وأُعيدَ خطابُهم كما سبق بطريق النداء للعناية والاهتمام، وفيه تأكيد لوجوب ذكرِ نِعَمِه عز وجل وشكره.
﴿ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾[البقرة: 47]:
معطوف على "نعمتي"؛ أي: واذكروا تفضيلي إياكم على العالمين، وهو من عطف الخاص على العام؛ لأن التفضيل من أعظم نعم الله عليهم.
و﴿ الْعَالَمِينَ ﴾ جمع "عالَم" بفتح اللام، وهم في الأصل كلُّ ما سوى الله عز وجل؛ أي: كل المخلوقات، عالم الملائكة، وعالم الإنس، وعالم الجن، وعالم الحيوان، وعالم النبات، وعالم الجماد، وغير ذلك من المخلوقات، وهو مشتق من العلامة؛ لأن كل ما في الكون من المخلوقات علامةٌ على وجود الخالق العظيم، وهو الله عز وجل، وعلى كماله في ربوبيته وألوهيته، وأسمائه وصفاته.
والمراد بـ "العالمين" في الآية كما سبقت الإشارة عالَمو زمانِه؛، وذلك لأن بني إسرائيل في ذلك الوقت هم أهل الإيمان والصلاح والاستخلاف في الأرض، كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105]، وقال تعالى: ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128].
لكنهم صاروا بعد ذلك أحقَرَ الخلق وأشرَّهم بعد أنْ لعَنَهم الله وغضب عليهم؛ بسبب كتمانهم الحق، ونبذ كتاب الله وراء ظهورهم، وتحريفهم كلامَ الله، ونقضهم الميثاق، وكفرهم بآيات الله، وقتلِهم الأنبياءَ بغير حق، واشترائهم بآيات الله ثمنًا قليلًا، وعصيانهم واعتدائهم، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: 187].
وأفضل الأمم على الإطلاق أمَّةُ محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ [آل عمران: 110].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بَيْدَ أنهم أوتوا الكتاب قبلنا))[1]، وعن معاوية بن حيدة القُشيري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنتم تُوفُونَ سبعين أمَّةً، أنتم خيرها وأكرَمُها على الله))[2].
[1] أخرجه البخاري في الجمعة (876)، ومسلم في الجمعة (855)، والنسائي في الجمعة (1367)- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] أخرجه الترمذي في تفسير سورة آل عمران (300)، وابن ماجه في الزهد صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم (4288)، وقال الترمذي: "حديث حسن".
الألوكة
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك