في عصر الرداءة لا يجوز لك أن تشكو، أن تئن، فلا تسأل عن الجمال، عن الحق، عن العدالة، لا تطلب الكمال، بل ارض بما هو متاح، ولو كان القليل والزهيد، فأنت في زمن الأشباه.
الحريات في زمن الأشباه منقوصة، الأفواه مكممة، والأقلام مقصوفة، الحلم غائب، ممزوج بالمرارة، والعقل لا يفهم متى كان الأمل في الغد جريمة.
في زمن الأشباه، الوطنية وصمة، والخوف مباح، الكلمة قيد الاعتقال، والألسنة لا تقوي على الصراخ، الإنسانية لها ثمن مدفوع، فهل أنت مستعد لدفع الثمن؟
زمن الأشباه هو موطني، حيث لا مكان للاختباء من القهر، ولا فضاء يسع الأمنيات، ولا من حيلة للعيش بكرامة، فالصورة قاتمة، ومشاعل النور محطمة.
نعم، لهذه الدرجة وأشد سوء، فهم من قالوا إننا في شبه دولة، هم من أقروا بأننا لا نملك إلا نصف حياة، ونصف حلم، ونصف مستقبل.
لعلك تقول: إلى هذا الحد تحمل الكراهية لزمنك؟ أليس ثمة ضوء في نهاية هذا النفق المظلم؟
أجيبك سيدي: في زمني النبلاء يمتنعون والجهلاء هم من يتقدمون الصفوف، الأولوية لمن يدقون طبول التزلف، فالحماقة أصبحت شرفا، والرشد داء مزمن لا ترياق له، لذا أرجوك إن رأيت أنت ضوء في نهاية هذا النفق المعتم، فلتدلني عليه.
يقول لنا كبيرنا دوما، إنه يفقه ونحن لا، هو يعلم ما لا تعلمون، يرى ما لا تبصرون، فلا تجادلون أو تناطحون، بل كونوا ـ شئتم أم كرهتم ـ من الطائعين، فأنا ربكم الأعلى، وإن عارضتموني كفرتم، وكنتم من الخاسرين.
يعايرنا كبيرنا دوماً بأنه لم يقتلنا، فها هي دباباته وطائراته وصواريخه لم تصوب إلى صدورنا، فلماذا تعصون، أليس من اللائق أن تسبحوا بحمد هذا الذي ترككم تحيون؟
لا يعي كبيرنا هذا أننا نملك أن نعارضه، وأن من حقنا ألا نسير في ركابه، فنحن لسنا جزء منه خدما له، بل صوتنا من رأسنا، وقرارنا نابع من ذواتنا، فلماذا إذا يصر على أن ينازعنا في حقنا، في حريتنا التي منحنا الله لنا؟.
كبيرنا يملك السلطة والقوة والنفوذ والجبروت، ونحن سيدي لا نملك إلا كلمة حق في وجه سلطان جائر، فإلى متى سنصمد، إلى متى ستظل أيادينا قابضة على الجمر، إلى متى سنقوى على قول كلمة لا؟ أشك أصلا في أننا سنبقى أحياء في زمن هؤلاء الأشباه.
في زمني سيدي غيوم الشر تملأ الأفق، ولا منجاة من هذا كله إلا بالرحيل، فلا جدوى من البقاء سجين أفكارك، أحلامك، ولا متسع في هذا المكان إلا للصغائر، فهل تقبل أن تكون صفرا في معادلة يصنعها البلهاء؟.
قد لا يتسنى الوقت لأشرح لك كيف أننا سئمنا زمننا، كم مرة دعونا أن تتبدل أحوالنا، كم دمعة ذرفنا حزناعلى مصيرنا، فلا تقسو علينا أنت أيضا، لا تتهمنا بأننا لم نبذل جل جهودنا، وبأننا أهملنا وتقاعسنا، فما من نهاية غير تلك كانت مكتوبة لنا.
نعم، هذا زمن الحمقى، الأوغاد، ولكنك تملك خيار الانسحاب منه، التبرؤ من ذله وأكاذيبه، فلا تكون واحدا منهم، سائرا على دربهم، بل امسك على حريتك، أخلاقك، اصرخ فيهم بصوت جهوري وقل: لعنكم الله أيها الأشباه، وهذا أضعف الإيمان………!
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك