قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: ٣]
لقد ختم الله رسالات الرسل كلهم، والتي بدأت من آدم عليه السلام؛ أي: من بدء الخليقة، برسالة خاتمة، إنه دين الإسلام، شريعة المسلمين التي أرسل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ محمد بن عبد الله، فوضع الله سبحانه فيها كل شيء موضعه، وأنزل شرعا صالحا لكل زمان ومكان، لا ينفرد زمان بأمر إلا وفي الإسلام ما يدل على صلاح الأمر فيه.
وجاء الإسلام محتويا لمصالح العباد في شتى الشؤون، ومختلف المجالات، فلم يترك لقائل مقالا، ولا لمتعنت استدراكا. بل دل العباد على سبل تحصيل المصالح كلها، في أمر الدنيا وأمر الآخرة. وإن الترابط الأسري في الإسلام لم يكن أمرا مهملا، ولا شأنا مهجورا، بل جاء في التشريع الإسلامي من يحرص عليه كل الحرص، ويقويه غاية القوة.
إن نشأة جيل صالح، رجالا ونساء، إن ترعرعهم في ظل ظروف نفسية قويمة، هو من أعظم أسباب بناء الفرد الذي هو قوام المجتمع، فالأسرة المتماسكة، المتعاونة على الخير، الجارية تحت وارف شجارها أنهار الود والبر والتراحم، هي الأسرة التي تخرج أناسا صالحين لبناء مجتمع ودولة.
ليس الأمر متعلقا بفقر أو غنى، ليس الأمر متوقفا على ترف أو تقشف، إنها حياة قلب، ومشاعر وجدان يشعر بها الطفل، ليستقي منها كل قيمة جميلة يشق بها طريق حياته.
وإن المتأمل لشريعة الإسلام يجد تشييده لأركان عدة بها تتشابك أواصر الأسرة، لتصير كيانا واحدا، لتبقى ساقا واحدة امتدت فروعها لتثمر بكل بركة يرجوها العبد في الدنيا والآخرة.
هذا؛ وإن مظاهر هذا الاهتمام كثيرة، فمن بر الوالدين، إلى حسن رعاية الأبناء، والذي يبدأ من اختيار الاسم الصالح لهم، بل يبدأ من اختيار الزوجة التي ستصير أما لهم، ومدرسة تحتضنهم، مرورا بالأمر بالنفقة وحسن العشرة بين الزوجين، والوصية بالرحم والجار وغير ذلك مما يبصره كل ناظر في الكتاب والسنة.
ولعلنا نشير هنا إلى لفتة عظيمة في الإسلام لتقوية أواصر الأسرة، وتقوية ترابطها فيما بينها، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة، فقال: أيها الناس! تصدقوا. فمر على النساء، فقال: يا معشر النساء! تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار. فقلن: وبم ذلك يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن يا معشر النساء. ثم انصرف، فلما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله! هذه زينب. فقال: أي الزيانب؟ فقيل: امرأة ابن مسعود. قال: نعم! ائذنوا لها. فأذن لها. قالت: يا نبي الله! إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق ابن مسعود. زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم"[1].
لقد أورد البخاري رحمه الله هذا الحديث في موطنين من الصحيح، الأول وقد ترجم له بقوله "باب الزكاة في الأقارب"، وترجم للحديث في الموضوع الثاني بــــ" باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر".
وهذا الحديث يشيد ركنا هاما من أركان الترابط الأسري في الإسلام، فإن الإسلام جاء محافظا على مال المرأة، فلم يعط للزوج حقا في مالها، يأخذه منها قسرا، بل أوجب عليه النفقة عليها، ولو كان فقيرا وهي غنية، فإن النفقة عليها تكون من ماله، خلافا لأهل الكفر، وما هو حاصل في الغرب، من تكليف المرأة بالإنفاق على نفسها، بل وعلى زوجها في أحيان غير قليلة، بل يتقاسمان مالهما إن انفصلا، مصداقا لحقوق المرأة الغربية التي يلهث خلفها جهال المسلمين، والله رقيب!!
ولكن الإسلام فتح بابا ليدخل معه الحب قبل أن يكون مصدرا للصدقة على الفقراء، لقد أباح للمرأة أن تخرج طوعا من مال صدقتها وزكاتها لزوجها إن كان محتاجا، ولأبنائها إن كانوا فقراء.
قال ابن حجر: وفي الحديث الحث على الصدقة على الأقارب...... وفيه الحث على صلة الرحم[2].
فالإنفاق هنا لم يكن مجرد مصرفا من مصارف الصدقة أو الزكاة، بل استعمل في أنبل غرض يكون، وهو بر بالأهل، وصلة للرحم.
وهل يستوي اختيار المرأة لكي تخرج من مالها لتساعد زوجها، وهي في ذلك حرة مختارة، غير مجبرة ولا مكرهة، وأن تنفق من مالها وهي كارهة، مجبرة ساخطة؟! لا يستوي الأمران، لا عند الزوجة، ولا عند الزوج. لقد أرشد الإسلام الزوجة المسلمة لكي تعطي لأسرتها وهي مختارة محبة، ليكون بناء الأسرة مبينا على العطاء الاختياري، الذي أساسه الحب والبذل. فأي أثر لذلك يكون في الأسرة؟!
وأي نشأة ينشأ في الأطفال حيت يخرجون بين حنان جارف، وحب وارف.
فلا جرم أن يقول الله تعالى: ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) [آل عمران: ٨٥].
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك