ذكر
الإمام الذهبي أنه
سفيان ابن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهبة بن أبي بن عبد الله بن منقذ بن نصر بن الحارث بن ثعلبة بن عامر بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان . هو شيخ الإسلام ، إمام الحفاظ ، سيد العلماء العاملين في زمانه ، أبو عبد الله
الثوري الكوفي المجتهد ، مصنف كتاب "الجامع ".
ولد سنة سبع وتسعين اتفاقا ، وطلب العلم وهو حدث باعتناء والده ، المحدث الصادق : سعيد بن مسروق
الثوري ، وكان والده من أصحاب الشعبي , وقيل : إن عدد شيوخه ست مائة شيخ ، وكبارهم الذين حدثوه عن أبي هريرة ، وجرير بن عبد الله ، وابن عباس ، وأمثالهم ، وقد قرأ الختمة عرضا على حمزة الزيات أربع مرات .
وقال ابن مهدي : ما رأت عيناي أفضل من أربعة , ما رأيت أحفظ للحديث من
الثوري ، ولا أشد تقشفا من شعبة ولا أعقل من مالك ، ولا أنصح للأمة من ابن المبارك .
وقال أحمد بن حنبل : قال لي ابن عيينة : لن ترى بعينيك مثل
سفيان الثوري حتى تموت , وقال بشر الحافي : كان
الثوري عندنا إمام الناس . وعنه قال :
سفيان في زمانه كأبي بكر وعمر في زمانهما . وقال ابن عيينة : أصحاب الحديث ثلاثة : ابن عباس في زمانه ، والشعبي في زمانه ، والثوري في زمانه .
قال أبو قطن : قال لي شعبة : إن
سفيان ساد الناس بالورع والعلم . وقال قبيصة : ما جلست مع
سفيان مجلسا إلا ذكرت الموت ، ما رأيت أحدا كان أكثر ذكرا للموت منه .
وعن يوسف بن أسباط : قال لي
سفيان بعد العشاء : ناولني المطهرة أتوضأ . فناولته فأخذها بيمينه ووضع يساره علي خده ، فبقي مفكرا ، ونمت ، ثم قمت وقت الفجر ، فإذا المطهرة في يده كما هي فقلت : هذا الفجر قد طلع ، فقال : لم أزل منذ ناولتني المطهرة أتفكر في الآخرة حتى الساعة .
وروى موسى بن العلاء عن حذيفة المرعشي ، قال : قال
سفيان : لأن أخلف عشرة آلاف درهم ، يحاسبني الله عليها أحب إلي من أن أحتاج إلى الناس . وقال رواد بن الجراح : سمعت
الثوري يقول : كان المال فيما مضى يكره ، فأما اليوم ، فهو ترس المؤمن .
قلت : قد كان
سفيان رأسا قي الزهد ، والتأله ، والخوف ، رأسا في الحفظ ، رأسا في معرفة الآثار ، رأسا في الفقه ، لا يخاف في الله لومة لائم ، من أئمة الدين ، وكان ينكر على الملوك ، ولا يرى الخروج أصلا .
قال عبد الرحمن بن مهدي : سمعت
سفيان يقول : ما بلغني عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديث قط إلا عملت به ، ولو مرة .
قال حاتم بن الوليد الكرماني : سمعت يحيى بن أبي بكير يقول : قيل لسفيان
الثوري : إلى متى تطلب الحديث ؟ قال : وأي خير أنا فيه خير من الحديث ، فأصير إليه ؟ إن الحديث خير علوم الدنيا .
وقال عبد الرزاق : دعا
الثوري بطعام ولحم ، فأكله ، ثم دعا بتمر وزبد فأكله ، ثم قام ، وقال : أَحسِنْ إلى الزَّنْجي وكُدَّه . ( يقصد إذلال نفسه لئلا تتكبر) .
وقال ابن مهدي : كنا مع
الثوري جلوسا بمكة ، فوثب وقال : النهار يعمل عمله .
وقال وكيع : سمعت
سفيان يقول : ليس الزهد بأكل الغليظ ، ولبس الخشن ، ولكنه قصر الأمل ، وارتقاب الموت . وقال يحيى بن يمان : سمعت
سفيان يقول : المال داء هذه الأمة ، والعالِم طبيب هذه الأمة ، فإذا جر العالم الداء إلى نفسه ، فمتى يبرئ الناس ؟ وعن
سفيان قال : ما نعلم شيئا أفضل من طلب العلم بنية ( أي نية صالحة ) .
قال ابن حميد : سمعت مهران الرازي يقول : كتبت عن
سفيان الثوري أصنافه ، فضاع مني كتاب الديات ، فذكرت ذلك له ، فقال : إذا وجدتني خاليا فاذكر لي حتى أمله عليك . فحج ، فلما دخل مكة ، طاف بالبيت ، وسعى ، ثم اضطجع ، فذكرته ، فجعل يملي علي الكتاب ، بابا في إثر باب ، حتى أملاه جميعه من حفظه .
قال الأشجعي : سمعت
سفيان يقول : لو هم رجل أن يكذب في الحديث ، وهو في بيت في جوف بيت ، لأظهر الله عليه . وقال ابن مهدي : نزل عندنا
سفيان وقد كنا ننام أكثر الليل ، فلما نزل عندنا ، ما كنا ننام إلا أقله .
وقال أبو بكر بن عياش : كان
سفيان ينكر على من يقول : العبادات ليست من الإيمان ، وينكر على من يقدم على أبي بكر وعمر أحدا من الصحابة ، رواها الحاكم .
عن الحاكم : قال الفريابي ، سمعت
سفيان ورجل يسأله عن من يشتم أبا بكر ؟ فقال : كافر بالله العظيم . قال : نصلي عليه ؟ قال : لا ، ولا كرامة . قال : فزاحمه الناس حتى حالوا بيني وبينه ، فقلت للذي قريبا منه : ما قال ؟ قلنا : هو يقول : لا إله إلا الله ، ما نصنع به ؟ قال : لا تمسوه بأيديكم ، ارفعوه بالخشب حتى تواروه في قبره , وقال عبد العزيز بن أبان : سمعت
الثوري يقول : من قدم على أبي بكر وعمر أحدا ، فقد أزرى على اثني عشر ألفا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفي رسول الله وهو عنهم راضٍ .
وقال شريك : نرى أن
سفيان حجة لله على عبادة . قال أبو الأحوص : سمعت
سفيان يقول : وددت أني أنجو من هذا الأمر كفافا ، لا علي ولا لي .
وروى موسى بن عبد الرحمن بن مهدي : أنه سمع أباه يقول : رأيت
الثوري في النوم ، فقلت : ما وجدت أفضل ؟ قال : الحديث .
وقال يحيى بن يمان : عن
سفيان : لو أن البهائم تعقل من الموت ما تعقلون ، ما أكلتم منها سمينا . ثم قال ابن يمان : ما رأيت مثل
سفيان ! أقبلت الدنيا عليه ، فصرف وجهه عنها .
قال شجاع بن الوليد : كنت أحج مع
سفيان ، فما يكاد لسانه يفتر من الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ذاهبا وراجعا . وعن
سفيان : أنه ذهب إلى خراسان في حق له ، فأجر نفسه من جمالين .
قال بن أسباط : سمعت
الثوري يقول : ليس شيء أقطع لظهر إبليس من قول : لا إله إلا الله . وقال ابن المبارك : قال لي
سفيان : إياك والشهرة ، فما أتيت أحدا إلا وقد نهى عن الشهرة .
قال عطاء بن مسلم : قال لي
الثوري : إذا كنت بالشام ، فاذكر مناقب علي ، وإذا كنت بالكوفة ، فاذكر مناقب أبي بكر وعمر . وعنه : من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة -وهو يعلم- خرج من عصمة الله ، ووكل إلى نفسه . وعنه : من سمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه ، لا يلقها في قلوبهم .
وروى ضمرة ، عن
سفيان قال : يثغر الغلام لسبع ، ويحتلم بعد سبع ، ثم ينتهي طوله بعد سبع ، ثم يتكامل عقله بعد سبع ، ثم هي التجارب .
قال وكيع : ولد
سفيان سنة ثمان وتسعين ومات وله ثلاث وستون سنة .
قال أبو أسامة : مرض
سفيان ، فذهبت بمائه إلى الطبيب ، فقال : هذا بول راهب ، هذا رجل قد فتت الحزن كبده ، ما له دواء .
وعن عثام بن علي : سمعت
الثوري يقول : لا يجتمع حب علي وعثمان إلا في قلوب نبلاء الرجال .
وقال وكيع ، عن
سفيان : ينبغي للرجل أن يُكرِه ولده على العلم ، فإنه مسئول عنه . وقال عبد الصمد بن حسان : سمعت
سفيان يقول : الإسناد سلاح المؤمن ، فمن لم يكن له سلاح ، فبأي شيء يقاتل ؟ .
قال خلف بن تميم : رأيت
الثوري بمكة ، وقد كثروا عليه ، فقال : إنا لله ، أخاف أن يكون الله قد ضيع هذه الأمة ، حيث احتاج الناس إلى مثلي . وسمعته يقول : لولا أن أستذل ، لسكنت بين قوم لا يعرفوني .
قال أحمد بن عبد الله العجلي : آجر
سفيان نفسه من جمال إلى مكة ، فأمروه يعمل لهم خبزة ، فلم تجئ جيدة ، فضربه الجمال ، فلما قدموا مكة ، دخل الجمال فإذا
سفيان قد اجتمع حوله الناس . فسأل ؟ فقالوا : هذا
سفيان الثوري ، فلما انفض عنه الناس ، تقدم الجمال إليه ، وقال : لم نعرفك يا أبا عبد الله . قال : من يفسد طعام الناس يصيبه أكثر من ذلك .
قال عبد الرحمن : في احتضار موت
سفيان ما سمعته يقول : أوه ، ولا يئن ، إلا عند ذهاب عقله ، ثم قال : مرحبا برسول ربي ، ثم أغمي عليه ، ، فظننت أنه قد قضى ، ثم أفاق ، فقال : يا عبد الرحمن ! اذهب إلى حماد بن سلمة ، فادعه لي ، فإني أحب أن يحضرني . وقال : لقني قول: لا إله إلا الله . فجعلت ألقنه .
وقيل : أخرج بجنازته على أهل البصرة بغتة ، فشهده الخلق ، وصلى عليه عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر الكوفي ، بوصية من
سفيان ، لصلاحه . وقيل : مات سنة اثنتين وستين .
وقال بكر بن خلف : حدثنا مؤمل ، قال : رأيت
سفيان في المنام ، فقلت : يا أبا عبد الله ! ما وجدت أنفع ؟ قال : الحديث . وقال سعير بن الخمس : رأيت
سفيان في المنام يطير من نخلة إلى نخلة وهو يقرأ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ .
وقال مصعب بن المقدام : رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوم آخذا بيد
سفيان الثوري ، وهو يجزيه خيرا . وقال إبراهيم بن أعين ، قال : رأيت
سفيان بن سعيد ، فقلت : ما صنعت ؟ قال : أنا مع السفرة الكرام البررة .
هذه سيرة عالم من علماء السنة الكبار الذين حفظوا لهذه الأمة دينها وجدوا في طلب العلم حتى بلغوا منزلة عالية قل من يصل إليها , فرحمهم الله وأجزل لهم المثوبة ونفع بعلمهم الإسلام والمسلمين ...... والحمد لله رب العالمين .