعلقت بشخص لا يساوي شيئا في الواقع .
أجابته بعد أن سمعت كلامه كله : - أحسنت ، و أعجبتني هذه المرة لأنك لم تخفِ عني حقائقك التي تظن بأنها ستزعجني ، ثم أقول لك : هل شعورك بهذا الكبرياء و هذه السعادة دائم في كل أحوالك ؟ ، قال : لا
قالت : فلمَ تتشبث بخيط قصير؟؟ ، ثم إنك قلت بعظمة لسانك إنها قد رسمت فيك أخلاقا ليست فيك ، فهل يرضيك أن تعيش في كذبة حقيرة كهذه ؟ بدل أن تشغل وقتك بتغيير أخلاقك إلى الأحسن تفرغ ذلك بهذه الفرية التافهة ؟!!
لم يقل بطلنا شيئا ، بل كان كلام صديقته كالدواء المر حينما نتناوله مكرهين قائلين بدواخلنا (نتحمل لحظة شرب الدواء هذه حتى نشفى)
واصلت بطلتنا كلامها بعد أن استنشقت كمًّا هائلا من الهواء ، و كأن في ؟أعماقها اختناقا يحتاج إلى أكسجين حتى تواصل كلامها ،،
قالت : و لنأتِ لهذه التي أحبتك و تعلقت بك كل هذا التعلق و دخلت للمستشفى بسببك كما قالت ، أريد أن أقول لها : ألا تستحين حينما يكون سبب دخولك للمستشفى شخص ؟! و أي شخص .. لا زوج و لا أخ و لا أب و لا أم .. هل دخلتِ للمستشفى يوما بسبب ذنبٍ ارتكبته و أصابكِ الأرق حينما تذكرتِ كيف ستقابلين ربكِ ؟؟
و في هذه اللحظة
عاد الاختناق إلى بطلتنا بل اشتد ، فقد خنقتها العبرة و اغرورقت عيناها بالدموع فوجدته ينظر إليها بحنان لا تحبه ، و لا تريد منه أن يشفق عليها يوما فقد تخطئ و تنفعل معه و تبكي له لكنها قد اختنقت لأنها تعلم ان كلامها الموجه لتلك الفتاة هو نفسه موجه إليها ، فلا ينبغي أن تضعف أمامه أبدا
أخفت دموعها بكفيها بسرعة ، ثم قالت : - بالمناسبة ... قد حان وقت الرحيل الأبدي ، آن لنا أن نفترق ، علينا أن نتدارك أخطاءنا قبل أن نعاقب عقابا شديدنا عند مولانا و خالقنا الذي لطالما ستر علينا عيوبنا
فأجابها : أرجوكِ لا ترحلي ، فإن هذه الأخلاق و هذه القوة التي تمتلكين هي من تجعلكِ أميرة قلبي ،، ردت :: لا تقل هذا ... نحن كنا ندور حول حلقة مفرغة زينها الشيطان لنا صدقني ،، لا أنا و لا أنت مهمان في هذه الحياة طالما أننا لم نتب بعد إلى الله تعالى .
فأجابها و هو يجهش بالبكاء كالثكلى : - أنتِ تعلمين العائق الوحيد الذي منعنا من الزواج ... آخ ثم آخ ليته لم يكن ( و عائق زواجهما هو أن أهله لهم عرف أن الولد يختارون له عروس المستقبل منذ الصغر و تكون ابنة العم أو ابنة الخال ، فبطلنا قد أقسموا في المصحف في عرفهم كما أسلفت القول بأن يتزوج ابنة عمه فلانة (التي لا يحبها))
قالت و هي تبادله البكاء : - هذا اسمه قدر و نحن بهذا نعترض على قدر الله عز و جل ،، لم لم نلجأ إلى الحلال ؟؟ ،، لم لمْ أنتظر زوج المستقبل كغيري من العفيفات ؟! ،، لم لم ترض أنت بقسمتك فلعل الخير كله في ابنة عمك و علاقتك بي هي التي أفسدت لك صورة حياتك معها ،، دعني أذهب بعيدا
أتوب إلى الله توبة نصوح عساه ان يتقبل منا قبل أن نموت .. و غادرت الفتاة المكان و كانت الدموع تتساقط كالمطر الغزير حتى منعتها من رؤية الطريق جيدا فإذا بالسيارة تصدمها و الشاب يرى الحادث من بعيد ، يبكي و يقول تبت إليك يا رب اغفر لنا يا رب .. و تمزق الذنب بإذن الله
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك