معنى قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ... ﴾: قال ابن كثير في "تفسيره" (2 /346): هذا إنكار من الله تعالى على مَن يدَّعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد التحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله، كما ذكر في سبب نزول هذه الآية أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخاصَمَا، فجعل اليهودي يقول: بيني وبينك محمد، وذاك يقول: بيني وبينك كعب الأشرف، وقيل: في جماعة من المنافقين، ممن أظهروا الإسلام، أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية، وقيل غير ذلك.
والآية أعم من ذلك كله؛ فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة، وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطاغوت ها هنا، ولهذا قال: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزلَ الله وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴾ [النساء: 60، 61]؛ اهـ.
بعض ما في قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ... ﴾ من الفوائد: الأولى: وجوب الانقياد والتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. الثانية: قبول حكمه صلى الله عليه وسلم وتقديمه على غيره للأدلة الدالة على ذلك. الثالثة: الإيمان بما أنزل الله من الكتب، كما تقدم مفصلًا، في شرح حديث عمرو بن عبسة السابق. الرابعة: حرمة الدعاوى الكاذبة سواء كان ذلك في الدين أو الدنيا. الخامسة: وجوب بغض النفاق وأهله والكفر وأهله، والله أعلم.
الألوكة
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك