البعشوش:مصطلح لهجي من ضمن المصطلحات اللهجية التي اعترف بها قاموس الأجداد اللهجي وقد عرفنا تلك المصطلحات والألفاظ من خلال لهجة الأجداد المحلية ومنها مصطلح البعشوش الذي يطلق على المكان أو المأوى الذي يبنيه الطائر لكي يحمي نفسه وفراخه من الطيور الجارحة والحيوانات آكلات الطيور وغيرها .
وهذا الإسم "البعشوش" الذي قلنا عنه بأنه مصطلح لهجي و الذي عرفناه من خلال لهجتنا المحلية ليس بعيداً في لفظه و معناه عن الفصحى فأهل الفصحى يطلقون على بيت الطائر العش وقد ورد هذا المسمى"العُش"في أغلب معاجم اللغة العربية ومن أراد أن يتأكد فعليه أن يبحث أيضاً اعترفت الفصحى بوجود اسم آخرلبيت الطائرغير العُش وهو:
"الوكن" ففي القاموس المحيط ذكر بأن معنى الوكن هوعش الطائر وقد ورد هذا المسمى"الوكن" ويُقصد به عش الطائر في المصدر الثالث من مصادر اللغة العربية وهو الشعر العربي كما في شعر امريء القيس وفي معلقته المشهورة حيث قال :(وقد أغتدي والطير في وكناتها** بمنجرد قيد الأوابد هيكل)..فالعُش والوكن اسمان فصيحان وهما لبيت الطائر.
ومادام وأن الفصحى قد أقرت بالاسمين"العش والوكن" واعترفت بمعنى كل واحد منهما على أنه يدل على بيت الطائر ولم تتعرض للإسم "البعشوش" فأخشى أن يظن البعض بأن هذاالمصطلح"البعشوش"الذي يُعتبر من ضمن ألفاظ لهجتنا المحلية مصطلح لهجي لايمت للفصحى بصلة والحقيقة خلاف ذلك وقد سبق وأن قلت:بأن هذاالمسمى"البعشوش "ليس ببعيد في لفظه و معناه عن الفصحى.
فلو أننا بحثنا في معاجم اللغة العربية عن معنى كلمة"بعشش"لوجدنا أن الكلمة قد اشتملت على أكثر من معنى ومن تلك المعاني :الطائر إذا اعتش أي لا تخبأ في غير مكان خبئا فشبهت المخابئ بعششة الطير..الفائق- للزمخشري ..وبهذا فإن لهجة أجدادنا إن لم تكن فصيحة فهي قريبة من الفصحى فالبعشوش هو بيت الطائر أو المكان الذي يضع فيه الطائر بيضه فيظل ملازماً له حتى يفقص ويتحول إلى فراخ.
فالبعشوش عند الطائر بمثابة العشة عند الإنسان فإذا كان الإنسان قد فكّر في اختراع بناء العشة لتكون بيتاً له ولأولاده تقيهم من لهيب الشمس المحرقة وصقيع البرد القارص فإن الطائر قد فكر بما أودعه الله سبحانه وتعالى فيه من إلهام أن يبني له بيتاً يحميه ويحمي أولاده الصغار فترة إقامته التي تستدعي منه البقاء حتى يضمن لفراخه السلامة يشقون طريقهم في الحياة معتمدين على أنفسهم في البحث عن رزقهم دون مساعدة.
ومن يتأمل في هذه البعاشيش أو يتابع بعض أنواع الطيور وهي تختار المكان لأعشاشها استعداداً لوضع البيض فإن ممالاشك فيه أن كل متابع لبعض أنواع الطيور حين تبني أعشاشها فإنه سوف يلاحظ بعض الإختلاف من حيث اختيار المكان أوطريقة البناء من طائر لآخر وقد تعود كل طائر على طريقته المعهودة في بناء عشه التي عرفها منذ أن وجد على سطح الأرض فلا ينساها أويتعداها إلى طريقة أخرى.
وقد لاحظت بعض من الطيور وهي تبني أعشاشها استعداداً لوضع البيض على النحو الآتي:
*هناك نوع من الطيور تفضل أن تبني أعشاشها من أعواد الأشجار ذات حجم أكبر من العود الصغير"القشموش"وأصغر من العود المتوسط"القرموش"وبعد أن يتم الاختيار المناسب من قبل الطائرين الأب والأم لمكان العش يقوم الطائر بجمع الأعواد من أشجار الأثل وغيرها المتناثرةعلى سطح الأرض ثم الصعود بها إلى المكان المخصص للعش محمولة بواسطة المخالب ويشترك كل من الذكر والأنثى في جمع الأعواد ثم في عملية بناء العش ويمثل هذه النوع من الطيور"الحندية المعروفة بالحدأة-الغراب-القرع-طير امبحر"وهذه الطيور تبني أعشاشها في أعلى الأشجار وتفضل الأشجار الدائمة كالعروج والأثل والسلام ويكون هناك تناوب بين الذكر والأنثى على حضانة البيض حتى يفقص ثم يتعهدان الفراخ بالرعاية والطعام المناسب حتى تصبح الفراخ قادرة على الطيران عند ذلك تغادر الفراخ العش معتمدة على نفسها ويبقى العش خالياً من الفراخ فإذا وجد الطائر الأمان استخدم العش مرة ثانية وثالثة ورابعة لوضع البيض كما تفعل الحندية في بعض الأحيان.
*هناك نوع من الطيور تفضل أن تبني أعشاشها من الأعواد الصغيرة اليابسة "القشاميش"المتوفرة في نباتات الثمام والحيش والعلقى اليابس وبعد أن يتم اختيارالمكان المناسب للعش من قبل الطائرين الذكر والأنثى تجلس الأنثى في مكان العش ثم يذهب الذكر يبحث عن الأعواد الصغيرة وكلما لقي عوداً حمله بمزقمه -منقارة-إلى مكان العش الذي تجلس فيه الأنثى ثم يضع العود بجانب الأنثى والأنثى تقوم بدورها بوضع العود تحت بطنها ثم تتوالى الأعواد من قبل الطائر الذكر والأنثى تقوم بالبناء بواسطة منقارها حتى يكتمل العش عند ذلك تقوم الأنثى بوضع البيض وتفضل هذه الطيور أن تبني أعشاشها في الأشجار الدائمة كالأثل والعروج والسلام والصرح والمرخ إلا أن هذه الطيور لاتفضل المكان العالي من تلك الأشجار مكاناً لبناء عشها فأحياً قد يكون مكان العش قريباً من الأرض وبذلك قد تكون عرضة للخطرويمثل هذاالنوع من الطيور:"الهجف بنوعيه الأبيض والأحمر المعروف باسم طائر القمري والذي لاتستطيع أن تفرق بين الذكر والأنثى في كلاالنوعين ثم يأتي بعد الهجف طائر القنان المعروف باسم الحمحم وهذاالنوع من الطيور تستطيع أن تميزفيه الذكر من الأنثى بأن الذكر له علامة سوداء في حلقه .
*هناك نوع من الطيور تبني أعشاشها من أوراق الأشجار الخضراء الغضة الطرية كحشر الزرع الأخضر وغيره وهذا النوع من الطيور يفضل أن تكون أعشاشه في أعلى الأشجار الدائمة كالعروج والأثل وتكثر أعشاش هذه الطيور في وقت زراعة الأرض ويمثل هذاالنوع من الطيور:"السامل المعروف بالعصافير الصفراء"وقد كنت أتأمل كثيراً في طريقة بناء هذاالبعشوش ومايقوم به ذلك العصفورمن مجهود في بناء هذاالعش الفريد من نوعه بطريقة محكمة وإتقان في العمل وقد كنت أصطحب معي هذاالعش للفصل الدراسي أكثر من مرة ثم أعرضه أمام الطلاب وذلك عندما أمرّ بمناسبة لذكر العش في الأبيات المقررة حفظاً على الطلاب "من علمّ العصفور أن يبني عشاً في الشجر" ذاك هو الله الذي علّم هذاالعصفور الصغير أن يبني هذا العش المحكم والمتقن بهذاالشكل الجميل الذي تكلف ببناءه الطائر الذكر وحده دون مساعدة من الأنثى التي ماعليها إلا أن تأتي إلى عش جاهز لوضع البيض وقد توصلت إلى معلومة أكيدة تثبت بأن العصفور الذكر هو الذي يقوم ببناء العش وذلك من خلال متابعتي لهذاالعصفور العجيب وهويبني عشه في شجرة عرج أستخدم ظلها موقفاً لسيارتي أثناء الدوام بالمدرسة
فقد لفت نظري ذلك العصفورالأصفر الجميل وهويقوم ببناء عشه بحركة غريبة تثير الانتباه مماجعلني أراقبه مايقارب من أسبوع وعندما رأيت العش يأخذ شكله الطبيعي ويقترب من نهاية البناء قمت بأخذ العش من شجرة العرج ثم ذهبت به إلى الفصل الدراسي لكي أعرّف الطلاب على هذاالعش الجميل وهذاالبناء المتقن وقبل أن أتمكن من الدخول على الطلاب قابلت صديقي وزميلي "دايم"فضحك ثم قال يبدو أنك متأثر بالتراث حتى الطلاب بدل ماتشرح لهم درساً في القواعد تأتي لهم بعش طائر..فقلت له إن درس هذه الحصة قد شُرح في الحصة الماضية وبعدين هذا لايمنع من ربط الطالب بماضيه والآن أطلب منك أن تأخذ صورة لهذاالعش مع ولدي حمزة ربما قد أفكرفي كتابة موضوع عن هذاالعش فقام زميلي "دايم"مشكوراً بتصوير العش صورتين الاولى مع حمزة والثانية تجمعني بحمزة وهاهو الوقت المناسب قد حان لتنفيذ الفكرة التي تدور في ذهني بكتابة موضوع تحت عنوان "البعشوش "فمن خلال متابعتي لهذا العش الذي قام زميلي بتصويره عرفت بأن العصفور الذكر هو الذي يقوم بعملية بناء العش ..وكيف عرفت العصفور الذكر من الأنثى من هذاالنوع من العصافير؟
هناك كثير من الطيور بصفة عامة تأخذ نفس الحجم والشكل واللون فتتشابه علينا فلانستطيع أن نفرق بينها ونعرف الذكر منها والأنثى إلا في حالة واحدة عند ذلك نعرف الذكر والأنثى فمثلاً طائرالغراب يمر من أمامك فلاتعرف بأنه ذكر أو أنثى وغيره كثير من الطيور ولكن هناك نوع من الطيور تستطيع أن تميز بينها وتعرف منهاالذكر والأنثى وذلك بوجود علامة ينفرد بها الطائر الذكر وتميزه عن الأنثى فعلى سبيل المثال:الديك له صفات تميزه عن الدجاجة "السُلاعة-الشوالة-الصوت"وغير الديك والدجاجة هناك بعض الطيور نستطيع أن نعرف منها الذكر والأنثى بوجود قرينة أوعلامة ينفرد بها الذكر ولايمكن أن توجد في الأنثى مثل:" طيور القنان والقوابيرة والعصافير السامل بلهجتنا بنوعيه الأغبر والأصفر "وغير ذلك مما قد لاتسعفني ذاكرتي بذكره الآن ..فأي طائر من هذه الطيور"القنان-القوابير-العصافير"تستطبع أن منها الذكر بوجود علامة سوداء في مقدمة الحلق وقد تمتد إلى الصدر وقد تزيد إلى البطن في بعض الطيور..أيضاً من خلال ملاحظتي على العصفورالأصفر حكمت عليه بأن عنده سلوك عدواني حيث كان يقوم بنفش أي عش قريب من عشه وذلك في حالة غياب صاحبه وقد شاهدت ذلك بعيني وتعجبت من ذلك.
*هناك نوع من الطيور تفضل أن تكون أعشاعشها في تجاويف جذوع بعض الأشجار وخاصة الأشجار المعمرة كأشجار الأثل والعروج ذات الأصول الكبيرة فمع مرور الزمن على هذه الأشجار تحدث تشققات في جذوعها من المنتصف وهذه التشققات تكون مشابهة للحفرة الصغيرة وتُعرف بلهجتنا المحلية باسم"الجول"فيأتي الطائر إلى هذه الحفرة الموجودة في جذع الشجرة فيختارها بل ويفضلها بأن تكون عشاً له وهذاالعش لايكلف جهداً يحصل الطائر عليه دون عناء أوتعب ..وأي طائر يفضل هذاالمكان ليكون عشاً لبيضه؟ إنه طائر "الخيابة"بلهجتنا المحلية و"البومة"بالفصحى.
*هناك نوع من الطيور تفضل أن تكون أعشاعشها في حفرة عميقة وفي مكان آمن يضمن لها السلامة من الزواحف"الحنشان" بعيدة عن سطح الأرض حتى لايتسرب إليها الماء فيؤذي فراخ الطيور..تقوم الطيور بعملية الحفر بواسطة مزاقيمها"مناقيرها" بعد أن تختار المكان المناسب للحفرة وهو مايحدثه السيل من حاجز أثناء مروره في الوادي وهو مايسمى بلهجتنا المحلية باسم"الحرف"يحفر الطائر حفرة في منتصف الحرف بحيث تكون الحفرة عميقة ذات فتحة صغيرة لاتسمح إلا بمرورالطائر الذي قام بحفرها ..وأي طائر قد أختص بهذاالعمل ؟ إنه طائر "الحوقل" بلهجتنا المحلية و "الوروار" بالفصحى.
وكل ماسبق ذكره من البعاشيش أو الأعشاش إن لم تخني ذاكرتي فإن هذه البعاشيش أو الأعشاش قد عُرفت بوجود أماكنها فوق سطح الأرض سواء أكانت في الشجر أوفي الحفر.. بمعنى ذلك أن هناك بعض الأعشاش تكون على سطح الأرض.
نعم هناك البعض من الطيور تفضل بأن تكون أعشاشها على سطح الأرض وهذه الأعشاش عبارة عن حفرة شبه دائري غير عميقة يقوم الطائر بحفرها بواسطة مخالبه على أن تكون المكان المناسب عند وضع البيض .
وهذه الحفر إما أن تكون مكشوفة في العراء تحت لهيب الشمس أوبجواربعض النباتات وأصول الشجر أوتحت النباتات الخضراء الزاحفة على سطح الأرض كالعرقص والدجر..فهناك من الطيور من يبذل مجهوداً فيكسو جوانب الحفرة من الداخل ببعض الوريقات والأغصان الناعمة والرقيقة لكي تتناسب مع وضع الفراخ الصغارفلاتؤذيها وهناك البعض من الطيور قليلة الإهتمام فتترك الحفرة كماهي دون أي اعتناء أومحسنات إضافة وكأن الطائر قد وضع في اعتباره بأنه سوف يغادر هذاالمكان بعد فقص البيض مباشرة هذا إذا سلم البيض من الخطر لأن جميع البعاشيش أو الأعشاش التي تكون على سطح الأرض معرضة للخطر.
*فهناك نوع من الطيور تفضل أن تضع بيضها في حفرة بجانب النباتات كنبتة الثمام وغيرها وهذه الحفرة تكون مكساه من الداخل بالأغصان الناعمة على شكل دائري ومن هذه الطيور التي تقوم بهذاالعمل :"القابور"و"أبوقوبع".
*وهناك نوع من الطيور تفضل أن تضع بيضها في حفرة مكشوفة في العراء دون أي إضافة للحفرة ومن هذه الطيور"اللباد "بلهجتنا المحلية وطائر"السيد"بالفصحى ثم "الكيروان"بلهجتنا المحلية وطائر"القَطا"بفتح حرف القاف بالفصحى ثم القُطا بظم حرف القاف بلهجتنا المحلية "الحبارى"بالفصحى.
*وهناك نوع من الطيور تفضل أن تضع بيضها في حفرة تحت أغصان النباتات الخضراء الممتدة على سطح الأرض كنبات الدجر والعرقص دون أي إضافة للحفرة ومن هذه الطيور:"الدُرج"بلهجتنا المحلية وطائر"السمان أو السلوى"بالفصحى .
وكل طائر قد فضّل اختيار الأرض مكاناً لوضع بيضه دون عناية فإن ذلك الطائر سوف يغادر المكان بعد فقص البيض مباشرة ولايرجع إليه مرة ثانية وقد لاحظنا ذلك عند طيور الدرج والكيروان فقد كانت الدرجة تمشي وفراخها تمشي خلفها ومثل الدرجة الكيروانة بخلاف بعض الطيور التي تبذل مجهوداً في بناء أعشاشها فإنها قد ترجع للعش مرة ثانية ومن ميزة هذه الطيور أنها تظل ملازمة لفراخها في العش حتى تكبر الفراخ وتبدأ في الطيران.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك