لا تقنطو من رحمة الله (مع فيديو)
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ به تعالى من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله تعالى به الغمة، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى كل من سار على نهجه ودعا بدعوته، واتبع أثره إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون: يقول الله تبارك وتعالى، إن خير ما وعظ به الواعظون، وذكر به المذكرون، ولامس مشاعر الصادين اللاهين كتاب الله سبحانه وتعالى، يقول الله جل وعلا: (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ))[الزمر:53] (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) والعبودية هنا عامة هي العبودية العامة كما في قوله جل وعلا: (( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ))[مريم:93].
(يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) أسرفوا بالشرك أو بالقتل أو بالزنا أو بغير ذلكم (لا تَقْنَطُوا) أي: لا تيأسوا (( مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ))[الزمر:53]، والذنوب التي يغفرها جل وعلا وأخبر تعالى بغفرانه لها في هذه الآية، هي الذنوب التي تاب منها صاحبها بإجماع أهل الملة بإجماع المسلمين، فالذنب الذي تاب صاحبه منه يغفره الله سبحانه وتعالى له، بل ويبدل تعالى تلك السيئات السابقة منه إذا حسنت توبته وأتبعها بعمل صالح يبدلها بحسنات فضلاً منه وإكراماً وإنعاماً.
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا) أي: لا تيأسوا (مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ )) أي: ارجعوا له، عما تلبستهم به من عصيان كفر أو دونه (( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ))[الزمر:54] * (( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ )) لا يقل أحدنا عملت وعملت، ولكن يأخذ بأفضل الأمور وأعلى الأمور وأكمل الأمور حتى ولو كان الجميع مشروعاً إذا قدر له، (( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى ))[الزمر:55-59] يقال لها والله أعلم أو لصاحبها (( بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ))[الزمر:59-60] اللهم بيض وجوهنا حين تسود الوجوه، اللهم اجعلنا ممن يرفع رأسه حين تطأطأ الرؤوس يا ذا الجلال والإكرام (( وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ))[الزمر:60-61].
عباد الله: هل من مدكر أيها الإخوة بنذر الله؟ هل من معتبر بالعبر؟ هل من متعظ بالمواعظ، هل وهل..
فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله أيها المسلمون واتعظوا اتعظوا بما يمر بكم، وانتذروا بما تنذرون به عسى الله أن يوقظ قلوبنا، وأن يجعلها متعظة ذاكرة الله، منتذرة بنذر الله، إنه تعالى حسبنا ونعم الوكيل.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأسأل الله أن يبارك لنا في كتابه، وأن يجعلنا من أهله، ممن يتلونه حق تلاوته، إنه تعالى حسبنا ونعم والوكيل.
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وعلى أصحابه، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله اتقوا الله: إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
في هذه السنة أيها الإخوة أنذرنا بنذر أي نذر، بنذر الزلازل التي أهلك بها قوم، نذر تترى وتتوالى وتتابع، بدت بزلازل سبق في القرآن أن يعذب الله، بها أقوام، قال تعالى: (( فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا ))[الحجر:74] أي الأرض التي كانوا عليها، وتلا ذلكم تلاه والله أعلم الرياح العاصفة، الرياح التي أهلك قوم قوم، قال تعالى: (( تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ))[الأحقاف:25] بالرياح التي ابتلعت الأشجار واقتلعت ما يسمى بالمضلات المثبتة بالحديد ورمتها في غير أمكنتها العادية.
ابتلينا وأنذرنا قبل ذلكم بالخصب، والخصب أيها الإخوة قد يكون ابتلاء وامتحان، وقد يكون أثراً من آثار الطاعة، وربما يكون أثر من آثار العصيان، فليتق الله المؤمنون، ليتقوا الله وليعلموا أن الله كما يبتلي بالشر فكذلك يبتلي بالخير، ابتلينا وأنذرنا أيها الإخوة بماء السماء المنهمر الذي وافى الكثير منا في مضايق وأنفاق غرق أو كاد أن يغرق فيها، والذي ألحق أضراراً كثيرة بكثير من الناس نرجو الله أن يجعله لهم موعظة وذكراً ويسبب لهم به عودة إلى الله سبحانه وتعالى.
انذرنا أيها الإخوة: بموت الفجاءة الذي كثر في الناس، كثر في الناس بحيث يكون الإنسان متكئ على أريكته في بيته أو سيارته فيفاجئه المنون.
أنذرنا أيها الإخوة بأمراض لم تكن في أسلافنا، بأمراض الجلطات مثلاً، والتي تهدد كبار السن كما تهدد صغار السن.
ابتلينا بغير ذلكم مما نعايشه، فهل من مدكر أيها الإخوة؟! فقلد جاءنا ويم الله من الأنباء والنذر ما فيه مزدجر، جاءنا ما يشعر بالنذر، جاءنا..
فلنتق الله أيها الإخوة.. ولنفسر هذه الأشياء بأنها إنذار وتحذير مما قد يتلوها، فلنحاسب أنفسنا، ولنعد إلى الله سبحانه وتعالى بإصلاح ما فسد من أمرنا، وإقامة ما اعوج من أمرنا بالمعروف ابتغاء وجهه، ونهينا عن المنكر خوف عقابه، لنتق الله ولنأخذ من هذا موعظة وذكراً عسى الله أن ينفعنا به.
ومع الأسف أن الكثير من الناس في المجالس وأن الصحف كلامهم كلام المخبر عما حصل، وقل قل يومي إلى الانتذار وإلى الاتعاظ وإلى بيان قدرة الله، قدرة الله وخذوا مثلاً الزلازل، مهما اتخذ القوي من الاحتياطات ومن.. ومن، فلن تحول بينه وبينها.
فليتق الله المسلم، لنرجع للآية الكريمة: (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ))[الزمر:53]، وأؤكد ما قلته أن هذه الآية بإجماع أهل الملة في الذنوب التي تاب منها صاحبها، أما الذنوب التي لقي الله تعالى بها فهي داخلة تحت قول الله: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ))[النساء:48].
فأوبة أوبة إلى الله أيها المؤمنون، عودة عودة إلى الله الذي دعا من يقول المسيح هو ابن الله، ومن يقول المسيح ابن الله، ومن يقول عزير ابن الله، ومن يقول: إن الله فقير، ومن يقول: يد الله مغلولة، بل ومن يقول: ما علمت لكم من إله غيري، دعاهم إلى الرجعة إلى الله، وإلى التوبة إلى الله، وإلى أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن تلقاهم المنون -أي الموت- فيكب على وجوههم الكفرة منهم في النار والبقية تحت مشيئة الله.
فلنتق الله أيها الإخوة، أعود وأقول: أمامكم كريم يمد يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويمد يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، كريم يدعوا عباده بوجه عام وبخاصة المسلمين منهم، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ))[التحريم:8].. الآية. فتوبة إلى الله توبة يقلع بها التائب من ذنبه الذي تاب منه، ويندم بها على فعله لذلك الذنب الذي تاب منه، ويحدث نفسه ألا يعود في ذلك الذنب عودة اللبن إلى ضرعه.
وإن كانت بينه وبين أناس سيما المالية منهم أو المظالم، تخلص منها قبل أن يوقف هو وهم بين يدي الله الذي لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً، فأي توبة لم تكن جامعة لهذه الشروط، أي توبة من حقوق المخلوقين والتخلص من مظالمهم مالية أو غيرها، لم تكن مقبولة ولا نافعة عند الله.
فلنتق الله أيها الإخوة المؤمنون ولنحاسب أنفسنا، وإذا مر بنا مثل ما مر فلنأخذ منه عبرة وعظة، إن كنا من ذوي الألباب ومن ذوي البصائر ومن ذوي العقول، وإلا فالويل لمن غفل والويل لمن ينتذر والويل لمن يتعظ، والويل والويل.
نرجو الله سبحانه وتعالى أن يغفر ذنوبنا وأن يكفر سيئاتنا، اللهم اجعل ما أصاب المسلمين رحمة، اللهم اجعله رحمة وبلاغاً إلى خير.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، اللهم أقم من أمرنا ما اعوج، اللهم أقم من أمرنا ما فسد، اللهم اجعلنا ممن يأمر بالمعروف ابتغاء وجهك، وينهى عن المنكر خوف عقابك، اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ومن درك الشقاء، ومن سوء القضاء، اللهم إنا نعوذ بك من فجاءة نقمتك، ومن جميع سخطك.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، الهادين المهديين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، اللهم احشرنا في زمرتهم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على من عادانا من كافر أو فاجر، يا ذا الجلال والإكرام.