{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)} أي:أقسم بالشمس وضوئها الساطع ، إذا أنار الكون وبدد الظلام. والضحى: الوقت الذى ترتفع فيه الشمس بعد إشراقها ، فتكون أكمل ما تكون ضياءً وشعاعًا .
{وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)} أي: وأقسم بالقمر إذا سطع وأضاء بعد غروب الشمس, فإنه إذا غربت الشمس تلاها القمر في الإضاءة ، وخلفها في النور.
وقال الشيخ ابن عاشور : وفى الآية إشارة إلى أن نور القمر ، مستفاد من نور الشمس ، أى : من توجه أشعةالشمس إلى ما يقابل الأرض من القمر ، وليس نيرًا بذاته ، وهذا إعجاز علمي من إعجاز القرآن.
{وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3)} أي:وأقسم بالنهار إذا جلا ظلمة الليل بضيائه ، وكشفها بنوره ، وقال ابن كثير : إذا جلا البسيطة وأضاء الكون بنوره.
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4)}
أي:وأقسم بالليل إذا غطى الكون بظلامه ، ولفَّه بشبحه ، فالنهار يجلي المعمورة ويظهرها ،والليل يغطيها ويسترها.
{وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5)}
أي:وأقسم بالسماء وبالله العظيم الذي بناها ،وأحكم بناءها بلا عمد
قال المفسرون : [ ما ] - في هذه الآية والآيتين بعدها- اسم موصول بمعنى " مَن " والمراد به " الله رب العالمين " بدليل قوله بعد ذلك [ فألهمها فجورها وتقواها ] . وقيل:[ما] - في الثلاثة- مصدرية.
{وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6)} أي:وأقسم بالأرض ومَن بَسَطها- وهو الله تعالى- وجعلها ممتدة واسعة ممهدة ، صالحة لسكنى الإنسان والحيوان .
{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)} أي:وعرفها طريق الفجور والتقوى ، وما تميز به بين رشدها وضلالها ، قال ابن عباس : بين لها الخير والشر ، والطاعة والمعصية ، وعرَّفَها ما تأتي وما تتقى . ومن الآيات التي وردت في هذا المعنى قوله تعالى : { وَهَدَيْنَاهُ النجدين }{البلد:10] وقوله تعالى : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } [الإنسان:3].
وقدم - سبحانه - هنا الفجور على التقوى ، مراعاة لرؤوس الآي, أو مراعاة لأحوال المخاطبين بهذه السورة ، وهم كفار قريش ، الذين كانت أعمالهم قائمة على الفجور والخسران ، بسبب إعراضهم عما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من حق وبر .
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)} هذا هو جواب القسم ، أي: لقد فاز وأفلح من زكي نفسه بطاعة الله ، وطهرها من دنس المعاصي والآثام. وقد خاب وخسر نفسه, وأوقعها في التهلكة ، مَن نَقَصها وأخفاها وأخملها وحال بينها وبين فعل الخير بسبب ارتكاب الموبقات والشرور ,فإن من طاوع هواه ، وعصى أمر مولاه ، فقد أورد نفسه موارد الهلاك. وقوله : { دَسَّاهَا } أى : نقصها وأخفاها بالمعاصى والآثام . وأصل فعل دسَّى : دسَّسَ ، فلما اجتمع ثلاث سينات ، قلبت الثالثة ياء. .................................................. ........... ثم ضرب تعالى مثلا لمن طغى وبغى ، ولم يطهر نفسه من دنس الكفر والعصيان ، فذكر قبيلة ثمود (أصحاب الحِجْر) وهم قوم النبي صالح عليه السلام, فقال تعالى:
والمعنى: كذَّبت ثمود نبيَّها بسبب طغيانها وبلوغها الغاية في العصيان، إذ انطلق مسرعًا أكثر القبيلة شقاوة لعقر الناقة - و أشقى القبيلة هو قُدار بن سالف الذي يضرب به المثل فيقال: ( أشأم من قدار) وهو الذي قال الله فيه {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ }[القمر:29 ] . فقال لهم رسول الله صالح عليه السلام: احذروا أن تمسوا الناقة بسوء؛ واحذروا أن تعتدوا على سقيها، أي شربها ونصيبها من الماء كما في قوله تعالى:{وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[الأعراف:73] , وذلك أنَّ الله تعالى أرسل الناقة آية لهم تدل على صدق نبيهم ، وجعل لها شِرْب يوم ولهم شِرْب يوم معلوم.كما قال تعالى:{قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ }[الشعراء:155] فشق عليهم ذلك، فكذبوه فيما توعَّدهم به فنحروها، ولم يلتفتوا إلي تحذيره, فأطبق عليهم ربهم العقوبة بجرمهم، فجعلها عليهم على السواء فلم يُفْلِت منهم أحد. ولا يخاف- جلت قدرته- تبعة ما أنزله بهم من شديد العقاب.
فائدة: قوله:{ فَسَوَّاهَا}يدل على أن الله تعالى سوى بينهم جميعًا في الهلاك والاستئصال,سواء مَن قتل الناقة ومَن لم يقتلها , وذلك لأن الكل قد رضي بقتلها ,فأصبحوا شركاء في الإثم. ـــــــــــــــــــــــــ البلاغة : تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نذكر منها ما يلي : 1 -الطباق بين [ الشمس والقمر ] و[ الليل والنهار ] وبين [ فجورها وتقواها ] . 2-المقابلة اللطيفة بين [ والنهار إذا جلاها ] وبين [ والليل إذا يغشاها ] وبين [ قد أفلح من زكاها ] وبين [ قد خاب من دساها ] وكل من الطباق والمقابلة من المحسنات البديعية . 3 -الإضافة للتكريم والتشريف [ ناقة الله ] نسبت الناقة إلى الله تشريفا ، لأنها خرجت من صخر أصم ، معجزة لصالح عليه السلام . 4 -التهويل والتفظيع [ فدمدم عليهم ربهم بذنبهم ] فإن التعبير بالدمدمة يدل على هول العذاب وشدته . 5 -السجع المرصع مراعاة للفواصل ورءوس الآيات ، وهو ظاهر جلي في السورة الكريمة ، مثل [دساها ، أشقاها ، سقياها ، عقباها].
*وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا..
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك