ابتدأت السورة بالقسم بالتين والزيتون. والتين والزيتون قد يكون قصد بهما الشجران المعروفان، وقد ذكر المفسرون لاختيار هذين الشجرين للقسم بهما أسباباً عدة، فقد ذكروا أنه أقسم بنوعين من الشجر، نوع ثمره ليس فيه عجم ونوع فيه عجم، وأنه ورد في الأثر أن التين من شجر الجنة فقد روي أنه أُهدي لرسول الله r طبق من تين فأكل منه وقال لأصحابه:" كلوا فلو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه لأن فاكهة الجنة بلا عجم". وقد ذكر أن آدم خصف من ورقه ليستر عورته حين انكشفت في الجنة. وأما الزيتون فإنه شجرة مباركة كما جاء في التنزيل العزيز.
وقد ذكروا أموراً أخرى لا داعي لسردها ههنا.
ولا ندري هل لبدء السورة بالقسم بالشجر الذي يذكر أن له أصلاً في الجنة أعني التين له علاقة بعدد آيات هذه السورة أو لا؟ فإن عدد آيات هذه السورة ثمانية وهن بعدد أبواب الجنة. وقد يكون هذا القول خرصاً محضاً وأنا أميل إلى ذلك، ولكنا قد وجدنا شيئاً من أنواع هذه العلاقات في القرآن. فقد تكرر كما سبق أن ذكرنا قوله تعالى: "فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" الرحمن، عند الكلام في وصف الجنة ثماني مرات بعدد أبواب الجنة، وحصل هذا مرتين في السورة، وتكرر في الوعيد سبع مرات بعدد أبواب جهنم1ابتداء من قوله: "سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ" (31) الرحمن
وقالوا إن سورة القدر ثلاثون كلمة بعدد أيام شهر رمضان وإن قوله (هي) في قوله تعالى: "سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)" هي الكلمة السابعة والعشرون وهي إشارة إلى أن هذه الليلة هي الليلة السابعة والعشرون من رمضان.
وعلى أي حال فإن كثيراً من هذه العلاقات ربما كانت موافقات والله أعلم.
وقيل: إن المقصود بالتين والزيتون جبلان من الأرض المقدسة يقال لهما بالسريانية طور تينا وطور زيتا لأنهما منبتا التين والزيتون.2
والعلاقة بين التين والزيتون وما بعدهما ليست ظاهرة على هذا إلا بتكلف.
وقيل: " هذه محال ثلاثة بعث الله في كل واحد منها نبياً مرسلاً من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار. فالأول: محلة التين والزيتون وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى بن مريم u والثاني: طور سنين وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران، والثالث: مكة وهو البلد الأمين الذي مَن دخله كان آمناً، وهو الذي أرسل فيه محمداً صلى الله عليه وسلم3
وجاء في (التبيان في أقسام القرآن): " فأقسم سبحانه بهذه الأمكنة الثلاثة العظيمة التي هي مظاهر أنبيائه ورسله، أصحاب الشرائع العظام والأمم الكثيرة. فالتين والزيتون المراد به نفس الشجرتين المعروفتين ومنبتهما وهو أرض بيته المقدس... وهو مظهر عبد الله ورسوله وكلمته وروحه عيسى بن مريم. كما أن طور سينين مظهر عبده ورسوله وكليمه موسى، فإنه الجبل الذي كلمه عليه وناجاه وأرسله إلى فرعون وقومه.
ثم أقسم بالبد الأمين وهو مكة مظهر خاتم أنبيائه ورسله سيد ولد آدم. وترقى في هذا القسم من الفاضل إلى الأفضل، فبدأ بموضع مظهر المسيح، ثم ثنّى بموضع مظهر الكليم، ثم ختمه بموضع مظهر عبده ورسوله وأكرم الخلق عليه. ونظير هذا بعينه في التوراة التي أنزلها الله على كليمه موسى: (جاء الله من طور سيناء وأشرق من ساعير، واستعلن من فاران).
فمجيئه من طور سيناء بعثته لموسى بن عمران، وبدأ به على حكم الترتيب الواقع، ثم ثنّّى بنبوة المسيح، ثم ختمه بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم4
وهذا هو الراجح فيما أرى لأن المناسبة بين هذه المحالّ المُقسَم بها ظاهرة على هذا.
ثم لننظر إلى ترتيب هذه الأشياء المقسم بها:
فقد بدأ بالتين والزيتون. والزيتون أشرف وأفضل من التين فقد شهد الله له أنه شجرة مباركة قال تعالى "اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)" النور، وهي فاكهة من وجه، وإدامٌ من وجه وزيتها يُستعمَل في إنارة المصابيح والسُّرُج.
ثم أقسم بطور سنين وهو أفضل مما ذكر قبله، فإنه الجبل الذي كلم الرب عليه موسى وناجاه وأرسله إلى فرعون وقومه.
ثم انظر من ناحية أخرى كيف وضع طور سنين بجوار الزيتون لا بجوار التين، وقد ورد ذكر الزيتون بجوار الطور في موطن آخر من التنزيل العزيز5
قال تعالى: "وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآَكِلِينَ (20)" المؤمنون، وهذه الشجرة هي شجرة الزيتون بإجماع المفسرين. قال الواحدي: "والمفسرون كلهم يقولون إن المراد بهذه الشجرة شجرة الزيتون" 6
ثم أقسم بالبلد الأمين وهو مكة المكرمة: مكان مولد رسول الله r ومبعثه ومكان البيت الذي هو هدى للعالمين7. وهو أفضل البقاع عند الله وأحبها إليه كما جاء في الحديث الشريف، فتدرّج من الفاضل إلى الأفضل ومن الشريف إلى الأشرف.
فأنت ترى أنه تدرج من التين إلى الزيتون إلى طور سنين إلى بلد الله الأمين، فختم بموطن الرسالة الخاتمة أشرف الرسالات.
وقد وصف الله هذا البلد بصفة (الأمين) وهي صفة اختيرت هنا اختياراً مقصوداً لا يسدُّ مسدّها وصف آخر.
فالأمين وصف يحتمل أن يكون من الأمانة، كما يحتمل أن يكون من الأمن. وكلا المعنيين مُراد.
فمن حيث الأمانة وُصف بالأمين لأنه مكان أداء الأمانة وهي الرسالة. والأمانة ينبغي أن تؤدى في مكان أمين. فالرسالة أمانة نزل بها الروح الأمين وهو جبريل، وأداها إلى الصادق الأمين وهو محمد، في البلد الأمين وهو مكة. فانظر كيف اختير الوصف ههنا أحسن اختيار وأنسبه.
فالأمانة حملها رسول موصوف بالأمانة فأداها إلى شخص موصوف بالأمانة في بلد موصوف بالأمانة. جاء في (روح المعاني): "وأمانته أن يحفظ من دَخَله كما يحفظ الأمين ما يُؤتمن عليه"8
وأما من حيث الأمن فهو البلد الآمن قبل الإسلام وبعده، دعا له سيدنا ابراهيم u بالأمن قبل أن يكون بلداً، وبعد أن صار بلداً فقال أولاً: "رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا (126)" البقرة، وقال فيما بعد: "رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا (35)" إبراهيم، فهو مدعو له بالأمن من أبي الأنبياء. وقد استجاب الله سبحانه هذه الدعوة قال تعالى: "وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا (97)" آل عمران، وقال: "وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا (125)" البقرة فـ (الأمين) على هذا (فعيل) للمبالغة بمعنى الآمن، ويحتمل أن تكون (الأمين) فعيلاً بمعنى مفعول، مثل جريح يمعنى مجروح وأسير بمعنى مأسور، أي: المأمون، وذلك لأنه مأمون الغوائل9
جاء في روح المعاني: "الأمين فعيل بمعنى فاعل أي الآمن، من أمُن الرجل بضمّ الميم أمانة فهو أمين.. وأمانته أن يحفظ من دخله كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه.. وأما بمعنى مفعول أي: المأمون من (أمنه) أي: لم يَخَفْه، ونسبته إلى البلد مجازية. والمأمون حقيقة الناسُ أي: لا تخاف غوائلهم فيه، أو الكلام على الحذف والإيصال أي: المأمون فيه من الغوائل "10
وجاء في البحر المحيط: "وأمين للمبالغة أي: آمنٌ مَنْ فيه ومن دخله وما فيه من طير وحيوان، أو من أمُن الرجل بضمّ الميم أمانة، فهو أمين كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه. ويجوز أن يكون بمعنى مفعول من أمنه لأنه مأمون الغوائل ".11
وقد تقول: ولم اختار لفظ (الأمين) على (الآمن) الذي تردد في مواطن أخرى من القرآن الكريم؟ قال تعالى: "أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57)" القصص، وقال: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ (67)" العنكبوت
والجواب : أنه باختياره لفظ (الأمين) جمع معنيي الأمن والأمانة، وجمع معنى اسم الفاعل واسم المفعول، وجمع الحقيقة والمجاز، فهو أمين وآمن ومأمون، وهذه المعاني كلها مُرادة مطلوبة.
ثم انظر إلى جواب القسم وهو قوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) التين) كيف تناسب مع المُقسَم به تناسباً لطيفاً ولاءمه ملاءمة بديعة. فإنه أقسم بالرسالات على بداية الإنسان ونهايته12فقال: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)" وهذه بدايته، ثم قال: "ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)" وهذه نهايته.
"ثم لما كان الناس في إجابة هذه الدعوة فريقين منهم مَنْ أجاب ومنهم من أبى، ذكر حال الفريقين. فذكر حال الأكثرين وهو المردودون إلى أسفل سافلين13( والآخرين وهم المؤمنون الذين لهم أجر غير ممنون.
ولما كانت الرسالات إنما هي منهج للإنسان وشريعة له، كان الجواب يتعلق بالإنسان طبيعة ومنهجاً، فذكر طبيعة الإنسان في قوله: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)" وذكر المنهج في قوله: "إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)".
وفي هذه إشارة إلى أن المنهج لا بد أن يكون متلائماً مع الطبيعة البشرية غير مناقض لها وإلا فشل.
فكان الجواب كما ترى أوفى جواب وأكمله وأنسب شيء لما قبله وما بعده.
ثم انظر من ناحية أخرى إلى قوله تعالى: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)" فإنه أسند الخلق إلى نفسه ولم يبنه للمجهول، وذلك أنه موطن بيان عظيم قدرته وحسن فعله وبديع صنعه فأسند ذلك إلى نفسه، وهذا في القرآن خط واضح، فإنه في مثل هذا المقام وفي مقام النعمة والتفضّل يسند الأمر إلى نفسه، قال تعالى: "وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)" الأعراف.
وقال: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) " يس
فانظر كيف أسند الخلق في مقام النعمة والتفضّل إلى ذاته في حين قال: "وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)" النساء ببناء الفعل للمجهول لما كان القصد بيان نقص الإنسان وضعفه. وقال: "خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ (37)" الأنبياء، وقال: "إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)" المعارج.
فانظر إلى الفرق بين المقامين، وقد مرّ شيء من هذا في موطن سابق.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أنه أسند الخلق إلى نفسه لأن المقام مقام بيان منهج للإنسان، فأراد أن يبين أن واضع المنهج للإنسان هو خالق الإنسان ولا أحد غيره أعلم بما يصلح له وما هو أنسب له، ولو بنى الفعل للمجهول لم يفهم ذلك صراحة.
فأنت ترى أن إسناد الخلق إلى ذات الله العلية أنسب شيء في هذا المقام. وقد تقول: ولم أسند الرد إلى أسفل سافلين إلى نفسه فقال: "(ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)" وهذا ليس مقام تفضّل ولا بيان نعمة؟
فنقول: إن هذا الإسناد أنسب شيء ههنا ولا يليق غيره، وذلك أنه أراد أن يذكر أن بيده البداية والنهاية، وأنه القادر أولاً وأخيراً لا معقّب لحكمه يفعل ما يشاء في البداية والختام، وهذا لا يكون إلا بإسناد الأمر إلى ذاته العليّة.
ألا ترى أنه لو قال: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رًدّ أسفل سافلين) لكان يُفهم ذاك أن هناك رادّاً غيره يفسد خلقته ويهدم ما بناه؟
ومعنى قوله: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)" أنه صيّره على أحسن ما يكون في الصورة والمعنى والإدراك وفي كل ما هو أحسن14من الأمور المادية والمعنوية.
وقال بعدها "ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)" فجاء بـ (ثم) التي تفيد الترتيب والتراخي، لأن كونه أسفل سافلين لا يعاقب خلقه بل يتراخى عنه في الزمن، فهي من حيث الوقت تفيد التراخي، كما أنها من حيث الرتبة تفيد التراخي، فرتبة كونه في أحسن تقويم تتراخى وتبعد عن رتبة كونه في أسفل سافلين، فثمة بَوْن بعيد بين الرتبتين فأفادت (ثم) ههنا التراخي الزماني والتراخي في الرتبة. واختلف في معنى (أَسْفَلَ سَافِلِينَ) فذهب قسم من المفسرين إلى أن المقصود به أرذل العمر، والمُراد بذلك: الهرم وضعف القُوى الظاهرة والباطنة وذهول العقل حتى يصير لا يعلم شيئاً15
ومعنى الاستثناء على هذا أن الصالحين من الهرمى لهم ثواب دائم غير منقطع16يُكتب لهم في وقت شيخوختهم كما كان يُكتب لهم في وقت صِحّتهم وقوتهم وفي الحديث "إن المؤمن إذا رُدّ لأرذل العمر كُتِب له ما كان يعمل في قوّته" وذلك أجر غير ممنون 17أي غير منقطع.
وذهب آخرون إلى أن المقصود به أسفل الأماكن السافلة وهو جهنم أو الدرك الأسفل من النار.
ومعنى الاستثناء على هذا ظاهر، فالصالحون مستثنون من الرد إلى ذلك.
وركز بعضهم على الخصائص الروحية. جاء في ظلال القرآن: "والتركيز في هذا المقام على خصائصه الروحية. فهي التي تنتكس إلى أسفل سافلين حين ينحرف عن الفطرة ويحيد عن الإيمان المستقيم معها. فهو مهيّأ لأن يبلغ من الرِّفعة مدى يفوق مقام الملائكة المقربين.. بينما هذا الإنسان مهيأ حين ينتكس لأن يهوي إلى الدرك الذي لا يبلغ إليه مخلوق قط: "ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)" حيث تُصبح البهائم أرفع وأقوم لاستقامتها على فطرتها...
"(إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (6)" فهؤلاء هم الذين يبقون على سواء الفطرة ويكملونها بالإيمان والعمل الصالح. ويرتقون بها إلى الكمال المقدّر لها"18
وظاهر أن معنى الآية يتسع لكل ما ذكروه، وهي تفيد أيضاً أن حياة غير المؤمن نكد وغمّ، وعيشة ضنك وشقاء قال تعالى: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)" طه وقال: "حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)" الحج.
المراجـــع:
1 ـ انظر ملاك التأويل 2 / 888
2 ـ التفسير الكبير 32/9، روح المعاني 30/174
3 ـ تفسير ابن كثير 4 / 526
4 ـ التبيان 35-55
5 ـ في ظلال القرآن 30/190
6 ـ فتح القدير 3/463، روح المعاني 18/22-23
7 ـ روح المعاني 30/173
8 ـ نفس المصدر والصفحة
9 ـ روح المعاني 30/173، البحر المحيط 8/490، الكشاف 3/348
10 ـ روح المعاني 30/173
11 ـ البحر المحيط 8/490، الكشاف 3/348
12 ـ التبيان في أقسام القرآن 55
13 ـ التبيان في أقسام القرآن 56
14 ـ روح المعاني 30/175، البحر المحيط 8/490
15 ـ روح المعاني 30/176، البحر المحيط 8/490
16 ـ الكشاف 3/348
17 ـ البحر المحيط 8/490
18 ـ في ظلال القرآن 30/194
19 ـ التبيان 91
20 ـ البحر المحيط 8/490، روح المعاني 30/176
21 ـ التفسير الكبير 32/11
22 ـ الكشاف 3/349، التفسير الكبير 32/12
23 ـ التبيان 61
24 ـ انظر التبيان 33 وما بعدها، التفسير الكبير 32/12
25 ـ روح المعاني 30/177، مجمع البيان 10/512
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك