لو تأملنا الأبحاث النفسية الصادرة حديثاً نرى أن العلماء يركزون على التفاؤل كأسلوب علاجي فعال لكثير من الأمراض، لأن الدماغ يستجيب للتفاؤل ويصدر أوامره لرفع مناعة الجسم....
تجربة علمية جديدة
اثبتت ان الدماغ يكون في حالة استقرار وراحة عندما يكون الإنسان متفائلاً، ويؤكد علماء النفس أن استقرار عمل الدماغ مهم جداً للحفاظ على صحة الإنسان النفسية والجسدية. وينصح العلماء بالتفاؤل كأسلوب مهم لعلاج الكثير من الأمراض النفسية. بل هناك دراسات كثيرة تؤكد أن المتفائلين أكثر صحة من المتشائمين. وبالتالي فإن التفاؤل يعتبر علاجاً لكثير من الأمراض المستعصية، وربما يكون من أهم الأشياء أنه في حالة التفاؤل فإن النظام المناعي لدى الإنسان يعمل بحالة أفضل!!
من الهدي النبوي الشريف
كلُّنا يعلم كيف كان نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم ينظر إلى الحياة نظرة متفائلة، وكيف كان يعجبُه التفاؤل ويأمر أصحابه أن يكونوا متفائلين. بل إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في أصعب المواقف التي مرت في حياته، علمنا كيف نعالج القلق والخوف بكلمة واحدة فقط! وكلُّنا يذكر قصة الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة، عندما خرج النبي وصاحبه أبو بكر الصديق ودخلا الغار، وكان المشركون يبحثون عنهما، ولم يكن بينهما وبين الموت إلا أن يراهما أحد المشركين، ولكن رحمة الله وحفظه أكبر وأقوى من كيد المشركين.
في هذا الموقف الصعب التفت أبو بكر إلى النبي وقال له يا رسول الله: لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لرآنا، ثم قال له يا رسول الله إني لا أخاف على نفسي ولكن أخاف عليك... إنه موقف يعتبر في قمة الخوف والقلق. فكيف عالج النبي هذا الموقف؟ تأملوا معي هذا النص الإلهي الذي يصور لنا تلك الحادثة: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 40].
إنها كلمة رائعة (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) يجب على كل مؤمن أن يتذكرها عندما يتعرض لموقف صعب، وهكذا جميع الأنبياء عليهم السلام، ومنهم سيدنا يعقوب بعدما ابتلي بفقدان ابنيه فماذا فعل، وكيف عالج هذا القلق والحزن؟ هل تشاءم وغضب وانفعل؟ انظروا ماذا قال لبنيه: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87]. انظروا إلى هذه العبارة الرائعة: (وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)، إنها أجمل عبارة لعلاج القلق والتشاؤم.
وأخيراً تأملوا معي هذا النداء الإلهي المفعم بالتفاؤل والأمل، تأملوا كيف يعلمنا القرآن الأمل والثقة برحمة الله، وأن ندعوه في جميع حاجاتنا ومشاكلنا، وسوف يستجيب لنا، بشرط أن يكون الدعاء صادقاً! يقول تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].
التفاؤل وأثره على القلب تؤكد الدراسات الطبية الجديدة على أهمية التفاؤل والبشرى، وتحذر من مخاطر التشاؤم وبخاصة على مرضى القلب، فماذا عن تعاليم ديننا الحنيف؟ لنقرأ....
ما أعظم التعاليم التي جاء بها الإسلام، وما أروع آيات هذا القرآن، وما أجمل أحاديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم... فقد كان دائم التفاؤل ويستبشر برحمة الله، ولم يكن يحزن على أمر من أمور الدنيا أبداً، بل كان في كل لحظة يمتثل قول الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58]. وقد كان صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن، وكان أبعد الناس عن التشاؤم، بل كان ينهى عن التطيُّر و"النظرة السوداء" للمستقبل.
وبما أن الله تعالى قال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21]، فإنه من الواجب أن نقتدي بسنته ونهتدي بهديه فلا نتشاءم ونتفاءل بالخير دوماً، وهذا خلق من أخلاق النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، ولكن ماذا عن العلم الحديث، وهل هناك من اكتشاف علمي يؤكد صدق تعاليم نبيّ الرحمة عليه الصلاة والسلام؟
أكدت دراسة أمريكية بأن التشاؤم قد يهلك صاحبه، بعد أن كشفت عن زيادة احتمال تعرض مرضى القلب للوفاة بسبب معاناتهم القلبية، في حال أكثروا من التشاؤم في تعاطيهم مع حالتهم الصحية.
ومن وجهة نظر الباحثين، فقد بات من المعلوم وجود علاقة بين الاكتئاب وزيادة معدلات الوفيات عند الأشخاص، غير أن النتائج الحالية تظهر حجم تأثير توقعات المريض، على تعافيه من المرض، بغض النظر عن أية عوامل نفسية أو اجتماعية أخرى.
ويؤكد الدكتور "بيرفوت" على أن الدراسة تقدم نصيحة للطبيب حول أهمية التنبه إلى ما يعتقده المريض حيال مرضه، لما لذلك من تأثير على تعافيه. كما تبين للمرضى بأن توقعاتهم الإيجابية تجاه هذا الأمر، لن تحسن من شعورهم فحسب، وإنما قد تمكنهم من العيش فترة أطول.
وفي ظل هذه النتائج العلمية ندرك أهمية أن يستبشر المؤمن برحمة من الله، فهو القائل: (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 171]. وقد عجب النبي صلى الله عليه وسلم من حال المؤمن فكان كل حاله خير: إذا أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإذا أصابته سراء شكر فكان خيراً له!!
من هنا نتعلم درسين من دروس التقوى: الصبر والشكر. فالمؤمن يتميز على غير المؤمن بهاتين الصفتين أثناء تعامله مع ظروف الحياة وصعوباتها، فتجد أن الصبر والشكر يجعلان المؤمن أكثر تفاؤلاً وأبعد ما يكون عن التشاؤم، لأنه يدرك أن الله معه، وأن المستقبل له، وأن الجنة بانتظاره، فلا يحزن على شيء فاته، ولا يخاف من شيء سيأتيه، ولذلك قال تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس: 62-64]. فهل هناك أجمل من أن يمتلك المؤمن البشرى في الدنيا والآخرة، فماذا يريد بعد ذلك؟