قالوا يا رسول الله من أكيس الناس يعني أكثرهم فهما وتدبر وذكاء قال علية الصلاة والسلام أكيس الناس أكثرهم ذكر للموت واشدهم استعداد لة اولائك الذين ذهبو بشرف الدنيا وكرامة الآخرة وفي "صحيح البخاري" عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: ((أعوذ بعزَّتك، الذي لا إله إلا أنت، الذي لا يموت، والإنس والجن يموتون))؛ ا. هـ. فالموت عاقبة كل حي، وختام كل شيء، ونهاية كل موجود - سوى الرب المعبود - فالكل سيموت، إلا ذا العزَّة والجبروت، فالموت طالب لا يعجزه المقيم، ولا ينفلت منه الهارب، فهو قضاء نافذ، وحكم شامل، وأمر حاتم لازم، لا مهرب منه ولا مفر، وبعد الموت يُجازَى كلُّ إنسان مِنَّا بما عَمِلَ في هذه الحياة الدنيا؛ كما قال - تعالى -: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجنَّة فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]، وقال - تعالى -: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35]. قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في تفسير هذه الآية: "نختبركم بالشدة والرخاء، والصحة والسَّقم، والغنَى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهُدَى والضلال؛ أي: لننظر كيف شكركم وصبركم، ﴿ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾، لا إلى غيرنا فنجازيكم بأعمالكم"؛ ا. هـ. وأخرج الإمام أحمد - بسند حسن - عن أنس - رضي الله عنه - قال: "لما قالتْ فاطمة ذلك، يعني لما وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كرب الموت ما وجد، قالت فاطمة: واكرباه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا بُنَيَّة، إنه قد حضر بأبيك ما ليس الله بتاركٍ منه أحد لموافاة يوم القيامة))؛ (السلسلة الصحيحة: 1738). وكان الإمام أحمد يقول: "يا دار، تخربين ويموت سكانك". وكتب سالم بن عبدالله بن عمر إلى عمر بن عبدالعزيز في رسالة له طويلة منها: "أما بعد، فإن الله - تبارك وتعالى - خلق الدنيا لما أراد، وجعل لها مدَّة قصيرة، فكان ما بين أولها إلى آخرها ساعة من النهار، ثم قضى عليها وعلى أهلها الفناء، فقال: ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 88]؛ (حلية الأولياء: 5/284). إن الطبيبَ بطبِّه ودوَائه لا يستطيعُ دفاعَ نَحْبٍ قد أتَى ما للطبيبِ يموتُ بالداءِ الذي قد كان أبرأَ مثلَه فيما مضى مات المداوِي والمداوَى والذي جلبَ الدواءَ وباعه ومَنِ اشترَى أيها المسلم! أيتها المسلمة فلنتذكر ، أنه لا بقاء إلا للحي الذي لا يموت، إنها الحقيقة التي يسقط عندها جبروت المتجبرين وعناد الملحدين وطغيان الطغاة المتألهين، كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ[الرحمن:26-27]. انتبه فإن الموت قادم! حقيقة لابد أن تستقر في النفس، إذا تذكرها الحاكم عدل، إذا تذكرها المسئول اتقى الله في رعيته، إذا تذكرها رجل أمني اتقى الله في الناس، إذا تذكرها الأب اتقى الله في أولاده وزوجته، إذا تذكرتها الأم اتقت الله في زوجها وأولادها، إذا تذكرها كل مسلم عرف أن الموت قادم، وأنه في الغد القريب سيترك ماله، وسيترك كرسيه، وسيترك جاهه، وسيترك منصبه ليرى نفسه واقفاً بشحمه ولحمه بين يدي ملك الملوك وجبار السماوات والأرض ليكلمه ربه، نعم سيكلمك الحق جل وعلا، وسيكلمك الملك. قال تعالى: إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا * كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا * يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا * وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ[طه:98-108]. وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا وسيكمله ربه يوم القيامة)، فانتبه يا مسكين، إنك لو وقفت أمام قاض من قضاة الدنيا ربما ارتعدت فرائصك واضطربت جوارحك واصفر لونك وشحب وجهك، فهل فكرت في موقف ستعرض فيه بين يدي ملك الملوك جل وعلا؟ اذكر وقوفك يوم العرض عرياناً مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا والنار تلهب من غيظ ومن حنق على العصاة وتلقى الرب غضبانا اقرأ كتابك يا عبدي على مهل فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا لما قرأت ولم تنكر قراءته إقرار من عرف الأشياء عرفانا نادى الجليل خذوه يا ملائكتي وامضوا بعبد عصى للنار عطشانا المشركون غداً في النار يلتهبوا والمؤمنون بدار الخلد سكانا يقول صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه -عن يمينه- فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه -أي: عن شماله- فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة). فانتبه أيها الحبيب، وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ[ق:19-20]، من النافخ؟ إسرافيل. بأمر من؟ بأمر الملك. لماذا؟ ينفخ النفخة الأولى للفزع، قال تعالى: وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ[النمل:87]، ويأمره الله بعد نفخة الفزع أن ينفخ نفخة الصعق، أي: نفخة الموت، كما قال تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ[الزمر:68] أي: فمات ثم يأمره الثالثة: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ[الزمر:68]. يخرج الناس من القبور حفاة عراة غرلاً، الرجال والنساء؛ نعم. الرجل مع المرأة، المرأة أمامه عارية وهو أمامها عار لا ينظر إليها ولا تنظر إليه. ما هذا الذي وقع؟ وما هذا الذي حدث؟ قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ[الحج:1-2]. فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ[عبس:33-36]، لماذا؟ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ[عبس:37]. مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور إذ كورت شمس النهار وأدنيت حتى على رأس العباد تسير وإذا النجوم تساقطت وتناثرت وتبدلت بعد الضياء كدور وإذا الجحيم تسعرت نيرانها فلها على أهل الذنوب زفير وإذا الجبال تقلعت بأصولها فرأيتها مثل السحاب تسير وإذا العشار تعطلت وتخربت خلت الديار فما بها معمور وإذا الوحوش لدى القيامة أحشرت وتقول للأملاك أين نسير وإذا البحار تفجرت نيرانها فرأيتها مثل الجحيم تفور وإذا الصحائف نشرت وتطايرت وتهتكت للعالمين ستور وإذا الجليل طوى السما بيمينه طي السجل كتابه المنشور وإذا الجنين بأمه متعلق يخشى القصاص وقلبه مذعور هذا بلا ذنب يخاف جناية كيف المصر على الذنوب دهور وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت لفتىً على طول البلاء صبور قال تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ[ق:20]، إنه يوم القيامة، إنه يوم الحسرة والندامة، إنه يوم الحاقة، إنه يوم الآزفة، إنه يوم الزلزلة، إنه يوم الوعيد، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا[آل عمران:30]. انتبه -أيها الحبيب- فإن هذا اليوم قادم، والله لو أن الأمر توقف عند الموت بدون بعث وبدون حساب لكان الأمر سهلاً وهيناً وميسوراً، ولكن بعد الموت بعث، وبعد البعث حشر، وبعد الحشر صحف، وبعد الصحف ميزان، وبعد الميزان جنة ونيران.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك