هناك عدد من الآيات الكريمات التي أشارت إلى بشارات في القرآن الكريم، مؤكِّدة على هدايته وعظمته وأهمية العمل به؛ ومن هذه الآيات:
1- قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89].
البشارات التي تضمنتها الآيات الكريمات المشار إليها:
وقد تضمنت الآيات المشار إليها بشاراتٍ تشوِّق النفس، وتملأ القلب فرحًا وسرورًا؛ ومما نستفيده من هذه البشارات ما يلي:
أولًا: إن الله تعالى قد تولى حفظ القرآن الكريم بذاته الشريفة، جاء ذلك مؤكَّدًا في عدد من الآيات؛ منها قوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]؛ قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله في تفسيره حول هذه الآية: "إن الله تعالى بيَّن في هذه الآية الكريمة أنه هو الذي نزل القرآن العظيم، وأنه حافظٌ له من أن يُزادَ فيه أو ينقص، أو يتغير منه شيء أو يبدَّل".
ثانيًا: إن القرآن الكريم أفضل الكتب السماوية، ومصدق لما جاء فيها، بل مهيمن عليها؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [المائدة: 48].
قال أبو السعود رحمه الله تعالى في تفسيره (إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم): "معنى قوله تعالى: ﴿ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 48]؛ أي: رقيبًا على سائر الكتبِ المحفوظة من التغيير؛ لأنه يشهد بالصحة والثبات ويقرِّر أصولَ شرائعها وما يتأبَّد من فروعها، ويعيِّن أحكامَها المنسوخةَ ببيان انتهاءِ مشروعيتها المستفادة من تلك الكتب، وانقضاءِ وقت العمل بها".
ثالثًا: في القرآن الكريم الهدايةُ التامة في كل شؤون الحياة، بل فيه عزُّ المسلمين ورفعتهم؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 10]، وقال تعالى: ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 43، 44].
رابعًا: الوعد بالحُسنَيَيْنِ في الدنيا والآخرة؛ ففي الدنيا: تتحقق للمسلمين السعادة التي ينشدها الجميع، وفي الآخرة: الفوز برضا الله تعالى ودخول الجنة.
خامسًا: البشـارة خاصة بالمؤمنين والمسلمين المتقين الملتزمين بأوامر الله تعالى المجتنبين نواهيَه؛ أما غيرهم فلا حظَّ لهم ولا نصيب في هذه البشارة.
سادسًا: يشتمل القرآن الكريم على كل عمل صالح موصل لما تستبشر به القلوب، وتُسرُّ به النفوس، وتفرح به الأرواح.
سابعًا: إن بشارة القرآن الكريم مستمرة وثابتة لعباد الله الصالحين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
مضامين تربوية:
وإذا أراد الإنسان المسلم المعنيُّ بهذه البشارات أن تتحققَ له مضامينها، وينتفع بها في الدنيا والآخرة، فعليه مراعاة الآتي:
أولًا: فهم القرآن الكريم، وتدبر معانيه وألفاظه؛ وحول ذلك يقول الشيخ السعدي رحمه الله عند تفسير قول الله تعالى: ﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 102]: "وكان الرعيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمهم الله تعالى عرفوا للقرآن عظمته ومكانته، وتغيرت أخلاقهم وطبائعهم، وفاقوا بأعمالهم وأخلاقهم الأولين والآخرين".
ثم يقول رحمه الله: "ولذلك يجب على الأجيال التي بعدهم أن يتربَّوا بعلومه، ويتخلقوا بأخلاقـه، ويستضيؤوا بنـوره في ظلمات الـغي والجهالات، ويجعلوه إمامهم في جميع الحالات، فبذلك تستقيم أمورهم الدينية والدنيوية.
ثانيًا: أن يقترن مع الإيمان - الذي هو التصديق بالقلب - العمل الصالح؛ وحول ذلك يقول الشيخ ابن عاشور رحمه الله في تفسيره (التحرير والتنوير) عند تفسير قول الله تعالى: ﴿ قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ﴾ [الكهف: 2]: "وَذِكْرُ الإيمان والعمل الصـالح؛ للإشـارة إلى أن استحقاق ذلـك الأجر بحصـول ذلك لأمرين، ولا يتعرض القرآن الكريم في الغالب لحالة حصول الإيمان إلا مع شيء من الأعمال الصالحة".
ثالثًا: الحـرص على تقوى الله تعالى؛ لأنها الثمرة الحقيقية والطريق الموصلة للبشارة؛ وحول ذلك يقول البقاعي رحمه الله في تفسيره (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور) عند تفسير قول الله تعالى: ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ﴾ [مريم: 97]: "وهم الذين يجعلون بينهم وبين ما يسخط الله وقاية؛ فلا يبطلون حقًّا، ولا يحقون باطلًا، ومتى حصلت لهـم هفوة، بادروا الرجوع عنها بالتوبة، فكلما زاد الإيمان وقويَ، تحققت بشارة القرآن الكريم".
رابعًا: اليقين التام بوعد الله تعالى بالبشارة، ووعيده بما أعده للكفرة والعصاة؛ أي: قد بلغ معهم الإيمان إلى أن وصل إلى درجة اليقين، وهو العلم التام الواصل إلى القلب الداعي إلى العمل، ويقينهم بالآخرة يقتضي كمال سعيهم لها، وحَذَرَهم من أسباب العذاب وموجبات العقاب، وهذا أصل كل خير؛ [انظر: تفسير السعدي] عند قوله تعالى: ﴿ طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ * هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ [النمل: 1 - 3].
خامسًا: السعي في نشر دين الله تعالى وتبليغه بعامة والقرآن الكريم بخاصة - لكافة الناس في مشارق الأرض ومغاربها، وتوضيح أهميته وحقائقه وهدايته لكل شؤون الحياة، وتبشيرهم بما أعده الله تعالى للمؤمنين به من سعادة ورضًا حقيقيين في الدنيا والآخرة.
ويؤكد الشيخ الشنقيطي رحمه الله عند تفسير قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9]؛ فيقول: "وهذه الآية الكريمة أجمل الله جلَّ وعلا فيها جميعَ ما في القرآن الكريم مـن الهـدى إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها، لو تتبعنا تفصيلها على وجـه الكمال، لأتينا عـلى جميع القرآن العظيم؛ لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خيري الدنيا والآخرة.
سادسًا: الاستجابة والتسليم بما جاء به القرآن الكريم أمرًا ونهيًا، وعدم الإعراض عنه؛ قال تعالى: ﴿ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ﴾ [الشورى: 47].
وحول معنى هذه الآية الكريمة يقـول الشيخ الجزائري حفظه الله في تفسيره: "أجيبوه لما دعاكم إليه من التوحيد والطاعات قبل فوات الفرصة، وذلك قبل الموت وقبل يوم القيامة، اليوم الذي إذا جاء لا مردَّ له من الله؛ إذ لا يقـدر على رده إلا الله، والله أخبر أنه لا يردُّه، فمن يرده إذًا؟ فبادروا بالتوبة إلى ربكـم قبل مجيئه؛ حيث لا يكون لكم يومئذٍ ملجأ تلجؤون إليه هاربين مـن العذاب، ولا يكون لكم نكير يمكنكم أن تنكروا به ذنوبكم؛ إذ قد جُمعت لكم في كتاب واحد، لم يترك صغيرة من الذنوب ولا كبيرة إلا أحصاها".
وفي الختام: أؤكد جازمًا - بل أنا على يقين تام - أن كل من اعتنى بالقرآن الكريم: قراءة وحفظًا، وتدبرًا وتطبيقًا، ودعمًا ودفاعًا عنه، وحبًّا واهتمامًا به بأية صورة من صور الاهتمام - فإن ذلك دليل الإيمان الصادق؛ ومن ثَمَّ سيُبشَّر بعناية الله تعالى وتوفيقه وتسديده له في الدنيا والآخرة؛ ففي الدنيا: يُرجَى له أن يحفظه الله تعالى، ويبارك له في زوجه وولده وماله، وتُقضى حوائجه، وتُهيَّأ له أسباب السعادة الدنيوية المادية والمعنوية، وأما في الآخرة: فله بعون الله وتوفيقه من الرضا والنعيم والخير العميم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب أحد.
والحمد لله رب العالمين.
الألوكة
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك