[read] يرى جمهور العلماء أن حديث الآحاد يفيد العلم النظري، أي يتوقف على النظر والاستدلال على صحته والتأكد من صدق الناقلين له، وسلامته من الأخطاء والعلل، فإذا تبين بعد البحث صحتُه أو حُسْنُه فإنه يفيد الظنَّ الغالب، ويجب العمل به، ولا يُعَدُّ منكرُه أو جاحدُه كافرا.
ويرى فريقٌ من العلماء أن حديث الآحاد إذا توافرت فيه شروط القبول أفاد العلم اليقيني، وليس الظن الراجح، وإن كان منكرُه لا يكفر.
وعلى كل حال فلا خلاف بين العلماء الذين يُعْتَدُّ بقولهم على وجوب العمل به متى ثبت قبوله.
وقد توسع الإمام الشافعي في بيان حجية خبر الواحد الصحيح، وردّ على من أنكر حجيته، في كتابه القيم (الرسالة)، وكثرتْ ردودُ العلماء على من ادعى عدمَ وجوب العمل بخبر الواحد قديماً من المعتزلة وحديثاً من معتزلة العصر العلمانيين وأتباع المستشرقين ومن يسمون أنفسهم (التنويريين) ومن يدعون أنفسهم (القرآنيين).
ومن باب الإشارة فقط أنقل هنا كلمة للإمام الشافعي وأخرى للبخاري في بيان حجية خبر الواحد:
أ- قال الشافعي -رحمه الله- في كتابه (أحكام القرآن) بعد أن ذكر أن الله أرسل الرسل - وهم أفراد - إلى الخلق وجعلهم حجةً عليهم، وذكر بعض الآيات في ذلك، قال: «فأقام جل ثناؤه حجتَه على خلقه في أنبيائه بالأعلام التي باينوا بها خلقَه سواهم، وكانت الحجةُ على مَنْ شاهد أمورَ الأنبياء دلائلَهم التي باينوا بها غيرَهم وعلى من بعدهم، وكان الواحدُ في ذلك وأكثرُ منه سواءً، تقوم الحجة بالواحد منهم قيامَها بالأكثر، قال تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ. إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) (يس: 14)، قال فظاهَر الحجةَ عليهم باثنين ثم ثالث، وكذا أقام الحجة على الأمم بواحد، وليس الزيادةُ في التأكيد مانعةً من أن تقومَ الحجة بالواحد، إذا أعطاه الله ما يباين به الخلقَ غير النبيين».
واحتج الشافعي بالآيات التي وردت في القرآن: «في فرض الله طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن بعده إلى يوم القيامة واحداً واحداً في أن على كل واحدٍ طاعتَه، ولم يكن أحدٌ غاب عن رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أمر َرسول الله صلى الله عليه وسلم وشرَّف وكرَّم إلا بالخبر عنه» وبسط الكلام فيه.
ب – أما الإمام البخاري -رحمه الله- فقد أورد في صحيحه كتاباً بعنوان: (أخبار الآحاد)، ابتدأه بقوله (باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام) أورد فيه بعض دلائل حجية خبر الواحد، وسأنقل هذا الباب كاملا للإفادة والبركة، ولترى كيف حشد البخاري رحمه الله في هذا الباب الأدلةَ الْمُقْنِعَةَ لِحُجِّيَّة خبر الآحاد.
(المهراس: صخرة منقورة تسع كثيرا من الماء، وقد يُعمَل منها حياض للماء).
9 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ صِلَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنهأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَهْلِ نَجْرَانَ: «لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ» فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ رضي الله عنه.
10 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ،حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ».
11 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنهم قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إِذَا غَابَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَشَهِدْتُهُ أَتَيْتُهُ بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَإِذَا غِبْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَشَهِدَهُ أَتَانِي بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
فأنت ترى كيف استدل البخاري بالآيات والأحاديث وبعمل الصحابة رضي الله عنهم على قبول خبر الواحد والعمل به في العبادات والأحكام، فاستدل ببعثه صلى الله عليه وسلم الواحد بعد الواحد إلى أقوام مختلفين، لأن إصابة الظن بخبر الصدوق غالبة ووقوع الخطأ نادر، فلا تُتْرَك المصلحةُ الغالبةُ خشيةَ المفسدةِ النادرة. ولذلك عمل النبي صلى الله عليه وسلم بخبر الواحد في السهو في الصلاة، وفي الحكم بين الناس، وعمل الصحابة رضي الله عنهم بخبر الواحد في التحول عن القبلة، وفي تحريم الخمر، وفي النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في بعض طرق حديث أنس في تبليغ الصحابة بتحريم الخمر أنه قال: «فو الله ما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل»، فانظر كيف كانت استجابة الصحابة الكرام رضي الله عنهم حين بلغهم خبر الواحد الصدوق!. [/read]
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك