عدد الضغطات : 9,176عدد الضغطات : 6,679عدد الضغطات : 6,398عدد الضغطات : 5,606
التميز خلال 24 ساعة
العضو المميز المراقب المميز المشرف المميز الموضوع المميز القسم المميز
قريبا
قريبا
قريبا

بقلم :
المنتدى الاسلامي العام

العودة   منتديات الحقلة > المنتدى الاسلامي > منتدى القرآن الكريم والتفسير

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: ذات مساء مساحه خاصه لكم (آخر رد :محمد الجابر)       :: مؤلم ... (آخر رد :محمد الجابر)       :: ...بم‘ـــآآآذآ تفــكــــر الآن ... (آخر رد :محمد الجابر)       :: لِ .. أَحَدُهُم ‘ ..| (آخر رد :محمد الجابر)       :: ضع بصمتك .. واترك أثراً ..~ (آخر رد :السموه)       :: وقع ولو بكلمه (آخر رد :السموه)       :: اللهم ... (آخر رد :السموه)       :: لـ نهتف : (يَآرَبْ )مساحة خاصه لكم لتناجون البارئ بماشئتم (آخر رد :السموه)       :: ثرثرة الواو (آخر رد :السموه)       :: دعاء اليوم ((متجدد بإذن الله)) (آخر رد :ابو يحيى)      


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 15-10-2017   #51
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ 2 أسابيع (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم




التزام الوقت يدلُّ على أن صاحبه دقيق في عمله ، ملتزم بأدائه في وقته ، صادق في وعده ، حريص على كسب ثقة الآخرين ـ وأخيراً ـ يعرف قيمة الوقت واستغلاله فيما ينفع ، وضرره إن لم يستفد منه .
وقد قيل قديماً في التزام الوقت والاستفادة منه : ( الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ) .

والقرآن الكريم حافل بالآيات الشريفة التي تحضُّ على استغلال الزمن ، وسباقه في الوصول إلى الهدف الصحيح ، قبل أن يأتي وقت لا ينفع فيه الندم .
فالله سبحانه وتعالى خلق الكون كله في أيام ستةٍ ، أرضَه وسماءَه ، وما بينهما فقال :
{ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ }( الفرقان 59 ، والسجدة 4 ) وكرر هذه الآية لفظاً ومعنىً ، أو معنىً فقط سبع مرات في كتابه الكريم ، مع أنه سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى الزمن في أفعاله ، قال عز من قائل : { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)}(يس) .
فلماذا خلقهما في ستة أيام إذاً ، وألزم نفسه هذا الزمن ؟ أليس فَعَلَ هذا ليعلّم عباده التوقيتَ لكل أمرٍ ، والاستفادة منه وعدمَ تضييع الزمن الذي تمضي عقاربه إلى الأمام ، ولا تعود أبداً إلى الوراء ؟
بلى إنه سبحانه : { عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}(العلق) .
وعلى الرغم من أن الله سبحانه خالق الزمن والمتصرف فيه ، قال عز وجل :
{... وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ( 8 )}(الرعد) ، فقد فرض على نفسه التزام الزمن كي لا يترك للكافرين والمشركين ثغرة للتخلص من عاقبة كفرهم وإشراكهم ـ فهو سبحانه ـ يوبخ الكافرن الضالين الذين لم يعرفوا قدر الله تعالى وعظمته إلى أن هذا الكون العظيم من صنعه . فإلى أين يتيهون ؟ وقد خلقه في أزمان حدّدها ورتّبها ترتيباً رائعاً ؟ قال سبحانه :
{ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9)
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)}(فصلت) .

وهؤلاء الكفار يكذبون أنبياءهم ، ويسخرون منهم ، ومن تهديدهم بالعذاب ، ويستعجلون العذاب الأبدي الذي واعدهم الأنبياء بهم ، فهل يأتيهم العذاب سريعاً ؟ لا ، فالله سبحانه وتعالى حدّد لهم يوماً لا مناص منه .
{ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) }(هود) .
{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) }(العنكبوت) .

والبشر هم الذين يغضبون وينفعلون فيبطشون ، ولكنَّ الله الحليم ـ وإن غضب ـ يلتزم بالموعد الذي حدده لهم ، وأنذرهم إياه : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45) }(فاطر) .

والكفار يستفزّون الأنبياء ويصفونهم بالكذب ، وإلا ـ على زعمهم ـ فلماذا لا يأتيهم العذاب أين هو ومتى يكون ؟ فيجيبهم القرآن الإجابة نفسها :
{ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (29)
قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30)}(سبأ) .

ولهم أجل محدد يرجئون إليه { فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ } (النحل ، الآية 61 ، والأعراف الآية 34 ) .

وتتجلّى شدة الالتزام بالوقت في الآية الكريمة التالية : { ولولا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ .....(14)}(الشورى) .
1ـ فالغضب الشديد على الكفار واضح في الشرط لولا ـ حرف امتناع لوجود .
2ـ والشرط الموجود كلمة الله سبحانه بتحديد الساعة محققة الوجود .
3ـ فامتنع الجواب { لقضي بينهم } في الساعة التي يريد الكفار مستهزئين أن تأتيهم .
4ـ ولا بدّ من الانتظار إلى الأجل الذي ضربه الله سبحانه وتعالى لمحاسبتهم وعقابهم .

والأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه حذروا أقوامهم هذا اليوم الذي لا يمكن تأخيره أبداً ، وحثوهم على الإسراع بالإيمان بالله قبل حلول هذا اليوم الشديد الوطأة على الكافرين ، قال عز من قائل : { يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ }(القمر) .
{ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) }المدثر) .

وهذا سيدنا نوح عليه السلام حين دعا قومه ، قال سبحانه :
{. . . يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2)
أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3)
يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4)}(نوح)

ولكن هل يعقلون ؟ هل يرعوون ؟ هل يستمعون النصح والإرشاد ؟.

فلنقرأ شكوى نوح إلى الله كفرهم وعنادهم ، قال عز وجل :
{ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5)
فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6)
وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) نوح) .

فإذا حلَّ ذلك اليوم الرهيب ـ نسأل الله العفوَ والعافية ـ ورأى هؤلاء المشركون مصيرهم المرعب نسوا أنهم أقسموا أنه ليس بعد الدنيا دار ، وأنكروا البعث والنشور ، فسألوا الله تعالى أن يعيدهم إلى الدنيا ، ويؤخر عنهم العذاب ، ولكنْ لا تغيير في الوعد ، ويوم الحساب له ميعاد لا يخلفه الله سبحانه ، إنما سينتقم فيه من المشركين الكافرين لا محالة .قال تعالى :
{ وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ
فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ
أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44)
وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45)
وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)
فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) }(إبراهيم) .
وقال سبحانه:
{ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) }(إبراهيم) .

إن الالتزام بالوقت ، والعمل الجاد المتوازن ، والإيمان الواعي المستنير يوصل إلى النجاة في الدنيا والآخرة ، ففي الدنيا هناء ، وسعادة وسمعة حسنة ، وفي الآخرة جنات النعيم ، ورضوان من الله أكبر .

يتبع



 

رد مع اقتباس
قديم 15-10-2017   #52
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ 2 أسابيع (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم




استبعد الشيء : عدّه بعيداً ... لا يكون .
وهذا أسلوب يتكرر في القرآن الكريم ، فيه شيء من التحدي والتعجيز ، وشيء من الرفض والتأكيد ، وفيه تهديد ووعيد وفيه استنكار وإثبات .
فإذا جمعنا هذا إلى ذاك وجدنا تدافعاً بين فريقين ، كل منهما يحكم على شيء وينفي ضده . . . ولكنَّ الحقَّ يكون دائماً مع الله ، الحق الذي ينبّه إلى العاقبة ، ويخوّف من النكران ، ويحث على التزام الهدى والبعد عن الضلال . . أليس هو الله سبحانه مالك الملك وملك الملوك الذي شرَّع فأوفى وحكم فعدل . . ؟!
فقد سمح الله تعالى للرجال أن يتزوّجوا من أربعة نساء ، لكنّه نبّه إلى الطبيعة البشرية الضعيفة ، التي لا يمكنها العدل بين النساء فحذر إلى الميل الشديد إلى بعضهن ، وترك الأخريات معلقات ،
{ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ
فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ
وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129)}(النساء) .
وقد حرص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على إيمان الناس جميعاً وأتعب نفسه في ذلك ، وهنا ينبهه الله تعالى أن عليه البلاغ ، فلا يحزن لإعراضهم ، فلو بذل كل شيء وبخع نفسه فأكثرهم كافرون ، ولن يستجيب له إلا من كتب الله له الهداية . أما موتى القلوب فحسابهم عند الله تعالى .
{ وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)
إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ
وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ
ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)}(الأنعام).
واستبعد القرآن إيمان هؤلاء الذين يصمون آذانهم عن قول الحق ، ويغمضون أعينهم عن رؤيته ، قال تعالى :
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13)
وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)}(الحجر) .
ويقول تعالى كذلك : { إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)}(النحل) .
وهؤلاء المشركون لا يؤمنون بالنشور والبعث بعد الموت ، ويستبعدونه ، فال عز من فائل :
{ وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66)}(مريم) ،
وُيردّ عليه ، قال سبحانه : { أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)}(مريم) ،
وإعادة الخلق أسهل من إيجاده من عدم ، وكل شيء على الله سبحانه وتعالى هيّن .
وحين أرسل الله تعالى سيدنا هوداً عليه السلام إلى قومه عادٍ كفروا به واستنكروا البعث بعد الموت فقالوا ساخرين :
{ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34)
أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35)
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36)
إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37)}(المؤمنون) ،
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67)
لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68)}(النمل) .
{ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)}(الملك) .
ومعلوم أن الساعة من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ،قال عز وجل : { قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26)}(الملك) .
وتأمل معي عناد الكافرين وشدة كفرهم حين يشتطّون ويسخرون ويعاجزون ، قال سبحانه :
{ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90)
أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91)
أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92)
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ
أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ
قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)}(الإسراء) .
ومهما فعل الكافرون فمصيرهم النار بين يدي الله سبحانه لا فكاك لهم ، قال تعالى :
{ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)}(الأنفال) .
ـ وتصوّر الكافر حين يأتيه ملك الموت وهو في الغرغرة ويرى حوله ما قيل له ، فيوقن أنه ذاهب إلى النار لا محالة ، فيطلب تأخير الموت ليصلح ما أفسَدَه ـ ولكن هيهات ـ فلكل أجل كتاب ، قال سبحانه :
{ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ }(الأعراف) .
بل إن المؤمن العاصي الذي يرى أجله قد حان ولما يفعل من الخير إلا القليل ، يرغب أن يؤخّر أجله ليعوّض ما فات . قال تعالى :
{ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)
وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)}(المنافقون) .
وهل يغفر الله للمنافقين إن استغفر لهم المسلمون ؟! أو استغفر لهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ اقرأ معي قوله سبحانه :
{ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)}(التوبة)
إنهم فسقوا وخرجوا من الإسلام ، فهم والكفار سواء . فلا فائدة ، إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ، والعياذ بالله من مصيرهم المشؤوم .

وقد أراد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يستغفر لرأس المنافقين ابن سلول فنهاه الله تعالى عن ذلك ، فقال سبحانه :
{ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)}(التوبة) .
فامتنع الرسول الكريم عن الاستغفار له وقال : ( لو أعلم أن الله يغفر له إن استغفرت له أكثر من سبعين مرة لفعلت ) وليس المقصود من العدد السبعين هذا إلا لكثرة الدالة على عدم الغفران للمنافقين .
وهؤلاء الكفار لا غفران لهم كذلك ، لأنهو صدوا عن دين الله ، وأصروا على الكفر
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34)}(محمد) .
وهذا الكافر نفسه كأخيه المنافق يود العودة إلى الدنيا ليؤمن بالله ، ويعمل صالحاً ، فهل ينفعه ذلك ؟ قال تعالى :
{ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99)
لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)}(المؤمنون) .
{ فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)}(فصلت) .
والله إنها لنهاية مأساوية ما بعدها من أسى ، فالنار من نصيبهم صبروا أم لم يصبروا ، وإن طلبوا من الله تعالى الرضا والصفح والغفران فلن ينالوا شيئاً ، بل يقال لهم : { . . . . اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)}(المؤمنون)
، اللهم نجنا من مصيرهم الأسود .
إن العذاب شديد ، شديد ، والمصيبة للكافرين والمنافقين والمشركين كبيرة ، كبيرة
{ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ
وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ
وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54)}(يونس) .
وفي آية أخرى تزاد كلمة { ومثله معه } للدلالة على شدة العذاب الذي لا يوصف ، قال تعالى :
{ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى
وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ
أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ
َمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)}(الرعد) .

وانظر معي إلى الظالمين قبل أن يدخلوا النار وهي أمامهم ـ والعياذ بالله منها ـ يريدون النجاة منها والعودة إلى الدنيا ليعملوا غير الذي كانوا يعملونه ، ثم بعد ذلك يعرضون عليها ، وهم خائفون ، أذلاء ، ينظرون إليها بأطراف عيونهم لأنها مرعبة ، ثم ينجو المؤمنون فرحين بنجاتهم.
إن الخسارة الحقيقية ليست خسارة الأموال والدور ، وما يملكه الإنسان ، إنما هي خسارة النفس ولا حول ولا قوة إلا بالله
{ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ
وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44)
وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ
وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)}(الشورى) .
ولذلك نجد الكافر يتحسّر على ما فات ويودُّ لو يتخلّص من العذاب ، ولو كان يملك ملء الأرض ذهباً لدفعه راجياً خلاصه . . . ولكنْ ما مِن خلاص :
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91)}(آل عمران) .

فإذا كان الأمر هكذا ، لا نجاة للكافر والمنافق من العذاب أفلا يعقل الإنسان ويرعوي ويصطلح مع الله . . . أم على قلوب أقفالها ؟!

أقول :

يــا إلـــه الــعــالــمــيــنـــا * يــا مــجــيــب الســائــلــيــنــا
هـــب لــنــا مــنــك نـجـاة * وثــــبــــاتــــاً ويــــقــــيـــنـــاً
ربَّ جــمَّــلــنــا بــفــضـل * واهـــدنـــا دنـــيــــا وديـــنـــا
رب وفــقــنـــا بـــخـــيـــر * واغــرس الإيــمــان فـــيــنــا
يـــــا إلــــــه الــعــــالـــــمــــيــــنــــا

يتبع


 

رد مع اقتباس
قديم 15-10-2017   #53
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ 2 أسابيع (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم




العقل هبة من الله وتعالى لبني البشر لأنّه فضّلهم على كثير ممن خلق ، فلما كانوا من أصحاب العقول وجب عليهم أن يفكروا بها التفكير السليم ، ولا يتبعوا أهواءهم ، فالأهواء حجب تغطي العقل وتشده إلى البهيميّة .
والمشركون والكفار اتبعوا هذه الأهواء التي تنأى بصاحبها عن الحق ، وتزين له الباطل ، فيصدر أحكاماً ليس لها من الحقيقة نصيب ، ويدّعون ما ليس بصحيح ، ويزينون لأنفسهم ولمن تبعهم أنهم قد أصابوا كبد الحقيقة ، والحقيقة أمامهم ، لكنهم لا يرونها ، أو يتعامون عنها .
والقرآن الكريم يورد كثيراً من افتراءاتهم ويبين تفاهتها وسفاهتها بقول محكم تتجلى فيه الفكرة المقنعة ، والبرهانُ الساطع أو السخرية اللاذعة . . .
فهلمّ إلى آي القرآن نقف على بعض منها :

ـ فالكفار يرمون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالكذب والافتراء على الله حين يقرأ عليهم القرآن . فكيف كان ردّ القرآن الكريم على دعواهم الكاذبة هذه ؟ قال تعالى :
{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ
أ ـ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا
هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ
كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ
وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( 8 )
ب ـ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ
وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ
إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ
وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)
جـ ـ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ
وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ
فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ
إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)}(الأحقاف) .

. . . فالردٌّ كان على ثلاث مراحل :

الاولى : أن الله تعالى يعاقبه إن كان مفترياً عليه ، ولا تقدرون أنتم على ردّ عذابه ، فكيف أفتريه وأدّعيه لأجلكم وأتعرض لعقابه ؟ أنتم تقولون سحرٌ وشعر وغير ذلك من الطعن ، فالله شهيد على صدق دعوتي وحسن تبليغي ، ويشهد عليكم بالجحود والنكران ، فإن عدتم وآمنتم فهو يتوب عليكم ويرحمكم .
الثانية : لست أول رسول جاء الناس بما جئتُ به ، فلأي شئ تنكرون عليّ ؟ ولا أدري بما يقضي الله عليَّ وعليكم ، فأنا متبع لا مبتدع ، ونذير لكم من عذاب الله .
الثالثة : أخبروني يا معشر المشركين إن كان هذا القرآن من عند الله حقاً وكذبتم به ، كيف يكون حالكم ؟ ، ولقد عرَف أحد علماء بني إسرائيل صدقي ، فآمن بالقرآن ، وكفرتم أنتم . ألستم أضلَّ الناس وأظلمهم ؟ .
إنّه ردٌّ رائع سدّ عليهم مسالك افترائهم .

ـ ويعود الكفار إلى التكذيب ورمي الصادق الأمين بالافتراء على الله ، مدّعين أن القرآن صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال سبحانه:
{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ
قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)
فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)}(هود) .

والجواب المفحم يتضمّن ما يلي :

1ـ أنتم عرب فصحاء مشهود لكم بالبلاغة فهاتوا عشر سور مفتريات كما فعل محمد ـ على زعمكم ـ .
2ـ استعينوا بكل إنسيٍّ وجنيٍّ إن كنتم صادقين في دعواكم أن القرآن من عند غير الله .
3ـ إذا لم تستطيعوا أن تفعلوا ذلك فاعلموا أن رسول الله بشر مثلكم ، لا يستطيع ذلك ، وما يقرؤه عليكم كلامُ الله سبحانه وتعالى .
4ـ والعاقل من يسْلِم حين يرى الحقَّ ساطعاً واضحاً .

ـ بل إنهم يدَّعون أن رومياً علمه القرآن الكريم ، قال عز وجل :
{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ
لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)
إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)}(النحل) .

روى ابن إسحاق أنه كان في مكة فتىً أعجميٌّ قرب الصفا يبيع بعض السلع البسيطة يمر عليه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما يمرُّ عليه الناس ، ويكلمه كما يكلمه الآخرون ، ولم يكن هذا الأعجمي ليتكلم من العربية سوى كلمات وجمل لا يكاد يبينها ، ولا يحسن نطقها . . . ادَّعى كفار مكة أنه علم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ القرآن والحكمة !!.
وعلى الرغم من أن هذا الادعاء لا وزن له إلا أنّه ينبغي أن نشير إليه رادّين على تخرصات المشركين :

1ـ لو كان هذا الغلام ذا حكمة وفهم ما وضع نفسه في الموضوع الذي هو فيه ، يمر عليه الجميع من كبار وصغار ، وينظر الكثير منهم إليه نظرة ازدراء .
2ـ أنّى لهذا الفتى أن يعلِّم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ القرآن والحكمة - على فرض وجودها عنده - وأداة التعليم واللغة وحسن البيان ليست فيه ! وفاقد الشيئ لا يعطيه ؟!...
3ـ كان أحرى بهذا الأعجمي الذي اتصف بالعلم والحكمة ـ على حد قول الكفار ـ أن ينسب القرآن إلى نفسه ، فيفخر بذلك على أهل مكة ومن حولها ويتبوأ فيهم مركز الصدارة ، لا خانة النسيان !!.
4ـ لمَ تكاسلَ هؤلاء جميعاً فلم يتعلموا منه ـ إن صح زعمهم ـ فأفادوا واستفادوا ، ونافسوا محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ في دعوته ؟!! .
5ـ وعلى فرض أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حسب ادعائهم ـ تعلم من ذلك الفتى الأعجمي القرآن والحكمة ، ثم صاغ ذلك بأسلوب عربي مبين ـ أما كان أهل قريش ـ وهم أفصح العرب أن يصوغوا الأفكار بقالب سامٍ من البلاغة شأنهم شأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟!!.
لقد تحداهم القرآن أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات فعجزوا . . . فأحرى بهم أن يصدقوا أنه كلام الله تعالى المنزل على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

ـ قال تعالى : { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) }(النحل) .

1ـ يقسمون بالله والعجيب أن الذي يقسمون به يكذبهم سبحانه .
2ـ ويؤكدون أن الميت لا يبعث .
3ـ وسبحانه قد وعَد ـ ووعده حق ـ أنهم سيبعثون ، فمن أصدق قولاً ؟!! إنه الله جلَّ وعلا .
4ـ البعث لأمرين اثنين :
أ ـ ليوضح لهم ما اختلفوا فيه .
ب ـ ليدفعهم بكذبهم وافترائهم على الله ورسوله إلى جهنم ، وبئس المصير .

ـ وبعض الفاسقين الجلاوزة بل كلهم يأمرون الناس بالكفر ، ويدّعون أنهم يحملون عنهم العذاب في الآخرة ـ إن كان هناك يوم بعث ونشور ـ قال عز من قائل:
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ
وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12)
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ
وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13) }(العنكبوت) .
فمن سنَّ سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة .

ـ ويقول تعالى :
{ قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42)
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) }(الإسراء) .

وكلنا يعلم ما يفعل الشركاء بعضهم ببعض من الدسائس والمكر وسعيهم إلى إقصاء من يستطيعون إقصاءه .
ـ ويقول سبحانه أيضاً :
{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)
لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99)
لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) }(الأنبياء) .

فهل هذه الآلهة تدفع عنها هذه النار المحرِقة ؟!!.

ويقول سبحانه مؤكداً الفكرة نفسها :
{ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً
لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا
وَهُمْ يُخْلَقُونَ
وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا
وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3)}(الفرقان) .

فلماذا هم إذاً آلهة إن كانوا ضعافاً محكومين ؟!! .

ـ ويتعجب الكفار أن يكون الرسول بشراً ، قال سبحانه :
{ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا ( 8 ) }(الفرقان) .
فيرد الله تعالى عليهم ببساطة متناهية :
{ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ . . . (20) }(الفرقان) .
ـ ومن العجيب أن صفاقة الكفار لا تقف عند حد ، فهم يدّعون أن الملائكة إناث . وأن الله أمرهم بعبادتها ، ولو شاء ما استطاعوا عبادتها !! ، قال عز وجل:
{ وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا
أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)
وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ
مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20)
أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21)
بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)}(الزخرف) .
فيسخر الله تعالى منهم حين يسألهم هل حضرتم خلق الملائكة فرأيتموهم إناثاً ؟!! إن الملائكة ستكتب شهادتكم ، ويوم القيامة تحاسبون عليها . وهل أنزلنا عليهم كتاباً يقول مثل هذه التخرصات ؟!! لا ، بل إنهم رأوا آباءهم ضالين فسلكوا طريق الضلال هذا . .

ـ والعجيب أنهم ينسبون إلى الله الخالق ما لا يرضونه لأنفسهم ، فهم يكرهون الإناث ، ويحزنون إن رزقوا بهنّ ، وينكفئون إلى بيوتهم خجلاً أن يسمعوا أحداً أو يشير إليهم أحد أنهم رزقوا بنات ، وقد يسعون إلى دفنهنّ أحياء ، ويجعلون الملائكة إناثاً وينسبوهن إلى الله بناتٍ ، قال تعالى:
{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57)
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58)
يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ
أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ
أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)}(النحل) .

وأخيراً وليس آخراً ، فالرسول صلى الله عليه وسلم أميٌ لا يقرأ ولا يكتب فمن أين له أن يتعلم . . إن القرآن من عند الله سبحانه ، لا شك ، قال عز وجل:
{ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ
وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ
إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)
بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)}(العنكبوت) .

وقال سبحانه : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)}(الجمعة) .

إذاً ، فالقرآن يعلمنا أن نكون واعين نردُّ على الافتراءات التي ينثرها الأعداء هنا وهناك ـ ابتغاء التشكيك والطعن ـ بطرقٍ واضحة ودليل بيّن .

يتبع




 

رد مع اقتباس
قديم 15-10-2017   #54
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ 2 أسابيع (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم




قال الله تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)}(غافر) .

فمن دعا الله تعالى فقد لجأ إليه ، ونزله ببابه ، واتكل عليه ، وأظهر عجزه بين يديه ، وتقبّلَهُ الله وقضى حوائجه ، وازال عنه همّه وغمّه ، وأبدله مكانهما فرحاً وسعادة ،
أما العتلُّ الجوّاظ المستكبر فليس له إلا النار يصلاها ، والجحيم يتسعّرها ، لأنه استعلى وتكبّر .

والدعاء مخ العبادة ، بل هو العبادة نفسها ، فقد روى النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الدعاء هو العبادة ) (رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح ) .

وهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يسأل الله أن يتقبل دعاءه :
{ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) }(إبراهيم) .

كما أن الدعاء يُتقبل حين يكون صاحبه مخلصاً لله تعالى :
{ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14)}(غافر).

ويوم القيامة يفرح المؤمنون حين يعلمون أن الله استجاب لدعائهم حين التجأوا إليه في
الدنيا . . يقولُ أهل الجنة معترفين بفضله سبحانه :
{ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) }(الطور) .

إنك حين تدعو لنفسك تشعر بالأمن والأمان ، والهدوء والاطمئنان .
وحين تدعو لذريتك وأهلك تنزل البركات عليهم ، ويحوطهم الله برعايته .
وحين تدعو للمسلمين تزداد أواصر الحب ، وتنمو الصلات ، وتنتشر المودة .
وحين تدعو على أعداء الله وأعدائك تتفتح السماء بنصرك عليهم ، وتتزلزل الأرض من تحت أقدامهم .
ولنا في السلف الصالح خير قدوة وأفضل أسوة .

فهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يدعو للبلد الحرام وأهله ، قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ...(126) }(البقرة) .

ثم تراه وابنه إسماعيل عليهما السلام ، وهما يرفعان قواعد البيت يدعوان لنفسيهما ولذريتهما ، يقول الله تعالى :
{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) }(البقرة) .


كما أن عباد الرحمن يسألون الله تعالى أن يحفظهم في أزواجهم وذرياتهم ويجعلهم قدوة لعباده الصالحين ، قال تعالى :
{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)}(الفرقان)

ثم انظر إلى برد الراحة وسمو النفس حين يقف الإنسان في رحاب الله يسأله ما لا يُسأل غيره سبحانه ، قال تعالى يعلمنا كيف ندعوه سبحانه:
{ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا
رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا
رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ
وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا
أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) }(البقرة) .

ـ وهذا سيدنا زكريا عليه السلام يرى التقوى في مريم البتول ، فتتحرك نفسه شوقاً إلى ولد صالح يخلفه ، فيضرع إلى الله بالدعاء ، أن يرزقه الولد الذي تقرُّ به عينه فيأتيه الجواب
سريعاً . . سبحان الله ما أسرع فضله وأكرم عطاءه
{ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ
رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)
فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)}(آل عمران) .
أما حواريو عيسى عليه السلام فيرفعون أياديهم إلى المولى يسألونه رفع درجاتهم :
{ رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)}(آل عمران) .

وأولو الألباب أصحاب القلوب الحيّة تسبح أفكارهم في ملكوت الله ، فيرون الجمال ، ويرون الحقّ في كل ما تقع عليه عيونهم ، وتصل إليه عقولهم ، وتشعر به قلوبهم فيسألون الله العفو والمغفرة والنجاة من النار ، والكرامة يوم القيامة

قال عز وجل: { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)
رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192)
رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا
رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193)
رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) }(آل عمران) .
فكان الجواب على الفور نازلاً من السماء بالإيجاب ، قال سبحانه :
{ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى . . .(195)}(آل عمران) .

ونبيُّ الله يوسف عليه السلام يرى النساء المترفات يدعونه إلى طاعة المرأة الماكرة في الفحشاء فيأوي إلى ركن الله المتين يسأله حفظه وصونه :
{. . . . وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)}(يوسف) ،
فيستجيب الله فيصرف عنه كيدهنّ {. . . إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)}(يوسف) .

والقرآن الكريم مليء بآيات الدعاء التي تربط الإنسان ومصيره بربّه سبحانه وتعالى ، وتدله على الطريق الصحيح الموصل إلى رضاه ومغفرته ، وحين يتصل الإنسان بخالقه يدعو له كل مخلوق ، ويحبه ويعظم في عينه .

هذه ملائكة الرحمن تدعو لك أيها المسلم . . قال تعالى :

{ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ
أ ـ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ
ب ـ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ
جـ ـ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا
د ـ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا
فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)
هـ ـ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ
وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 8 )
و ـ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ
وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) }(غافر).
أرأيت إلى هذا الدعاء المتكامل الشامل لصنوف الخيرات ؟!! .

فإذا التجأت إلى الله من ظلم الأعداء وبطشهم وفسادهم أجابك سريعاً لأنه يراك وجهادك في سبيله ، واستقامتك على شرعه ، قال تعالى :
{ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ
رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) }(يونس) ،
فيقول الله تعالى : { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89) }(يونس) .

ثم انظر معي إلى دعاء سيدنا نوح على الكافرين واستجابة الله سبحانه له :
{ وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)}(نوح) .
{ وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا
إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77)}(الأنبياء) .

إن الدعاءَ الحبلُ الواصلُ بين العبد وخالقه . فإن شئت فحافظ على هذه الصلة المتينة تجد الخير كله عاجله وآجله .

يتبع




 

رد مع اقتباس
قديم 15-10-2017   #55
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ 2 أسابيع (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم





للقصة تأثير كبير في نفس متلقيها ، لما فيها من تدرُّج في سرد الأخبار ، وتشويق في عرض الأفكار وطرحِها ممزوجة بعاطفة إنسانية .
وهي تعتمد على الحوار والنقاش الداخلي حيناً ، والخارجي حيناً آخرَ ، وتصدر مقترنة بالزمان والمكان اللذين يغلفان الأحداث ، بإطار يمنع الذهن من التشتت وراء الأحداث ، وتتدرج من موقف إلى آخر فتجذب السامع والقارئ إلى التفاعل معها ، والمتابعة بأحاسيسه وأفكاره ومشاعره ، ويندمج فيها فتصل به إلى نقطة التأزم " العقدة " ثم تنحل شيئاً فشيئاً . . وتكون " نقطة التنوير " في الأحداث الضوءَ الذي ينقذ الموقف القصصي ، وينقله إلى حالة الهدوء والانتظام أو اتخاذ الموقف الإنساني . . نتيجةً للتفاعل الفكري والنفسي مع الأحداث (من كتاب التربية النبوية ص14 ) .
والقرآن الكريم استخدم الأسلوب القصصي فهو من أبلغ الطرق المؤدية إلى توثيق الفكرة وإصابة الهدف .
فالقصة في القرآن الكريم :

1ـ الله سبحانه وتعالى [ راويها ] [ فهي حقيقة واقعة لا ريب فيها ] على عكس ما زعمه مَنْ يُدعى " عميد الأدب العربي " حيث زعم في قصة إبراهيم عليه السلام أنها رُوِيَتُ في القرآن على سبيل العبرة والعظة لا على سبيل الحقيقة في الوجود !! يقول الله تعالى : { إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ۚ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62)}(آل عمران) ، ويقول جلَّ وعلا في أهل الكهف : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) }(الكهف) ، ويقول سبحانه : { إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ۚ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62)}(الأنعام) .
ففي الآيات الثلاث يؤكد صاحب العزّة والجبروت أن ما يقصُّه حقٌ ، فماذا بعد الحقّ إلا الضلال ؟!! وهل بعد الحقِّ إلا الضلالُ في أوهام المخرّصين ؟!!.

2ـ والله تعالى يقص [ أفضل القصص وأحسنها ] ((للفائدة والعبرة)) لا ليتمتّع بها ((أهل الفنِّ للفنّ)) لإن القصة تأتي :
أ ـ لغرس مبدأ وفكرة .
ب ـ وتثبيت عمل صالح .
جـ ـ ونشر فضيلة .
د ـ ودعوة إلى حقٍّ وهدى .
قال تعالى : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ ...(3)}(يوسف) .
{ ...فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)}(الأعراف) .
{ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)}(هود) .
{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}(يوسف) .


3ـ وهي في مادتها تنحو تجاه وحدانية الله وطاعته والعمل بشريعته ، وقصد رضوان الله والفوز بالجنة ، والنجاة من النار . . قال تعالى :
{ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)}(الأنعام) .
وقال سبحانه أيضاً : { يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)}(الأعراف) .

4ـ وهي أنواع عدة في شخوصها . . فنحن نرى :

أ ـ قصص الأنبياء وأقوامهم ـ قوم نوح ـ عاد قوم هود ـ ثمود قوم صالح ـ إسرائيل وموسى ـ اليهود وعيسى ـ داوود وجالوت .

وهذه ـ على سبيل المثال ـ قصة الرجل من بين إسرائيل الذي قتله ابن أخيه ليرثه ، فكشفه الله تعالى أمام قومه لينال جزاءه .
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً
قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا
قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68)
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا
قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ
فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)}(البقرة) .

ومن الفوائد في هذه القصة :
أـ قوله عز وجل : { أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ } تنبيه على أن الاستهزاء بأمر الدين جهل كبير .
ب ـ قوله جل وعلا : { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا } خطاب موجه إلى اليهود المعاصرين للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وقد جرى هذا الأسلوب المعروف في مخاطبة الأقوام ، إذ ينسب إلى الخلف ما فعل السلف ، إذا كانوا سائرين على نهجهم ، راضين بفعلهم ، وفيه تقريع وتوبيخ للغابرين والحاضرين منهم .
جـ ـ واقعة قتل النفس هذه جرت قبل أمرهم بذبح البقرة وإن وردت في الذكر بعده ، والسرُّ في ذلك التشويق إلى معرفة السبب في ذبح البقرة .
د ـ التكرار في التقريع والتوبيخ لتكرار سوء أدبهم في عدّة أمور :
أولها : أنهم استهزأوا برسول الله موسى عليه السلام { أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا } .
ثانيها : ما ضيّقوه على أنفسهم في اختيار البقرة ، فضيّق الله عليهم .
ثالثها : العودة إلى الهزء بالرسول الكريم موسى في قولهم : { الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ } إذاً فهو على زعم المغضوب عليهم لم يكن يأتي سابقاً بالحق !! .
رابعها : عدم الكشف عن القاتل ، ومداراته ، ومحاولة إخفاء جريمته .
هـ ـ التأكيد على إحياء الموتى بطريقة حسية
{ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا
كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)} .
ولا بد في كل قصة كما أسلفنا من فوائد ، وعظات وعبرٍ ، جاءت السورة لأجلها .

ب ـ قصص الصالحين كقصة مريم عليها السلام وزوجة فرعون ، ورجل من آل فرعون ، والرجل الصالح في سورة يس .
أما قصة الرجل الصالح فتدل على عميق إيمانه ، فلم يخفف من قول الحق وعضّدَ رُسُلَ الله ، ودعا إلى اتباعهم ، وأعلن كلمة التوحيد ، فقتلوه فكانت الجنّة مثواه رضي الله عنه ، قال
تعالى :
{ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى
قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)
اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)
وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)
أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23)
إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)
إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)
بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)}(يس) .

ومن الفوائد في هذه القصة :
1 ـ الإسراع إلى نصرة الحق { وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى }.
2 ـ مهما قلّ العدد فإنّه يفيد في نصرة الحق . . رجلٌ [واحد] .
3 ـ إعلان كلمة الحق وذلك في اتباع المرسلين المهتدين الذين لا يريدون أجراً إنما عند الله
ثوابهم .
4 ـ لا تجوز عبادة أحدٍ سوى الله الذي خلقَ وأمات ، وإليه المعادُ .
5 ـ لا يُعبَدُ إلا مَنْ بيده الأمر ، فهو يعطي ويمنع ، ويضرّ وينفع .
6 ـ أيُّ إشراك بالله إجحاف بحقه في الألوهيّة ـ سبحانه ـ وظلم للنفس .
7 ـ المسلم داعية إلى الله ، يُسمِع الناس كلمة الحق { فَاسْمَعُونِ } .
8 ـ دخول الجنّة وغفران الله تعالى الربح العظيم والفوز الكبير .
9 ـ لا يحقد المسلم على أحد حتى على الذين قتلوه بل يطلب لهم الهداية كما اهتدى ، والنجاة كما نجا ، والفوز كما فاز : { يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ } .
10ـ التحبب إلى الناس { يَا قَوْمِ } لإشعارهم أنك منهم ، تريد لهم الخير .

جـ ـ قصص الأنبياء والصالحين ، ومنها : قصة ـ موسى والخضر ـ وموسى والرجل الصالح في مدين الذي زوّجه ابنته (على قول أنّه ـ صاحب مدين ـ ليس نبياً ) وقصة ذي القرنين .
أما موسى عليه السلام فقد ظنّ أنه أعلم الناس في زمانه لأنّه النبي الوحيد ـ إذ ذاك ـ من أولي العزم ، فنبهه الله إلى ان هناك مَنْ هو أعلم منه ، فرغب عليه السلام ان يقابله ليتعلم منه ، فبدأت القصة : قال تعالى :
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62)
قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)
قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ
فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (64)
فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)
قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا
قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)
قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا
قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (70) (القائل موسى)،(إِمْرًا ، الإمرُ من الشيئ : العجيب المنكَر ، العظيم)
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (71)
قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (72)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ (73)
((قتله الرجل الصالح ( الخضِرُ ))
قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)
قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ
قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)
قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)
أ ـ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)
ب ـ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)
جـ ـ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)}(الكهف) .
(فتى موسى هو سيدنا يوشع بن نون الذي استلم الراية بعده وقاتل الكفار ، وتوقفت الشمس عن الغياب حين دعا وهو يحاربهم حتى انتصر فغابت )

والفوائد في هذه القصة جمّة وفيرة نذكر منها :

1ـ أن يتلزم الإنسان حَدَّه مهما علا قدره وارتفع .
2ـ الإصرار على حيازة العلم ، { لا أبرح . . . أو أمضي حقباً } .
3ـ الترتيب الجيد للسفر ، من تهيئة الطعام ، ومعرفة الغاية من سفره ، ومكان الوصول ، ومَنْ تلتقي ، ومَنْ تصاحب في سفرك . . . .
4ـ قدرة الله تعالى أحيت الحوت المشويّ ، فانطلق في الماء مبتعداً .
5ـ الاعتراف بالنقص حين طلب الطعام ، وكأنّه شعر بالجوع بعد السفر وأن الله تعالى كان يعلّمه فآثر العودة .
6ـ الأدب في نسبة النسيان إلى الشيطان ، أما الله تعالى فهو يُذكَر بالخير .
7ـ سمات عباد الله ، آتيناه رحمة من عندنا ، وعلمناه من لدنا علماً .
8ـ إذا اتخذ الله ولياً لم يتركه جاهلاً ، إنما علمه (( العلم اللدُنّي )) .
9ـ الصبر على طلب العلم واحتمال المعلّم ، والتلطف به .
10ـ من شروط تحصيل العلم : الصبر ، وطاعة المعلّم .
11ـ كل أمر بمشيئة الله سبحانه { إِنْ شَاءَ اللَّهُ }.
12ـ توضيح الأمور للمتعلم قبل أن يفارق أستاذه .
13ـ أن تنسب العلم والأمر كلّه لله سبحانه { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } .
14ـ التأدب مع الله حين جعل الخضر خرق السفينة من عمله وإن كان الله تعالى قد أمره ، وكذلك قتل الغلام . . أما بناء الجدار فقال فيه :
{ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا } فكان ذلك من الله .

د ـ قصص التائبين : ومنها قصص أصحاب الجنة ، وسحرة فرعون ، وأصحاب الأخدود .
ونقف عند سحرة فرعون الذين ظنوا سحرهم يقف أمام آيات الله الباهرات ، فلما عاينوا قدرة الله عرفوا أنفسهم ، فسجدوا لله ، وآمنوا بموسى عليه السلام ، فهددهم فرعون بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، فكان صبرهم أوفى دليل على صدق إيمانهم . . . قال تعالى :

{ وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11)
قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)
قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)
قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)
قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20)
قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23)
قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24)
قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25)
قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26)
قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27)
قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28)
قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)
قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30)
قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31)
فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)
قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ
قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41)
قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)
قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44)
فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46)
قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48)
قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)
قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)}(الشعراء) .

ومن الفوائد في هذه القصة :
1 ـ أن الله رحيم بعباده يرسل إليهم الأنبياء يدلونهم إلى طؤيق الهدى والسداد .
2 ـ معيّة الله لأنبيائه والداعين إلى سبيله .
3 ـ استهزاء المشركين بالرسل والداعاة ، والمنُّ بما يكون ولا يكون .
4 ـ الاعتراف بالذنب ، والإقرار بالتوبة ، وجواز الفرار من الكفار في حالة الضعف .
5 ـ الإقرار بفضل الله ومنّه وكرمه . . { فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ } .
6 ـ الرسالة فضل من الله تعالى ، وكذلك الإيمان يثبت الله به قلوب الدعاة .
7 ـ رفض الظلم والعبودية ، فالله تعالى خلق الناس أحراراً .
8 ـ على الداعاة أن يبلِّغوا رسالة ربّهم على الرغم من المعوّقات والإرجاف والتهديد .
9 ـ الاستعلاء على الدنيا واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى في العسر واليسر .
10 ـ الاتهامات التي يطلقها أهل الكفر على الداعية واحدة يَسِمون بها كل الدعاة:[ سحر ، جنون ، كذب . . ] .
11 ـ البطالة الفاسدة المترفة عون للحاكم الفاسد على التمادي في الظلم .
12 ـ الحاكم الظالم يستهين بكل شيء ، ليثبت أركان ملكه . ويبذل المال وغيره في سبيل
ذلك .
13 ـ انتصار الحق على الباطل نهاية المطاف . والحقَّ منتصرٌ ولو بعد حين .
14 ـ يصل إلى الإيمان أصحاب العقول ، وذوو الفطن والنباهة .
15 ـ يجعل الإيمانُ الحقُّ أهلـًَه أقوياء ، لا يهابون الموت في سبيله ، ويتحملون المصائب
والمحن .

هـ ـ قصص الكفار والمفسدين ، ومنها قصص ـ إبليس والذي آتاه الله آياته فانسلخ منها ، قصص الكفار في النار وحوارهم . . .
و " بلعام بن باعوراء " رجل من اليهود أرسله موسى إلى " مدين " داعياً إلى الله ، وكان مع بلعام اسم الله الأعظم ، فرشاه الملك على أن يعطيه الملك ، فيترك دين موسى ، ففعل وضل ، واستحوذ عليه الشيطان حتى جعله في زمرة الكافرين الراسخين في الغواية بعد أن كان من المهتدين . . قال تعالى :

{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ
فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ
ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا
فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)
سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177)}(الأعراف) .
ومن الفوائد في هذه القصة :
1 ـ قد يضل المؤمن وإن بلغ من الهداية مبلغاً إن اتبع هواه ، نسأل الله الثبات على الإيمان .
2 ـ لا يرضى الشيطان من ابن آدم إلا الكفر ، فهو يسعى جاهداً إلى ذلك ، والمؤمن يستعيذ دائماً بالله من الشيطان الرجيم .
3 ـ التعبير بالانسلاخ دليل على الخروج من الإيمان كلّية بعد أن كان بينهما كمال الاتصال .
4 ـ فمثله كمثل الكلب ، دلالة على السوء الذي يعيشه من غوى على علم ، فهو ضالٌ سواء حمل علماً أم بقي جاهلاً . .
5 ـ هذه القصة دفعٌ للمؤمن أن يعزو فضل الإيمان لله تعالى لا لنفسه .
6 ـ مَنْ آمن فقد أسعد نفسه ، ومَنْ كفر فقد أساء إليها .

و ـ طريقة عرض القصة في القرآن الكريم :

أ ـ قد تجيء القصة كاملة مفصلةً في الجزأين الثاني عشر والثالث عشر ، كقصة يوسف.
ب ـ وقد تأتي كاملة مختصرة في سورة صغيرة الحجم ، كقصة أصحاب الأخدود في سورة البروج .
جـ ـ وقد تأتي في سور عديدة موزّعة حسب الهدف الذي جاءت أجزاء القصة موضحةً له كقصص سائر الأنبياء الكرام : آدم ، نوح ، إبراهيم ، هود ، صالح ، موسى . . .

ز ـ بناء القصّة في القرآن :

أ ـ بعض الصور جاءت بطريقة السرد ، ومثالها قصة نوح عليه السلام في الجزء التاسع والعشرين ، وقصة الذي انسلخ من اسم الله الأعظم ، وقصة آدم في سورة البقرة . . .
ب ـ وبعضها جاءت بطريقة الحوار ، ومثالها ما رأيناه في قصة موسى والخضر عليهما السلام ، وقصة إبراهيم عليه السلام وقومه ، والنمرود . . .
جـ ـ وبعضها جاءت تحمل في أسلوبها السرد والحوار معاً كقصة سيدنا يوسف عليه السلام ، ومَنْ سأل عن قرينه الذي كاد أن يغويه لولا رحمةُ ربّه به (سورة الصافات ، الآيات : 5 ـ 61 ) .
د ـ وبعضها جاءت مسرحيّة حوارية كقصص نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام في سورة الأعراف (الآيات : 59 ـ 93 ) وكقصة موسى عليه السلام في السورة نفسها(الآيات : 103 ـ 156) .

ح ـ زمان القصة في القرآن الكريم ومكانها :

أ ـ قصص حدثت في الزمان الماضي على هذه الأرض كقصص الأنبياء الكرام وأقوامهم ، والصالحين ، والتائبين ، والمفسدين . . وقد مرَّت أمثلة عليها .

ب ـ قصص ستحدث في المستقبل ، يعلم الله سبحانه أنها ستكون ، فقصَّها علينا سبحانه ، وكأنها حصلت لتكون العبرة أبلغ والفكرة أوضح فمثالها هذه القصة الصغيرة :
{ هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56)
هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواالنَّارِ (59)
قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60)
قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61)
وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)}(ص) .

وهذه القصة القصيرة أيضاً :
{ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50)
قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53)
قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54)
فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55)
قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)
أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59)
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60)}(الصافات) .
أراد الله تعالى له السعادة ، فلم يتبع صاحبه الكافر ، وانطلق في ركب المؤمنين الأطهار ، فكانت الجنة مثواه .

وهكذا كانت القصة في القرآن الكريم أسلوباً تربوياً رفيعاً أفادَتْ معلومات وأرشدت إلى خير ، وشوَّقت إلى عبرة وعظة ، ودفعت إلى التأسي بالصالحين والسير على منوالهم ، والتفكير السليم والتصرف الصحيح .

يتبع





 

رد مع اقتباس
قديم 15-10-2017   #56
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ 2 أسابيع (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم




الحوار أسلوب راق في التربية له فوائد كثيرة منها :

1 ـ أنك تسمع حديثاً فيه آراء وحجج يدلي بها المتحاورون ، ليبرهن كل منهم على صواب ما يرتئيه .
2 ـ أن الحوار يثري السامع أو القارئ أو الرائي بأفكار تطرح أمامه بالحجة والبرهان ، فيعتاد التفكير السليم والأسلوب القويم .
3 ـ أن الحوار أثبتُ في النفس ، لأن السامع يُشغِل أكثر من حاسة في تفهم أبعاد الحوار ومراميه.
4 ـ وقد يكون الحوار بين أصلين مختلفين ، كالإيمان والكفر
5- وقد يكون في أمر واحد وفكر واحد فيه دقائق وتفاصيل تثري معلومات السامع ، وتعلمه الدقة في الاستنتاج والطرح .

والقرآن الكريم يستعمل أسلوب الحوار بكثرة ، فما تقرأ سورة إلا والحوار عمادٌ فيها ، وأساسٌ من أسسها .

فمن أمثلة الحوار تخاصمُ أهل النار . . يدخل فوج جديد من أهل النار في النار ، فيقول المجرمون الذين سبقوهم إليها بعضُهم لبعض :
{ هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59)
قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ
وقَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ
وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)
إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)}(ص) .

وما نزال نسمع حوار أهل النار بعضِهم مع بعض ،ودخول الملائكة الحوارَ بالحجة والبينة :
{ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ
فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ(47)
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48)
وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49)
قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ
قَالُوا بَلَى
قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)}(غافر) .
فالملائكة إذاً تنبههم أن لا فائدة من الدعاء ، فقد استنفد الظالمون فُرَصَهُمْ .

ـ وتأمل الحجة البينة التي يطرحها سيدنا إبراهيم على قومه في هذا الحوار :
{ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70)
قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ
قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73)
قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ
قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76)
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)
أ ـ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)
ب ـ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)
جـ ـ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)
د ـ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)
هـ ـ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)}(الشعراء). . . . .

فحجتهم تافهة . . لقد رأوا آباءَهم يعبدون الأصنام ، ففعلوا مثلهم دون تفكير ، أما سيدنا إبراهيم فهو يعبد ربّه لفضله العميم عليه . . وذَكَرَ بعض هذا الفضل .

ـ واسمع هذا الحوار بين الله تعالى وإبليس المطرود من رحمته لعصيانه :
{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32)
قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33)
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35)
قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36)
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38)
قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)
قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43)}(الحجر) .
فأنت ترى في هذا الحوار أمر الله سبحانه الذي يجب على المأمور به أن يقول سمعت وأطعت ، وبذلك تتحق العبودية لله ، أما المتمرّد فحجته داحضة عند ربه ، فلا يَشرُفُ المرء بالمادة التي خلق منها ، إنما يَشرُف بطاعة الله عزَّ وجلَّ ، وامتثال أمره .

ونجد هذه المحاورة تقريباً بألفاظها في سورة الأعراف الآيات [11] مع بعض التغييرات المناسبة للنص القرآني .

ـ أما اليهود والنصارى فيدّعون الزلفى إلى الله تعالى ، ومحبته عزّ وجل إياهم ، فيأمر الله تعالى نبيّه محمداً عليه الصلاة والسلام أن يقول لهم ، إنّه سيعذبكم بفسادكم وهل يعذّب الحبيب حبيبه ؟!! { ...وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ . . . .(18)}(المائدة) .
ولو قرأت بإمعان سورة هود لرأيت حواراً دائراً بين أنبياء الله وأقوامهم .
أ ـ الأنبياء يدعون إلى الله تعالى .
ب ـ وأقوامهم يكفرون ويشركون به .
فالحوار في هذه الآيات [25 ـ 34 ] بين نوح وقومه .
وفي الآيات [85 ـ 94] بين شعيب وقومه أهل مدين .
وفي الآيات [50 ـ 60] بين هود وقومه عاد .
وفي الآيات [61 ـ 65] بين صالح وقومه ثمود .
وفي الآيات [77 ـ 80] بين لوط وقومه .
والنتيجة واحدة . . يصمُّ الكفار آذانهم فينزل بهم العقاب الأليم . .

ـ بل إنك لتجد قصة سيدنا موسى عليه السلام في سورة الشعراء ، تبدأ من نداء الله سبحانه وتعالى له في الآية العاشرة بشكل حواري منتظم ، فيأمره أن يذهب إلى فرعون ، فيدعوه إلى الإسلام ، فيعتذر أنه قتل من قوم رجلاً قد يقتلونه به ، كما أنّ لسانه ألثغ . فيطمئنه رب العزّة إلى أنه سبحانه معه ، فلا يخَفْ وسيكون هارون عليه السلام المتكلم معه ، ثم نرى موسى عليه السلام يجادل فرعون ويظهر له الآيتين :
أ ـ إلقاء العصا فتنقلب حية تسعى .
ب ـ إدخال يده في جيبه فتخرج بيضاء لامعة .
ثم يلتقي بالسحرة فيغلبهم ، فيؤمنون به غير هيّابين بطش فرعون وإيذاءه ، ثم يسري موسى بقومه نحو البحر الأحمر ، ويلحق بهم فرعون وجنوده ، لكنَّ الله يفتح لهم طريقاً في البحر فينجون ، ويغرق فرعون ومن معه . . وينتهي هذا الحوار القصصي في الآية الثامنة والستين .

إنه أسلوب يشد انتباه القارئ ، فيستغرق في المشهد ، ويندمج فيه ، فكأنه واحد منهم ، يرى ويسمع ، ويلمس ، ويندهش ، ويخاف ، ويفرح . . .

ـ كما أنك تجد الحوار بين جبريل عليه السلام وعدو الله فرعون في سورة الأعراف ، الآيات [103 ، 129] ، وفي سورة يونس ، الآيات [75 ـ 86] .
وتأمل هذا الحوار بين جبريل عليه السلام ومريم العذراء التي رأته داخلاً عليها ، فخافت واستعاذت بالله منه أن يمسها بسوء :
{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)
قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18)
قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)
قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20)
قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21)}(مريم) .
حوار (هادئ منفعل) فالهدوء من الملك الكريم جبريل ، القادم بأمر من الله تعالى إلى مريم ، والانفعال من السيدة العذراء ، وهي المرأة الشريفة التي استغربت أن تحمل المرأة دون زوج :
{ فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)
فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ
قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)
فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ
قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)
قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)}(مريم) .
حوارٌ قائم بين استغراب القوم ، ورجومهم وتعجبهم . . . هذا الحوار صادق ، لكنّه معبّرٌ عن المعجزة التي ألجمتهم ، فبهتوا ، وبيَّن ذلك الطفل النبي الذي أنطقه الله ، فدافع عن أمه ، وبرّأها ، وقطع ألسنة المفترين ، وأعلن نبوّته وكرامته على الله .
إنك لتقف معجباً بإيمان تلك المرأة بالله وثقتها به سبحانه ، والرضا بقضائه ، وتتأثر باتهامات الناس إياها ، وحاشاها أن تزلَّ فهي العذراء البتول الشريفة ، وتهتز سروراً بإجابة ذلك الطفل المبارك الذي كان عوناً لوالدته في محنتها ، مبرّئاً ساحتها ، معلناً أنه رسول الله القادم إليهم ، الرافع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم .

ـ وتأمل هؤلاء المشركين في هذه اللقطة الحوارية الصغيرة التي تنبئ عن الموقف المهين لهم يوم الحشر
{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22)
ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)
انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)}(الأنعام) .
بل إن هول الموقف أنساهم ما كانوا غارقين فيه من الكذب والضلال .

ـ وانظر إلى الموقف المخيف ، والجواب المفزع ، الذي يقضّ الأركان ، ويكسر الظهور .
ـ { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ
ـ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ
ـ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا
ـ قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30)}(الأنعام) . . . .

فالحوار إذاً يوضح الصورة ، ويجلو الفكرة ، ويقرّب المعنى بأسلوب شائق .

ولا بأس أن تراجع الحوار بين يوسف وإخوته في سورة يوسف بعد الآية السبعين ، والحوار بين إبراهيم وقومه في سورة الأنبياء في الآيات [51 ـ 70] ، وحواره في سورة الشعراء في الآيات [69 ـ 77] .

وستجد في رياض القرآن الكريم كثيراً من الحوار ، رزقنا الله وإياك الفهم ، إنه سميع
مجيب .

يتبع







 

رد مع اقتباس
قديم 15-10-2017   #57
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ 2 أسابيع (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم



التصوير من الأساليب الراقية في التربية ، فالإنسان روح وفكر وقلب . . . وهو كذلك عين وسمع وذوق ، ولمس وشم .
فهو معنوي ومادي بآن واحد فإذا عجز أحياناً عن الوصول إلى الفكرة الشفّافة ذهناً وصل إليها مادةً وحساً ، والمهم أن يصل إلى المعلومة ، وتتركز في ذهنه ، ويتفاعل معها .
وهذا الأسلوب الرفيع يتخذه الأدباء للسمو ببيانهم ، ويحتاج إليه الرجل العامي البسيط ، كما يحتاج إليه الرجل المثقف العليم لأغراض عديدة منها :
1 ـ توضيح الفكرة والصورة ، فالتصوير يزيد المعنى وضوحاً ، ويكسبه تأكيداً .
2 ـ التأثير في النفس :
ـ (( فإن كان مدحاً كان أبهى وأفخم وأنبل في النفوس ، وأعظمَ وأهزَّ للعِطف (1) ، وأسرعَ للإلفِ ، وأجلبَ للفرح ، وأغلبَ على الممتدَح ، وأسْيَرَ على الألسن وأذكَرَ ، وأولى بأن تعلقَه القلوبُ وأجدرَ .
ـ وإن كان ذماً كان مسُّه أوجعَ ، ومِيسَمَه ألذَعَ(2) ووقعُه أشدَّ ، وحدُّه أحدَّ .
ـ وإن كان حِجاجاً كان برهانُه أنْوَر ، وسلطانُه أقهَر ، وبيانُه أبْهَرَ .
ـ وإن كان افتخاراً كان شأوُه(3) أبعدَ ، وشرفُه أجدَّ ، ولسانُه ألدَّ(4) .
ـ وإن كان اعتذاراً كان إلى القبول أقرَبَ ، وللقلوب أخْلَبَ(5) ، وللسخائم أسَلَّ(6) ، ولغرْبِ أفلَّ(7).
ـ وإن كان وعظاً كان أشفى للصدر ، وأدعى للفِكر ، وأبلغ في التنبيه والزجر( 8 ) )) .

وإني لاعجب ممن ادعى أن التصوير عند العرب لا يتجاوز أن يكون تصويراً جزئياً ، وحسبه أنه تشبيه شيء بشيء ، ليس في ذلك روح بل ترى فيه السطحيّة والصورة الجامدة . . ويدّعي أن الحياة في الصورة لم تظهر في الأدب العربي إلا في العصور الأدبيّة الحديثة ، التي اعتمدت على الألفاظ المتناسقة التي تحمل في طياتها الالوان المتعددة والحركة الدائبة ، والأصوات المتتابعة .وشبهوا الصور عند العرب باللقطات الفوتوغرافية الجامدة ، والصور الحديثة التي التي استقاها الأدباء العرب من الأدب الغربي في العصر الحديث ، بالصورة التلفزيونية الدقيقة المتحركة الحيويّة !! .
ولا أدري كيف يستسيغ من يسمّى نفسه أديباً ، أن يردد كالببغاوات دون تفكير ، ولا فهم مقولات لا تمت إلى الحقيقة بصلة . .فها هو القرآن الكريم حافل ـ بشكل كثيف ملفت للنظر ـ بالصور الممتدة ذات الظلال والإيحاءات ، وقلَّ أن تمرّ سورة دون أن ترى فيها الكثير منها .
ولن نستعرض هذه الصور كلها ، فهي تقتضي الشهور والأيام الطوال . .
وحسبنا أن نلِمَّ بها لنوضح أثرها في الملتقي ، سواء كان قارئاً أو مستمعاً .

ـ فهؤلاء المنافقون دخل الإيمان إلى قلوبهم ، لكنهم استحبوا الكفر على الإيمان ، واشتروا الضلالة بالهدى ، فذهب الله بنور الإيمان الذي تركوه هم ورغبوا عنه ، فعاشوا في الظلام الدامس وحيرة الشك والكفر والنفاق لا يهتدون إلى سبيل خير ، ولا يعرفون طريق النجاة . قال تعالى : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17)}(البقرة) .
صورة رائعة معبرة عن حياة المنافقين ، فهم : يزداد الظلام في قلوبهم وعقولهم أكثر من الكافرين أنفسهم ، وتصوَّرْ معي رجلاً يمشي في ظلام اعتاد عليه ، ورجلاً كان يمشي في نور ، فانطفأ هذا النور ، وحلَّ محلّه الظلام الدامس . . أيهما يكون الظلام أشدَّ على نفسه ؟ . . نسأل الله الثبات على الإيمان .

ـ وهاك مثالاً آخر يصف تردد المنافقين وشكهم وحيرتهم ، قال تعالى : { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)}(البقرة) .
فالمنافقون في حيرتهم وترددهم كمثل قوم أصابهم مطر شديد ، أظلمت له الأرض ، وأرعدت له السماء ، مصحوبٌ بالبرق والرعد والصواعق ، والظلمة الداجية ، فأصابتهم الدهشة والفزع ، فوضعوا أصابعهم في آذانهم كي لا يسمعوا الرعد ولا صوت الصواعق ، يحسبون أنهم في فعلهم هذا ينجون من الموت والهلاك ، يلمع البرق حيناً لمعاناً شديداً يكاد يذهب بأبصارهم ، فهم يغتنمون هذا الضوء فيسيرون خطوات على هديه ، وإذا اختفى البرق وعادت الظلمة أشدَّ وقفوا عن مسيرهم ، وثبتوا في أماكنهم خشية التردّي في الحفر العميقة .
إنها صورة توضح الحالة المتردية للمنافقين المتخبطين في حياتهم لا يدرون ما يفعلون . . .

أما الذين يتصدّقون ويزكون ابتغاء رضوان الله تعالى ، فلهم ثواب من الله كبير ، وحسبهم أن الله تعالى يقبل منهم صدقاتهم ، وينمّيها لهم نماءً عجيباً تنمُّ عنه هذه الصورة الرائعة :
{ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) }(البقرة) .
1 ـ حبّة قمح استقرت في أرض النماء فتفتقت منها سنابل سبع .
2 ـ حملت كل واحدة من هذه السنابل السبع مئة حبّة .
3 ـ الحبّة الوحيدة بِعْتَها لله سبحانه وتعالى ، فردّها إليك سبع مئة ضعف .
4 ـ كرم الله الواسع قد يجعلها أضعافاً مضاعفة ، إنّ جودَ الله لا يحده حدٌّ .
5 ـ لا تبخل أيها المسلم بالشيء القليل لأنّه يكون بإذن الله كثيراً . . .

ـ قال تعالى : { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31)}(الأنعام) .
وتعال معي نستوضح هذه الصورة ، علّها تكون دافعاً إلى الإيمان بالله ، والإيمان بيوم القيامة :
1 ـ الكفار يسخرون من الرسل إذ أنذروهم يوم القيامة ، وحسابَهم فيه .
2 ـ وإذا بهذا اليوم الذي يكذبونه جاءهم فجأة فعلموا أنهم خاسرون .
3 ـ الحسرة والندامة والخوف تسيطر عليهم فقد آذنوا بالويل والثبور ، جزاءً وفاقاً فقد ضيّعوا
أعمالهم في الدنيا فخابوا وخسروا .
4 ـ يحملون آثامهم على ظهورهم على أقبح صورة .
5 ـ ما أسوأ أن تكون النهاية حملَ الذنوب ، ثم الوقوعَ في نار جهنّم .
إنها صورة واضحة جليّة ترتعد لها أفئدة ذوي الألباب أصحابِ الفهم .
ـ وهذه صورة أخرى توضح استحالة العفو عنهم يوم القيامة . قال تعالى :
{ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ
وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ
وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ
(40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ
وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ
(41)}(الأعراف) .
1 ـ الكفار كذبوا بآيات الله تعالى على الرغم من وضوحها ، واستكبروا عن الإيمان بها والعمل بمقتضاها ، وهذا في الدنيا .
2 ـ فإذا كان هذا عملهم فلا عملَ صالحاً لهم يرتفع إلى السماء ، إنما يصعد إليه سبحانه الكلمُ الطيبُ ، وإذا قبضت أرواحهم لا تفتح لهم أبواب السماء .
3 ـ هل يدخل الجمل الضخم في ثقب الإبرة . . كلا وحاشا . . فهم كذلك في جهنّم ، هي مأواهم .
4 ـ وتصوّر أيها الأخ الأريب اللبيب أن الضيف يكرمه صاحب البيت ، إذ يقدّم له فراشاً وثيراً وغطاءً دافئاً ، لكنَّ هؤلاء المجرمين الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم واستكبارهم ، جُعلت النار فرشَهم وأغطيتَهم ، فأي هوان بعد هذا ؟!! . . نسأل المولى حسن الختام .
ـ وقال جلَّ شأنه :
{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ
فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ
إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ
(48)}(الأنفال) .
صورة فيها حركة جيش قريش الذي خرج إلى بدر عاتياً متكبّراً ، طالباً للفخر والثناء ، حيث قال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نرد بدراً ، فنقيمَ فيها ثلاثاً . . نشرب فيها الخمر ، وننحر الجزور (( الإبل )) وتعزف علينا القيانُ وتسمع بنا العرب ، فلا تزال تهابنا أبداً . . ونقتل المسلمين فنستأصلُ شأفتهم ، وندفن هذا الدين في صحراء الموت والفناء . . .
وهذا إبليس اللعين يحسّن لهم الشرك ، والأعمال القبيحة ، ويحضُّهم على حرب الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأصحابه الكرام البررة ، ويعلن أنه سيساعدهم في قتالهم المسلمين ونبيَّهم . .
واحتدم القتال ونزلت الملائكة لنصرة المسلمين ، فولّى الشيطان هارباً ، فلما سأله المشركون إنفاذ عهده ، وتمسّكوا به ، تفلت منهم صغيراً مدحوراً مغتاظاً حقيراً ، وهرب وهو يقول : إني أرى ما لا ترون . . إني أخاف الله . . ولو كان يخافه ما عصاه ، لكنّه رأى الملائكة فخاف منهم ولاذ بالفرار . . .
فهذه الصورة وضَّحت أن النصر للحق وجنده ، وأن وسائل التشويش والإرجاف لا تثبت أمامه ، وأن العاقبة للمتقين .

ـ إذا عاش الإنسان في وَهْم وسراب ثم عرف أنه كان مخطئاً ، حاول تصحيح مساره ، فماذا يفعل إذا لم يحسَّ بخطئه إلا يوم الحساب ، حين تصفعه الحقيقة ، ولا يرى مناصاً من
العقاب . . العقاب الأليم . . . قال تعالى :
{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ
فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ
(28)
فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29)}(يونس) .
الصورة واضحة أمامنا ، ترينا :
1 ـ الناسَ بادئ الأمر محشورين مؤمنَهم وكافرَهم .
2 ـ يفرَّقُ بين المؤمنين والكافرين .
3 ـ يُحشر الكافرون مع آلهتهم المزعومة ، لتصفعهم الحقيقة المرة .
4 ـ يُنطق الله الأوثانَ فتقول للمشركين : ما شعرنا أنكم كنتم تعبدوننا وما أمرناكم بعبادتنا ، فنحن لا نسمع ولا نعقل ولا نبصر ، والله شهيد على ما نقول .
فما أضلَّ من ابتع هواه ، وأغلق عقله ، وغاص في وحل الشرك والكفر . . ! .
ـ وتصور الرعد بصوته الذي يملأ الدنيا ، ويجلجل في الآفاق ، ويلقي الخوف في نفوس الناس ، ما هو إلا تسبيحٌ لله ذي الجلال ، وحمدٌ له سبحانه ، وثناء عليه جلَّ جلاله ، هذه الأصوات التي لا نفهم حقيقتها دلَّ عليها القرآن ، ونبّهنا إلى أن التسبيح صادر مما لا يعقل ، أفليس الأحرى بمن يعقل أن يسبح بحمد الله ويثني عليه ، قال تعالى :
{ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ...(13)}(الرعد) .

ـ ثم التفِتْ إلى أبواب الجنة . . إنها مُشرعة يدخل منها المؤمنون إلى مأواهُم ، الدائمِ نعيمُه المتنامي خيرُه ، معهم آباؤهم وزوجاتهم ، وأبناؤهم الذين اتبعوهم بإيمان . وها هم الملائكة يسلمون عليهم مهنئين بسلامة الوصول إليها ، وما أعظمها من فرحة بالوصول إلى دار الأمان والسعادة !، فالصبر على المكاره وعلى أداء الحقوق والعمل بما يرضي الله تعالى جعلهم
أهلاً لجنات الله والخلود فيها
{ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ
وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ
(23)
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)}(الرعد) .

ـ الجبابرة المتغطرسون لهم الدنيا يتفرعنون فيها ، بين أيديهم ما يريدون ، ولهم ما لذّ وطاب من شراب وطعام ولذّة حرام . . فماذا لهم في الآخرة ؟ يقول الله تعالى :
{ واستفتحوا وخاب كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15)
مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16)
يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ
وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ
وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ
(17)}(إبراهيم) .
إنهم خاسرون وهل ترى أشدَّ خسارة ممن خسر نفسه في جهنّم المحرقة ؟ شرابه قيحٌ ودم ، يبتلعه مرةً إثر مرة ، كارهاً إياه لمرارته ، لا يكاد يستسيغه لقبحه ، ولكنْ لا مفر ، فليس في جهنّم غيرُه ، تاتيه كل أسباب الموت وتحيط به كل الجهات ، ولكنّه لا يموت فليس هناك سوى العذاب الشديد . فهل يشتري الإنسان لذة عابرة في دنياه الفانية ، ويبيع سعادة غامرة في حياة دائمة في جنات الله ورضوانه ؟!!.

ـ هؤلاء الكفار فيهم صفات إنسانية تدعوهم إلى أعمال فيها خير ، يتمثل بالصدقة ، وصلة الرحم ، وغير ذلك . . يأخذون أجرها في الدنيا فقط أما في الآخرة فليس لهم إلا النار ، فلا ينال المُحسن أجره في الآخرة إلا إذا كان مؤمناً بالله ، موحّداً . . فإذا وقف الكافر أمام ربّه فقدَّم أعماله تلك لم يجدها شيئاً . . قال الله تعالى يصور الخيبة في نفوس هؤلاء :
{ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ
أ ـ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ
ب ـ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ
جـ ـ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ
د ـ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)}(إبراهيم).
ضاع كل شيء ، لأن هذه الأعمال لم تكن قائمة على أساس متين من التقوى ، والإيمان بالله سبحانه .

ـ وتابع معي هذه الصورة المخيفة الرهيبة ، قال تعالى :
{ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)
سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ
وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ
(50)}(إبراهيم) .
1 ـ فالكفار مجرمون أجرموا بحق نفسهم ، وأجرموا بحق الله تعالى ، فهم والشياطين سواء ، يقترن بعضهم إلى بعض بالقيود والأغلال ، أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم . . . منظر لا أذلَّ منه .
2 ـ ثيابهم التي يلبسونها من قَطِران ، وهي مادة يسرع فيها اشتعال النار ، تُطلى به الإبلُ الجربى فيحرقُ الجرَبَ بحرِّه وحدّته ، وهو أسودُ منتنُ الرائحة .
3 ـ وهذه النار تندفع إليهم ، فتعلو وجوههم ، وتحيط بهم ، وتحرقهم ثم ...تحرقهم . .
اللهم إنا نعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قولٍ أو عمل .

ـ أما يوم القيامة ، وشدته ، وهوله ، فحدّث ولا حرج ، إن الله سبحانه وتعالى يأمرنا أن نتّقيَه حتى يرحمنا إذا جاء هذا اليوم المخيف ، قال تعالى :
{ يَوْمَ تَرَوْنَهَا
أ ـ تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ
ب ـ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا
جـ ـ وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى
د ـ وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ..(2)}(الحج) .
ما الذي جعل الأم تنسى وليدها على غير عادتها ، على الرغم من حبها الشديد إياه وتفضيلِه على نفسها ؟
ما الذي يَشْدَه المرأةَ فينزلق الجنين من أحشائها إلى الأرض ، لا تشعر به ؟
لماذا يترنح الناسُ غير قادرين على الوقوف والثبات ؟ أهم سكارى ؟
والجواب : لا ليس هذا وذاك ، إنّما أهوال الساعة وشدائدها أطارت هقولهم ، فذهلت المرأة عن رضيعها ، وأسقطت المرأة حملها ، وتمايل الناس مشدوهين . . لمثل هذا فليحذر الحاذرون .
ـ هل رأيت أعضاء الإنسان تتكلم وتنبئ عما فعل صاحبها من المناكير التي يندى لها
الجبين ؟ . . طبعاً إنك ستقول لا . أما يوم القيامة ، يوم الحساب فسيتكرر هذا كثيراً حين يقف الفسقة الكفرة أمام الله سبحانه ، فيقررهم بذنوبهم فينكرون ، ولا يعترفون بشهادة الملكين ، ولا بما كتباه ولا بأقوال الآخرين ، فيقول الله تعالى لهم : ألا ترضون أن تشهد أعضاؤكم ؟ فيقولون ـ ظانين النجاة ـ بلى يا رب .

فيأمر الله تعالى الفم بالسكوت فيسكت ، والأعضاء بالكلام فتتكلم ،
وتقول العينان : بنا يارب كان ينظر إلى المحرمات .
وتقول اليدان : با يا رب كان يبطش بالضعفاء ، ويتناول ما حرَّمْتَهُ .
وتقول القدمان : بنا يا رب كان يسير إلى أماكن الفحشاء والفساد .
وتقول الأذنان : بنا يا رب كان يسمع كلمات الفجور و . . . .
وتشهد عليه أعضاءه فيقول لها الرب سبحانه أصمتن فيصمتن . . ويقول الله تعالى له
: { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىظ° بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا
(14)}(الإسراء).
كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً .

ويُلقى هذا المجرم في النار ، وهو يوبخ أعضاءه : [ من أجلكن كنتُ أناضل . . ] قال تعالى:
{ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)}(النور) .
إنها لوحة تصويرية واضحة المعالم فيها موقف تأباه النفس الكريمة ، يعافه المسلم .
إن الصدق مع الله والعمل بما يرضيه غاية ما يسعى إليه الذكي الألمعي .

ـ أما هذه الصورة فإنها تشع بالضوء النور ، فقد سمى الله نفسه نوراً وجعل كتابه نوراً ، ورسوله نوراً ، واحتجب عن خلقه بالنور ، ومنه نورُ السموات والأرض ونورُ كل شيء . . ولكنْ كيف نقرّب إلى الأفهام حقيقة هذا النور ؟ إن المشبّه به أقوى من المشبّه ، يوضحه ويجلوه للأفهام ، ويقربه للعقول ، والمشبّه هنا أقوى من المشبّه به . . !! .
ولكنْ لا بأس ، فالنور المبهر لا يراه الأعشى ، فلنصِفْه له بما هو دونه كي يعرفه . . وهذا هو الإنسان ضعيف ، قاصر ، فليَدْنُ منه نورُ ربه ذي الجلال بما يوافقه :
{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ
أ ـ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ
ب ـ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ
جـ ـ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ
د ـ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ
هـ ـ نُورٌ عَلَى نُورٍ
و ـ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ
ز ـ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)}(النور) .
فإذا كان هذا مثالَ نورهِ فكيف يكون نوره سبحانه ؟
وإذا كان الله نورَ السموات والأرض أفلا نستنير بنوره ؟!
وإذا كنا نعيش في هذه الدنيا بنورٍ من نوره أفلا نسعى إلى رضاه والجنّة لنرى نوره هناك دون حجاب ؟!!.
اللهم أنت النور فهب لنا من لدنك النور . . آمين . . .

ـ وتعال نستعرض مراحل الخلق خطوة خطوة في هذه الآية المعجزة ، قال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ
أ ـ مِنْ تُرَابٍ [ خلق آدم أبينا ]
ب ـ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ [ الماء القليل الذي ينطف من صلب الرجل ]
جـ ـ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ [ الدم الجامد الذي يشبه العلقة التي تظهر حول الأحواض ]
د ـ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ [ قطعة من اللحم بمقدار ما يمضغ ] مُخَلَّقَةٍ [ واضحة الخلقة فيها الرأس واليدان والرجلان . . . ] وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ [ ما تزال قطعة من اللحم لم يظهر منها شيء ]
هـ ـ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ [ خلقناكم على هذا النموذج البديع لتظهر أسرار قدرتنا ]
و ـ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [ الجنين الذي يبدأ بالتكامل ]
ز ـ ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [ ضعيفاً في بدنه وسمعه وبصره وحواسّه ]
ح ـ ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ [ فتصبحون رجالاً أشداء في قواكم وعقولكم ]
ط ـ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى [ في ريعان شبابه وعنفوان قوته ]
ي ـ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ [ فيصل إلى الشيخوخة والضعف ]
ك ـ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ..(5)}(الحج) [ فيعود إلى ما كان عليه من ضعف ، وقلة فهم ، وسخافة عقل ، فينسى ما علمه ، وينكر ما علافه ].
إنها تدرّج في الخلق من التراب إلى النطفة . . فيعلو حتى يصير رجلاً مكتملاً ثم يبدأ الانحدار . . إلى النهاية . . إنها صورة متحركةٌ مرتّبةُ المرحل تترك أثراً في نفس المشاهد . . بل توضح له أن الحياة يحكمها منظّم قدير . . لا تخفى عليه خافية . .سبحانه .
ـ وإليك صورة الندم والحسرة لرجل كان يعيش جاراً لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم يؤمن به ، وناصبه العداء ، وتبع كافراً فضّله في الصحبة على الصادق الأمين محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، لقد فارقه في الدنيا ، فلما جاء يوم القيامة علم أنّه أخطأ ، ورأى إكرام الله تعالى لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وللمؤمنين . أما الكفرة الفاسقون وهو وصديقه الذي اختاره فهم في نار جهنّم يصلونها وهنا يشعر الكافر بالإحباط الشديد والخسارة البيّنة ، فهو يعضُّ أصابعه ندماً حيث لا ينفع الندم وينادي متألماً :
{ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)}(الفرقان) ،
لماذا ايها الرجل ؟ قال والحسرة تأكل قلبه :
{ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي
وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) }(الفرقان) .
صورة اعتمدت على تعابير الوجه البائس ، والكلمة الحزينة ، وعض الأصابع .
ـ وصورى أخرى مثلها واضحة :
مكانها : أ ـ خارج النار ، ب ـ داخل النار .
حديثها : الملائكة تلوم المجرمين ، والمجرمون يلومون أنفسهم ، ويلومون آلهتهم المزعومة ، ويتمنّون العودة إلى الدنيا ليصلحوا ما أفسدوا ، ولكن هيهات .قال سبحانه:
{ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91)
وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) [مِنْ دُونِ اللَّهِ ؟!]
هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93)؟!
فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)
قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97)
إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)
وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99)
فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)
فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103)}(الشعراء) .

حركتها : طرحهم في النار منكبين على وجوههم ، لا ناصر لهم ولا معين .
خاتمتها : اتخاذ العبرة والعظة ، وطاعة الله تعالى للنجاة من النار وعذابها .

ـ أما قارون فقد آتاه الله المال الكثير فلم يعمل به في مرضاة الله إنما أنكر أن هذا الرزق من عند الله ، ونسب إلى نفسه الرزق وكفر بأنعم الله . .
ثم خرج في موكب استعراضي يشمخ بأنفه متكبّراً متغطرساً ، وحوله أتباعه ، والناس قسمان :
الأول : يتمنى أن يكون له مثل ما لقارون ـ يا لهول ما عنده . . . ـ كان هؤلاء ضعاف الإيمان ، خدعتهم الدنيا ببريقها .
الثاني : العقلاء من أهل العلم والفهم والاستقامة لم يأبهوا لمتاع الدنيا الزائف ، وقاموا ينبهون القسم الأوّل إلى حقارة الدنيا وتفاهتها . .
وفجأة غارت الأرض بقارون ومن معه في داره الواسعة الفخمة ، كأنهم لم يكونوا . .
وانتبه القسم الأول إلى هذه النهاية المفجعة ، فتابوا إلى الله وأنابوا ، وعلموا أن الدنيا زائلة ، وأن الكافرين لا ينجحون في الدنيا ولا في الآخرة . . قال تعالى :
{ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ
قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ
إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
(79)
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ
ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا
وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ
(80)
فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ
فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ
(81)
وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ
وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ
لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا
وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ
(82)}(القصص) .
فهل يرعوي المتجبرون ، ويعرفون مقدارهم ، ويشكرون الله على نعمائه ؟ وهل يعلم ضعفاء الإيمان أن العيش عيش الآخرة ، وأن الدنيا متاع ؟ .

ـ ويصور الله تعالى غزوة الخندق تصويراً دقيقاً يجعلنا نعيش مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه الشدّة التي عانَوْها والابتلاء الذي وقعوا فيه ، والحالة النفسيّة للمنافقين الذين بدأو يهربون إلى بيوتهم ، ويتمنّون لو كانوا بعيدين عن المدينة ، يسمعون من المسافرين أخبارها ، ولو طلب إليهم أن ينضموا إلى الكفار ويقاتلوا المسلمين لفعلوا ذلك مسرعين ناسين أن الموت لا يوفّر أحداً ، سواء كان في القتال ، أم كان في بيته مع أهله وخاصته . . وتبدأ الصورة من نهايتها . . قال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا
اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا
وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا
(9)
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ
وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ
وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا
(10)
هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)
وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا
وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ
وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا
(13)
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14)
وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15)
قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ
وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا
(16)}( الأحزاب) .
جُنُودٌ : (كفار قريش)
وَجُنُودًا: (الملائكة)
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ: (أحاطوا بكم من كل الجهات)
وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ: (هولاً ورعباً)
فَارْجِعُوا : (إلى منازلكم واتركوا محمداً وأصحابه)
فَرِيقٌ مِنْهُمُ المنافقون)
دُخِلَتْ : (المدينة المنورة)

ـ خلق الله النجوم لثلاث : رجوماً للشياطين ، ونوراً يُهتدى بها ، وزينةً للسماء الدنيا ، فإذا دنا شيطان مارد يتسقّط الأخبار من السماء ليفتن بها أهل الأرض ، رُجم بالشهب تقصده من كل مكان لتعيده فلا ينال بغيته ، فإذا ما اختلس شيئاً واسترق السمع لحقه شهاب مضيء ، يلاحقه فيصيبه ويحرقه . . إنها صورة ، كثيراً ما نرى الشهب في أمثالها تنطلق في السماء . . قال
تعالى : { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6)
وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى
وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ
( 8 ) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9)
إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)} (الصافات) .
إنها صورة يختلط فيها الضياء البعيد ـ من النجوم ـ بالشهب التي تقترب من الأرض ، تلك الشهب الموجهة توجيهاً دقيقاً نحو هدف مرسوم يدنو من أسوار السماء ، فلا تمهله ، بل تتبعه ، وتقضي عليه . . دون أن تخطئه .

ـ ولكنْ ما شجرة الزقّوم أين مكانها ؟ ما صفتها ؟ لِمَ تَهدّد اللهُ تعالى المجرمين بها ؟ ، قال تعالى في وصفها :
{ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67)}( الصافات) .

{ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48)}(الدخان) .
تصورِ النارَ التي تحرق كل شيء ، تنبتُ فيها شجرة ملعونة اسمها الزقّوم ، أصلها في قعر جهنّم ثم تتفرّعُ فيها لتكون طعاماً لكل فاجر كافر .
أما ثمارها وحَملها فهي لبشاعتها تشبه رؤوس الشياطين . . ولكن هل يعرف الناسُ الشياطينَ
أو رأوهم ؟! لا ولكنّ رؤوس الشياطين ـ في أذهان الناس قبيحة جداً ، ولشدة جوع أهل النار لا يجدون طعاماً سواها ، فإذا ملأوا بطونهم منها ـ وفي الحديث الشريف : (( لو أن قطرة من الزقوم قُطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم ، فكيف بمن تكون طعامَه ؟! )) ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ شبعوا ، فإذا بها حارّة شديدة الغليان كالنحاس المُذاب ، يقطّع أمعاءَهم ، فيلجأون إلى الماء يسكّن ألمهم ، ويفثأ حُمَيّاً ما أكلوه ، فإذا بشرابهم ماء صديد ، اشتدَّ غليانه كذلك ، يذيب أمعاءهم . . .
اللهم يا رب باعد بيننا وبين النار ، واجعلنا من أهل الجنة ، إنك على كل شيء قدير ، وبالإجابة جدير .
إنه لتصوير يأخذ بالألباب ويحرّك النفوس ، فإن كنا من أهل الله تعالى رَزَقَنا حُسْنَ التدبر والتفكر ، وأخذ بأيدينا إلى طريق الإيمان والاستقامة ، فكنا من أهل السعادة في الدارين . . .

الهوامش:
(1) العطف : الجانب
(2) المِيسم : الآلة التي يُكوَى بها . ولذع : نفخ وأخرق .
(3) شأوه : أمَدُه وعاتبُه .
(4) ألدّ : أشدّ .
(5) خلبه : فتنَهُ .
(6) أسلَّ : أكثر نزعاً واستحراجاً . والسّخيمة : الضغينة .
(7) غرب السيف : حدُّه . فلَّ حدَّ السيف : ثلمه ، فالاعتذار يضعف من حدّة الغضب .
( 8 ) أسرار البلاغة للجرجاني ص 92 ـ 96 عن كتاب البلاغة العربية ـ علم البيان ـ للدكتور بكري شيخ أمين .

يتبع




 

رد مع اقتباس
قديم 15-10-2017   #58
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ 2 أسابيع (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم



يقول الله تعالى :
{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27)}(الزمر) .
ويقول سبحانه : {.. وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ... (39)}(الفرقان) ،
ويقول سبحانه : { ...كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)}(الرعد) .
فلماذا هذه الأمثال المضروبة في القرآن وما فائدتها ؟
إنها تُضرَب :
1ـ لتقريب الفكرة إلى الأفهام .
2ـ وتوضيح مقاصدها .
3ـ ولاتخاذ العظة والعبرة .

ـ ومن هذه الأمثلة التي ضربها الله عزّ وجلّ قوله سبحانه :
{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)
تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) }(إبراهيم) .

فكيف قرّب الله الفكرة إلى الأفهام ؟
الكلمة الطيبة (( لا إله إلا الله )) ، والشجرة الطيبة (( المؤمن )) ، وكلمة الإيمان في قلب المؤمن ، وعمله يصعد إلى السماء وينال بركته وثوابه في كل وقت .
والكلمة الخبيثة (( الكفر )) ، كشجرة (( الحنظل )) الخبيثة استؤصلت من جذورها ، واقتلعت من الأرض لعدم ثبات أصلها ، وكذلك كلمة الكفر لا ثبات لها ولا فرع ولا بركة ، والكافر لا يصعد عمله إلى السماء ولا يُقبل .
فالله تعالى يثبت المؤمن في الدنيا وفي حساب القبر عند سؤال الملكين ، ويضل الكافر في الحياة الدنيا وعند سؤال الملكين في القبر .

ـ ومن هذه الأمثلة التي ضربها الله عزّ وجلّ قوله جل شأنه :
{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ
فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
(112)
وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113) }(النحل) .

فكيف نتخذ العظة والعبرة ؟
هناك قرية كان أهلها في أمن واستقرار وسعادة ونعيم ، تأتيها الخيرات من كل جهة ، فلم يشكر أهلها ربهم على ما آتاهم من خير ورزق ، فسلبهم الله نعمة الأمان والاطمئنان وأذاقهم آلام الخوف والجوع والحرمان ، بسبب كفرهم ومعاصيهم .
وهذا مثل أهل مكة الذين آمنهم الله بالبيت العتيق ، يقصده الناس جميعاً ، ولهم تجارتان في الصيف للشام والشتاء لليمن ، فلما جاءهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعوهم إلى الإيمان بالله كفروا به وعصَوه . . فإن لم يتوبوا إلى الله ، فجزاؤهم سيكون كجزاء أهل القرية المضروب بها المثل .

ـ ومن هذه الأمثلة التي ضربها الله عزّ وجل قوله سبحانه :
{ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42)
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)}(العنكبوت) .

فكيف وضح الله الصورة وبيّن مقاصدَها ؟ .
إنّ الذين اتخذوا آلهة من دون الله يعتمدون عليها ويرجون نفعها كمثل العنكبوت ، بيتها لا يغني عنها في حرٍّ ولا بردٍ ولا مطرٍ ولا أذى . ولو علم هؤلاء الكفار تفاهة ما يعبدونه ما تخذوها آلهة ، وسيجازيهم الله تعالى على كفرهم .
وهذه الأمثال يضربها الله تعالى ليقربها إلى أفهام الناس ، ولا يعقلها إلا أصحاب العقول والأفئدة السليمة .

ـ ومن هذه الأمثلة قوله سبحانه وتعالى :
{ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ
قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ
(78)
قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) }(يس)

فكيف نتخذ العبرة والعظة ؟ .
استبعد الكافرُ عودته بعد الموت إلى الحياة والبعث ، حين أمسك بالعظم الرميم وفتته ، ونسي أنا أنشأناه من نطفة ميتةٍ وركبنا فيها الحياة ، ونسي خلقه العجيب وبدأَه الغريب ، وقاسَ قدرة الله تعالى على قدرتنا الضعيفة .
فقل يا رسول الله إن الذي أنشأها أوّل مرة ، لا يصعب عليه إعادة خلقها ثانيةً ، فالذي يقدر على البداءة قادر على الإعادة ، يعلم كيف يخلق ويبدع ، فلا يصعب عليه بعث الأجساد بعد الفناء.
ألا ترى أن بعض الأشجار الخضراء كالمرخ والعفار ، تقدح الشرر الذي يحرقها . وصدق الشاعر حين قال :
جمْعُ النقيضين من أسرار قدرته * هذا السحاب به نارٌ به ماءٌ

ـ ومن الأمثلة التي ضربها القرآن قوله عزّ وجل :
{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)}(التحريم) .

فكيف نتخذ العبرة والعظة ؟
إذا فرّق الدين بين اثنين ، فدخل المسلم الجنّة ، لم يدخلها الثاني ، ولو كان قريبه وصاحبه وزوجته ، بل دخل النار . فلا يغني في الآخرة أحدٌ عن قريب ولا نسيب ، فزوجتا النبيين الكريمين نوح ولوط لما عصتا كان نصيبهما النار يوم القيامة ، ولا ينفعهما زوجاهما من عذاب الله شيئاً .
وهذه (( آسيا بنت مزاحم )) زوجة فرعون كفرت به ، وهي أقرب الناس إليه ، وآمنت بموسى فلما علم فرعون أمر بقتلها ، فنجاها الله منه فهي في الجنّة تتنعّمُ . فهل ضرَّها أنها زوجة أكفر الكفار ، مَن ادّعى الألوهيّة ، وعصى الله ؟ لا ، فلكلٍ عملُه . وهذه (( مريم )) الطاهرة البتول أم عيسى عليهما السلام شريفة عفيفة ، لا كما زعم اليهود زناها ، فقد نفخ جبريل بفتحة ثوبها ، فوصلت النفخة إلى مكان عفافها ، فحملت بعيسى عليه السلام ، وكانت مؤمنة بكتب ربها ورسله ، وكانت من القانتين ، فما ضرَّها أقاويل اليهود وادعاءاتهم . . .

ـ ومن الأمثلة القرآنية كذلك قول الله تعالى :
{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)}(الزمر)

فكيف نقرّب الفكرة إلى الأفهام ؟ .
هذا عبدٌ مملوك لرجال سيئي الأخلاق بينهم اختلاف وتنازع ، وكل واحد منهم يأمره بأمر يخالف أمر الآخر ، فكيف تكون حاله معهم ؟!.
وهذا عبد مملوك لرجل واحد حسن الأخلاق ، يخدمه بإخلاص وتفانٍ ولا يلقى من سيده إلا الإحسان .
هل يستوي هذان المملوكان في حسن الحال ؟ بكل تأكيد لا . . فكذلك الذي يعبد الله الواحد الأحد ولا يشرك معه أحداً في أحسن حالٍ ، أما الذي يعبد آلهة شتى ، فهو موزّع بين الأهواء والمفاسد والمفاتن .

ـ ومن الأمثلة القرآنية التي ضربها الله عزّ وجل قوله سبحانه :
{ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا
وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ
كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ
فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ
كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ
(17)}(الرعد) .

فكيف وضح لنا سبحانه أن النافع يبقى ، وما لا ينتفع به يزول ؟.
هنا مثلان للحقِّ والباطل ، للدعوة الباقية المفيدة ، والدعوة الذاهبة مع الريح :
أـ إن الماء لينزل من السماء فتسيل به الاودية ، وهو يلمُّ في طريقه غثاء يطفو على وجهه في صورة الزبد ، وهو نافش منتفخ ، ولكنه بعدُ غثاء ، والماء من تحته سارب ساكن هادئ ، ولكنّه الماء الذي يحمل الخير والحياة .
ب ـ كذلك يقع الخبَثُ في المعادن التي تُذاب لتصاغ منها حلية كالذهب والفضة ، أو آنية كالحديد والرصاص ، فإنّ الخبث يطفو ، ولكنّه بعدُ خبثٌ يذهب ، ويبقى المعدن في نقاء .
ذلك مثل الحق والباطل ، فالباطل يطفو ، ويعلو ، ويبدو رابياً منتفخاً ، ولا يلبث أن يذهب جُفاء مطروحاً ، لا حقيقة له ولا تماسك ، والحق يظل هادئاً ساكناً ، ولكنه الباقي في الأرض كالماء المحيي ، والمعدن الصريح (عن ظلال القرآن لسيد قطب) .

. . فضربُ المثل ، وضَّح فكرة ، وأزال إبهاماً ، وقربَّ بعيداً ، وجلّى غموضاً ، فللّه الحمدُ هو العليم العلاّم .

يتبع




 

رد مع اقتباس
قديم 15-10-2017   #59
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ 2 أسابيع (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم



يمتاز المثل بالإيجاز وسرعة دورانه على الألسنة ، فهو يلخص موقفاً أو قصّة ، فإذا مرَّ الإنسان بموقف مشابه أو قصة أو حادثة متشابهتين ، ضرب المثل نفسه للعظة والعبرة .
أما الحكمة فهي عصارة الذهن في حكم صائب ، أو نصيحة صادقة ، دون أن تكون تلخيصاً لموقف أو حادثة . .
وبهذا يختلط مفهوما المثل والحكمة عند العرب ، في استثمارهما واستعمالهما ليؤدّيا هدفاً واحداً ، يتجلى في الحكم والنصيحة والعبرة .
والقرآن الكريم حفل بهما جميعاً ، فكانا أسلوباً راقياً من الأساليب التربوية ، التي استعملها القرآن في الدعوة إلى التقليد وتهذيب النفس ، والاتعاظ وتوضيح المقصد ، وأنواع شتى من الأغراض الإنسانية .
فمن الأمثلة على ذلك ، قوله تعالى :

1ـ { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ..(148)}(البقرة) ، يُضرب لمن عرف ما يريد فخطط له ، واتجه لتحقيقه لا يحيد عنه .
2ـ { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ..(179)}(البقرة) ، يضرب لمن كانت عقوبته سبباً في تحقيق المصلحة العامة .
3ـ { كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ..(249)}(البقرة) ، يضرب للدلالة على أن النفع قد يكون من القلّة ، لا من الكثرة .
4ـ { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)}(البقرة) ، يضرب للحضّ على الخير .
5ـ { ...فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ..(176)}(الأعراف) ، يضرب للخسيس لا فائدة منه .
6ـ { . . وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)}(الأنفال) ، يضرب للتهوين من مكر الخبثاء ، وأن مكرهم مردود عليهم .
7ـ { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ..(51)}(التوبة) ، يضرب للتسليم بقضاء الله .
8ـ { إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ..( 8 )}(يونس) ، يضرب لمن يقع في شر أعماله .
9ـ { وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ..(53)}(يوسف) ، يضرب للمقرِّ بذنبه المعترف بخطئه .
10ـ { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي . . .(108)}(يوسف) ، يَضرب للدلالة على الوضوح والجلاء .
11ـ { . . . إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ..(11)}(الرعد) ، يضرب لحضّ المتراخين على المبادرة ، وعدم الاعتماد على الآخرين في إنجاز أمورهم .
12ـ { . . . وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)}(النحل) ، يُضرب لمن أوقع نفسه في شرِّ أعماله .
13ـ {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ . . .(84) }(الإسراء) ، يضرب لمن يشي عملُه بحاله .
14ـ {.. وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) }(الإسراء) ، يضرب للدلالة على تفاهة علم الإنسان ، وضآلته كلما رأى جديداً من العلوم الدالة على علم الله الواسع .
15ـ { ..وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا . . . (28)}(النساء) ، يضرب للاعتذار عن خطأ ارتُكِبَ ، أو رغبة لم يستطع صاحبها تنفيذها لضعفه .
16ـ { ..وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)}(طه) ، يضرب لذي الفهم والإدراك يتفقت ذهنه دائماً عن فوائد فيعزو ذلك إلى الله تعالى .
17ـ { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ . . . (56)}(القصص) ، يضرب للسيء تحاول تقويمه فلا تفلح .
18ـ { . . . وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ . . .(41)}(العنكبوت) ، يضرب لبيان الضعف الشديد .
19ـ { . . . وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ . . .(25)}(الأحزاب) ، يضرب لمن وصل إلى هدفه دون عناء .
20ـ { . . . وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) }(فاطر) ، يضرب للدلالة على صدق الخبر وصحته ، ودقته .
21ـ { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى . . .(18) }(فاطر) ، يضرب لحصر المسؤولية بمن فعل .
22ـ { . . . وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ . . (18) }(فاطر) ، يضرب لمن يهتم بصلاح نفسه فينال الخير.
23ـ { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ .. (22)}(فاطر) ، يضرب هذا المثل لانتفاء تساوي
المتناقضات .
24ـ { . . . وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) }(فاطر) ، يضرب لليأس ممن لا يعي ولا يعقل .
25ـ { لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)}(الصافات) ، يضرب للحث على الوصول إلى المرتبة العالية ، والسعي لها بهمة وجلد .
26ـ { فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) }(الصافات) ، يضرب للتهديد والوعيد .
27ـ { ...قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ..(9)...}(الزمر) ، يضرب لبيان الفرق بين الشيئين المتناقضين .
28ـ { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)}(الدخان) يضرب لمن يفقد ، فلا يتأثر لفقده أحد .
29ـ { . . . . وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ...(40)}(الأعراف) ، يضرب للتيئيس ، والاستحالة .

وهكذا فالمثل والحكمة يؤديان دوراً مهماً في التعليق على الحدث وإصدار الحكم ، وإلقاء الضوء عليه ، مما يوضح الفكرة ، ولا يترك مجالاً للإبهام أو الوهم ، ويتركان القارئ على المحجة البيضاء فيرى ما يناسبه للوصول به إلى جنة المأوى ورضوان الله تعالى ، والسعيد من كتب الله تعالى له السعادة فبصّرَه وهداه إلى سبيله . .
اللهم اجعلنا من هؤلاء .

يتبع




 

رد مع اقتباس
قديم 15-10-2017   #60
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ 2 أسابيع (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم



إنك قد تأمر أحدهم بفعل شيئ ما سهلٍ وبسيط ، والمأمور ينفذ الأمر دون أن يسألك السبب .
أ ـ لأنه يثق بك وبحكمتك .
ب ـ أو لأن الأمر نفسه لا يحتاج إلى إبداء الأسباب .
جـ ـ أو لأنّه يهاب أن يسألك ، خوفاً او احتراماً . .
د ـ أو أنّه لا يعنيه معرفة السبب من قريب ولا من بعيد .
وقد تُصدر حكماً ، فإما أن يكون الحكم عن هوى أو عن معرفة ، وأحكام الهوى غالباً ما تكون خاطئة إن لم نقل دائماً . . أما الأحكام القائمة على الدليل والبرهان ، فالصواب فيها كبير والخطأ فيها قليل .
والذي نريده هنا أن القرآن الكريم حين يأمر ، أو يحضُّ ، أو ينهى ، أو يعظ ، أو يخبر ، فإنّه يعلل ويبسط السبب ، فلماذا ؟
هناك دواعٍ عديدة منها :
1 ـ أن يكون المعنيُّ على بيّنة ووضوح .
2 ـ البراءة والإعذار .
3 ـ أن يتحمل المعنيُّ مسؤوليّة ما يفعل أو يقول .
4 ـ أن يكون الممعنيُّ صاحبَ القرار الأخير في ذلك .
والقرآن الكريم حرص على تعليل كل أمر ونهي ، فنبّه إلى النتيجة في كل منهما ، ووضّح العاقبة ، وترك بعد ذلك الخيار لهؤلاء وأولئك ، فكلٌّ يعمل على شاكلته .

فمن الأمثلة على ذلك قوله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
أ ـ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا
ب ـ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ
جـ ـ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)
د ـ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) }(البقرة) .
فالشيطان عدو مبين ، ويريد لنا المساءة بكل أنواعها

وقوله تعالى : { الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ .. (194) }(البقرة) .
فما الذي سمح لنا أن نعتدي على العدو؟ إنه اعتدى علينا، فوجب رد اعتدائه كي يرتدع.

وقوله تعالى : { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ
وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ
وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا
وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ
أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ
وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ
. . . (221)) }(البقرة) .
والمفهوم هنا أن الطيور على أشكالها تقع ، فلا نتزاوج إلا مع أمثالنا في العقيدة .

وقوله سبحانه : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ . . . (110) }(آل عمران) . وكنا خير أمة لفعلنا هذا الثالوث الرائع الذي ذكرته الآية الكريمة .

وقوله تعالى : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ
وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ
(181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182)}(آل عمران) .
فلماذا العذاب إذاً ؟ إنهم قالوا بحق الله تعالى ملا ينبغي ، وقتلوا خير الناس ( الأنبياء ) .

وقوله سبحانه: { وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) }(النساء) .
فأكل أموال اليتامى خطأ جسيم ينبغي تحاشيه .

وقوله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ. . .(43) }(النساء) .
سبب ترك الخمر أنه يسبب الوقوع في المحظور ...

ولنقرأ بإمعان الآيات التالية وغيرها في القرآن لنعلم تعليل كل أمر وكل محظور

وقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) }(النساء) .

وقوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ . . .(3) }(المائدة) .

وفي حديثه عن اليهود وفسادهم قال الله معلّلاً غضبه عليهم : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً . . .(13) }(المائدة) .

وقوله تعالى : { فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ
النَّادِمِينَ
(31)مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا . . . (32) }(المائدة) .

وقوله سبحانه : { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) }(المائدة) .

وقوله سبحانه : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)}(المائدة) .

وقال سبحانه مربياً معلماً : { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ . . . (108)}(الأنعام) .

وقوله سبحانه : { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)}(الأنعام) .

وقوله سبحانه : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)}(الأنعام) .

وقوله سبحانه :
{ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) }(الأعراف) .
كما نلاحظ سبب العظة والعبرة في هذه الآية فنجده التنبيه إلى وجوب التقوى والإعذار إلى الله تعالى ..

وانظر إلى رعاية الله سبحانه وتعالى للمسلمين إذ قال جلَّ شأنه في غزوة بدر :
{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
أ ـ لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ
ب ـ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ
جـ ـ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ
د ـ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11)}(الأنفال) .

وقوله محذراً : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15)وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) }(الأنفال) .
إن الهروب من الجهاد في أرض المعركة يؤدي إلى غضب الله تعالى .

وقوله سبحانه : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) }(الأنفال) .

وقوله سبحانه : { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) }(التوبة) .

وقوله سبحانه محرضاً على القتال ومبيناً نتائجه :
{ قَاتِلُوهُمْ
1 ـ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ
2 ـ وَيُخْزِهِمْ
3 ـ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ
4 ـ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14)
5 ـ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ . . . (15) }(التوبة) .

وقوله سبحانه نافياً العفو عن المنافقين : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الْفَاسِقِينَ
(80) }(التوبة) .

وقوله سبحانه : { وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) }(التوبة) .

وحين نادى نوح ربّه أن ابنه كنعان من أهله وسأله أن ينجّيه من النار، قال الله تعالى :
{ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ..(46) }(هود) .

وقوله تعالى : { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ
أ ـ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا
ب ـ وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ . . . (52) }(هود) .

وقوله تعالى : { وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113) }(هود) .
وقوله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)}(يوسف) .

وقوله تعالى : { قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ
أ ـ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا
ب ـ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) }(يوسف) .

وقوله تعالى : { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) }(النحل) .

وقال تعالى عن الإيمان :
{ وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ
أ ـ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا
ب ـ وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
جـ ـ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) }(النحل) .

أما الوصايا التي نجدها في سورة الإسراء فتعليل كل آية في خاتمتها تدل على رفق الله سبحانه بعباده ورحمته بهم فهو الذي خلقهم وهو الذي يدفعهم إلى سبيل الحق ودروب الهداية والمغفرة (انظر : سورة الإسراء ، الآيات : 22 ـ 39 ) .

واقرأ قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)}(الكهف) .
تعلمْ سبب الحذر وتلك الوصية من الفتيان لمن ذهب يشتري طعاماً .

وقوله تعالى : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)
قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)}(طه) .

وتمعن في قوله قوله تعالى : { قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)
إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)
إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111)}(المؤمنون) .
تعلم سبب غضب الله على الكافرين .

واتلُ قوله سبحانه معللاً سبب نزول القرآن منجماً : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32)}(الفرقان) .

واقرأ قوله سبحانه على لسان سيدنا إبراهيم في سبب نبذ الآلهة المزعومة :
{ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)
أ ـ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)
ب ـ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)
جـ ـ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)
د ـ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)}(الشعراء) .

وقوله سبحانه : { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)}(الصافات) .

واتلُ قوله سبحانه : { وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26)}(الأحقاف) .
تلقَ سبب غضب الله على الكافرين .

واقرأ قوله تعالى يمدح المؤمنين وافهم تعليل مدحه إياهم :
{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ
أ ـ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16)
ب ـ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)
جـ ـ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)
د ـ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)}(الذاريات) .

واتلُ قوله تعالى تعلمْ سبب فسقهم : { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) }(الحشر) .

واتل قوله قوله تعالى : { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25)
وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26)
يَا ‎لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)
مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28)
هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30)
ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31)
ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)
إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)
وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)}(الحاقة) .
تعلم سبب عذاب الله تعالى للكافرين .

وقوله تعالى : { مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25)}(نوح) .

وقوله سبحانه : { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4)
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) }(المزمل) .

وهكذا فلا بد لكل شيء من تعليل كي نكون على دراية تامة في الأعمال ونتائجها .

يتبع




 

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أساليب, من, التربية, القرآن, الكريم, في, كتاب


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أساليب وطرق تدريس التربية الإسلامية آسيل منتدى التعليم العام 9 21-04-2016 04:11 PM
اسباب نزول القرآن الكريم ، فضل سور القرآن الكريم ، سبب تسمية كل سورة من سور القرآن ا مصراوي منتدى القرآن الكريم والتفسير 71 22-12-2015 03:03 PM
من أساليب التربية النبوية ابو يحيى سير نبي الرحمة واهم الشخصيات الإسلامية 14 06-12-2015 08:27 PM
القرآن الكريم كتاب الله المنـزل نجود منتدى القرآن الكريم والتفسير 3 09-09-2015 12:16 PM
من أساليب التربية النبوية ابو يحيى سير نبي الرحمة واهم الشخصيات الإسلامية 2 23-05-2013 02:07 PM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 05:54 PM

أقسام المنتدى

الاقسام العامة | المنتدى الاسلامي العام | المنتدى العام | منتدى الترحيب والتهاني | الاقسام الرياضية والترفيهية | العاب ومسابقات | الافلام ومقاطع الفيديو | منتدى الرياضة المتنوعة | الاقسام التقنية | الكمبيوتر وبرامجه | الجوالات والاتصالات | الفلاش والفوتوشوب والتصميم | منتدى التربية والتعليم | قسم خدمات الطالب | تعليم البنين والبنات | ملتقــــى الأعضـــــاء (خاص باعضاء المنتدى) | المرحله المتوسطه | منتدى الحقلة الخاص (حقلاويات) | منتدى الاخبار المحلية والعالمية | اخبار وشـؤون قرى الحقلة | اخبار منطقة جازان | الاقسام الأدبية والثقافية | الخواطر وعذب الكلام | منتدى الشعر | عالم القصة والروايات | اخبار الوظائف | منتديات الصحة والمجتمع | منتدى الصحة | منتدى الأسرة | منتدى السيارات | منتدى اللغة الانجليزية | منتدى الحوار والنقاشات | منتدى التراث والشعبيات والحكم والامثال | منتدى التعليم العام | منتدى السفر والسياحة | الثقافه العامه | منتدى تطوير الذات | كرسي الإعتراف | منتدى عالم المرأة | عالم الطفل | المطبخ الشامل | منتدى التصاميم والديكور المنزلي | المكتبة الثقافية العامة | شعراء وشاعرات المنتدى | مول الحقلة للمنتجات | الخيمة الرمضانية | المـرحلـة الابتدائيـة | استراحة وملتقى الاعضاء | المرحله الثانويه | الصور المتنوعة والغرائب والعجائب | المنتدى الاسلامي | منتدى القرآن الكريم والتفسير | سير نبي الرحمة واهم الشخصيات الإسلامية | قصص الرسل والانبياء | قسم الصوتيات والفلاشات الاسلاميه | اخبار مركز القفل | منتدى الابحاث والاستشارات التربوية والفكرية | افلام الانمي | صور ومقاطع فيديو حقلاويات | البلاك بيري / الآيفون / الجالكسي | بوح المشاعر وسطوة القلم(يمنع المنقول ) | مناسك الحج والعمرة | منتدى | ارشيف مسابقات المنتدى | منتدى الحديث والسنة النبوية الشريفة | المنتدى الاقتصادي | منتدى عالم الرجل | اعلانات الزواج ومناسبات منتديات الحقلة | تراث منطقـة جــــازان | كرة القدم السعوديه | منتدى الرياضة | كرة القدم العربيه والعالمية | ديـوان الشـاعـر عمـرين محمـد عريشي | ديـــوان الشــاعـر عـبدة حكمـي | يوميات اعضاء منتديات الحقلة | تصاميم الاعضاء | دروس الفوتوشوب | ارشيف الخيمة الرمضانية ومناسك الحج والعمرة الاعوام السابقة | منتدى الاخبار | نبض اقلام المنتدى | ديـــوان الشــاعـر علـي الـدحيمــي | الاستشارات الطبية | الترحيب بالاعضاء الجدد | قسم الاشغال الايدويه | قسم الاشغال اليدويه | مجلة الحقله الالكترونيه | حصريات مطبخ الحقله | ديوان الشاعر ابوطراد |



Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Ramdan √ BY: ! Omani ! © 2012
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Forum Modifications Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع المواضيع والمُشاركات المطروحه في منتديات الحقلة تُعبّر عن ثقافة كاتبها ووجهة نظره , ولا تُمثل وجهة نظر الإدارة , حيث أن إدارة المنتدى لا تتحمل أدنى مسؤولية عن أي طرح يتم نشره في المنتدى

This Forum used Arshfny Mod by islam servant