بسم الله الرحمن الرحيمالسﻼم عليكم ورحمة الله وبركاتهالسؤال:عُيّنت مؤخراً إماماً ﻷحد المساجد لمدة مؤقتة ، وقد بدأت الصﻼة بالناس ، ووفقاً للفهم المتأصل لديّ من أن هناك رأيين في مسألة الجهر بالبسملة في الصﻼة وأن اﻷرجح عدم الجهر بها لم أجهر ، ولكن الناس تضايقوا من هذا وبدأوا يتحدثون عن هذا من خلفي ويشتكون ويقولون : لماذا ﻻ يقرأ هذا اﻹمام البسملة ؟ يجب أن يفعل كما كان يفعل اﻷئمة الذين أتوا من قبله . كما أنهم يعيبون عليَّ عدم قراءتي لبعض السور التي جرت العادة أن تُقرأ في بعض اﻷيام ، كقراءة سورتي الفلق والناس في صﻼة المغرب يوم الجمعة . إني أحاول أن أتجاهل مثل هذه اﻷشياء ، ولكني ﻻ أريد أن أثير فتنة أو أن أكون سبباً في إثارتها ، ويمكنني بكل سهولة أن أتخلى عن هذا العمل وأوكله إلى شخص آخر ، فهو عمل مؤقت على كل حال .*فأشيروا عليَّ :هل أجهر بالبسملة في الصﻼة أم ﻻ ؟*وهل أقرأ تلك السور التي اعتادوا أن يسمعوها أم أتخلى عن العمل بالكلية ؟*الجواب :الحمد للهأوﻻً:نشكر لك – أخي السائل – حرصك على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في صﻼته ، ونشكر لك سؤالك عن حكم موافقة المأمومين فيما تعودوا عليه ، وخيراً فعلت ؛ حيث يظن بعض المتبعين للسنَّة أنهم ليسوا بحاجة ﻹرشاد ونصح في طريقة تعاملهم مع الناس ! وأنه حتى لو كان بتطبيقهم للسنَّة - التي يرونها راجحة - فتنة وتباغض قلوب وتفرق المسلمين فإنهم ﻻ يتوانون عن تطبيقها ، ولو ترتب عليها ما ترتب من فساد ! وﻻ شك أن هذا خطأ ، وأنه ليس هو ما عليه أئمة أهل السنة قديماً وحديثاً كما سيأتي .ثانياً:ﻻ شك أن الجهر بالبسملة في الفاتحة في الصﻼة جائز ، وليس بدعة وﻻ حراماً ، ولكن في أكثر صﻼة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجهر بها بل كان يقرؤها سرّاً .عن أنس رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضى الله عنهما كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّﻼَةَ بِـ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) . رواه البخاري ( 743 ) .وعند أحمد ( 12868 ) " وكانوا ﻻ يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم " .وهذا مذهب الحنفية والحنابلة ، وخالفهم الشافعية فقالوا بسنيَّة الجهر بها .ومع كون السنَّة الثابتة : عدم الجهر بالبسملة ؛ إﻻ أنه ﻻ حرج من الجهر بها ، خاصة عند من كان مذهبهم الجهر بها ، تأليفاً لقلوبهم .*قال شيخ اﻹسﻼم ابن تيمية – رحمه الله - : " ومع هذا : فالصواب : أن ما ﻻ يُجهر به ، قد يشرع الجهر به لمصلحة راجحة ، فيشرع لﻺمام - أحيانا - لمثل تعليم المأمومين ، ويسوغ للمصلين أن يجهروا بالكلمات اليسيرة أحيانا ، ويسوغ أيضا أن يترك اﻹنسان اﻷفضل لتأليف القلوب واجتماع الكلمة ، خوفاً من التنفير عما يصلح ، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم ؛ لكون قريش كانوا حديثي عهد بالجاهلية ، وخشي تنفيرهم بذلك ، ورأى أن مصلحة اﻻجتماع واﻻئتﻼف مقدمة على مصلحة البناء على قواعد إبراهيم ، وقال ابن مسعود ، لما أكمل الصﻼة خلف عثمان وأنكر عليه ، فقيل له في ذلك ، فقال : " الخﻼف شر " ؛ ولهذا نص اﻷئمة كأحمد وغيره على ذلك بالبسملة ، وفي وصل الوتر ، وغير ذلك مما فيه العدول عن اﻷفضل إلى الجائز المفضول ؛ مراعاة ائتﻼف المأمومين أو لتعريفهم السنَّة وأمثال ذلك " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 22 / 436 ، 437 ) .وقال - رحمه الله – أيضاً - : " فترك اﻷفضل عنده لئﻼ ينفر الناس ، وكذلك لو كان رجل يرى الجهر بالبسملة فأمَّ بقوم ﻻ يستحبونه أو بالعكس ووافقهم : كان قد أحسن " .انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 22 / 268 ، 269 ) .*وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :ما حكم الجهر بالبسملة ؟ .فأجاب : " الراجح : أن الجهر بالبسملة ﻻ ينبغي ، وأن السنَّة اﻹسرار بها ؛ ﻷنها ليست من الفاتحة ، ولكن لو جهر بها أحياناً : فﻼ حرج ؛ بل قد قال بعض أهل العلم : " إنه ينبغي أن يجهر بها أحياناً ؛ ﻷن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي عنه " أنه كان يجهر بها " .ولكن الثابت عنه صلى الله عليه وسلم " أنه كان ﻻ يجهر بها " ، وهذا هو اﻷولى : أن ﻻ يجهر بها .ولكن لو جهر بها تأليفاً لقوم مذهبهم الجهر : فأرجو أن ﻻ يكون به بأس " .انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 13 / 109 ) .*وعليه : فيجوز لك الجهر بالبسملة ﻷولئك القوم إما دائما ، أو أحياناً ؛ لتحقيق مصلحة كبرى وهي ائتﻼفهم واجتماعهم ووحدة كلمتهم ، ويمكنك استثمار هذا لتعليمهم ما هو أهم من مسائل الفقه العملية وهو التوحيد ونواقضه والشرك ووسائله ، وبقاؤك مع الجهر بالبسملة خير – وﻻ شك – للناس من تركك لهم ليحل محلك إمام جاهل يضل الناس ويجهلهم ويصرفهم عن العلم الشرعي .ثالثاً:إن المداومة على سورٍ وآيات معينةٍ في صلواتٍ محددة مقتصراً عليها : ﻻ يخلو اﻷمر فيها من حالين :اﻷول : أن يكونَ الشرعُ قد أثبتَ المداومة عليها ، كسورتي " السجدة " و " اﻹنسان " في صﻼة الفجر من يوم الجمعة ، وعليه : فﻼ بأسَ من المداومةِ على ذلك في كلِّ فجر جمعةٍ .وينظر جواب السؤال رقم (121175) .الثاني : أﻻَّ يكونَ الشرع قد أثبتَ المداومة عليها ، كأن يعيِّن اﻹمام قراءة آخر سورة البقرة في المغربِ دائماً : فالسنَّةُ عدم مشروعيةِ المداومةِ ؛ ﻷن ذلك مخالفٌ لهديه صلى الله عليه وسلم من التنوع في القراءة - وانظر جواب السؤال رقم (*148634*) - وخشيةً ﻻعتقاد الجهلةِ استحباب ذلك في كل مغربٍ ، فضﻼ عن وجوبه .ومع كون هذا هو السنَّة فإنه ﻻ مانع من قراءة ما اعتادوا عليه والمداومة على ذلك لفترة من الوقت استعماﻻً للسياسة الشرعية ؛ من أجل وحدة كلمة المصلين وعدم تفرقهم ، ومن أجل إغﻼق الباب على من يأتي من أئمة البدع ﻹضﻼلهم ، ومن أجل تحبيبهم لك وللمنهج العلمي الذي تسلكه لتصل بهم إلى حبِّ السنَّة والعمل بها ، وسيكون مع الوقت ترك لتلك المداومة كما قد فعله غيرك من طلبة العلم في مثل حالك مع المخالفين للسنَّة من المصلين .وانظر جوابي السؤالين (*111223*) (*152874*) .والله أعلم
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك