عدد الضغطات : 9,099عدد الضغطات : 6,598عدد الضغطات : 6,318عدد الضغطات : 5,539
التميز خلال 24 ساعة
العضو المميز المراقب المميز المشرف المميز الموضوع المميز القسم المميز
قريبا
قريبا
قريبا

بقلم :
المنتدى الاسلامي العام

العودة   منتديات الحقلة > المنتدى الاسلامي > منتدى القرآن الكريم والتفسير

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: الوجه الاخر لرجل الأعمال سعد التميمي (آخر رد :عميد القوم)       :: احذروا سوء الظن (آخر رد :ابو طراد)       :: من فوائد وفضائل الذكر (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: هل تريد نخلة في الجنة (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: وانت في مفترق الطرق تذكر... (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: غلط يقع فيه بعض المصلين (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: علماء الأزهر (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: رائعة جداً (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: ايمانيات (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: رحله العمر (آخر رد :فاطمة صلاح)      


موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 16-04-2016   #21
مدير عام سابق
انثى الطهر
داعم لصندوق المنتدى



السموه غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1505
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2014
 أخر زيارة : منذ 9 ساعات (06:28 PM)
 المشاركات : 26,731 [ + ]
 التقييم :  420
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
مُستفزه
صَدري مليان عزه
لو تجادلنَي دقيقہ ...
عرش شيَطانك اهزه ▾
لوني المفضل : Black
القاعدة التاسعة عشرة: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ)...



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فحي هلا بكم في ملتقانا البديع: (قواعد قرآنية)، نعيش فيه مع قاعدة من القواعد المحكمة في أبواب التعامل بين الخلق، الذين لا تخلو حياة كثير منهم من بغي عدوان، سواء على النفس أو على ما دونها، تلكم هي القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة: 179].

وهذه الآية القاعدة القرآنية العظيمة جاءت بعد قوله ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ثم قال تعالى ـ مبيناً هذه القاعدة العظيمة في باب الجنايات ـ {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة: 178، 179]، ولنا مع هذه القاعدة القرآنية المحكمة وقفات:

الوقفة الأولى:
إن من تأمل في واقع بلاد الدنيا عموماً ـ مسلمها وكافرها ـ فسيجد قلة القتل في البلاد التي يُقتلُ فيها القاتل ـ كما أشار إلى ذلك العلامة الشنقيطي: ـ وعلل ذلك بقوله: "لأن القصاص رادع عن جريمة القتل؛ كما ذكره الله في الآية المذكورة آنفاً، وما يزعمه أعداء الإسلام من أن القصاص غير مطابق للحكمة؛ لأن فيه إقلال عدد المجتمع بقتل إنسان ثان بعد أن مات الأول، وأنه ينبغي أن يعاقب بغير القتل فيحبس، وقد يولد له في الحبس فيزيد المجتمع، كله كلامٌ ساقط، عارٍ من الحكمة؛ لأن الحبس لا يردع الناس عن القتل، فإذا لم تكن العقوبة رادعةً فإن السفهاء يكثر منهم القتل، فيتضاعف نقص المجتمع بكثرة القتل" انتهى كلامه.

الوقفة الثانية:
مع قوله سبحانه وتعالى في هذه القاعدة القرآنية المحكمة {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}، ذلك أن "الحياة أعز شيء على الإنسان في الجبلة، فلا تعادل عقوبة القتل في الردع والانزجار، ومن حكمة ذلك: تطمين أولياء القتلى بأن القضاء ينتقم لهم ممن اعتدى على قتيلهم، قال تعالى: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً}[الإسراء:33] أي: لئلا يتصدى أولياء القتيل للانتقام من قاتل مولاهم بأنفسهم؛ لأن ذلك يفضي إلى صورة الحرب بين رهطين فيكثر فيه إتلاف الأنفس"(1).

الوقفة الثالثة:
مع تنكير كلمة (حياة) في هذه القاعدة القرآنية {ولكم في القصاص حياة}.
فهذا التنكير "للتعظيم، أي: في القصاص حياة لنفوسكم؛ فإن فيه ارتداعُ الناس عن قتل النفوس، فلو أهمل حكم القصاص لما ارتدع الناس؛ لأن أشد ما تتوقاه نفوس البشر من الحوادث هو الموت، فلو علم القاتل أنه يسلم من الموت لأقدم على القتل مستخفاً بالعقوبات كما قال سعد بن ناشب لما أصاب دماً وهربَ فعاقبه أمير البصرة بهدم داره بها:
سأغسلُ عني العار بالسيف جالباً *** عليَّ قضاء الله ما كان جالبا
وأذهل عن داري، وأجعل هدمها *** لعرضيَ من باقي المذمة حاجبا
ويصغر في عيني تلادي إذا انثنت *** يميني بإدراكك الذي كنت طالبا
ولو ترك الأمر للأخذ بالثأر ـ كما كان عليه في الجاهلية ـ لأفرطوا في القتل وتسلسل الأمر كما تقدم، فكان في مشروعية القصاص حياة عظيمة من الجانبين"(2).

الوقفة الرابعة مع هذه القاعدة القرآنية {ولكم في القصاص حياة}:
هي مع ختم هذه القاعدة بقوله تعالى: {يا أولي الألباب} ففي ذلك "تنبيه على التأمل في حكمة القصاص؛ ففي توجيه النداء إلى أصحاب العقول إشارة إلى أن حكمة القصاص لا يدركها إلا أهل النظر الصحيح؛ إذ هو في بادئ الرأي كأنه عقوبة بمثل الجناية؛ لأن في القصاص رزية ثانية لكنه عند التأمل هو حياة لا رزية للوجهين المتقدمين.
ثم قال: {لعلكم تتقون} إكمالا للعلة، أي لأجل أن تتقوا، فلا تتجاوزوا في أخذ الثأر حد العدل والإنصاف"(3).

الوقفة الخامسة مع هذه القاعدة القرآنية {ولكم في القصاص حياة}:
أن هذه القاعدة العظيمة من جوامع الكلام وبليغِه، فاق ما كان سائراً مسرى المثل عند بعض المتأخرين(4) وهو قولهم: (القتل أنفى للقتل).
وقد اشتغل جمع من البلاغيّين في تحليل هذه القاعدة القرآنية {ولكم في القصاص حياة} للبحث عن مواطن إيجازها المتقَن، ومقارنتِها بالمثل المشهور الذي تكرر وتردد على ألسنة كثير من الأدباء، والكُتاب والصحفيينن ذلكم هو قول العرب: (القتلُ أنفى للقتل) فزعم بعضهم أنها أفصح من هذه القاعدة التي نحن بصدد الحديث عنها {في القصاص حياة}،

وقبل بيان المقارنة يحسن إيراد كلمة محررة ومتينة لأبي بكرٍ الباقلاني: حيث يقول كلاماً، هو كالقاعدة في بين حال من يريد أن يقارن بين كلام الله وكلام خلقه:
"فإن اشتبه على متأدب أو متشاعر أو ناشئ أو مُرْمَدٍ(5) فصاحة القرآن، وموقع بلاغته وعجيب براعته فما عليك منه! إنما يخبر عن نفسه، ويدل على عجزه، ويبين عن جهله، ويصرح بسخافة فهمه وركاكة عقله" (6)!

أيها الإخوة:
وبالمقارنة بين ما نحن بصدده من هذه القاعدة القرآنية: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} وبين ذلك المثل: "الْقَتْلُ أنْفَى لِلْقَتل" ظهر ما يلي:
(1) إنّ حروف القاعدة القرآنية: {فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} أقل عدداً من عبارة العرب: "الْقَتْلُ أنْفَى للقتل".
(2) القاعدة القرآنية ذكرت "الْقِصَاصَ" ولم تقل القتل، فشملت كلَّ ما تُقَابَلُ به الجناية على الأنفس فما دون الأنفس من عقوبة مُمَاثلة، وحدّدَتِ الأمر بأنْ يكون عقوبة وجزاء لخطأ سابق، لا مجرد عدوان، وهذا عين العدل.
أمّا عبارة العرب فقد ذكرت القتل فقط، ولم تقيّده بأن يكون عقوبة، ولم تُشِرْ إلى مبدأ العدل، فهي قاصرة وناقصة.
(3) القاعدة القرآنية {في القصاص حياة} نصَّتْ على ثبوت الحياة بتقرير حكم القصاص، أما المثل العربي فذكر نَفْي القتل، وهو لا يَدُلُّ على المعنى الذي يَدُلُّ عليه لفظ "حياة".
(4) القاعدة القرآنية خالية من عيب التكرار، بخلاف المثل العربي الذي تكررت فيه كلمة القتل مرتين في جملة قصيرة.
(5) القاعدة القرآنية صريحة في دلالتها على معانيها، مستغنية بكلماتها عن تقدير محذوفات، بخلاف عبارة "العرب" فهي تحتاج إلى عدّة تقديراتٍ حتى يَستقيم معناها، إذْ لا بُدَّ فيها من ثلاثة تقديرات، وهي كما يلي: "القتلُ" قصَاصاً "أنْفَى من تركه "لِلقَتْلِ" عمْداً وعدواناً.
(6) في القاعدة القرآنية سَلاَسة، لاشتمالها على حروف متلائمة سهلة التتابع في النطق، أمّا العبارة "العرب" ففيها تكرير حرف القاف المتحرِّك بين ساكنين، وفي هذا ثقل على الناطق (7).

وبعد فإن لهذه المقارنة البلاغية الموجزة قصةً أختم بها حديثي في هذه القاعدة القرآنية، وهي أن العلامو محمود شاكر: قرأ مقالةً لأحد الصحفيين يقرر فيها أن عبارة "القتل أنفى للقتل" أبلغ من هذه القاعدة القرآنية المحكمة: {ولكم في القصاص حياة}، فضاق صدر الشيخ محمود شاكر جداً، ووصف هذه الكلمة بأنها كافرة، فكتب ـ وقتها ـ إلى الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي يستحثه على الجواب عن هذه الدعوى المزيفة، يقول الشيخ محمود شاكر:: "غلى الدم في رأسي حين رأيت الكاتب يلج في تفضيل قول العرب: "القتل أنفى للقتل" على قول الله -تعالى- في كتابه الحكيم: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179]، فذكرت هذه الآية القائلة: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} [الأنعام: 121]... ففي عنقك أمانة المسلمين جميعًا لتكتبن في الرد على هذه الكلمة الكافرة لإظهار وجه الإعجاز في الآية الكريمة، وأين يكون موقع الكلمة الجاهلية منها؛ فإن هذه زندقة إن تركت تأخذ مأخذها في الناس؛ جعلت البر فاجرًا، وزادت الفاجر فجورًا، هم ذئاب الزندقة الأدبية التي جعلت همها أن تلغ ولوغها في البيان القرآني... الخ كلامه".

فلما بلغ هذا الكلام الأديب الرافعي غضب غضبة مضرية، وانبرى للرد على هذه الكلمة الآثمة في بضع صفحات من كتابه الرائع "وحي القلم"، لخصنا شيئاً منها فيما ذكرته آنفاً، فجزاه الله خيراً، وغفر له، وإلى هنا ينتهي ما أردتُ بيانه حول هذه القاعدة القرآنية الكريمة: {ولكم في القصاص حياة} وإلى لقاء جديد بإذن الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

________________
(1) التحرير والتنوير (2 / 192).
(2) التحرير والتنوير 2/200.
(3) التحرير والتنوير 2/200، بتصرف واختصار.
(4) ينظر في بيان كون هذا المثل منقولاً ومترجماً: وحي القلم 3/407 - 410.
(5) أي من في عينيه رمدٌ، إشارة إلى عماه عن إبصار الحقيقة.
(6) نقلها الرافعي في وحي القلم: (3/399).
(7) ينظر ـ في بيان أوجه إعجاز هذه الآية الكريمة ـ: وحي القلم للرافعي 3/402 – 409، والبلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها (492) للميداني.


 

قديم 16-04-2016   #22
مدير عام سابق
انثى الطهر
داعم لصندوق المنتدى



السموه غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1505
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2014
 أخر زيارة : منذ 9 ساعات (06:28 PM)
 المشاركات : 26,731 [ + ]
 التقييم :  420
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
مُستفزه
صَدري مليان عزه
لو تجادلنَي دقيقہ ...
عرش شيَطانك اهزه ▾
لوني المفضل : Black
القاعدة العشرون: (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ)...



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا حديث متجدد عن قاعدة من القواعد المحكمة في أبواب العدل والجزاء، ولتدبرها أثرٌ في فهم المؤمن لما يراه أو يقرأه في كتب التاريخ، أو كتاب الواقع من تقلبات الزمن والدهر بأهله، سواء على مستوى الأفراد أم الجماعات، إنها القاعدة القرآنية التي دل عليها قوله تعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج: 18].

ولعل إيراد الآية الكاملة التي ذكرت فيها هذه القاعدة مما يجلي لنا أبرز صور الإهانة التي تنزل الإنسان من عليائه، يقول سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18].

فهل أدركتَ معي ـ أخي ـ وأنت تستمع لهذه الآية الكريمة أن أعلى وأبهى وأجلى صور كرامة العبد أن يوحّد ربه، وأن يفرده بالعبادة، وأن يترجم ذلك بالسجود لربه، والتذللِ بين يدي مولاه، وخالقِه ورازقه، ومَنْ أمرُ سعادتِه ونجاته وفلاحِه بيده سبحانه وتعالى، يفعلُ ذلك اعترافاً بحق الله، ورجاءً لفضله، وخوفاً من عقابه؟!

وهل أدركتَ ـ أيضاً ـ أن غاية الهوان والذلّ، والسفول والضعة أن يستنكف العبد عن السجود لربه، أو يشرك مع خالقه إلهاً آخر؟! وتكون الجبال الصم، والشجر، والدواب البُهمُ، خيراً منه حين سجدت لخالقها ومعبودها الحق؟!

أيها الإخوة:
وإذا تبيّن هذا فإن هذه القاعدة القرآنية الكريمة: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} جاءت في سياق بيان من هم الذين يستحقون العذاب؟ إنهم الذين أذلوا أنفسهم بالإشراك بربهم، فأذلهم الله بالعذاب، كما قال سبحانه وتعالى: {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} فلا يجدون حينها من يكرمهم بالنصر، أو بالشفاعة!

وتأمل ـ أيها المبارك ـ كيف جاء التعبير عن هذا العذاب بقوله: {ومن يهن الله} ولم يأت بـ(ومن يعذل الله) وذلك ـ والله أعلم ـ "لأن الإهانة إذلالٌ وتحقيرٌ وخزيٌ، وذلك قدرٌ زائدٌ على ألم العذاب، فقد يعذب الرجل الكريم ولا يهان" (1).

ثم تأمل كيف جاء التعبير عن ضد ذلك بقوله: (فما له من مكرم) فإن لفظ "الكرم لفظ جامع للمحاسن والمحامد، لا يراد به مجرد الإعطاء، بل الإعطاء من تمام معناه، فإن الإحسان إلى الغير تمام المحاسن، والكرم كثرة الخير ويسرته،... والشيء الحسن المحمود يوصف بالكرم، قال تعالى: {أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم} [الشعراء: 7]، قال ابن قتيبة: من كل جنس حسن، والقرآن قد دل على أن الناس فيهم كريم على الله يكرمه، وفيهم من يهينه، قال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات:13]، وقال تعالى: {ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء} [الحج:18] (2)

أيها القارئ الكريم:
وإذا كان الشرك بالله هو أعظم صورةٍ يذل بها العبد نفسه، ويدسها في دركات الهوان، فإن ثمةَ صوراً أخرى ـ وإن كانت دون الشرك ـ إلا أن أثرها في هوان العبد وذله ظاهر بيّن: إنه ذل المعصية، وهوان العبد بسببها، يقول ابن القيم: موضحاًً شيئاً من معاني هذه القاعدة القرآنية المحكمة {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} وهو يتحدث عن شيء من شؤم المعاصي، وآثارها السيئة:
"ومنها: أن المعصية سببٌ لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه، قال الحسن البصري: هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم!.
وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد، كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ}! وإنْ عَظّمهم الناس في الظاهر لحاجتهم إليهم، أو خوفاً من شرهم، فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهونه...
إلى أن قال: وهو يتحدث عن بعض عقوبات المعاصي:
"أن يرفع الله عز وجل مهابته من قلوب الخلق، ويهون عليهم، ويستخفون به، كما هان عليه أمر الله، واستخف به، فعلى قدر محبة العبد لله يحبه الناس، وعلى قدر خوفه من الله يخافه الناس، وعلى قدر تعظيمه الله وحرماته يعظم الناس حرماته! وكيف ينتهك عبدٌ حرمات الله ويطمع أن لا ينهك الناس حرماته؟! أم كيف يهون عليه حق الله ولا يهونه الله على الناس؟! أم كيف يستخف بمعاصي الله ولا يستخف به الخلق؟!

وقد أشار سبحانه إلى هذا ـ في كتابه ـ عند ذكر عقوبات الذنوب، وأنه أركس أربابها بما كسبوا، وغطي على قلوبهم، وطبع عليها بذنوبهم، وأنه نسيهم كما نسوه، وأهانهم كما أهانوا دينه، وضيعهم كما ضيعوا أمره، ولهذا قال تعالى ـ في آية سجود المخلوقات له ـ: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} فإنهم لما هان عليهم السجود له، واستخفوا به، ولم يفعلوه أهانهم، فلم يكن لهم من مكرم بعد أن أهانهم، ومن ذا يكرم من أهانه الله أو يهن من أكرم... إلى أن قال:: ومن عقوباتها: أنها تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف، وتكسوه أسماء الذم والصغار، فتسلبه اسم المؤمن والبر والمحسن والمتقي والمطيع... ونحوها، وتكسوه اسم الفاجر والعاصي والمخالف والمسيء...، وأمثالها فهذه أسماء الفسوق وبئس الاسم الفسوق بعد الإيمان التي توجب غضب الديان، ودخول النيران، وعيش الخزي والهوان، وتلك أسماء توجب رضى الرحمان، ودخول الجنان، وتوجب شرف المتسمي بها على سائر أنواع الإنسان، فلو لم يكن في عقوبة المعصية إلا استحقاق تلك الأسماء وموجباتها لكان في العقل ناهٍ عنها، ولو لم يكن في ثواب الطاعة إلا الفوز بتلك الأسماء وموجباتها؛ لكان في العقل أمرٌ بها ولكن لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع، ولا مقرب لمن باعد، ولا مبعد لمن قرب، ومن يهن الله فماله من مكرم، إن الله يفعل ما يشاء"(3) انتهى كلامه.

معشر القراء الكرام:
وفي كلمة ابن القيم الآنفة: "ومن ذا يكرم من أهانه الله، أو يهنْ من أكرم؟" إشارة إلى معنى يفهم من هذه القاعدة القرآنية المحكمة: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} وهو أن من أكرمه ربه بطاعته، والانقيادِ لشرعه ظاهراً وباطناً، فهو الأعز الأكرم، وإن خاله المنافقون أو الكفار الأمر على خلاف ذلك، كما قال من طمس الله على بصائرهم من المنافقين وأشباههم: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[المنافقون: 8] إي والله.. لا يعلمون من هم أهل العزة حقاً!

ألم يقل الله: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين} [آل عمران: 139]؟!
وكيف يشعر المؤمن بالهوان وسنده أعلى؟! ومنهجه أعلى؟! ودوره أعلى؟ وقدوته ج أعلى وأسمى؟!
فهل يعي ويدرك أهل الإيمان أنهم الأعزة حقاً متى ما قاموا بما أوجب الله عليهم؟

وأختم حديثي عن هذه القاعدة القرآنية المحكمة {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ}،بكلمة رائعة لشيخ الإسلام ابن تيمية: حيث يقول:
"الكرامة في لزوم الاستقامة، واللهُ تعالى لم يكرم عبده بكرامة أعظم من موافقته فيما يحبه ويرضاه وهو طاعته وطاعة رسوله وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه وهؤلاء هم أولياء الله الذين قال الله فيهم: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}" (4)، أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم منهم، وأن يكرمنا وإياكم بطاعته، ولا يذلنا ويهيننا بمعصيته، وإلى لقاء جديد بإذن الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

_______________
(1) مجموع الفتاوى 15/367.
(2) مجموع الفتاوى 16/295.
(3) الجواب الكافي: (38 – 52) باختصار.
(4) التحفة العراقية في الأعمال القلبية: (12).


 

قديم 16-04-2016   #23
مدير عام سابق
انثى الطهر
داعم لصندوق المنتدى



السموه غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1505
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2014
 أخر زيارة : منذ 9 ساعات (06:28 PM)
 المشاركات : 26,731 [ + ]
 التقييم :  420
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
مُستفزه
صَدري مليان عزه
لو تجادلنَي دقيقہ ...
عرش شيَطانك اهزه ▾
لوني المفضل : Black
القاعدة الحادية والعشرون: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا مرفأ جديد إلى حلقة جديدة من هذه السلسلة الموسومة بـ(قواعد قرآنية)، نعيش فيها مع قاعدة من القواعد المحكمة في أبواب التعامل مع الخالق سبحانه وتعالى والتعامل مع خلقه، هي قاعدة تمثل سفينةً من سفن النجاة، وركناً من أركان الحياة الاجتماعية، وهي ـ لمن اهتدى بهديها ـ علامة خير، وبرهان على سمو الهمة، ودليل على كمال العقل، تلكم هي القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين}[التوبة: 119].

أيها الإخوة:
هذه القاعدة المحكمة جاءت تعقيباً على قصة جهاد طويل، وبلاء كبير في خدمة الدين، والذب عن حياضه، قام به النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه رضي الله عنهم،وذلك في خاتمة سورة التوبة ـ التي هي من آخر ما نزل عليه – صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 117، 119].

والمعنى: إن هؤلاء الذين تاب الله عليهم ـ النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، والثلاثة الذين خلفوا ـ هم أئمة الصادقين، فاقتدوا بهم.

وأنت ـ أيها المبارك ـ إذا تأملتَ مجيء هذه القاعدة القرآنية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} بعد هذه الآيات، أدركتَ أن الصدق أعمّ من أن يختصر في الصدق في الأقوال! بل هو الصدق في الأقوال والأفعال والأحوال، التي كان يتمثلها نبينا صلى الله عليه وسلم في حياته كلها، قبل البعثة وبعدها.

ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم صادق اللهجة، عف اللسان، أميناً وفيّاً حافظاً للعهود قبل بعثته، عرف بالصادق الأمين، وكان ذلك سبباً في إسلام بعض عقلاء المشركين، الذين كان قائلهم يقول: لم يكن هذا الرجل يكذب على الناس أفتراه يكذب على الله؟!

أيها الإخوة:
كثيرٌ من الناس حينما يسمع هذه القاعدة القرآنية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} لا ينصرف ذهنه إلا للصدق في الأقوال، وهذا في الحقيقة تقصير في فهم هذه القاعدة، وإلا لو تأمل الإنسان سياقها لعلم أنها تشمل جميع الأقوال والأفعال والأحوال! كما تقدم.

يا أهل القرآن!
إن للصدق آثاراً حميدة، وعوائد جليلة; وهو دليل على رجحان العقل، وحسن السيرة، ونقاء السريرة.
ولو لم يكن للصدق من آثار إلا سلامته من رجس الكذب، ومخالفة المروءة، والتشبه بالمنافقين! فضلاً عما يكسبه الصدق من عزة، وشجاعة، تورثه كرامة، وعزة نفس، وهيبةَ جناب، ومن تأمل في قصة الثلاثة الذين خلفوا أدرك حلاوة الصدق ومرارة الكذب ولو بعد حين.
ومن تأمل في الآيات الواردة في مدح الصدق والثناء على أهله وجدَ عجبا عجاباً!

ولو أخذتُ في سرد الآيات الواردة فيه سرداً فقط لانقضى وقت الحلقة قبل أن تنقضي الآيات، ولكن حسبنا أن نشير إلى جملة من الآثار التي دلّ عليها القرآن للصدق وأهله في الدنيا والآخرة:
1. فالصادق سائر على درب الأنبياء والرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ الذين أثنى الله عليهم في غير ما آية بالصدق في الوعد والحديث.

2. والصادق معانٌ ومنصورٌ، ويسخر الله له من يدافع عنه من حيث لا يتوقع، بل قد يكون المدافع خصماً من خصومه، تأمل في قول امرأة العزيز: {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}[يوسف: 51].

3. والصادق يسير في طريق لاحب إلى الجنة، ألم يقل النبي ج: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا" أخرجه الشيخان(1)، وقد قال الله عز وجل ـ مبيناً صفات أهل الجنة ـ: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}[آل عمران: 17].

4. وأهل الصدق هم الناجون يوم العرض الأكبر على ربهم، كما قال تعالى: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم}[المائدة: 119].

5. والصادقون هم أهلٌ لمغفرة الله وما أعده لهم من الأجر والثواب العظيم، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ... أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) [الأحزاب: 35].

وبعد هذا.. فإن من المحزن والمؤلم أن يرى المسلم الخرق الصارخ ـ في واقع المسلمين ـ لما دلّت عليه هذه القاعدة القرآنية المحكمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}!
فكم هم الذين يكذبون في حديثهم؟ وكم هم الذين يخلفون مواعيدهم؟ وكم هم أولئك الذين ينقضون عهودهم؟
أليس في المسلمين من يتعاطى الرشوة ويخون بذلك ما اؤتمن عليه من أداء وظيفته؟ أليس في المسلمين من لا يبالي بتزوير العقود، والأوراق الرسمية؟ وغير ذلك من صور التزوير؟
لقد شوّه ـ هؤلاء ـ وللأسف بأفعالهم وجهَ الإسلام المشرق، الذي ما قام إلا على الصدق!

وإنك لتعجب من مسلم يقرأ هذه القاعدة القرآنية المحكمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}! ومع ذلك يمارس كثير من المسلمين الكذب مع وفرة النصوص الشرعية التي تأمر بالصدق وتنهى عن الكذب!

ليت هؤلاء يتأملون هذا الموقف، الذي حدّث به أبو سفيان س قبل أن يسلم، حينما كان في أرض الشام، إذ جيء بكتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، فقال هرقل: هل ها هنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قالوا: نعم، قال: فدعيت في نفر من قريش، فدخلنا على هرقل، فأجلسنا بين يديه، فقال: أيكم أقرب نسباً من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقلت: أنا، فأجلسوني بين يديه، وأجلسوا أصحابي خلفي، ثم دعا بترجمانه، فقال له: قل لهم: إني سائل هذا عن الرجل الذي يزعم أنه نبي، فإن كذبني فكذبوه، فقال أبو سفيان: وايم الله لولا مخافة أن يؤثر علي الكذب لكذبت(2).

فتأمل ـ أيها المؤمن ـ كيف حاذر هذا الرجل الذي كان مشركاً يومئذ من الكذب؛ لأنه يراه عاراً وسُبةً لا تليق بالرجل الذي يعرف جلالة الصدق، وقبح الكذب؟! إنها مروءة العربي، الذي كان يعد الكذب من أقبح الأخلاق!
ولهذا لما سئل ابن معين: عن الإمام الشافعي قال: دعنا، والله لو كان الكذب حلالاً لمنعته مروءته أن يكذب(3)!
وجاء في ترجمة الحافظ إسحاق بن الحسن الحربي (ت: 284) أن الإمام إبراهيم الحربي سئل عنه، فقال: ثقة، ولو أن الكذب حلال ما كذب إسحاق(4)!
وكان إبراهيم الحربي (ت: 285) يقول في الإمام المحدث هارون الحمال: لو أن الكذب حلال لتركه هارون تنزهاً(5).
ولله درُّ الإمامِ الأوزاعي: أنه قال: والله لو نادى منادٍ من السماء أن الكذب حلال ما كذبت!

فأين من هذا أولئك الذين استمرأوا الكذب، بل وامتهنوه، ولم يكتفوا بهذا بل روّجوا شيئاً من عادات الكفار في الكذب، كما هو الحال فيما يسمى بكذبة إبريل! ويزعم بعضهم أن تلك كذبة بيضاء! وما علموا أن الكذب كله أسود! إلا ما استثناه الشرع المطهر.

ويقال: لو لم يكن من خسارة يجنيها هؤلاء الذين يكذبون إلا أنهم يتخلفون بكذبهم هذا عن ركب المؤمنين الصادقين، الذين عناهم الله بهذه القاعدة القرآنية المحكمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين}.

ما أحرانا معشر الآباء والمربين، أن نربي أجيالنا على هذا الخلق العظيم، وبغض الكذب، وأن نكون لهم قدوات حية يرونها بأعينهم.

يقول الأستاذ الأديب الكبير محمد كرد علي:
"لو عَمَدنا إلى الصدق نجعله شعارنا الباطنَ والظاهر في عامة أحوالنا؛ لوفرنا على أنفسنا وعلى من يحتفون بنا وعلى القائمين بالأمر فينا أوقاتاً وأموالاً ولغواً وباطلاً، ولعشنا وأبناءنا سعداء لا نقلق ونَرَوّع، ممتعين بما نجني، مباركاً لنا فيما نأخذ ونعطي، ولعشنا في ظل الشرف، وتذوقنا معنى الإنسانية، ونَعِمْنا بالقناعة، وعَمّنا الرضى"(6). انتهى، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

_______________
(1) البخاري ح ()، ومسلم ح ().
(2) صحيح البخاري ح (؟)، وصحيح مسلم ح (74).
(3) لسان الميزان 5/416.
(4) تاريخ بغداد (6/382).
(5) تاريخ بغداد (14/22) وفي النص خلل، صحح من تذكرة الحفاظ 2/478.
(6) أقوالنا وأفعالنا (178).


 

قديم 16-04-2016   #24
مدير عام سابق
انثى الطهر
داعم لصندوق المنتدى



السموه غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1505
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2014
 أخر زيارة : منذ 9 ساعات (06:28 PM)
 المشاركات : 26,731 [ + ]
 التقييم :  420
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
مُستفزه
صَدري مليان عزه
لو تجادلنَي دقيقہ ...
عرش شيَطانك اهزه ▾
لوني المفضل : Black
القاعدة الثانية والعشرون: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيع



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذه حلقة جديدة من حلقات هذه السلسة المباركة ـ إن شاء الله ـ (قواعد قرآنية)، نعيش فيها مع قاعدة من القواعد المحكمة في أبواب التعامل مع الخالق سبحانه وتعالى والتعامل مع خلقه، هي قاعدة وملاذٌ لمن تواجه أعمالهم بعدم التقدير، تلكم هي القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين}[يوسف: 90].

وهذه القاعدة جاءت في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام، وذلك حين دخل عليه إخوته فقالوا: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 88 - 90].

أيها الإخوة:
ما أكثر ما نحفظ تعريف التقوى، بل قد يحفظ بعضنا عدة تعاريف لها وللصبر، ويحفظ تقسيمات الصبر، ثم يفشل أحدنا، أو يقع منه تقصير ظاهر في تطبيق هذه المعاني الشرعية كما ينبغي عند وجود المتقضي لها.
ولستُ أعني بذلك العصمة من الذنب، فذلك غير مراد قطعاً، وإنما أقصد أننا نخفق أحياناً ـ إلا من رحم الله ـ في تحقيق التقوى أو الصبر إذا جد الجد، وجاء موجبهما.

كلنا ـ أيها الإخوة ـ يحفظ أن التقوى هي فعل أوامر الله، واجتناب نواهيه.
وكلنا يدرك أن ذلك يحتاج إلى صبر ومصابرة، وحبس للنفس على مراد الله ورسوله، ولكن الشأن في النجاح في تطبيق هذين المعنيين العظيمين في أوانهما.

ولنا أن نتساءل ـ أيها الإخوة ـ هنا عن سر الجمع بين التقوى والصبر في هذه القاعدة القرآنية المحكمة: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}؟
والجواب: أن ذلك ـ والله أعلم ـ لأن أثر التقوى في فعل المأمور، وأما الصبر فأثره في الأغلب في ترك المنهي(1).

أيها القراء الأكارم:
إن لهذه القاعدة القرآنية الجليلة تطبيقاتٍ كثيرة في حياة المؤمن، بل وفيما يقرأه المسلم في كتاب ربه، ومن ذلك:
1 ـ ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية: تعليقاً على هذه القاعدة {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} في سورة يوسف صلى الله عليه وسلم:
"ثم إن يوسف ابتلي بعد أن ظُلِمَ بمن يدعوه إلى الفاحشة، ويراوده عليها، ويستعين عليه بمن يعينه على ذلك، فاستعصم واختار السجن على الفاحشة، وآثر عذاب الدنيا على سخط الله، فكان مظلوماً من جهة من أحبه لهواه، وغرضِه الفاسد... ثم تكلم على محنته مع إخوته، وكيف أنه تعرض لنوعين من الأذى فقابلهما بالتقوى والصبر:

أما الأذى الأول: فهو ظلم إخوته له، الذين أخرجوه من انطلاق الحرية إلى رق العبودية الباطلة بغير اختياره.

وأما الأذى الثاني: فهو ما تعرض له من ظلم امرأة العزيز، التي ألجأته إلى أن اختار أن يكون محبوساً مسجوناً باختياره.

ثم فرق الشيخ: بين صبره على أذى إخوته، وصبره على أذى امرأة العزيز، وقرر أن صبره على الأذى الذي لحقه من امرأة العزيز أعظم من صبره على أذى إخوته؛ لأن صبره على أذى إخوته كان من باب الصبر على المصائب التي لا يكاد يسلم منها أحد، وأما صبره على أذى امرأة العزيز فكان اختيارياً؛ واقترن به التقوى، ولهذا قال يوسف: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.

ثم قال شيخ الإسلام ـ مبيناً اطراد هذه القاعدة القرآنية ـ: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} فقال:
"وهكذا إذا أوذي المؤمن على إيمانه، وطلب منه الكفر أو الفسوق أو العصيان ـ وإن لم يفعل أوذي وعوقب ـ اختار الأذى والعقوبة على فراق دينه: إما الحبس وإما الخروج من بلده، كما جرى للمهاجرين حين اختاروا فراق الأوطان على فراق الدين، وكانوا يعذبون ويؤذون.

وقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم بأنواع من الأذى فكان يصبر عليها صبراً اختيارياً، فإنه إنما يُؤذى لئلا يفعل ما يفعله باختياره، وكان هذا أعظم من صبر يوسف؛ لأن يوسف إنما طلب منه الفاحشة، وإنما عوقب ـ إذا لم يفعل ـ بالحبس، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه طلب منهم الكفر، وإذا لم يفعلوا طلبت عقوبتهم بالقتل فما دونه، وأهون ما عوقب به الحبس... إلى أن قال:
فكان ما حصل للمؤمنين من الأذى والمصائب هو باختيارهم طاعة لله ورسوله لم يكن من المصائب السماوية التي تجري بدون اختيار العبد من جنس حبس يوسف لا من جنس التفريق بينه وبين أبيه وهذا أشرف النوعين وأهلها اعظم بدرجة وإن كان صاحب المصائب يثاب على صبره ورضاه وتكفر عنه الذنوب بمصائبه"(2).

2 ـ ومن تطبيقات هذه القاعدة القرآنية: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}:
تربيةُ النفس على التقوى والصبر على ما يسمى بعشق الصور، الذي أفسد قلوب فئام من الناس، بسبب تعلق قلوبهم بتلك الصور، سواء كانت صوراً حية، أم ثابتة.
ولقد عظمت الفتنة بهذه الصور في عصرنا هذا، الذي لم تعرف الدنيا عصراً أعظم منه في انتشار الصورة، والاحتراف في تصويرها، والتفنن في تغيير ملامحها، وتَيّسر الوصول إلى الصور المحرمة منها وغير المحرمة، عن طريق الإنترنت، والجوال، وغيرها من الوسائل.

فعلى المؤمن الناصح لنفسه أن يتقي ربه، وأن يجاهد نفسه في البعد عن هذا المرتع الوخيم ـ أعني تقليب النظر في الصور المحرمة ـ وأن يوقن أن ما يقذفه الله في قلبه من الإيمان والنور والراحة والطمأنينة سيكون أضعاف ما يجده من لذة عابرة بتلك الصور، ومن أراد أن يعرف مفاسد هذا الباب ـ أعني عشق الصور ـ فليقرأ أواخر كتاب العلامة ابن القيم: "الجواب الكافي" فقد أجاد وأفاد.

وليتذكر المبتلى بالعشق "أنه إذا عف عن المحرمات نظراً وقولاً وعملاً، وكتم ذلك، فلم يتكلم به حتى لا يكون في ذلك كلامٌ محرم: إما شكوى إلى المخلوق، وإما إظهار فاحشة، وإما نوعُ طلبٍ للمعشوق، وصَبَرَ على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى ما في قلبه من ألم العشق، كما يصبر المصاب عن ألم المصيبة، فإن هذا يكون ممن اتقى الله وصبر، و{مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}" (3).

3 ـ ومن تطبيقات هذه القاعدة القرآنية العظيمة: {إِنّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} أن الإنسان قد يبتلى بحُساد يحسدونه على ما آتاه الله من فضله، وقد يجد من آثار هذا الحسد ألواناً من الأذى القولي أو الفعلي، كما وقع لأحد ابني آدم حين حسد أخاه؛ لأن الله تقبل قربانه ولم يتقبل قربان أخيه، وكما وقع ليوسف مع إخوته، وقد يقع هذا من المرأة مع ضرتها، أو من الزميل مع زميله في العمل.

وهذا النوع من الحسد، يقع غالباً بين المتشاركين في رئاسة أو مال أو عمل إذا أخذ بعضهم قسطاً من ذلك وفات الآخر؛ ويكون بين النظراء؛ لكراهة أحدهما أن يفضل الآخر عليه (4).

فعلى من ابتلي بذلك أن يتذكر هذه القاعدة القرآنية: {إِنّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، وليتذكر ـ أيضاً ـ قوله تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}.

4 ـ ومن تطبيقات هذه القاعدة القرآنية العظيمة:
ما تكرر الحديث عنه في سورة آل عمران في ثلاثة مواضع، كلها جاءت بلفظ: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا}.
الأول والثاني منهما: في ثنايا الحديث عن غزوة أحد، يقول سبحانه وتعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[آل عمران: 120]، والثاني: في قوله سبحانه وتعالى: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِين} [آل عمران: 124، 125].

والموضع الثالث: في أواخر آل عمران ـ في سياق الحديث عن شيء من المنهج القرآني في التعامل مع أذى الأعداء من المشركين وأهل الكتاب ـ فقال سبحانه وتعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[آل عمران: 186].

وهذه مواضع جديرة بالتأمل والتدبر، وأحرف هذه الحلقات لا تساعد على التوسع فيها، فأوصي بالرجوع إليها وتدبرها، وتأملها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

______________
(1) جامع الرسائل لابن تيمية (1/38).
(2) مجموع الفتاوى 10/121- 123 بتصرف واختصار.
(3) مجموع الفتاوى 10/ 133 بتصرف واختصار.
(4) ينظر: مجموع الفتاوى 10/ 125-126.


 

قديم 16-04-2016   #25
مدير عام سابق
انثى الطهر
داعم لصندوق المنتدى



السموه غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1505
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2014
 أخر زيارة : منذ 9 ساعات (06:28 PM)
 المشاركات : 26,731 [ + ]
 التقييم :  420
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
مُستفزه
صَدري مليان عزه
لو تجادلنَي دقيقہ ...
عرش شيَطانك اهزه ▾
لوني المفضل : Black
القاعدة الثالثة والعشرون: (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا)...



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا ظل من ظلال حلقات هذا البرنامج نتفيأه عند قاعدة من القواعد القرآنية التي حفل بها كتاب ربنا عز وجل، تلكم القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189].

وهذه القاعدة القرآنية جاءت ضمن سياق الحديث عن عادة من عادات أهل الجاهلية، الذين إذا أحرموا، لم يدخلوا البيوت من أبوابها، تعبدا بذلك، وظنا أنه بر، فأخبر الله أنه ليس ببر؛ لأن الله تعالى، لم يشرعه لهم، كما ثبت سبب هذا النزول في الصحيحين من حديث البراء رضي الله عنه.

قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة: 189].

ولئن كان سبب النزول الذي عالج ذلك الخطأ من أجلى وأظهر الصور التي عالجتها هذه القاعدة، فإن ثمة تطبيقات أخرى واسعة لهذه القاعدة القرآنية الجليلة {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}، تظهر لمن تتبع كلام العلماء عنها، أو في تطبيقاتهم العملية لها، ومن ذلك:
1 ـ عبادة الله تعالى، فإنها الطريق الموصل إلى الله عز وجل، ومن أراد أن يصل إلى الله، فعليه أن يسلك الطريق الموصل إليه سبحانه وتعالى، ولا يكون ذلك إلا بواسطة الطريق الذي سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يقول العلامة ابن القيم رحمه الله:
"فالوصول إلى الله وإلى رضوانه بدونه محال، وطلب الهدى من غيره هو عين الضلال، وكيف يوصل إلى الله من غير الطريق التي جعلها هو سبحانه موصلة إليه؟ ودالة لمن سلك فيها عليه؟ بعث رسوله بها مناديا، وأقامه على أعلامها داعيا، وإليها هاديا، فالباب عن السالك في غيرها مسدود، وهو عن طريق هداه وسعادته مصدود، بل كلما ازداد كدحاً واجتهاداً: ازداد من الله طرداً وإبعاداً"(1).

ويؤكد ذلك العلامة السعدي رحمه الله، في تعليقه على هذه القاعدة التي نحن بصدد الحديث عنها: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} فيقول: "وكل من تعبد بعبادة لم يشرعها الله ولا رسوله، فهو متعبد ببدعة، وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها لما فيه من السهولة عليهم، التي هي قاعدة من قواعد الشرع"(2).

2 ـ ومن تطبيقات هذه القاعدة { وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} أنه:
"يؤخذ من عمومها اللفظي والمعنوي أن كل مطلوب من المطالب المهمة ينبغي أن يؤتى من بابه، وهو أقرب طريق ووسيلة يتوصل بها إليه، وذلك يقتضي معرفة الأسباب والوسائل معرفة تامة؛ ليسلك الأحسن منها والأقرب والأسهل، والأقرب نجاحاً، لا فرق بين الأمور العلمية والعملية، ولا بين الأمور الدينية والدنيوية، ولا بين الأمور المتعدية والقاصرة، وهذا من الحكمة"(3).

3 ـ ومن تطبيقات هذه القاعدة {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} إغلاقها لباب الحيل على الأحكام الشرعية، إلا فيما أذن فيه الشرع؛ ذلك أن المتحايل على الشريعة لم يأت الأمر من بابه، فخالف بذلك ما دلت عليه هذه القاعدة المحكمة.

يقول ابن القيم رحمه الله مبيناً شناعة فعل هؤلاء المتحايلين، الذين تفننوا في هذا الباب:
"فاستبيحت بحيلهم الفروج، وأخذت بها الأموال من أربابها فأعطيت لغير أهلها، وعطلت بها الواجبات، وضيعت بها الحقوق، وعجّت الفروج والأموال والحقوق إلى ربها عجيجاً، وضجت مما حل بها إليه ضجيجاً، ولا يختلف المسلمون أن تعليم هذه الحيل حرام، والإفتاء بها حرام، والشهادة على مضمونها حرام، والحكم بها مع العلم بحالها حرام"(4)انتهى.

فإذا تبين ذلك، فقارن ـ أيها المستمع الكريم ـ كم هم الذين وقعوا في هذا المرتع الوخيم؟! ممن نصبوا أنفسهم للإفتاء في بعض المنابر الإعلامية، أو في بعض المواقع، وساعدهم على ذلك تراكض كثير من الناس في هذا الباب، وأدنى نظرة في الواقع، تبين أن الأمر جلل، والله المستعان.

4 ـ ومن تطبيقات هذه القاعدة القرآنية: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}:
في باب طلب العلم شرعياً كان أم غير شرعي، وكذلك في طلب الرزق، فإن "كل من سلك طريقاً وعمل عملاً، وأتاه من أبوابه وطرقه الموصلة إليه، فلا بد أن يفلح وينجح ويصل به إلى غايته، كما قال تعالى: { وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}[البقرة: 189]، وكلما عظم المطلوب تأكد هذا الأمر، وتعين البحث التام عن أمثل وأقوم الطرق الموصلة إليه"(5).

وما أجمل ما قاله قيس بن الخطيم:
إذا ما أتيت العزّ من غير بابه *** ضللتَ، وإن تقصد من الباب تهتد(6).

5 ـ ومن تطبيقات هذه القاعدة القرآنية: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}:
هو الحديث مع الناس، فإن الآية ترشد إلى أن المؤمن عليه أن يسلك الطريقة المناسبة في الحديث، فيعرف الموضوع المناسب الذي يحسن طرقُه، والوقت الملائم، ويعرف طبيعة الشخص أو الناس الذين يتحدث إليهم، فإن لكل مقام مقالاً، ولكل مجال جدالاً، ولكل حادثة مقاماً.
وعلى هذا فإذا أراد الإنسان أن يخاطب شخصاً كبير المنزلة في العلم أو الشرف، فلا يليق أن يخاطبه بما يخاطب سائر الناس؛ والحكمة في هذا هي المدار، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً.

6 ـ ومن تطبيقات هذه القاعدة القرآنية: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}:
ما أشار إليه ابن الجوزي في كتابه الماتع "صيد الخاطر" حيث يقول رحمه الله:
"شكا لي رجل من بغضه لزوجته ثم قال: ما أقدر على فراقها لأمور: منها كثرة دينها علي، وصبري قليل، ولا أكاد أسلم من فلتات لساني في الشكوى، وفي كلمات تعلم بغضي لها.
فقلت له: هذا لا ينفع وإنما تؤتى البيوت من أبوابها، فينبغي أن تخلو بنفسك، فتعلم أنها إنما سلطت عليك بذنوبك، فتبالغ في الاعتذار والتوبة، فأما الضجر والأذى لها فما ينفع، كما قال الحسن البصري عن الحجاج بن يوسف: عقوبة من الله لكم، فلا تقابلوا عقوبته بالسيف، وقابلوها بالاستغفار.

واعلم أنك في مقام مبتلى، ولك أجر بالصبر وعسى أن تكرهوا شيئاً، وهو خير لكم، فعامل الله سبحانه بالصبر على ما قضى، واسأله الفرج، فإذا جمعت بين الاستغفار وبين التوبة من الذنوب، والصبر على القضاء، وسؤال الفرج، حصلت ثلاثة فنون من العبادة تثاب على كل منها، ولا تُضَيّع الزمان بشيء لا ينفع، ولا تحتل ظاناً منك أنك تدفع ما قدر... وأما أذاك للمرأة فلا وجه له، لأنها مسلطة فليكن شغلك بغير هذا.
وقد روي عن بعض السلف أن رجلاً شتمه فوضع خده على الأرض وقال: اللهم اغفر لي الذنب الذي سَلّطَتَ هذا به علي"(7) انتهى كلام ابن الجوزي رحمه الله.

والغرض الذي أردتُ منه ذكر هذه القصة: أن هذا الإمام الواعظ استخدم هذه القاعدة القرآنية {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} في علاج مشكلة هذا الرجل الاجتماعية، وما أكثر هذا النوع من المشاكل، لكن ما أقل من يستعمل قواعد القرآن، وهداياته في علاج مشاكل الناس الاجتماعية، إما تقصيراً في فهم هداياته، أو قصوراً في ذلك، والواجب علينا أن ننطلق في إصلاح مشاكلنا كلها مهما تنوعت من كتاب ربنا، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن نعتقد ذلك يقيناً؛ لأن الله تعالى يقول: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} في كل شيء: في أمر العقائد، وأحكام الحلال والحرام، والقضايا الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية، ولكن الشأن فينا نحن، وفي تقصيرنا في تطلب حل مشاكلنا من كتاب ربنا تعالى، نسأل الله تعالى أن يعيننا على فهم كتابه، والاهتداء بهديه، والاستنارة بنوره، وإلى لقاء جديد بإذن الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

_________________
(1) مقدمة كتابه "تهذيب السنن" 1/3.
(2) تفسير السعدي: (88)، وقد نبه على اطراد هذه القاعدة: شيخنا محمد العثيمين رحمه اله في شرحه على البخاري.
(3) تيسير اللطيف المنان (45).
(4)إعلام الموقعين عن رب العالمين - (3 / 372).
(5) القواعد الحسان: (3).
(6) جمهرة الأمثال للعسكري (89).
(7) صيد الخاطر: (303).


 

قديم 16-04-2016   #26
مدير عام سابق
انثى الطهر
داعم لصندوق المنتدى



السموه غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1505
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2014
 أخر زيارة : منذ 9 ساعات (06:28 PM)
 المشاركات : 26,731 [ + ]
 التقييم :  420
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
مُستفزه
صَدري مليان عزه
لو تجادلنَي دقيقہ ...
عرش شيَطانك اهزه ▾
لوني المفضل : Black
القاعدة الرابعة والعشرون: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا).



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا ظل من ظلال حلقات هذا السلسلة المباركة؛ لنتوقف قليلاً عند قاعدة من القواعد القرآنية التي حفل بها كتاب ربنا عز وجل، تلكم هي القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69].

وهذه الآية الكريمة جاءت في ختام سورة العنكبوت، والتي افتتحت بقوله تعالى: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1 - 3].

وكأن ختام سورة العنكبوت بهذه القاعدة القرآنية: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} هو جواب عن التساؤل الذي قد يطرحه المؤمن ـ وهو يقرأ صدر سورة العنكبوت التي ذكرنا مطلعها آنفاً ـ تلك الكلمات العظيمة ـ التي تقرر حقيقة شرعية وسنة إلهية ـ في طريق الدعوة إلى الله تعالى، وذلك السؤال هو: ما المخرج من تلك الفتن التي حدثتنا عنها أول سورة العنكبوت؟! فيأتي الجواب في آخر السورة، في هذه القاعدة القرآنية المحكمة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فلا بد من الجهاد ـ بمعناه العام ـ ولا بد من الإخلاص، عندها تأتي الهداية، ويتحقق التوفيق بإذن الله.

ولا بد لكل من أراد أن يسلك طريقاً أن يتصور صعوباته؛ ليكون على بينة من أمره، وهكذا هو طريق الدعوة إلى الله، فلم ولن يكون مفروشاً بالورود والرياحين، بل هو طريق "تعب فيه آدم, وناح لأجله نوح, ورمى في النار الخليل, وأضجع للذبح إسماعيل, وبيع يوسف بثمن بخس, ولبث في السجن بضع سنين"(1).
أتدري لماذا أيها القارئ الكريم؟
لأن "الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف؛ وأمانة ذات أعباء؛ وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال. فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا. وهم لا يتركون لهذه الدعوى، حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم، كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به وهذا هو أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب"(2).

"فيا من نصبت نفسك للدعوة، وأقمت نفسك مقام الرسل الدعاة الهداة تحمَّل كلَّ ما يلاقيك من المحن بقلب ثابت، وجأش رابط، ولا تزعزعنَّك الكروب؛ فإنها مربِّية الرجال، ومهذِّبة الأخلاق، ومكوِّنة النفوس.

وإن رجلاً لم تعركه الحوادث، ولم تجرِّبه البلايا لا يكون رجل إصلاح ولا داعي خَلْقٍ إلى حقٍّ؛ فوطِّن النفس على تحمُّل المكروه، وابذل كل ما تستطيع من قوة ومال يهدك الله طريقاً رشداً، ويصلح بك جماعات بل أمماً [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ]"(3).

أيها القراء الكرام:
وإذا تبينت صلة هذه القاعدة القرآنية المذكورة في آخر سورة العنكبوت: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} ـ بأول السورة، فإن دلالات هذه القاعدة في ميدان الدعوة كبيرة ومتسعة جداً، وهي تدل بوضوح على أن من رام الهداية والتوفيق ـ وهو يسير في طريق الدعوة ـ فليحقق ذينك الأصلين الكبيرين اللذين دلّت عليهما هذه القاعدة:
1 ـ أما الأصل الأول: فهو بذل الجهد والمجاهدة في الوصول إلى الغرض الذي ينشده الإنسان في طريقه إلى الله تعالى.

2 ـ والأصل الثاني هو: الإخلاص لله، لقوله ـ: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} فليس جهادهم من أجل نصرة ذات، ولا جماعة على حساب أخرى، وليس من أجل لعاعة من الدنيا، أو ركض وراء كرسي أو منصب، بل هو جهادٌ في ذات الله تعالى.

وإنما نُبّه على هذا الأصل ـ وهو الإخلاص ـ مع كونه شرطاً في كل عمل، فإن السر ـ والله أعلم ـ لأن من الدعاة من قد يدفعه القيام بالدعوة، أو بأي عمل نافع، الرغبة في الشهرة التي نالها الداعية الفلاني، أو يدفعه نيل ثراء ناله المتحدث الفلاني.. فجاء التنبيه على هذا الأصل الأصيل في كل عمل صالح.

وثمة سرٌّ آخر ـ والله أعلم ـ في التنبيه على هذا الأصل، وهو: أن الإنسان قد يبدأ مخلصاً، ثم لا يلبث أن تنطفئ حرارة الإخلاص في نفسه كلما لاح أمام ناظريه شيء من حظوظ النفس، والأثرة، أو التطلع إلى جاه، والرغبة في العلو والافتخار، أو الانتصار.

"والعلل الناشئة عن فقدان الإخلاص كثيرة، وهي إذا استفحلت استأصلت الإيمان، وإذا قلّت تركت به ثُلماً شتى، ينفذ منها الشيطان" (4)، لذا ليس غريباً أن يأتي التوكيد على هذا الأصل الأصيل في هذا المقام العظيم: مقام الجهاد والمجاهدة.

وإذا تقرر أن السورة مكية ـ على القول الصحيح من أقوال المفسرين ـ وهو الذي لم تجب فيه بعدُ شعيرة الجهاد بمعناه الخاص ـ وهو قتال المشركين لإعلاء كلمة الله ـ فإن ثمة معنى كبيراً تشير إليه هذه القاعدة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}، وهو أن من أبلغ صور الجهاد: الصبر على الفتن بنوعيها: فتن السراء وفتن الضراء، والتي أشارت أوائل سورة العنكبوت إلى شيءٍ منها.

أيها المتأمل الكريم:
وهذه القاعدة القرآنية المحكمة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} دلت على شيءٍ آخر، كما يقول ابن القيم:: "وهو أن أكمل الناس هدايةً أعظمهم جهاداً، وأفرض الجهاد جهاد النفس، وجهاد الهوى، وجهاد الشيطان، وجهاد الدنيا، فمن جاهد هذه الأربعة في الله، هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد... إلى أن قال:: ولا يتمكن من جهاد عدوه في الظاهر إلا من جاهد هذه الأعداء باطناً، فمن نُصِرَ عليها نُصِرَ على عدوه، ومن نصرتْ عليه نُصِرَ عليه عدوُه" (5).

وفي كلمات الأعلام من سلف هذه الأمة، والتابعين لهم بإحسان ما يوسع دلالة هذه القاعدة:
فهذا الجنيد: يقول ـ في تعليقه على هذه القاعدة القرآنية: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} ـ:
والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة؛ لنهدينهم سبل الإخلاص.
ولأهل العلم نصيب من هذه القاعدة، يقول أحمد بن أبي الحواري: حدثني عباس بن أحمد ـ في قوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} قال: الذين يعملون بما يعلمون، نهديهم إلى ما لا يعلمون.

وهذا الذي ذكره هذا العالم الجليل هو معنى ما روي في الأثر: من علم بما عمل، ورّثه الله علم ما لم يعمل، وشاهد هذا في كتاب الله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}[محمد: 17].
وكان عمر بن عبدالعزيز: يقول: "جهلنا بما علمنا تركنا العمل بما علمنا ولو علمنا بما علمنا لفتح الله على قلوبنا غلق ما لا تهتدي إليه آمالنا (6).

وفي واقع المسلمين أحوال تحتاج إلى استشعار معنى هذه القاعدة القرآنية: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}:
فمن له والدان كبيران مريضان، بحاجة أن يستشعر هذه القاعدة..
ومن سلك طريق طلب العلم، فطال عليه بعض الشيء بحاجة أن يتأمل معاني هذه القاعدة..
ومن فرّغ جزءً من وقته لتربية النشء، والشباب، أو لتعليم أبناء وبنات المسلمين كتابَ الله عز وجل ـ وقد دبّ عليه الفتور ـ هو بحاجة ماسّة ليتدبر هذه القاعدة..

وبالجملة، فكلُّ من نصب نفسه لعمل صالح، سواء كان قاصراً أم متعدياً، فعليه أن يتدبر هذه القاعدة كثيراً، فإنها بلسمٍ شافٍ في طريق السائرين إلى ربهم، ويوشك المؤمن أن ينسى كلَّ ما واجهه من تعب ونصب، إذا وضع قدمه على أول عتبة من عتابات الجنة، جعلني الله وإياكم ـ ووالدينا وذرياتنا ـ من أهلها، ومن الدعاة إلى دخولها.

_________________
(1) الفوائد: (42).
(2) في ظلال القرآن.
(3) الكلمة للمنفلوطي، نقلاً عن مقالات لكبار كتاب العربية للدكتور محمد الحمد ـ وفقه الله ـ (1 / 213).
(4) خلق المسلم للغزالي: (66).
(5) الفوائد: (59).
(6) درء التعارض 4/358.


 

قديم 16-04-2016   #27
مدير عام سابق
انثى الطهر
داعم لصندوق المنتدى



السموه غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1505
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2014
 أخر زيارة : منذ 9 ساعات (06:28 PM)
 المشاركات : 26,731 [ + ]
 التقييم :  420
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
مُستفزه
صَدري مليان عزه
لو تجادلنَي دقيقہ ...
عرش شيَطانك اهزه ▾
لوني المفضل : Black
القاعدة الخامسة والعشرون: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا)...



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا مرتع خصب، وروضة غناء، نتفيأ في ظلالها معنىً من معاني كلام الله عز وجل، ومع قاعدة من القواعد التي تتصل بفقه السنن الإلهية في الأمم والمجتمعات، تلكم هي القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}[الإسراء: 59].

وقد تنوعت عبارات المفسرين في بيان المراد بهذه الآيات التي يرسلها ربنا تعالى، فمن قائل: هو الموت المتفشي الذي يكون بسب وباء أو مرض، ومن قائل: هي معجزات الرسل جعلها الله تعالى تخويفا للمكذبين، وثالث يقول: آيات الانتقام تخويفاً من المعاصي.

وهذا الإمام ابن خزيمة: يبوب على أحاديث الكسوف بقوله: باب ذكر الخبر الدال على أن كسوفهما تخويف من الله لعباده، قال الله عز وجل: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}(1).

وكل هذه العبارات ـ في تنوعها ـ تشير إلى أن الآيات لا يمكن حصرها في شيء واحد، وما ذكره السلف ـ رحمهم الله ـ إنما هو عبارة عن أمثلة لهذه الآيات، وليس مرادهم بذلك حصر الآيات في نوع واحد منها، وهذه هي عادة السلف في أمثال هذه المواضع عندما يفسرونها.

والمهم هنا ـ أيها المستمعون الفضلاء ـ أن يتأمل المؤمن والمؤمنة كثيراً في الحكمة من إرسال هذه الآيات ألا وهي التخويف، أي: حتى يكون الإنسان خائفاً وجلاً من عقوبة قد تنزل به.

يقول قتادة: في بيان معنى هذه القاعدة القرآنية: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا}: "إن الله يخوف الناس بما شاء من آية لعلهم يعتبرون، أو يذكرون، أو يرجعون، ذكر لنا أن الكوفة رجفت على عهد ابن مسعود، فقال: يأيها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه"(2).

وروى ابن أبي شيبة: في مصنفه من طريق صفية بنت أبي عبيد قالت: زلزلت الأرض على عهد عمر حتى اصطفقت السرر، فوافق ذلك عبد الله بن عمر وهو يصلي، فلم يدر، قال: فخطب عمر الناس وقال: لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم.

وهذا التوارد في كلمات السلف في بيان معنى هذه الآية يؤكد أن السبب الأكبر في إرسال الآيات: هو تخويف العباد، وترهيبهم مما يقع منهم من ذنوب ومعاصٍ، لعلهم يرجعون إلى ربهم الذي أرسل لهم هذه الآيات والنذر، وإن لم يرجعو فإن هذه علامة قسوة في القلب ـ عياذاً بالله تعالى ـ كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)} [الأنعام: 42 - 44].

وكما قال ربنا عز وجل: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76].
ـ فإن قلتَ: ما الجواب عما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال ـ لما سمع بخسف ـ: كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفا!(3).

فالجواب أن مراد ابن مسعود رضي الله عنه ـ كما بينه الإمام الطحاوي: ـ: أنا كنا نعدها بركة؛ لأنا نخاف بها فنزداد إيماناً وعملاً، فيكون ذلك لنا بركة، وأنتم تعدونها تخويفاً ولا تعملون معها عملاً، يكون لكم به بركة، ولم يكن ما قال عبد الله س عندنا مخالفاً لما جاء به كتاب الله عز وجل من قول الله عز وجل: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} أي: تخويفاً لكم بها لكي تزدادوا عملا،وإيمانا فيعود ذلك لكم بركة"(4).

أيها القارئ الفطن:
ومع وضوح هذا المعنى الذي دلت عليه هذه القاعدة القرآنية: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}،ومع ظهوره، إلا أن من المؤسف جداً أن يقرأ الإنسان أو يسمع بعض كتاب الصحف، أو المتحدثين على بعض المنابر الإعلامية من يسخرون أو يهوّنون من هذه المعاني الشرعية الظاهرة، ويريدون أن يختصروا الأسباب في وقوع الزلازل أو الفيضانات، أو الأعاصير ونحوها من الآيات العظام في أسباب مادة محضة، وهذا غلط عظيم!

ونحن لا ننكر أن لزلزلة الأرض أسباباً جيولوجية معروفة، وللفضيانات أسبابها، وللأعاصير أسبابها المادية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: من الذي أمر الأرض أن تتحرك وتضطرب؟ ومن الذي أذن للماء أن يزيد عن قدره المعتاد في بعض المناطق؟ ومن الذي أمر الرياح أن تتحرك بتلك السرعة العظيمة؟ أليس الله؟ أليس الذي أرسلها يريد من عباده أن يتضرعوا له، ويستكينوا له لعله يصرف عنهم هذه الآيات؟!

ولا أدري! ألم يتأمل هؤلاء دلالة هذه القاعدة من الناحية اللغوية؟ فإنها جاءت بأسلوب الحصر: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}، فهي في قوة الحصر الذي دلّ عليه قوله تعالى ـ: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 62] ، وهي فقوة الحصر الذي دلّ عليه قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: 6] ونحوها من الآيات.

ثم ماذا يصنع هؤلاء الذين يهوّنون من شأن هذه الآيات ـ شعروا أم لم يشعروا، قصدوا أم لم يقصدوا ـ بمثل تلك التفسيرات المادية الباردة، ماذا يصنعون بما رواه البخاري ومسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح، قال: "اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشرما فيها وشر ما أرسلت به" قالت: وإذا تخيلت السماء ـ وهي سحابه فيها رعد وبرق يخيل إليه أنها ماطرة ـ تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سري عنه، فعرفت ذلك في وجهه، قالت عائشة: فسألته؟ فقال: لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا}(5).

ولا أدري كيف يجيب هؤلاء ـ هداهم الله ـ عن قوله تعالى في حق قوم نوح: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} [نوح: 25]؟

يقول ابن كثير: في بيان معنى قوله عز وجل:{مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ}: أي: من كثرة ذنوبهم وعتوهم وإصرارهم على كفرهم ومخالفتهم رسولهم: {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} أي: نقلوا من تيار البحار إلى حرارة النار.

وأما ما يورده بعض الناس من قولهم:
هناك بلاد أشد معصية من تلك البلاد التي أصابها ذلك الزلزال، ويوجد دول أشد فجوراً من تلك التي ضربها ذاك الإعصار، فهذه الإيرادات لا ينبغي أن تورد أصلاً؛ لأنها كالاعتراض على حكمة الله تعالى في أفعاله وقضائه وقدره، فإن ربنا يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، والله يقضي بالحق، وربنا لا يُسأل عما يفعل، وله سبحانه وتعالى الحكمة البالغة، والعلم التام، ومن وراء الابتلاءات حكم وأسرار تعجز عقولنا عن الإحاطة بها، فضلاً عن إدراكها.

وبعد: فهل بعد هذا البيان والوضوح يستريب منصف في أهمية تدبر وتذكر هذه القاعدة القرآنية الكريمة: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}؟!
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الاعتبار والادكار، والاتعاظ بما نوعظ به، ونعوذ بالله من قسوة القلب التي تحول دون الفهم عن الله وعن رسوله، والحمد لله رب العالمين.

_______________
(1) صحيح ابن خزيمة: 2/309.
(2) تفسير الطبري.
(3) شرح مشكل الآثار (9/6).
(4) شرح مشكل الآثار (9/6).
(5) أخرجه الشيخان.


 

قديم 16-04-2016   #28
مدير عام سابق
انثى الطهر
داعم لصندوق المنتدى



السموه غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1505
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2014
 أخر زيارة : منذ 9 ساعات (06:28 PM)
 المشاركات : 26,731 [ + ]
 التقييم :  420
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
مُستفزه
صَدري مليان عزه
لو تجادلنَي دقيقہ ...
عرش شيَطانك اهزه ▾
لوني المفضل : Black
القاعدة السادسة والعشرون: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)...



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا لقاء يتجدد مع قاعدة قرآنية عظيمة الصلة بواقع الناس، وازدادت الحاجة إلى التنويه بها في هذا العصر الذي اتسعت فيه وسائل نقل الأخبار، تلكم هي القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6].

وهذه القاعدة القرآنية الكريمة جاءت ضمن سياق الآداب العظيمة التي أدب الله بها عباده في سورة الحجرات، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6]}.

ولهذه الآية الكريمة سبب نزول توارد المفسرون على ذكره، وخلاصته أن الحارث بن ضرار الخزاعي رضي الله عنه ـ سيد بني المصطلق ـ لما أسلم اتفق مع النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث له ـ في وقت اتفقا عليه ـ جابياً يأخذ منه زكاة بني المصطلق، فخرج رسولُ رسولِ صلى الله عليه وسلم لكنه خاف فرجع في منتصف الطريق، فاستغرب الحارث بن ضرار تأخر رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وفي الوقت ذاته لما رجع الرسول إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله! إن الحارث منعني الزكاة، وأراد قتلي، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث إلى الحارث، فالتقى البعث الذين بعثهم الرسول صلى الله عليه وسلم مع الحارث بن ضرار في الطريق، فقال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك! قال: ولم؟ قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة، فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله! قال: لا والذي بعث محمداً بالحق، ما رأيته بتة ولا أتاني، فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟! قال: لا والذي بعثك بالحق، ما رأيته ولا أتاني، وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، خشيت أن تكون كانت سخطة من الله عز وجل ورسوله، قال فنزلت الحجرات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} انتهى الحديث مختصراً، وقد رواه الإمام أحمد بسند لا بأس به، ويعضده الإجماع الذي حكاه ابن عبدالبر على أنها نزلت في هذه القصة.

وجاء في قراءة سبعيّة: {فتثبتوا} وهذه القراءة تزيد الأمر وضوحاً، فهي تأمر عموم المؤمنين حين يسمعون خبراً أن يتحققوا بأمرين:
الأول: التثبت من صحة الخبر.
الثاني: التبيّن من حقيقته.
فإن قلتَ: فهل بينهما فرقٌ؟
فالجواب: نعم، لأنه قد يثبت الخبر، ولكن لا يُدْرى ما وجهه!

ولعلنا نوضح ذلك بقصة وقعت فصولها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مسجده ليوصل زوجته صفية رضي الله عنها إلى بيتها، فرآه رجلان، فأسرعا المسير فقال: على رسلكما إنها صفية.

فلو نقل ناقل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمشي مع امرأة في سواد الليل لكان صادقاً، لكنه لم يتبين حقيقة الأمر، وهذا هو التبين.
وهذا مثال قد يواجهنا يومياً: فقد يرى أحدنا شخصاً دخل بيته والناس متجهون إلى المساجد لأداء صلاتهم.
فلو قيل: إن فلاناً دخل بيته والصلاة قد أقيمت، لكان ذلك القول صواباً، لكن هل تبين سبب ذلك؟ وما يدريه؟! فقد يكون الرجل لتوه قدم من سفر، وقد جمَعَ جمْع تقديم فلم تجب عليه الصلاة أصلاً، أو لغير ذلك من الأعذار.

وهذا مثال آخر قد يواجهنا في شهر رمضان مثلاً:
قد يرى أحدنا شخصاً يشرب في نهار رمضان ماءً أو عصيراً، أو يأكل طعاماً في النهار، فلو نقل ناقل أنه رأى فلاناً من الناس يأكل أو يشرب لكان صادقاً، ولكن هل تبين حقيقة الأمر؟ قد يكون الرجل مسافراً وأفطر أول النهار فاستمر في فطره على قول طائفة من أهل العلم في إباحة ذلك، وقد يكون مريضاً، وقد يكون ناسياً،... الخ تلك الأعذار.

أيها القراء الكرام:
وفي هذه القاعدة القرآنية دلالات أخرى، منها:
1 ـ أن خبر العدل مقبول غير مردود، اللهم إلا إن لاحت قرائن تدل على وهمه وعدم ضبطه فإنه يرد.
2 ـ "أنه سبحانه لم يأمر بردِّ خبر الفاسق وتكذيبه ورد شهادته جملةً، وإنما أمر بالتبين، فإن قامت قرائن وأدلة من خارج تدل على صدقه عمل بدليل الصدق، ولو أخبر به من أخبر"(1).
3 ـ ومنها: أنها تضمنت ذم التسرع في إذاعة الأخبار التي يخشى من إذاعتها، ولقد عاب ربنا تبارك وتعالى هذا الصنف من الناس، كما في قوله عز وجل: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، وقال تعالى:{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يونس: 39] (2).
4 ـ أن في تعليل هذا الأدب بقوله: {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} ما يوحي بخطورة التعجل في تلقي الأخبار عن كل أحدٍ، خصوصاً إذا ترتب على تصديق الخبر طعنٌ في أحد، أو بهتٌ له.

إذا تبين هذا المعنى، فإن من المؤسف أن يجد المسلم خرقاً واضحاً من قبل كثير من المسلمين لهذه القاعدة القرآنية المحكمة: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}، وازداد الأمر واتسع مع وسائل الاتصال المعاصرة كأجهزة الجوال والإنترنت وغيرها من الوسائل!

وأعظم من يكذب عليه من الناس في هذه الوسائل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فكم نسبت إليه أحاديث، وقصص لا تصح عنه، بل بعضها كذب عليه، لا يصح أن ينسب لآحاد الناس فضلاً عن شخصه الشريف صلى الله عليه وسلم.

ويلي هذا الأمر في الخطورة التسرع في النقل عن العلماء، خصوصاً العلماء الذين ينتظر الناس كلمتهم، ويتتبعون أقوالهم، وكلُّ هذا محرم لا يجوز، وإذا كنا أمرنا في هذه القاعدة القرآنية: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} أن نتحرى ونتثبت من الأخبار عموماً، فإنها في حق النبي صلى الله عليه وسلم وحق ورثته أشد وأشد.

ومثل ذلك يقال: في النقل عما يصدر عن ولاة أمور المسلمين، وعن خواص المسلمين ممن يكون لنقل الكلام عنهم له أثره، فالواجب التثبت والتبين، قبل أن يندم الإنسان ولات ساعة مندم.

ولا يقتصر تطبيق هذه القاعدة القرآنية: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} على ما سبق ذكره، بل هي قاعدة يحتاجها الزوجان، والآباء مع أبنائهم، والأبناء مع آبائهم.
ولله كم من بيت تقوضت أركانه بسبب الإخلال بهذه القاعدة القرآنية!

هذه رسالة قد تصل إلى جوال أحد الزوجين، فإن كانت من نصيب جوال الزوجة، واطلع الزوج عليها، سارع إلى الطلاق قبل أن يتثبت من حقيقة هذه الرسالة التي قد تكون رسالة طائشة جادة أو هازلة جاءت من مغرض أو على سبيل الخطأ!
وقل مثل ذلك: في حق رسالة طائشة جادة أو هازلة تصل إلى جوال الزوج، فتكتشفها الزوجة، فتتهم زوجها بخيانة أو غيرها، فتبادر إلى طلب الطلاق قبل أن تتثبت من حقيقة الحال!
ولو أن الزوجين أعملا هذه القاعدة القرآنية: {فَتَبَيَّنُوا} لما حصل هذا كلّه.

وإذا انتقلتَ إلى ميدان الصحافة أو غيرها من المنابر الإعلامية، وجدت عجباً من خرق سياج هذا الأدب.. فكم من تحقيقات صحفية بنيت على خبر إما أصله كذب، أو ضُخّم وفُخّم حتى صُور للقراء على أن الأمر بتلك الضخامة والهول، وليس الأمر كما قيل!

والواجب على كل مؤمن معظم لكلام ربه أن يتقي ربه، وأن يتمثل هذا الأدب القرآني الذي أرشدت إليه هذه القاعدة القرآنية الكريمة: {فَتَبَيَّنُوا}.
جعلنا الله وإياكم من المتأدبين بأدب القرآن العاملين به، وإلى لقاء جديد بإذن الله، والحمد لله رب العالمين.

_______________
(1) مدارج السالكين (1 / 360).
(2) ينظر: القواعد الحسان في تفسير القرآن (98).

طباعة | الى مشرف النافذه | ارسل الصفحة

مصطفي عبد الواحد (زائر) — 28/04/2012
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فهذه قاعدة قرآنية عظيمة الصلة بواقع الناس، وازدادت الحاجة إلى التنويه بها في هذا العصر الذي اتسعت فيه وسائل نقل الأخبار، تلكم هي القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]. وهذه القاعدة القرآنية الكريمة جاءت ضمن سياق الآداب العظيمة التي أدب الله بها عباده في سورة الحجرات، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6]}. إذا تبين هذا المعنى، فإن من المؤسف أن يجد المسلم خرقاً واضحاً من قبل كثير من المسلمين لهذه القاعدة القرآنية المحكمة: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}، وازداد الأمر واتسع مع وسائل الاتصال المعاصرة كأجهزة الجوال والإنترنت وغيرها من الوسائل! وإذا انتقلتَ إلى ميدان الصحافة أو غيرها من المنابر الإعلامية، وجدت عجباً من خرق سياج هذا الأدب.. فكم من تحقيقات صحفية بنيت على خبر إما أصله كذب، أو ضُخّم وفُخّم حتى صُور للقراء على أن الأمر بتلك الضخامة والهول، وليس الأمر كما قيل! والواجب على كل مؤمن معظم لكلام ربه أن يتقي ربه، وأن يتمثل هذا الأدب القرآني الذي أرشدت إليه هذه القاعدة القرآنية الكريمة: {فَتَبَيَّنُوا}. جعلنا الله وإياكم من المتأدبين بأدب القرآن العاملين به، والحمد لله رب العالمين. نعتذر عما حدث


 

قديم 16-04-2016   #29
مدير عام سابق
انثى الطهر
داعم لصندوق المنتدى



السموه غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1505
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2014
 أخر زيارة : منذ 9 ساعات (06:28 PM)
 المشاركات : 26,731 [ + ]
 التقييم :  420
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
مُستفزه
صَدري مليان عزه
لو تجادلنَي دقيقہ ...
عرش شيَطانك اهزه ▾
لوني المفضل : Black
القاعدة السابعة والعشرون: (وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ)...



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فهذا لقاء يتجدد مع قاعدة قرآنية عظيمة القدر؛ لعظيم أثرها في حياة العبد، وقوة صلتها بتلك المضغة التي بين النبي ج أن صلاحها صلاح لبقية الجسد، وفسادها فساد له، تلكم هي القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ}[فاطر: 18].

التزكية في اللغة مصدر زكى الشيء يزكيه، وهي تطلق ويراد بها معنيان:
المعنى الأول: التطهير، ومنه قوله تعالى عن يحيى عليه السلام: (وزكاة وكان تقياً)، فإن الله زكاه وطهر قلبه وفؤاده، وهذا تطهير معنوي، ويطلق على التطهير الحسي، يقال: زكيت الثوب إذا طهرته.

والمعنى الثاني: هو الزيادة، يقال زكى المال يزكوا إذا نمى.

وكلا المعنيين اللغويين مقصودان في الشرع، لأن تزكية النفس شاملة للأمرين: تطهيرها وتخليتها من الأدران والأوساخ الحسية والمعنوية، وتنميتها وتحليتها بالأوصاف الحميدة والفاضلة، فالزكاة ـ باختصار ـ تدور على أمرين: التخلية، والتحلية.

والمقصود بالتخلية: أي تطهير القلب من أدران الذنوب والمعاصي، والمقصود بالتحلية: أي تحلية النفس بمكارم الأخلاق، وطيب الشمائل، وهما عمليتان تسيران جنباً إلى جنب، فالمؤمن مطالب "بالتنقِّي من العيوب، كالرياء والكبر، والكذب والغش، والمكر والخداع والنفاق، ونحو ذلك من الأخلاق الرذيلة، ومطالب بالتحلَّى بالأخلاق الجميلة، من الصدق، والإخلاص، والتواضع، ولين الجانب، والنصح للعباد، وسلامة الصدر من الحقد والحسد وغيرهما من مساوئ الأخلاق، فإن تزكيته يعود نفعها إليه، ويصل مقصودها إليه، ليس يضيع من عمله شيء"(1).

وعلى هذا المعنى جاءت الآيات القرآنية بالأمر بتزكية النفس وتهذيبها، كقوله تعالى: "قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى" وقال سبحانه "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" ـ وكما في هذه القاعدة القرآنية التي نحن بصددها: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ}.

وهذه الآية جاءت في سورة فاطر ضمن السياق التالي، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) [فاطر: 15 - 18]}.

قال العلامة ابن عاشور رحمه الله: "وجملة {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} تذييلٌ جار مجرى المثل، وذكر التذييل عقب المذيل يؤذن بأن ما تضمنه المذيَّل داخل في التذييل بادىء ذي بدء مثل دخول سبب العام في عمومه من أول وهلة دون أن يُخص العام به، فالمعنى: أن الذين خَشُوا ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة هم ممّن تزكى فانتفعوا بتزكيتهم، فالمعنى: إنما ينتفع بالنذارة الذين يخشون ربهم بالغيب فأولئك تزكوا بها ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه.

والمقصود من القصر في قوله: {فإنما يتزكى لنفسه} أن قبولهم النذارة كان لفائدة أنفسهم، ففيه تعريض بأن الذين لم يعبأوا بنذارته تركوا تزكية أنفسهم بها فكان تركهم ضراً على أنفسهم"(2).

معشر القراء الكرام:
إن من تأمل نصوص القرآن وجد عناية عظيمة بمسألة تزكية النفوس:
فهذا خليل الرحمن حينما دعا بأن يبعث من ذريته رسولاً، ذكر من جملة التعليلات: تزكية الناس الذين سيدعوهم، فقال تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[البقرة: 129]

وربنا تعالى يذكر عباده بمنته عليهم، حين استجاب دعوة خليله إبراهيم، وأن من أعظم وظائفه هي تزكية نفوسهم، فقال ﻷ: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران: 164]، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِين [الجمعة: 2].

ولما دعا نبي الله موسى فرعون اختصر له دعوته في جملتين: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات: 18، 19].

ومن تأمل سورة الشمس، أدرك عظيم هذه الغاية، وخطورة هذه العبادة الجليلة، فإن الله تعالى أقسم أحد عشر قسماً متتابعاً على أن فلاح النفس لا يكون إلا بتزكيتها! ولا يوجد في القرآن نظير لهذا ـ أعني تتابع أحد عشر قسماً على مُقْسَمٍ واحد ـ وهو ـ بلا ريب ـ دليل واضح، وبرهان ساطع على خطورة هذا الموضوع.

أيها المتأمل!
إن منطوق هذه القاعدة القرآنية: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} يدل بوضوح أن أعظم أثر لهذه التزكية هو أثرها على نفسي المتزكي، ومفهومها يتضمن تهديداً: أنك إن لم تتزكَ يا عبدالله، فإن أعظم متضرر بإهمال التزكية هو أنت.

ولئن كانت هذه القاعدة تعني كل مسلم يسمعها، فإن حظ الداعيةِ وطالبِ العلم منها أعظم وأوفر، لأن الأنظار إليه أسرع، والخطأ منه أوقع، والنقد عليه أشد، ودعوته يجب أن تكون بحاله قبل مقاله.

ولعظيم منزلة تزكية النفس في الدين، كان الأئمة والعلماء المصنفون في العقائد يؤكدون على هذا الأمر بعبارات مختلفة، منها ما ذكره شيخ الإسلام ابنُ تيميه رحمه الله جملةً من الصفات السلوكية والأخلاقية لأهل السنّةِ ومن ذلك قولُه: "يأمرون بالصبر عند البلاء والشكرِ عند الرخاء،ويدعون إلى مكارمِ الأخلاق ومحاسن الأعمالِ، ويعتقدون معنى قولِه صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنُهُم خلقاُ" ويأمرون بمعالي الأخلاق وينهون عن سفاسفها" انتهى.

وإنما نص أئمة الدين على ذلك؛ لأن هناك تلازماً وثيقاً بين السلوك والاعتقاد: فالسلوك الظاهرُ مرتبطٌ بالاعتقادِ الباطن، فأيُّ انحرافٍِ في الأخلاقِ إنما هو من نقص الإيمان الباطن، قال ابنُ تيميه رحمه الله (إذا نقصت الأعمالُ الظاهرةُ الواجبةُ، كانَ ذلك لنقص ما في القلب من الإيمان، فلاُ يتصور مع كمال الإيمان الواجب الذي في القلب، أن تُعدم الأعمالُ الظاهرةُ الواجبةُ" (3).

ويقول الشاطبيُّ رحمه الله: "الأعمالُ الظاهرةُ في الشرع دليلٌ على ما في الباطن فإذا كان الظاهرُ منخرماً أو مستقيماً حكم على الباطن بذلك" (4).
فالسلوكُ والاعتقادُ متلازمان، كذلك فإن من الأخلاقِ والسلوك ما هو من شُعَبِ الإيمان.

ولهذا ـ لما ظن بعض الناس ومنهم بعض طلاب العلم ـ أن أمر التزكية سهلٌ أو يسير أو من شأن الوعاظ فحسب ـ يقال ذلك إما بلسان الحال أو بلسان المقال ـ وُجِدَت صورٌ كثيرة من التناقضات والفصام النكد بين العلم والعمل!

إن سؤالاً يتبادر إلى الذهن ونحن نتحدث عن هذه القاعدة القرآنية: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} كيف نزكي نفوسنا؟ والجواب عن هذا يطول جداً، لكنني أشير باختصار إلى أهم وسائل تزكية النفس، فمن ذلك:
1. توحيد الله تعالى، وقوة التعلق به.
2. ملازمة قراءة القرآن، وتدبره.
3. كثرة الذكر عموماً.
4. المحافظة على الصلاة المفروضة، وقيام الليل ولو قليلاً.
5. لزوم محاسبة النفس بين الفينة والأخرى.
6. حضور الآخرة في قلب العبد.
7. تذكر الموت، وزيارة القبور.
8. قراءة سير الصالحين.

وفي مقابل هذا فإن العاقل من يتنبه لسد المنافذ التي قد تفسد عليه أثر تلك الوسائل؛ لأن القلب الذي يتلقى الوسائل والعوائق موضع واحد لا يمكن انفصاله.

إذن لا يكفي أن يأتي الإنسان بالوسائل بل لا بد من الانتباه إلى العوائق، مثل: النظر إلى المحرمات، أو سماع المحرمات، اطلاق اللسان فيما لا يعني فضلاً عما حرم الله تعالى.

اللهم إنا نسألك وندعوك بما دعاك به نبيك محمد صلى الله عليه وسلم: "اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها"(5).
وإلى لقاء جديد بإذن الله، والحمد لله رب العالمين.

________________
(1) تفسير السعدي: (687).
(2) التحرير والتنوير (12 / 43).
(3) ينظر: مجموع الفتاوى 7/582، 616،621.
(4) الموافقات 1/233.
(5) صحيح مسلم ح (2722).


 

قديم 16-04-2016   #30
مدير عام سابق
انثى الطهر
داعم لصندوق المنتدى



السموه غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1505
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2014
 أخر زيارة : منذ 9 ساعات (06:28 PM)
 المشاركات : 26,731 [ + ]
 التقييم :  420
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
مُستفزه
صَدري مليان عزه
لو تجادلنَي دقيقہ ...
عرش شيَطانك اهزه ▾
لوني المفضل : Black
القاعدة الثامنة والعشرون: (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ)...



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا لقاء يتجدد مع قاعدة قرآنية عظيمة الصلة بواقع الناس، وازدادت الحاجة إلى التنويه بها في هذا العصر الذي اتسعت فيه وسائل نقل الأخبار، تلكم هي القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}[الأعراف: 85].

وهذه القاعدة القرآنية الكريمة تكررت ثلاث مرات في كتاب الله عز وجل، كلها في قصة شعيب عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
ومن المعلوم للقراء الكرام أن من جملة الأمور التي وعظ بها شعيبٌ قومَه: مسألة التطفيف في الكيل والميزان، حيث كان هذا فاشياً فيهم، ومنتشراً بينهم.

وهذا مثال ـ من جملة أمثلة كثيرة ـ تدل على شمول دعوات الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ لجميع مناحي الحياة، وأنهم كما يدعون إلى أصل الأصول ـ وهو التوحيد ـ فهم يدعون إلى تصحيح جميع المخالفات الشرعية مهما ظنّ بعض الناس بساطتها، إذ لا يتحقق كمال العبودية لله تعالى إلا بأن تكون أمور الدين والدنيا خاضعةً لسلطان الشرع.

وأنت ـ أيها المؤمن ـ إذا تأملت هذه القاعدة القرآنية: {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} وجدتها جاءت بعد عموم النهي عن نقص المكيال والميزان، فهو عموم بعد خصوص، ليشمل جميع ما يمكن بخسه من القليل والكثير، والجليل والحقير.

قال العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله:
"وما جاء في هذا التّشريع هو أصل من أصول رواج المعاملة بين الأمّة؛ لأنّ المعاملات تعتمد الثّقة المتبادَلة بين الأمّة، وإنَّما تحصل بشيوع الأمانة فيها، فإذا حصل ذلك نشط النّاس للتّعامل فالمُنتج يزداد إنتاجاً وعَرْضاً في الأسواق، والطَّالبُ من تاجر أو مُستهلك يُقبِل على الأسواق آمِناً لا يخشى غبناً ولا خديعة ولا خِلابة، فتتوفّر السّلع في الأمّة، وتستغني عن اجتلاب أقواتها وحاجياتها وتحسينياتها، فيقوم نَماء المدينة والحضارة على أساس متين، ويَعيش النّاس في رخاء وتحابب وتآخ، وبضد ذلك يختلّ حال الأمّة بمقدار تفشي ضدّ ذلك" (1). اهـ.

وقال بعض المفسرين ـ مبيناً سعة مدلول هذه القاعدة ـ:
"وهو عامّ في كل حق ثبت لأحد أن لا يهضم، وفي كل ملك أن لا يغصب عليه مالكه ولا يتحيف منه، ولا يتصرف فيه إلا بإذنه تصرفاً شرعياً"(2).

أيها القراء الأكارم:
إذا تبين سعة مدلول هذه القاعدة، وأن من أخص ما يدخل فيها بخس الحقوق المالية، فإنه دلالتها تتسع لتشمل كلّ حق حسي أو معنوي ثبت لأحدٍ من الناس.

أما الحقوق الحسية فكثيرة، منها ـ ما سبقت الإشارة إليه ـ كالحق الثابت للإنسان كالبيت والأرض والكتاب والشهادة الدراسية، ونحو ذلك.

وأما الحقوق المعنوية، فأكثر من أن تحصر، ولو أردنا أن نستعرض ما يمكن أن تشمله هذه القاعدة لطال المقام، ولكن يمكن القول: إن هذه القاعدة القرآنية: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} كما هي قاعدة في أبواب المعاملات، فهي بعمومها قاعدة من قواعد الإنصاف مع الغير.

والقرآن مليء بتقرير هذا المعنى ـ أعني الإنصاف ـ وعدم بخس الناس حقوقهم، تأمل ـ مثلاً ـ قول الله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] فتصور! ربك يأمرك أن تنصف عدوك، وألا يحملك بغضه على غمط حقه، أفتظن أن ديناً يأمرك بالإنصاف مع عدوك، لا يأمرك بالإنصاف مع أخيك المسلم؟! اللهم لا!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ معلقاً على هذه الآية ـ:
«فنهى أن يحمل المؤمنين بغضهم للكفّار على ألّا يعدلوا، فكيف إذا كان البغض لفاسق أو مبتدع أو متأوّل من أهل الإيمان؟ فهو أولى أن يجب عليه ألّا يحمله ذلك على ألّا يعدل على مؤمن وإن كان ظالما له» (3).

وفي واقع المسلمين ما يندى له الجبين من بخس للحقوق، وإجحاف وقلة الإنصاف، حتى أدى ذلك إلى قطيعة وتدابر، وصدق المتنبي يوم قال:
ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة *** بين الرجال وإن كانوا ذوي رحم
وهذا إمام دار الهجرة مالك بن أنس: يعلن شكواه قديماً من هذه الآفة، فيقول: "ليس في الناس شيء أقل من الإنصاف".
علّق ابن رشد على هذه الكلمة فقال: قال مالك هذا لما اختبره من أخلاق الناس. وفائدة الأخبار به التنبيه على الذم له لينتهي الناس عنه فيعرف لكل ذي حق حقه (4).

ولنعد إلى واقعنا ـ أيها المستمعون الأكارم ـ:
يختلف أحدنا مع شخص آخر من أصدقائه، أو مع أحد من أهل الفضل والخير، فإذا غضب عليه أطاح به, ونسي جميع حسناته، وجميع فضائله، وإذا تكلم عنه تكلم عليه بما لا يتكلم به أشد الناس عداوة ـ والعياذ بالله ـ!

وقُلْ مثل ذلك في تعاملنا مع زلة العالم، أو خطأ الداعية، الذين عرف عنهم جميعاً تلمس الخير، والرغبة في الوصول إلى الحق، ولكن لم يوفق في هذه المرة أو تلك، فتجد بعض الناس ينسى أو ينسف تاريخه وبلاءه وجهاده ونفعه للإسلام وأهله، بسبب خطأ لم يحتمله ذلك المتكلم أو الناقد، مع أنه قد يكون معذوراً!

ولنفترض أنه غير معذور، فما هكذا تورد الإبل، وما هكذا يربينا القرآن! بل إن هذه القاعدة القرآنية التي نحن بصدد الحديث عنها ـ {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} ـ تؤكد ضرورة الإنصاف، وعدم بخس الناس حقوقهم.

أيها القارئ اللبيب!
وثمة صورةٌ أخرى ـ تتكرر يومياً تقريباً ـ يغيب فيها الإنصاف، وهي أن بعض الكتاب والمتحدثين حينما ينتقد جهازاً حكومياً، أو مسؤولاً عن أحد الوزارات، يحصل منه إجحاف وبخس للجوانب المشرقة في هذا الجهاز أو ذاك، ويبدأ الكاتب أو المتحدث ـ بسبب النفسية التي دخل بها ـ لا يتحدث إلا من زاوية الأخطاء، ناسياً أو متناسياً النظر من زاوية الصواب والحسنات الكثيرة التي وُفق لها ذاك المرفق الحكومي، أو ذلك الشخص المسؤول!

وما هكذا يربي القرآن أهله، بل القرآن يربيهم على هذا المعنى العظيم الذي دلّت عليه هذه القاعدة المحكمة: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}.

وتلوح ههنا صورة مؤلمة في مجتمعنا، تقع من بعض الكفلاء الذين يبخسون حقوق خدمهم أو عمالهم حقوقهم، فيؤخرون رواتبهم، وربما حرموهم من إجازتهم المستحقة لهم، أو ضربوهم بغير حق، في سلسلة مؤلمة من أنواع الظلم والبخس! أفلا يتقي الله هؤلاء؟! {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}؟! [المطففين: 4 - 6] ألا يخشون أن يُسَلّطَ عليهم بسبب ظلمهم لمن تحت أيديهم وبخسهم حقوق خدمهم وعمالهم؟! ألا يخشون من عقوبات دنيوية قبل الأخروية تصيبهم بما صنعوا؟!

وختاماً:
قد يقع البخس ـ أحياناً ـ في تقييم الكتب أو المقالات على النحو الذي أشرنا إليه آنفاً، ولعل من أسباب غلبة البخس على بعض النقاد في هذه المقامات، أن الناقد يقرأ بنية تصيد الأخطاء والعيوب، لا بقصد التقييم المنصف، وإبراز الصواب من الخطأ، عندها يتضخم الخطأ، ويغيب الصواب، والله المستعان.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإنصاف من أنفسنا.. والإنصاف لغيرنا،وأن يجعلنا من المتأدبين بأدب القرآن العاملين به، وإلى لقاء جديد بإذن الله، والحمد لله رب العالمين.

________________
(1) التحرير والتنوير (5 / 451).
(2) تفسير الكشاف (3 / 337).
(3) الفتاوى.
(4) البيان والتحصيل 18/306.


 

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
..., قرآنيه, قواعد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قواعد التحددث المها منتدى اللغة الانجليزية 10 07-11-2016 10:54 PM
قواعد الحفظ الدنيا فناء منتدى القرآن الكريم والتفسير 8 01-08-2016 10:46 PM
قواعد نطق الحرف سي المها منتدى اللغة الانجليزية 13 02-05-2016 02:42 AM
لمسات قرآنيه ابو يحيى المنتدى الاسلامي العام 4 15-09-2013 09:58 PM
تفسير أية قرآنيه kaabi0 منتدى القرآن الكريم والتفسير 4 08-01-2013 12:51 AM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 03:56 AM

أقسام المنتدى

الاقسام العامة | المنتدى الاسلامي العام | المنتدى العام | منتدى الترحيب والتهاني | الاقسام الرياضية والترفيهية | العاب ومسابقات | الافلام ومقاطع الفيديو | منتدى الرياضة المتنوعة | الاقسام التقنية | الكمبيوتر وبرامجه | الجوالات والاتصالات | الفلاش والفوتوشوب والتصميم | منتدى التربية والتعليم | قسم خدمات الطالب | تعليم البنين والبنات | ملتقــــى الأعضـــــاء (خاص باعضاء المنتدى) | المرحله المتوسطه | منتدى الحقلة الخاص (حقلاويات) | منتدى الاخبار المحلية والعالمية | اخبار وشـؤون قرى الحقلة | اخبار منطقة جازان | الاقسام الأدبية والثقافية | الخواطر وعذب الكلام | منتدى الشعر | عالم القصة والروايات | اخبار الوظائف | منتديات الصحة والمجتمع | منتدى الصحة | منتدى الأسرة | منتدى السيارات | منتدى اللغة الانجليزية | منتدى الحوار والنقاشات | منتدى التراث والشعبيات والحكم والامثال | منتدى التعليم العام | منتدى السفر والسياحة | الثقافه العامه | منتدى تطوير الذات | كرسي الإعتراف | منتدى عالم المرأة | عالم الطفل | المطبخ الشامل | منتدى التصاميم والديكور المنزلي | المكتبة الثقافية العامة | شعراء وشاعرات المنتدى | مول الحقلة للمنتجات | الخيمة الرمضانية | المـرحلـة الابتدائيـة | استراحة وملتقى الاعضاء | المرحله الثانويه | الصور المتنوعة والغرائب والعجائب | المنتدى الاسلامي | منتدى القرآن الكريم والتفسير | سير نبي الرحمة واهم الشخصيات الإسلامية | قصص الرسل والانبياء | قسم الصوتيات والفلاشات الاسلاميه | اخبار مركز القفل | منتدى الابحاث والاستشارات التربوية والفكرية | افلام الانمي | صور ومقاطع فيديو حقلاويات | البلاك بيري / الآيفون / الجالكسي | بوح المشاعر وسطوة القلم(يمنع المنقول ) | مناسك الحج والعمرة | منتدى | ارشيف مسابقات المنتدى | منتدى الحديث والسنة النبوية الشريفة | المنتدى الاقتصادي | منتدى عالم الرجل | اعلانات الزواج ومناسبات منتديات الحقلة | تراث منطقـة جــــازان | كرة القدم السعوديه | منتدى الرياضة | كرة القدم العربيه والعالمية | ديـوان الشـاعـر عمـرين محمـد عريشي | ديـــوان الشــاعـر عـبدة حكمـي | يوميات اعضاء منتديات الحقلة | تصاميم الاعضاء | دروس الفوتوشوب | ارشيف الخيمة الرمضانية ومناسك الحج والعمرة الاعوام السابقة | منتدى الاخبار | نبض اقلام المنتدى | ديـــوان الشــاعـر علـي الـدحيمــي | الاستشارات الطبية | الترحيب بالاعضاء الجدد | قسم الاشغال الايدويه | قسم الاشغال اليدويه | مجلة الحقله الالكترونيه | حصريات مطبخ الحقله | ديوان الشاعر ابوطراد |



Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Ramdan √ BY: ! Omani ! © 2012
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Forum Modifications Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع المواضيع والمُشاركات المطروحه في منتديات الحقلة تُعبّر عن ثقافة كاتبها ووجهة نظره , ولا تُمثل وجهة نظر الإدارة , حيث أن إدارة المنتدى لا تتحمل أدنى مسؤولية عن أي طرح يتم نشره في المنتدى

This Forum used Arshfny Mod by islam servant