عدد الضغطات : 9,174عدد الضغطات : 6,679عدد الضغطات : 6,398عدد الضغطات : 5,606
التميز خلال 24 ساعة
العضو المميز المراقب المميز المشرف المميز الموضوع المميز القسم المميز
قريبا
قريبا
قريبا

بقلم :
المنتدى الاسلامي العام

العودة   منتديات الحقلة > المنتدى الاسلامي > منتدى القرآن الكريم والتفسير

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: ...بم‘ـــآآآذآ تفــكــــر الآن ... (آخر رد :السموه)       :: ضع بصمتك .. واترك أثراً ..~ (آخر رد :السموه)       :: مؤلم ... (آخر رد :السموه)       :: وقع ولو بكلمه (آخر رد :السموه)       :: ذات مساء مساحه خاصه لكم (آخر رد :السموه)       :: اللهم ... (آخر رد :السموه)       :: لـ نهتف : (يَآرَبْ )مساحة خاصه لكم لتناجون البارئ بماشئتم (آخر رد :السموه)       :: ثرثرة الواو (آخر رد :السموه)       :: دعاء اليوم ((متجدد بإذن الله)) (آخر رد :ابو يحيى)       :: تهنئة بحلول عيد الفطر المبارك (آخر رد :ابو يحيى)      


موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 03-01-2022   #1


طالبة العلم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1561
 تاريخ التسجيل :  20 - 06 - 2014
 أخر زيارة : 15-06-2023 (11:13 AM)
 المشاركات : 24,997 [ + ]
 التقييم :  17
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
 اوسمتي
وسام العطاء وسام صاحب الحضور الدائم العطاء الذهبي المسابقه الرمضانيه عطاء بلاحدود 
لوني المفضل : Green
مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن



مَنْزِلَةُ, القرآن, حافِظِ

مَنْزِلَةُ, القرآن, حافِظِ

مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن


إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:
لم يترك النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أمرًا فيه تشجيع على حِفْظِ القرآن العظيم إلاَّ سلكه، فكان يُفاضِل بين أصحابه الكرام في حفظ القرآن، فيعقد الرَّايةَ لأكثرهم حفظًا. وإذا بعث بَعْثًا جعل أميرَهم أحفَظَهم للقرآن، وإمامَهم في الصَّلاة أكثَرَهم قراءةً للقرآن، ويُقدِّم لِلَّحْد في القبر أكثرَهم أخذًا للقرآن، ورُبَّما زَوَّج الرَّجلَ على ما يحفظه في صدره من القرآن، وهذا هو محور حديثنا من خلال المطالب الآتية:
المطلب الأول: عُلُوُّ درجة الحافظ.
المطلب الثاني: الحافظ مُقَدَّمٌ في الدُّنيا والآخرة.
المطلب الثالث: فضائل متنوِّعة للحافظ.


المطلب الأول: عُلُوُّ درجة الحافظ:
حين يدخل المؤمنون الجنَّة فإنَّ حافظ القرآن له شأن آخر، حيث يعلو غيرَه في درجات الجنَّة لتعلوَ منزلته، وترتفعَ درجته في الآخرة، كما ارتفعت في الدُّنيا، ويتبيَّن ذلك جليًّا من خلال عدَّة أحاديث:
1- ارتفاع منزلة الحافظ: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «يُقَالُ لِصَاحِبِ القُرآنِ[1]: اقْرَأ وَارْتَقِ[2]، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا[3]، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيةٍ تَقْرَؤُهَا»[4]. أفاد الحديثُ التَّرغيبَ في حفظ القرآن، وتخصيصُ الصَّاحِبِ في الحديث بالحافظ عن ظهر قلب دون التَّالي من المصحف تكريمًا له وتشريفًا. قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: «الخبر المذكور خاصٌّ بمن يحفظه عن ظهر قلب، لا بمن يقرأ بالمصحف؛ لأنَّ مجرَّد القراءة في الخطِّ لا يختلف النَّاس فيها ولا يتفاوتون قلَّةً وكثرة، وإنما الذي يتفاوتون فيه كذلك هو الحفظ عن ظهر قلب، فلهذا تفاوتت منازلهم في الجنَّة بحسب تفاوت حفظهم، ومما يؤيِّد ذلك أيضًا أَنَّ حِفْظَ القرآن عن ظهر قلب فرض كفاية على الأمَّة، ومجرَّد القراءة في المصحف من غير حفظٍ لا يسقط بها الطلب، فليس لها كبير فضل كفضل الحفظ، فتعيَّن أنَّه - أعني الحفظَ عن ظهر قلب - هو المراد في الخبر، وهذا ظاهر من لفظ الخبر بأدنى تأمُّل، وقول الملائكة له: اقرأْ وارْقَ صريح في حفظه عن ظهر قلب كما لا يخفى»[5].

الغُنْمُ بالغُرْم: والفوز بهذه المنزلة له شروط، يوضِّحها الألبانيُّ رحمه الله بقوله: «ففيه فضيلة ظاهرة لحافظ القرآن، لكن بشرط أن يكون حِفْظُه لوجه الله تبارك وتعالى، وليس للدُّنيا والدِّرهم والدِّينار، وإلاَّ فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «أَكْثَرُ مُناَفِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُهَا»[6]»[7]. فيا لها من سعادة للحافظ المُخْلِص إذا قيل له: اقرأْ وارقَ ورتِّلْ، فإنَّ منزلتك عند آخر آية تقرؤها. تُرى إلى أين يرقى؟

جاء في (عون المعبود) عن الطِّيبي رحمه الله: «إنَّ التَّرقِّي يكون دائمًا، فكما أَنَّ قراءته في حال الاختتام استدعت الافتتاح الذي لا انقطاع له، كذلك هذه القراءة والتَّرقِّي في المنازل التي لا تتناهى، وهذه القراءة لهم كالتَّسبيح للملائكة لا تشغلهم من مستلذَّاتهم بل هي أعظم مستلذَّاتهم»[8].

تنبيه على أثر ضعيف: قال الخطَّابي رحمه الله: «جاء في الأثر[9]: أنَّ عدد آي القرآن على قدر دَرَج الجنَّة، يقال للقارئ: ارق في الدَّرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن، فَمَنِ استوفى قراءة جميع القرآن استولى[10] على أقصى درج الجنَّة، ومَنْ قرأ جزءًا منها كان رقيُّه في الدَّرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثَّواب عند منتهى القراءة»[11].

2- عدَّة كرامات للحافظ:عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يَجِيءُ القُرآنُ يَوْمَ القيَامَةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ حَلِّه[12]، فَيُلْبَسُ تَاجَ الكَرَامَة، ثُمَّ يَقُولُ: يَارَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَارَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيُقَالُ: اقْرَأ وَارْقَ، وَيُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً»[13]. بَيَّنَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّ القرآنَ العظيم يرفع شأن صاحبه يوم القيامة، وأنه يطلب من الله تعالى أن يُزَيِّنَ صاحبه ويحلِّيه ويلبسه تاج الكرامة ويرضى عنه عزّ وجل جزاءً وفاقًا، فكما أرضى صاحبُ القرآن كتابَ الله في الدُّنيا بقيامه به، وعمله به، وتدبُّره، والدَّعوة إليه؛ فإنَّ القرآن يسأل الله تعالى أن يرضى عن عبده الحافظ للقرآن العامل به.

ففي هذا الحديث عِدَّةُ كراماتٍ لحافظ القرآن وهي: الإنعام عليه بتاج الكرامة، وحُلَّة الكرامة، فهو يُعرف بها يوم القيامة بين الخلائق، وهي علامةٌ على كرامة لابسهما ومكانته عند الله عزّ وجل.

وهذا التَّاج وهذه الحُلَّة وسام شرف ورفعة، يتميَّز بها أصحاب القرآن عن غيرهم من المؤمنين، وجدير بمن لبس هذا التَّاج وهذه الحُلَّة أن يكون رفيع الدَّرجة عالي المقام. وإذا كان العبد في الدُّنيا يزهو ويفتخر ويمتلئ إعجابًا وخيلاء إذا ما خَلَعَ عليه سلطانٌ أو مَلِكٌ خِلْعَةً ما، فما بالك بصاحب القرآن يوم القيامة إذا أنعم عليه مولاه، خالِقُ الخلق جميعًا، ومَلِكُ النَّاس وإلهُهم بهذه النِّعمة العظيمة، والمنزلة الرَّفيعة، وأَلْبَسَهُ تاجَ الكرامة، وحُلَّةَ الكرامة على أعين الخلائق. ما بالك بالسَّعادة والغبطة والفرح الذي يملأ قلبه.

وأعظَمُ من ذلك كلِّه: رِضا اللهِ عنه، ثم يُزاد على كلِّ ذلك بكلِّ آية حَسَنة، فضلًا عن رفعِهِ درجات في الجنَّة بعدد الآيات التي يحفظها من القرآن. قال ابن الجَزَري رحمه الله - في فضائل حملة القرآن العظيم، وجزائهم عند الله تعالى:
وَبَعْدُ: فَالإِنْسَانُ لَيْسَ يَشْرُفُ مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن   مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن مَنْزِلَةُ حافِظِ
إلاَّ بِمَا يَحْفَظُهُ وَيَعْرِفُ مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن   مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن مَنْزِلَةُ حافِظِ
لِذَاكَ كَانَ حَامِلُو الْقُرْآنِ مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن   مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن مَنْزِلَةُ حافِظِ
أَشْرَافَ الأُمَّةِ أُوِلي الإِحْسَانِ مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن   مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن مَنْزِلَةُ حافِظِ
وَإِنَّهُمْ فِي النَّاسِ أَهْلُ اللهِ مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن   مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن مَنْزِلَةُ حافِظِ
وَإِنَّ رَبَّنَا بِهِمْ يُبَاهِي مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن   مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن مَنْزِلَةُ حافِظِ
وَقَالَ فِي الْقُرْآنِ عَنْهُمْ وَكَفَى مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن   مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن مَنْزِلَةُ حافِظِ
بِأَنَّهُ أَوْرَثَهُ مَنِ اصْطَفَى مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن   مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن مَنْزِلَةُ حافِظِ
وَهُوَ فِي الأُخْرَى شَافِعٌ مُشَفَّعُ مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن   مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن مَنْزِلَةُ حافِظِ
فِيهِ وقَوْلُهُ عَلَيْهِ يُسْمَعُ مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن   مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن مَنْزِلَةُ حافِظِ
يُعْطَى بِهِ المُلْكَ مَعَ الخُلْدِ إِذَا مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن   مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن مَنْزِلَةُ حافِظِ
تَوَّجَهُ تَاجَ الْكَرَامَةِ كَذَا مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن   مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن مَنْزِلَةُ حافِظِ
يَقْرَا وَيَرْقَى دَرَجَ الجِنْانِ مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن   مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن مَنْزِلَةُ حافِظِ
وَأَبَوَاهُ مِنْهُ يُكسَيَانِ مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن   مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن مَنْزِلَةُ حافِظِ
فَلْيَحْرِصِ السَّعِيدُ فِي تَحْصِيلِه مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن   مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن مَنْزِلَةُ حافِظِ
وَلاَ يَمَلَّ قَطُّ مِنْ تَرْتِيلِه[14] مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن   مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن مَنْزِلَةُ حافِظِ


فهل يعي المسلمون فضائِلَ حفظِ القرآن، ويُقْبِلون عليه بشوق، ورغبة، وَنَهَمٍ، ويُربُّون على ذلك أبناءَهم؟ ويا للأسف إنَّ أكثرهم يتسابقون على دنياهم أضعاف تسابقهم إلى آخرتهم. وقد حَذَّرنا اللهُ تعالى الدَّنيا ومتاعَها فقال تعالى: ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾ [النساء: 77]. فمن أظلم ممن زهد في كتاب ربِّه، فَأَعْرَضَ عنه حفظًا وفقهًا وتلاوة ودراسة وعملًا[15].

3- الحافظ مع السَّفرة الكرام البررة:عن عائشةَ رضي الله عنها، عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرآنَ، وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ، مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ»[16]. هؤلاء السَّفَرة الكرام اختارهم اللهُ تعالى، وشَرَّفهم بأن تكون بأيديهم الصُّحُف المطهَّرة، قال تعالى: ﴿ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ [عبس: 13-16].

مغزى معيَّة السَّفرة:ومعنى كون الحافظ مع السَّفرة يحتمل أمرين: الأوَّل: أنَّ له في الآخرة منازلَ يكون فيها رفيقًا للملائكة السَّفَرة؛ لاتِّصافه بصفتهم مِنْ حَمْلِ كتاب الله تعالى. فَأُنزل منازلهم الرَّفيعة، وأُسكن مقاماتهم العالية من جوار الحقِّ تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 54-55]. والثَّاني: أنه عامِلٌ بعملهم وسالِكٌ مسلكهم[[17]. «وما نفتأ نرى النَّاسَ اليوم يفتخرون حين يُنْسَبون إلى عظيم من العظماء، أو رجل يحمل الشُّهرة والاسم اللاَّمع ولو كان ذلك في ميدان الرِّياضة أو اللهو الباطل، فهنيئًا لهؤلاء ما اختاروه من هوانٍ لأنفسهم، وهنيئًا لحفظة كتاب الله حين اختاروا أن يكونوا مع السَّفَرة الكرام البررة»[18].

المطلب الثاني: الحافظ مُقَدَّمٌ في الدُّنيا والآخرة:
1- الحفَّاظ هم الأَولى بالإمارة:يرفع القرآن العظيم من شأن صاحبه في الدُّنيا؛ لحفظه إيَّاه، فصاحب القرآن هو أعلى النَّاس نسبًا، وأشرفهم منزلةً، وأرفعهم قدرًا، وهكذا يجب أن يُعامل، وهذا ما كان عليه السَّلف الصَّالح من إكرامٍ لصاحب القرآن، واعترافٍ بفضله، وتقديمٍ على غيره؛ حتَّى في منصب الإمارة، وإن كان مولى من مواليهم، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ فممَّنْ رفعهم الله تعالى بالقرآن عبد الرَّحمن بن أبزى الخزاعي رضي الله عنه، وهو من أواخر صغار الصَّحابة، كان مولى لنافع بن عبد الحارث، وكان في عهد عمر رجلًا، وكان على خراسان لعليِّ بنِ أبي طالب رضي الله عنه[19].

فعَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ؛ أَنَّ نَافِعَ بْنَ الحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ. وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ. فَقَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الوَادِي؟ فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى. قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا. قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ قَالَ: إنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عزّ وجل. وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالفَرَائِضِ. قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صلّى الله عليه وسلّم قَدْ قَالَ: «إنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ»[20].

إِنَّ قارئ القرآن، العالِمَ بأحكامه، رفيعُ القدر، عظيمُ المنزلة، يفوق غيرَه وإن كان أشرفَ منه نسبًا، أو أعظم جاهًا، فهذا مولى مِنَ الموالي لا جاه له، ولا مال، ولا حسب، ولا مكانة عُليا في المجتمع، وربما كان في السُّلَّم الاجتماعي دون غيره بمقاييس أهل الدُّنيا، ولكنَّه بمقياس القرآن شيء آخر، وله مقام آخر. فقد رَفَعَه القرآن من مقام المولى إلى مقام الولاية، وَعِلْمُهُ بالقرآن أَهَّلَهُ لأن يحكم ويقضي بين الناس، وتكون له الكلمةُ النَّافذة، والرَّأي المسموع في المجتمع.

وها هو ذا عُمَرُ رضي الله عنه يعرف لهذا العالِمِ بالقرآن والحافظِ له مكانَتَه وفضلَه، فإذا به يُقِرُّ نافعًا على اختياره، ويذكر قولَه صلّى الله عليه وسلّم: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذا الكِتَابِ أَقْوَامًا» الحديث[21].

وليس اعتراف عمر رضي الله عنه هو مثار العَجَب، فإنَّ عمر رضي الله عنه أولى النَّاس بأن يعترف بفضل صاحب القرآن، ولكنَّ العَجَب كلَّ العجب ممَّنْ ولاَّه على مكَّة، وفي هذا إشارة إلى ما وصل إليه المجتمع المسلم من تحقيق الكرامة الإنسانيَّة على وجهها الصَّحيح، إذْ لا فضل لعربيٍّ على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلاَّ بالتَّقوى.

2- الحُفَّاظ هم الأَولى بالإمامة:عن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ»[22]. وعن أبي سعيد الخُدريِّ رضي الله عنه أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا كَانُوا ثَلاَثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وأَحَقُّهُمْ بِالإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ»[23]. وهذا مقام آخر من مقامات الأفضلية للحافظ، بأن قُدِّمَ على كُلِّ مَنْ حضر في المسجد للصَّلاة.

فالأكثر قرآنًا هو المُقَدَّمُ في إمامة الصَّلاة وإنْ كان مولى: عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: «لَمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ العَصْبَةَ - مَوْضِعٌ بِقُبَاءَ - قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وسلّم، كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًَا»[24]. زاد الهيثم بن خالد الجهني: «وَفِيهم عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وأبو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الأَسَدِ»[25]. قال ابن حجر رحمه الله: «ووجه الدَّلالة منه إجماع كبار الصَّحابة القرشيين على تقديم سالمٍ عليهم، وكان سالمٌ المذكور مولى امرأة من الأنصار فأعتقته، وكأنَّ إمامتَه بهم كانت قبل أن يُعتق، وإنما قيل له مولى أبي حذيفة؛ لأنَّه لازَمَ أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بعد أن أُعتق فتبنَّاه، فلمَّا نُهُوا عن ذلك قيل له مولاه. وقوله: (وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًَا) إشارة إلى سبب تقديمهم له مع كونهم أشرفَ منه»[26].

والأكثر قرآنًا هو المُقَدَّمُ في إمامة الصَّلاة وإنْ كان صبيًّا مميِّزًا:عن عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الفَتْحِ، بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بإِسْلاَمِهِمْ، وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بإسْلاَمِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: جِئْتُكُمْ واللهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم حَقًّا، فَقَالَ: «صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا في حين كَذَا، وَصَلُّوا صَلاَةَ كَذَا في حين كَذَا، فَإذَا حَضَرتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرآنًا». فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي، لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُوني بَيْنَ أيْدِيهِمْ، وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أوْ سَبْعِ سِنينَ[27]. قال ابن حجر رحمه الله: «وفي الحديث حُجَّةٌ للشَّافعيَّة في إمامة الصَّبيِّ المُميِّز في الفريضة، وهي خلافية مشهورة ولم يُنْصِفْ مَنْ قال إنهم فعلوا ذلك باجتهادهم، ولم يَطَّلِع النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم على ذلك؛ لأنَّها شهادة نفي، ولأنَّ زمن الوحي لا يقع التَّقرير فيه على ما لا يجوز»[28].

3- الحفَّاظ هم أصحاب الشُّورى: عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «كَانَ القُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجْلِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ، كُهُولًا كانُوا أَوْ شُبَّانًا»[29].

4- الحفَّاظ هم المقدَّمون في البَرْزخ:وكما أعلى اللهُ تعالى شأنَ حافظِ القرآن في الدُّنيا فقد أعلى شأنه في الآخرة، فهو أَولى النَّاس بالتَّقديم حتَّى بعد موته: عَنْ جَابِرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنهما قال: كان النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يَجْمَعُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرآنِ». فإذا أُشِيرَ لهُ إلَى أَحَدِهِما قَدَّمَهُ في اللَّحْدِ، فقال: «أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ القِيَامَةِ»[30]. قال ابن حجر رحمه الله: «وفيه فضيلةٌ ظاهرة لقارئ القرآن، وَيُلحق به أهل الفقه والزُّهد وسائر وجوه الفَضْل»[31].

ومع أنَّ مقام الشَّهادة فوق كلِّ مقام، ومع أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم شهد لقتلى أُحد عند الله تعالى بالصِّدق فيما عاهدوا عليه، وشهد لهم بالجنَّة، إلاَّ أنَّه في غمرة هذه الفضائل للشُّهداء، لم يَنْسَ صلّى الله عليه وسلّم الشَّهيدَ الأكثر حفظًا للقرآن في تقديمه في اللَّحد.

فصاحب القرآن، والأكثر أخذًا للقرآن، له الأفضلية حتَّى بين الشُّهداء، لعظمة القرآن الذي في صدره، وما تقديم الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم له في اللَّحد إِلاَّ رَمْزٌ لتقدُّمه على مَنْ سواه من الشُّهداء في الأجر والثَّواب، وفي المكانة والجنَّة.

وإذا كان التَّفاضل بالقرآن بين الشُّهداء، فالتَّفاضل به بين الأحياء ولا شَكَّ أكبر وأعظم: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26]. فلْيتأمَّلِ المسلم هذا الأمرَ جيِّدًا، ويقف عنده طويلًا، وَمِنْ ثَمَّ يقوده للعناية بالحفظ والإكثار منه والصَّبر عليه[32].

المطلب الثالث: فضائل متنوِّعة للحافظ:
1- الحُفَّاظ أهل الله وخاصَّته:من تمام إكرام الله تعالى لحملة كتابه أَنْ جعلهم من أهله وخاصَّته، وهو شرف عظيم، وتكريم لحفَّاظِ القرآن لا يُدانيه أيُّ شرف يسعى إليه النَّاس في الدُّنيا؛ ذلك أنَّ العبد الضَّعيف يُصبح من أهل الله وخاصَّته، ولا شكَّ أنَّ أهل الله وخاصَّته، هم أقرب النَّاس إلى نيل رحمته، وكرامته، ومحبَّته، والقرب منه تعالى. فهو فَضْلُ الله يؤتيه مَنْ يشاء، والله واسع عليم. عن أَنَس بنِ مالكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ للهِ أَهْلِينَ[33] مِنَ النَّاسِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمْ أَهْلُ القُرآنِ، أهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ»[34].

والمقصود بأهلِ الله وخاصَّتِه في الحديث المذكور: هم حَفَظَةُ القرآن، العاملون به، هم أولياء الله، والمُخْتَصُّون به اختصاصَ أهل الإنسان به. وقيل: هم الذين يختصُّون بخِدْمته، فإنَّه لمَّا قرَّبهم واختصَّهم كانوا كأهله، ومنه قيل لأهل مكَّة: أهل الله، لمَّا كانوا سكَّان بيته وما حوله كانوا كأهله[35].

وإذا اخْتَصَّ المخلوقُ أحدًا من المخلوقين قَرَّبَهُ منه وأفاضَ عليه من إكرامه وعطائه ومحبَّته الشَّيءَ الكثير، فما الظَّنُّ بالله الكريم - وله المثل الأعلى في السَّماوات والأرض - مالِكِ المُلك ذي الجلال والإكرام. فأَكْرِمْ به من فَضْل، وأَعْظِمْ بها من مكانة ومنزلة يطمح إليها كُلُّ مؤمن، وتصبو إليها كلُّ نفس تريد وجهَ اللهِ الكريم ورضوانَه وجنَّته. فَلْينتسب كلُّ إنسان لما يتمنَّى ويرغبُ مِنْ أهل المال أو الجاه أو المناصب أو الشُّهرة، ولْتَجُدِ القواميس بكلِّ وصفٍ وثناءٍ، فهل تأتي بأكملَ مِمَّا وُصِفَ به حملة كتاب الله: «أَهْلُ اللهِ وخَاصَّتُهُ»؟[36].

2- إكرام الحافظ في الدُّنيا:إكرام حافظ القرآن الكريم من إجلال الله تعالى وتعظيمه؛ لعظيم حرمة الحافظ ومنزلته عند الله تعالى. فعن أبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، قال: قال رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ مِنْ إجْلاَلِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ المُسْلِمِ، وَحَامِلِ القُرآنِ غَيْرِ الغَالِي فِيهِ[37] والجَافِي عنه[38]، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ المُقْسِطِ»[39].

وسُمِّي الحافظُ حاملًا للقرآن: لِمَا يتحمَّلُه من المشاقِّ الكثيرة والتي تزيد على الأحمال الثَّقيلة[40]، فَحُقَّ له أن يُكْرَمَ ويُعظَّمَ ويُبَجَّلَ؛ لأنَّ في ذلك تبجيلًا وتعظيمًا وإجلالًا لله تعالى، ذلك أَنَّ الحافِظَ قد حَوَى صدرُه كلامَ الله تعالى، فمن هنا ينبغي إكرامُه وإنزالُه المنزلةَ اللاَّئقة به.

3- ثناء الله تعالى على الحُفَّاظ:مَدَحَ الله تَعالى حفَّاظَ كتابه وأثنى عليهم بِأَنْ جعل كتابَه آيات بيِّنات في صدورهم، وفي هذا مَنقبةٌ عظيمة لهم، دون غيرهم، فقال تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ [العنكبوت: 49]. «أي في صدور العلماءِ به وحُفَّاظِه، وهما من خصائص القرآن، كونه آيات بيِّنات الإعجاز، وكونه محفوظًا في الصُّدور بخلاف سائر الكتب؛ فإنَّها لم تكن معجزات ولا كانت تُقرأ إلاَّ مِنَ المصاحف»[41]. «وَوَصَفَهم بالعلم؛ لأنَّهم مَيَّزُوا بأفهامهم بين كلام الله، وكلام البشر والشَّياطين»[42].

فهؤلاء الحُفَّاظ «سادةُ الخَلْق، وعقلاؤُهم، وأُولو الألباب منهم، والكُمَّلُ منهم. فإذا كان آيات بيِّنات، في صدور أمثال هؤلاء، كانوا حُجَّةً على غيرهم»[43]. فكفى بحافظ القرآن فخرًا وشرفًا أنَّ الله تعالى أكرمه وجعله من أسباب حِفْظ القرآن؛ ذلك أنَّ آيات القرآن العظيم محفوظةٌ في الصُّدور والسُّطور، وهذا من أسباب حفظ الدِّين، ووسائل حفظ الشَّريعة. فلو تَطَرَّقَ تحريفٌ مَّا - جَدَلًا - إلى السُّطور فأنَّى له أن يصل إلى الصُّدور.

4- الحفَّاظ لا تحرقهم النَّار:إنَّ أعظم ما يسعى إليه المسلم أن يُزحزحه الله تعالى عن النَّار ويدخله الجنَّة، وقد أكرم الله تعالى حُفَّاظَ كتابه بنجاتهم من النَّار وعدم إحراق إجسادهم الطَّاهرة فيها؛ لعظمة ما في صدورهم مِنْ كلامِ الله تعالى. فعن عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «لَوْ كَانَ القُرآنُ في إِهَابٍ مَا أَكَلَتْهُ النَّارُ»[44]. فلو صُوِّرَ القرآنُ وجُعِلَ في إهاب وأُلقي في النَّار ما مسَّته النَّار، ولا أحرقته ببركته، فكيف بالمؤمن المواظِب لقراءتِه ولتلاوتِه والعملِ به؟ وقيل: المعنى مَنْ عَلَّمَه اللهُ القرآنَ لم تحرقه نار الآخرة، فَجَعَل جِسْمَ حافِظِ القرآنِ كإِهابٍ له[45].

ويشهد له ما رواه أبو الفَضْلِ الرَّازي بسنده عن يزيد بن عمرو، قال: سَأَلْتُ الأَصْمَعِيَّ عنه، قال: يعني في إِنْسانٍ. أراد مَنْ عَلَّمَهُ اللهُ القُرْآنَ مِنَ المسلمين وحَفَّظَهُ إِيَّاهُ لَمْ تَحْرِقْهُ النَّارُ يومَ القِيَامَةِ إِنْ أُلْقِيَ فيها بالذُّنُوبِ، كما قال أَبُو أُمَامَةَ رضي الله عنه: «اقْرَؤُوا القُرْآنَ ولا تَغُرَّنَّكُمْ هذه المَصَاحِفُ المُعَلَّقَةُ[46]، فَإِنَّ اللهَ لا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ قَلْبًا وَعَى القُرْآنَ»[47]. قال أبو عُبيد رحمه الله: «وَجْهُ هذا عندنا أن يكون أراد بالإِهاب قلبَ المؤمن وجوفَه الذي قد وعى القرآن»[48].

وقال الزَّبيدي رحمه الله في شرحه لأثر أبي أُمامة رضي الله عنه: «أي حَفِظَهُ وتدبَّرَه وعَمِلَ بما فيه، فَمَنْ حَفِظَ ألفاظَه وضيَّعَ حُدودَه فهو غَيرُ واعٍ له»[49]. وقد «ضُرِبَ المثل بالإهاب وهو جلد لم يُدبَغْ؛ لأِنَّ الفسادَ إليه أسرع ولَفْحَ النَّار فيه أنفذ؛ لِيُبْسِهِ وجَفافِه، بخلاف المدبوغ لِلِيْنِه.

والمعنى: لو قُدِّرَ أَنْ يكون في إهاب ما مسَّته النَّار ببركة مجاورته للقرآن، فكيف بمؤمنٍ تولَّى حِفْظَه والمواظبَةَ عليه، والمرادُ نار الله الموقدة المميِّزة بين الحقِّ والباطل. قال الطِّيبي: وتحريرُه أنَّ التَّمثيل واردٌ على المبالغة والفَرْض، كما في قوله:
﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا ﴾ [الكهف: 109]، أي ينبغي ويَحِقُّ أَنَّ القرآن لو كان في مثل هذا الشَّيء الحقير الذي لا يُؤْبَهُ به، ويُلقى في النَّار ما مسَّته، فكيف بالمؤمن الذي هو أكرمُ خَلْقِ الله، وقد وعاه في صدره، وتفكَّر في معانيه، وعَمِلَ بما فيه، كيف تمسُّه، فضلًا عن أن تحرقه»[50].

فهنيئًا لمن حَفِظَ كتابَ الله تعالى فجَمَعه في صدره، وعَمِلَ بما فيه، هنيئًا له بهذه البشارة في النَّجاة من النَّار، وهذا من أعظم فضائل حفظ القرآن الكريم. فهل من مُشَمِّرٍ؟

[1] (لِصَاحِبِ القُرآن): أي حافظه عن ظهر قلب أو حافظ بعضه الملازم لتلاوته مع التَّدبُّر لآياته، والعمل بأحكامه، والتَّأدُّب بآدابه.

[2] (اقْرَأ وارْتَقِ): أَمْرٌ مِنْ رَقَى يَرْقَى، أي: اصعد دَرَجَ الجنَّة بمقدار ما حفظته من آي القرآن.

[3] (وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنيا): أي لا تستعجل في قراءتك فالتَّرتيل في الجنَّة لمجرَّد التَّلذُّذ؛ إذ لا عَمَلَ ولا تكليف هناك، وفيه إشارة إلى أنَّ الجزاء على وفق الأعمال كمِّيَّة وكيفيَّة. انظر: عون المعبود (4/237)؛ تحفة الأحوذي (8/232)؛ فقه قراءة القرآن الكريم (ص71).

[4] رواه أبو داود (2/73) (ح1364)، وقال الألباني في «صحيح أبي داود» (1/275) (ح1300): «حسـن صحيح».

[5] الفتاوى الحديثية (ص156).

[6] رواه أحمد في «المسند» (2/175) (ح6637)، وقال محققو المسند (11/213) (ح6637): «إسناده حسن». وأورده الألباني في «السلسلة الصحيحة» (2/386) (ح750).

[7] السلسلة الصحيحة (5/384).

[8] عون المعبود (4/237).

[9] رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (6/120) (رقم 29952) عن أمِّ الدَّرداء رضي الله عنها قالت: «دخلتُ على عائشة فقلت: ما فَضْل مَنْ قرأ القرآن على مَنْ لم يقرأه ممن دخل الجنَّة؟ فقالت: إنَّ عدد دَرَج الجنَّة على عدد آي القرآن، فليس أحد ممن دخل الجنَّة أفضل ممن قرأ القرآن». قال الألباني في «السلسلة الصحيحة» (5/283): «وجملة القول: إنَّ إسناد هذا الأثر ضعيف».

[10] الأَولى أن يعبَّر بلفظ الحديث (ارتقى)؛ لأنَّ كلمة (استولى) تُوحي بالقهر والغلبة والاستيلاء، وأهل الجنَّة ليسوا كذلك.

[11] معالم السنن (2/136). وانظر: عون المعبود (4/237)، تحفة الأحوذي (8/232).

[12] (يارَبِّ حَلِّهِ): الظَّاهر أنه أَمْرٌ مِنَ التَّحلِيَةِ، يُقال: حَليتُه أحليهِ تحليةً إذا أَلْبَسْتُه الحِلية. والمعنى: ياربِّ زَيِّنْهُ. انظر: تحفة الأحوذي (8/232).

[13] رواه الترمذي (5/178) (ح2915)، وقال: «حسن صحيح». وحسَّنه الألباني في «صحيح سنن الترمذي» (3/10) (ح2328).

[14] طَيِّبة النَّشْر في القراءات العَشْر (ص31).

[15] انظر: فضائل سور القرآن الكريم (ص64)، أنوار القرآن (ص262)، فضائل القرآن وحملته في السنة المطهرة (ص43).

[16] رواه البخاري، (4/1882) (ح4653).

[17] انظر: صحيح مسلم بشرح النووي (6/84)، عون المعبود (4/230).

[18] حفظ القرآن الكريم (ص25).

[19] انظر: الإصابة (4/149)، التقريب (1/472)، سير أعلام النبلاء (3/201).

[20] رواه مسلم، (1/559) (ح816).

[21] انظر: أنوار القرآن (ص248).

[22] رواه مسلم، (1/465) (ح673).

[23] رواه مسلم، (1/464) (ح672).

[24] رواه البخاري، (1/219) (ح692).

[25] رواه أبو داود (1/160) (ح588)؛ وصحَّحه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1/117) (ح550).

[26] فتح الباري شرح صحيح البخاري (2/241).

[27] رواه البخاري، (3/1299) (ح4302).

[28] المصدر السابق (8/30).

[29] رواه البخاري، (3/1420) (ح642).

[30] رواه البخاري، (1/401) (ح1353).

[31] فتح الباري شرح صحيح البخاري (3/213).

[32] انظر: أنوار القرآن (ص250).

[33] (أَهْلِينَ): جَمْعُ أهل، جُمِعَت بالياء والنون لكونها ملحقًا بجمع المذكَّر السَّالم، ونُصِبت بالياء لكونها اسم إنَّ مؤخَّر.

[34] رواه ابن ماجه في «المقدِّمة» (1/78) (ح215)؛ وصحَّحه الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» (1/42) (ح178).

[35] انظر: النهاية في غريب الحديث (1/83)، لسان العرب (11/28).

[36] انظر: حفظ القرآن الكريم (ص15)، أنوار القرآن (ص239).

[37] (غير الغالي فيه): الغلوُّ هو التَّشديد ومجاوزة الحدِّ، والمعنى: غير المتجاوز الحدِّ في العمل بالقرآن، وتتبُّع ما خفي منه واشْتَبَه عليه من معانيه، وفي حدود قراءته ومخارج حروفه. وقيل: الغلوُّ المبالغة في التَّجويد، أو الإسراع في القراءة، بحيث يمنعه عن تدبُّر المعنى.

[38] (والجافي عنه): أي غير المتباعد عن القرآن، المُعْرِض عن تلاوته، وإحكام قراءته، ومعرفة معانيه، والعمل بما فيه. وقيل: الجفاء أن يتركه بعد ما عَلِمَه، لا سيَّما إذا كان نَسِيه؛ فإنه عُدَّ من الكبائر. انظر: عون المعبود (13/192).

[39] رواه أبو داود (4/261) (ح4843)؛ وحسَّنه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (3/918) (ح4053).

[40] انظر: عون المعبود (13/192).

[41] تفسير النسفي (3/261).

[42] تفسير القرطبي (13/354).

[43] تفسير السعدي (4/67).

[44] أحمد في «المسند» (4/155) (ح17456)؛ والطبراني في «الكبير» (17/308) (ح850)؛ وحسَّنه الألباني في «صحيح الجامع» (2/953) (ح5282).

[45] انظر: فيض القدير (10/5104).

[46] لعلَّ المقصود: الحثُّ على فضيلة حفظ القرآن عن ظَهْرِ قلبٍ، والله أعلم.

[47] رواه الرازي في «فضائل القرآن وتلاوته» (ص154) (رقم 125)؛ والبخاري في «خلق أفعال العباد» (1/87) (رقم 273). وصحَّحَ إسنادَه ابنُ حجر في «فتح الباري» (9/79).

[48] فضائل القرآن (ص54).

[49] إتحاف السَّادة المتقين (4/465).

[50] فيض القدير (10/5105).






الألوكة

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك


الموضوع الأصلي: مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن || الكاتب: طالبة العلم || المصدر: منتديات الحقلة

منتديات الحقلة

منتديات الحقلة: منتديات عامة اسلامية ثقافية ادبية شعر خواطر اخبارية رياضية ترفيهية صحية اسرية كل مايتعلق بالمرأة والرجل والطفل وتهتم باخبار قرى الحقلة والقرى المجاوره لها





lQkX.AgQmE phtA/A hgrvNk hgrvNk




lQkX.AgQmE phtA/A hgrvNk hgrvNk lQkX.AgQmE phtA/A hgrvNk hgrvNk



 

قديم 04-01-2022   #2
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: مَنْزِلَةُ حافِظِ القرآن



جزاك الله خير الجزاء
ونفع بك وبعلمك



 

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مَنْزِلَةُ, القرآن, حافِظِ


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اجعل القرآن ربيع قلبي يارب..ماذا لو ينزل القرآن بقلبك أنشودة الأمل المنتدى الاسلامي العام 6 19-10-2017 06:40 AM
لا تحفظ القرآن بل [ اجعل القرآن يحفظك أنشودة الأمل المنتدى الاسلامي العام 6 31-05-2017 10:10 AM
اسباب نزول القرآن الكريم ، فضل سور القرآن الكريم ، سبب تسمية كل سورة من سور القرآن ا مصراوي منتدى القرآن الكريم والتفسير 71 22-12-2015 03:03 PM
كيف تقرأ القرآن ؟وكيف تفهم القرآن ؟ ابو يحيى منتدى القرآن الكريم والتفسير 18 30-07-2015 10:24 PM
مَنْزِلَةُ الْيَقَظَةِ ابو يحيى المنتدى الاسلامي العام 6 26-06-2013 08:03 AM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 11:19 AM

أقسام المنتدى

الاقسام العامة | المنتدى الاسلامي العام | المنتدى العام | منتدى الترحيب والتهاني | الاقسام الرياضية والترفيهية | العاب ومسابقات | الافلام ومقاطع الفيديو | منتدى الرياضة المتنوعة | الاقسام التقنية | الكمبيوتر وبرامجه | الجوالات والاتصالات | الفلاش والفوتوشوب والتصميم | منتدى التربية والتعليم | قسم خدمات الطالب | تعليم البنين والبنات | ملتقــــى الأعضـــــاء (خاص باعضاء المنتدى) | المرحله المتوسطه | منتدى الحقلة الخاص (حقلاويات) | منتدى الاخبار المحلية والعالمية | اخبار وشـؤون قرى الحقلة | اخبار منطقة جازان | الاقسام الأدبية والثقافية | الخواطر وعذب الكلام | منتدى الشعر | عالم القصة والروايات | اخبار الوظائف | منتديات الصحة والمجتمع | منتدى الصحة | منتدى الأسرة | منتدى السيارات | منتدى اللغة الانجليزية | منتدى الحوار والنقاشات | منتدى التراث والشعبيات والحكم والامثال | منتدى التعليم العام | منتدى السفر والسياحة | الثقافه العامه | منتدى تطوير الذات | كرسي الإعتراف | منتدى عالم المرأة | عالم الطفل | المطبخ الشامل | منتدى التصاميم والديكور المنزلي | المكتبة الثقافية العامة | شعراء وشاعرات المنتدى | مول الحقلة للمنتجات | الخيمة الرمضانية | المـرحلـة الابتدائيـة | استراحة وملتقى الاعضاء | المرحله الثانويه | الصور المتنوعة والغرائب والعجائب | المنتدى الاسلامي | منتدى القرآن الكريم والتفسير | سير نبي الرحمة واهم الشخصيات الإسلامية | قصص الرسل والانبياء | قسم الصوتيات والفلاشات الاسلاميه | اخبار مركز القفل | منتدى الابحاث والاستشارات التربوية والفكرية | افلام الانمي | صور ومقاطع فيديو حقلاويات | البلاك بيري / الآيفون / الجالكسي | بوح المشاعر وسطوة القلم(يمنع المنقول ) | مناسك الحج والعمرة | منتدى | ارشيف مسابقات المنتدى | منتدى الحديث والسنة النبوية الشريفة | المنتدى الاقتصادي | منتدى عالم الرجل | اعلانات الزواج ومناسبات منتديات الحقلة | تراث منطقـة جــــازان | كرة القدم السعوديه | منتدى الرياضة | كرة القدم العربيه والعالمية | ديـوان الشـاعـر عمـرين محمـد عريشي | ديـــوان الشــاعـر عـبدة حكمـي | يوميات اعضاء منتديات الحقلة | تصاميم الاعضاء | دروس الفوتوشوب | ارشيف الخيمة الرمضانية ومناسك الحج والعمرة الاعوام السابقة | منتدى الاخبار | نبض اقلام المنتدى | ديـــوان الشــاعـر علـي الـدحيمــي | الاستشارات الطبية | الترحيب بالاعضاء الجدد | قسم الاشغال الايدويه | قسم الاشغال اليدويه | مجلة الحقله الالكترونيه | حصريات مطبخ الحقله | ديوان الشاعر ابوطراد |



Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Ramdan √ BY: ! Omani ! © 2012
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Forum Modifications Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع المواضيع والمُشاركات المطروحه في منتديات الحقلة تُعبّر عن ثقافة كاتبها ووجهة نظره , ولا تُمثل وجهة نظر الإدارة , حيث أن إدارة المنتدى لا تتحمل أدنى مسؤولية عن أي طرح يتم نشره في المنتدى

This Forum used Arshfny Mod by islam servant