الإنسان يحب الشخص فيحب الاسم، ويحب كل مايتصل به، ولذا خلّدت البشرية أسماء الأنبياء والعظماء والأبطال والمبدعين،
ولكنها خلّدت أيضاً -ولكن بالذم- أسماء المجرمين والقتلة والطغاة..
{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا} (31:البقرة)
علَّم تعالى آدم أسماء الأشياء وألهمه توليد الأسماء،
وفكرة التسمية ذاتها، فلو لم يكن للأشياء أسماء فكيف نعرفها وكيف نحددها للآخرين؟
سنكون مضطرين لجلبها والإشارة إليها،
وكيف لنا بجلب البحر أو القمر أو الصحراء أو الأموات؟!
ولذا صرنا نسمي كل شئ حتى الشوارع، والبيوت، والغرف، والقطط، والأشجار، وما لا يحتاج إلى أسماء؛ لأن فكرة التسمية تريحنا من عناء طويل!
بعضهم يقول: علم آدم أسماء كل شيء، والأقرب: أنه علّمه أسماء الأشياء المتاحة المتوفرة عنده،
وأهمها أسماء الله الحسنى، ومنها معرفته باسم نفسه، ومعرفته باسم حواء؛ لأنها خلقت من حيٍّ؛
كما قال ابن عباس، وابن مسعود.
معرفة الأسماء ليست منشطاً صوتياً لغوياً فحسب، لا؛
هي منشط إدراكي معرفي يعني القدرة على معرفة خصائص الأشياء، ووظائفها، ومكوناتها، والفروق بينها،
فهي معرفة تقوم على أساسها الحضارة، وواضح أن هذا التعريف هو لتأهيل آدم للخلافة في الأرض.
معرفة الأسماء تقتضي معرفة الدلالة واللغة والقدرة على تخيل الأشياء وتصورها، وعلى النطق بحروفها وأسمائها.
نجح آدم فيما عجزت عنه الملائكة، واعتذرت بأنه لا علم لها لأن الله لم يُعَلِّمْها.
إدراك آدم للأشياء التي حوله والمتعلقة بالخلافة في الأرض تفصيلي،
وإدراك الملائكة كُلِّي أو تعميمي غير قادر على معرفة التفاصيل ولا على مواجهة التحديات وحل المشكلات،
فهي ميزة آدمية وفضيلة بشرية واصطفاء ربّاني، ولذا تولى آدم مهمة إخبار الملائكة بأسماء الأشياء!
ولذا كانت الموسوعية والمعرفة متصلة بحفظ الأسماء وإدراك معانيها،
والذين يحفظون أسماء الناس ومعلوماتهم هم الأكثر قرباً منهم وتأثيراً فيهم.
معظم كلامنا أسماء والباقي روابط بين الأسماء، ولذا كان أول ما نطق به آدم: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
وحين نقول: الكلام اسم وفعل وحرف، فهذا يحتمل أن الاسم هو الأصل،
وأن الأفعال والحروف مشتقة منه، والأفعال صادرة عن أشخاص، والحروف روابط..
حين أخبرني طفلي بأنه يحفظ أسماء صغار الغنم والإبل والبقر و و و انبهرت من ذاكرته،
وأدركت أنه يتكلم بمعلومات صحيحة،
ولكني لم أحفظ تلك الأسماء (راجع في قوقل أسماء صغار الحيوانات والطيور وألقابها عند العرب).
اسألنا نحن الفلاحين عن التمر نعطيك أسماء أنواعه، وخصائص كل نوع،
وما نطلقه عليه في كل مرحلة، واسم الرطب واليابس منه،
واسم المتفرّق والمتجمع.. بينما عامة الناس عندهم تمر وبس.
واسألنا نحن البدو عن المطر، وأشجار البادية ونباتاتها، وهوامها وحيواناتها..
اذهب لليابان تجد عندهم معرفة أسماء المخترعات؛ كما قال "حافظ إبراهيم" عن اللغة العربية:
وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغاية ً وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصفِ آلة ٍ وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ
اذهب للإسكيمو في المناطق القطبية تجد عندهم مئات الأسماء للثلج والجليد بينما لا يعرفون من الألوان إلا الأبيض والأزرق؛ لأنهم قلّما يرون الشفق.
الأشياء التي نحفظها من التاريخ هي عبارة عن أسماء؛ اللغات، المدن، حتى النظريات تحوَّلت إلى أسماء؛
هذه نظرية إنشتاين، أو نظرية فيثاغورس، المباني تحولت إلى أسماء فهذا قصر الخورنق، والسدير، والحضر، والمصمك..
وأسماء المعارك، والدول، والأيام، والسنين، والكتب، والمدارس.. إلخ
أكثر حالات الجدل الدائم مرتبطة بأسماء، وأنت قد تلغي شخصاً بجرة قلم دون أن تُكلِّف نفسك عناء أن تقرأ عنه أو تبحث أو تتأكد من شخصيته،
ويمكن أن ترفع شخصاً دون أن تبحث عنه؛ لأن الجدل يتمحور حول إنسان ممثل بـ(اسم)..
ذات مرة كنت أبحث عن (ابن تيمية)، وضعت اسمه في قوقل فوجدت شيئاً مرعباً مذهلاً؛ المؤيّد، والمعارض، والمحب، والمبغض،
والذي يعتبره من أعظم الأولياء، وأكبر العباقرة، والذي يحاول أن يخرجه من الإسلام..
وجدل في تفاصيله بحيث تحس أنك لا تقرأ عن شخص يرقد في قبره منذ ثمانمائة سنة،
وإنما عن حيٍّ حاضر له دوي أكثر بكثير من عامة الأحياء!
التكفير، التخوين، التحوين (وصف الناس بالحيوانية)، التنفيق (اتهام الناس بالنفاق)..
أكثر الكلمات تأثيراً في أشخاصنا وتحديداً لوجهتنا وصياغة لمجموعاتنا.
أجمل الأسماء عندي "محمد وعبد الله"، أول ولد لي سميته (معاذا)؛
لأني مذ كنت طالباً في الثانوية أحب التكني بـ(أبو معاذ)، ونشرت قصائد مبكرة باسم (أبو معاذ الخالدي).
ابني عبد الرحمن فقدته في حادث سيارة -جعله الله شفيعاً وشهيداً- ثم سميت آخر على اسم المولود الأول (عبد الرحمن)،
وأحس بأني أحمل له مشاعر الابن الأول ذاتها، وأقرأ في شخصيته ملامح ذاك الراحل!
وهو من الأسماء الفاضلة، فخير الأسماء عبد الله وعبد الرحمن،
وكذلك أسماء الأنبياء حيث قال -عليه الصلاة والسلام- : « وُلِدَ لِىَ اللَّيْلَةَ غُلاَمٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِى إِبْرَاهِيمَ »،
فسمّاه إبراهيم، وكان بنو إسرائيل يسمون بأسماء أنبيائهم وصالحيهم، والتسمية بأسماء الآباء جيد حين يكون نوعاً من البر.
قصة تغيير اسم الإنسان إذا أسلم ليس لها أصل إلا في حالة ما إذا كان الاسم معيباً فيتم تغييره،
وإلا فالسنة بقاء الأسماء على ما هي عليه، وتغيير أسماء من أسلموا من غير العرب بأسماء عربية،
قد يفضي إلى تحويل الدين في نظرهم إلى دين عربي خاص بالعرب، ممايصنع فجوةً بينه وبينهم، وهي عقبة نضعها في طريق من يريد الإسلام.
وبعضهم يتسمى بما لا يحسن أو لا يجوز مثل من تسمّى بـ"سبحان الله وبحمده"،
أو بنت سماها أهلها "زانية"! لأنه لفظٌ عربي موجود في القرآن الكريم دون أن يفقهوا معناه.
أعظم المعرفة وأنفعها معرفة الله، الله المفردة التى انتظمت المعجم كله،
الله الاسم الذي نقوله فتتحول الصحراء إلى حديقة، والعطش إلى ري، والفقر إلى غنى،
والهزيمة إلى انتصار، والضيق إلى سعة، واليأس إلى ثقة، والموت إلى حياة..
كيف السبيل إلى معرفته وقربه ومناجاته إلا بمعرفة أسمائه،
وله من الأسماء ما لا ينحصر ولا ينتهي، وما لا يعرفه ملك مقرب ولا نبي مرسل،
فاللهم لك الحمد لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك..
ومن أسمائه (٩٩) اسماً وردت في الكتاب والسُّنة مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ!
طريق آدم في العودة إلى الجنة يمر عبر أسماء،
والجنة ذاتها لها أسماء فهي: الجنة، وجنة الخلد، وجنة المأوى، وجنات عدن، وجنات النعيم،
وجنات الفردوس، والحسنى، ودار السلام، ودار المتقين، والغرفة، ودار المُقامة، ودار القرار، والمقام الأمين، ومقعد الصدق، وقدم الصدق.
د. سلمان بن فهد العودة
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
السموه
أشكركِ علي هذا المقال الرائع.
فقد جعلني أعود بالذاكرة للوراء سنوات وسنوات.
فمنذ خمسينيات القرن الماضي وأنا متعلق بالقراءة
وكان المتاح أمامنا المكتبات المدرسية وهي الموجودة حينها
فلم تكن هناك مكتبات عامة أو كتب كثيرة منشرة ومتوفرة كما هو الآن
أيضاً لم تكن هناك وسائل تقنية او تلفزيونات منزلية كما الآن
بل كان هناك ومن الستينيات كان يوجد التلفزيون الشعبي
وهو جهاز أبيض واسود موجود داخل كشك خشبي في وسط ميدان عام بالمدينة فقط
ويبدأ في السادسة مساءاً وحتي العاشرة أي 4 ساعات ثم يقفل الكشك .
إذاً لم يكن متاح لنا سوي المكتبة المدرسية فكنا نستعير الكتاب منها
وفي البيت نقراه مرات ومرات حتي نحفظه ثم نعيده وهكذا
هذا بالإضافة الي ساعة القراءة الحرة في الفسحة.
الشاهد أنه من هنا كنت أفحص المكتبة بعناية وأدقق في أسماء الكتب لأختار الكتاب المناسب
ومن هنا كان للإسم اهمية ومعني بدأت من الكتاب
وبالتالي بدأت المدارك الطفولية تتسع وتستوعب وتفكر في الأسماء كافة ومعانيها.
ولو أطلقت العنان لفكري لكتبت وأطلت وشرحت الكثير والكثير
فما قرأته من كتب علي مدي اكثر من 50 عاماً لتحوي الكثير من ذلك.
فالقراءة أفضل وخير من المشاهدة الإليكترونية التي نعيشها الآن.
أشكركِ السموه وعذراً لهذه الإطالة
وخير الأسماء ماعبد وما حمد
تحياتي ودعواتي
السموه
أشكركِ علي هذا المقال الرائع.
فقد جعلني أعود بالذاكرة للوراء سنوات وسنوات.
فمنذ خمسينيات القرن الماضي وأنا متعلق بالقراءة
وكان المتاح أمامنا المكتبات المدرسية وهي الموجودة حينها
فلم تكن هناك مكتبات عامة أو كتب كثيرة منشرة ومتوفرة كما هو الآن
أيضاً لم تكن هناك وسائل تقنية او تلفزيونات منزلية كما الآن
بل كان هناك ومن الستينيات كان يوجد التلفزيون الشعبي
وهو جهاز أبيض واسود موجود داخل كشك خشبي في وسط ميدان عام بالمدينة فقط
ويبدأ في السادسة مساءاً وحتي العاشرة أي 4 ساعات ثم يقفل الكشك .
إذاً لم يكن متاح لنا سوي المكتبة المدرسية فكنا نستعير الكتاب منها
وفي البيت نقراه مرات ومرات حتي نحفظه ثم نعيده وهكذا
هذا بالإضافة الي ساعة القراءة الحرة في الفسحة.
الشاهد أنه من هنا كنت أفحص المكتبة بعناية وأدقق في أسماء الكتب لأختار الكتاب المناسب
ومن هنا كان للإسم اهمية ومعني بدأت من الكتاب
وبالتالي بدأت المدارك الطفولية تتسع وتستوعب وتفكر في الأسماء كافة ومعانيها.
ولو أطلقت العنان لفكري لكتبت وأطلت وشرحت الكثير والكثير
فما قرأته من كتب علي مدي اكثر من 50 عاماً لتحوي الكثير من ذلك.
فالقراءة أفضل وخير من المشاهدة الإليكترونية التي نعيشها الآن.
أشكركِ السموه وعذراً لهذه الإطالة
وخير الأسماء ماعبد وما حمد
تحياتي ودعواتي
بالعكس حياك حلو لما الانسان يرد على موضوعك حتى
وان اصاب او اخطاء في الفهم
نعم صدقت للاسماء والعنواين جذب ونفور حتى بالقراءه
شكرا لذلك المرور الرائع
يعطيك العافيه .