تحسسوا
قلوبكم إن يعلم الله في
قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم
السابق فينا السابق بقلبه لا بجوارحه ، والساعي لله تعالى يسعى بحبه وذله وإنكساره بين يدي ربه ،
نريد ثورة قلبية حقيقية ، فلابد من تخلية القلوب ، ولابد من تعاهدها بكثرة الذكر ، وتدبر القرآن ،
وبالصدقة الماحية لران القلب ، وبتخليصها من شواغل الدنيا ،
وبجاني ذلك لابد من مخالفة الهوى لمجاهدة النفس .
قال ابن رجب :
يا شبان التوبة لاترجعوا إلى ارتضاع ثدي الهوى من بعد الفطام ، فالرضاع إنما يصلح للأطفال لا للرجال ،
و لكن لا بد من الصبر على مرارة الفطام ، فإن صبرتم تعوضتم عن لذة الهوى بحلاوة الإيمان في القلوب ،
من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه :
{
إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ }الأنفال70
آية التدبر :
{
وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }آل عمران154
قالوا في التفسير :
{
ليبتلي الله ما في صدوركم} أي : يختبر ما فيها من الخير أو الشر ، {
وليمحص ما في قلوبكم}
أي : يكشف ما فيها من النفاق أو الإخلاص ، فقد ظهر خبث سريرتكم ومرض
قلوبكم بالنفاق الذي تمكن فيه ،
{
والله عليم بذات الصدور} أي : بخفاياها قبل إظهارها. وفيه وعد ووعيد وتنبيه على أنه غني عن الابتلاء ،
وإنما فعل ذلك ليُميِّز المؤمنين ويُظهَر حال المنافقين.
وللمتدبرين أسرار :
فالتمحيص تخليص الشيء ممَّا يخالطه ممَّا فيه عيب له فهو كالتزكية ، وقلوبنا تحتاج إلى تمحيصات ،
وتحتاج إلى عمليات إزالة شوائب ، وشفط لدهون الأوزار المتراكمة على القلب ،
والتي توشك أن تصيبة بجلطات فيها هلاكه ، فلابد من ( تمحيص)
الآن أجري العملية بالعمل المستمر للإزالة بغير التدخل الطبي ، الآن بالوقاية ،
وهذا بتحقيق قوله :" فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه " ..
أريد أن تتوقفوا عند " نزع " مع " وليمحص " هذه هي الطريقة :
" انزع " الغفلة بالذكر ، " محّص "الكبر بالتواضع ، انزع كثرة الكلام اللغو بشغل اللسان بالمناجاة والتضرع ،
وإلا فالتدخل الطبي غير مأمون العواقب ، والمقصود الابتلاءات الشديدة فحذار
"
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً }الأحزاب51 ،
فهو حليم لا يعاجل بالعقوبة ، ولكن احذر {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ }البروج12
ونجاتك في مناجاتك :
إلهي ! لولا أنّك بالفضلِ تجود ، ما كانَ عبدُكَ إلى الذنبِ يعُود .
ولولا محبّتُك للغفران ، ما أمهلتَ مَن يُبارزُكَ بالعصيان ، وأسبلت سترك على من تسربَلَ بالنسيان ،
وقابلتَ إساءتَنا منكَ بالإحسان .
إلهي ! ما أمرتَنا بالاستغفارِ إلاّ وأنتَ تُريدُ المغفرة ، ولولا كرمُك ما ألهمتَنا المعذرة .
أنتَ المبتدئُ بالنوالِ قبلَ السؤالِ ، والمعطي مِن الإفضالِ فوقَ الآمال ،
إنّا لا نرجُو إلاّ غفرانَك ، ولا نَطلبُ إلاّ إحسانَك .
إلهي ! أنتَ المحسنُ وأنا المُسيء ، ومِن شأنِ المحسن إتمامُ إحسانِه ،
ومِن شأنِ المسيءِ الاعترافُ بعدوانِه .
يا مَن أمهلَ وما أهمَل ، وسَترَ حتّى كأنّه غفَر ، أنتَ الغنيُّ وأنا الفقير ، وأنتَ العزيزُ وأنا الذليل .
إلهي ! مَن سواكَ أطمعَنا في عفوِك وجودِك وكرمِك ؟ وألهمَنا شُكرَ نعمائِك ،
وأتى بنا إلى بابِك ، ورغّبَنا فيما أعددّتَه لأحبابِك ؟ هل ذلكَ كلُّه إلاّ منكَ ، دللتَنا عليكَ ، وجئتَ بنا إليك .
واخيبةَ مَن طردتَه عن بابِك .! واحسرةَ مَن أبعدتَه عن طريقِ أحبابِك .!
*************************
[ لَوْ عَلِمتُمْ كَيْفَ يُدبّرُ اللهُ أمُورَكُمْ
لذابَتْ قلوبُكُم مِنْ مَحَبّتِهِ ]