مكية[1] فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَجَابِرٍ، وَمَدَنِيَّةٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ.
وعدد آياتها: 6، نزلت بعد سورة الفيل.
سبب نزول السورة:
قال السيوطي في "لباب النزول" ص 220: أخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك، قال: صنعت اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا فأصابه من ذلك وجع شديد، فدخل عليه أصحابُه، فظنُّوا أنه لما به، فأتاه جبريل بالمُعوِّذتينِ فعوَّذه بهما فخرج إلى أصحابه صحيحًا؛ ا هـ.
وقد قال بهذا البغوي والقرطبي وابن الجوزي، وعزاه ابن الملقن للرافعي.
وقال الألباني في "السلسلة الصحيحة" (6/ 617): نزول جبريل بـ (المُعوِّذتينِ) سندها صحيح.
وعلى صحة القول إن المُعوِّذتينِ نزلتا بمكة للهداية والتوجيه ابتداء، فنزول جبريل عليه السلام بالمدينة لرقية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمُعوِّذتينِ لمَّا أصابه سحر اليهود ثابتٌ بالحديث، وأصله في الصحيحين.
مناسبة السورة لما قبلها:
قبلها في ترتيب السور سورة الفلق، وقد نزلتا معًا كما مرَّ في سبب نزول السورتين، وقد اشتركتا في التسمية بالمُعوِّذتينِ، وفي الافتتاح بـ ﴿ قُلْ أَعُوذُ ﴾؛ ولذلك قرنتا في الترتيب، وفي وحدة الموضوع، وفي الفضائل، وفي الرُّقية بهما.
وفي سورة الفلق استعاذة من شَرِّ النَّفْس، وفي سورة الناس استعاذة من قرينها وصاحبها، فَأمر الله سُبْحَانَهُ نبيَّه وَأَتْبَاعه بالاستعاذة بربوبيته التَّامَّة الْكَامِلَة من هذَيْن الخلقَينِ الْعَظِيم شَأْنهما فِي الشَّرِّ وَالْفساد.
قال أبو جعفر الغرناطي في كتابه "البرهان في تناسُب سور القرآن" (ص 385) ما ملخصه: وجه تأخيرها عن شقيقتها عموم الأولَى وخصوص الثانية، ألا ترى عموم قوله: ﴿ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾ فبدأ بالعموم، ثم أتبع بالخصوص؛ ليكون أبلغ في تحصيل ما قصدت الاستعاذة منه، وأوفى بالمقصود؛ انتهى.
مقاصد سورة الناس:
(1) الإشارة إلى الدعاء والتوسُّل بالأسماء الحسنى.
(2) طلب التحصُّن بالله من شرِّ الوسواس وهو الشيطان.
(3) طلب التحصُّن بالله من دُعاة الشرور من الإنس أو الجن.
(4) طلب الاعتصام بالله من سائر الشرور.
تفسير قوله تعالى: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾:
قال أبو حيان في تفسيره "البحر المحيط" (10 / 578): وَأُضِيفَ الرَّبُّ إلى النَّاسِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ شَرِّ الْمُوَسْوِسِ فِي صُدُورِهِمْ، اسْتَعَاذُوا بِرَبِّهِمْ مَالِكِهِمْ وَإِلَهِهِمْ، كَمَا يَسْتَعِيذُ الْعَبْدُ بِمَوْلَاهُ إِذَا دَهَمَهُ أَمْرٌ؛ انتهى.
وعليه فأمر الله تعالى بالاستعاذة بربِّ الناس من شرِّهم، وأنه هو الذي يعيذهم ويعيذ منهم.
تفسير قوله تعالى: ﴿ مَلِكِ النَّاسِ ﴾:
فالله ملك الناس، وهو ملك جميع الخلق: إنسهم وجِنِّهم، كل في مُلكه وسُلطانه، تجري عليه قُدرته، وينفذ فيهم أمرُه وحكمُه وقضاؤه ومشيئته دون غيره.
تفسير قوله تعالى: ﴿ إِلَهِ النَّاسِ ﴾:
﴿ إِلَهِ النَّاسِ ﴾: معبود الناس، الذي له العبادة دون كل شيء سواه، فهو مقصودهم.
الذي يدين له الناس بالعبودية والخضوع والطاعة؛ لأنه هو وحده الذي خلقهم وأوجدهم في هذه الحياة، وأسبغ عليهم من النعم ما لا يحصى.
قال العلامة الجمل في "حاشيته على الجلالين (4/ 611): وقد وقع ترتيب هذه الإضافات على الوجه الأكمل، الدال على الوحدانية؛ لأن من رأى ما عليه من النعم الظاهرة والباطنة، علم أن له مربيًا، فإذا درج في العروج...
علم أنه تبارك وتعالى غني عن الكل، والكل راجع إليه، وعن أمره تجري أمورهم، فيعلم أنه ملكهم، ثم يعلم بانفراده بتدبيرهم بعد إبداعهم، أنه المستحق للألوهية بلا مُشارِك فيها؛ انتهى.
تفسير قوله تعالى: ﴿ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ﴾:
وقد ثبت في صحيح مسلم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما منكم من أحد إلا قد وُكل به قرينه"، قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: "نعم، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير".
فعلى العبد أن يستعيذ بالله من شياطين الإنس والجن، فهو وحده القادر على إعاذة المستعيذ، ولا يطلب الاستعاذة من غير الله؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴾ [الجن: 6].
[1] على صحة القول إن المُعوِّذتين نزلتا بمكة للهداية والتوجيه ابتداء، فنزول جبريل عليه السلام بالمدينة لرقية رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما لمَّا أصابه سِحْرُ اليهود ثابت بالحديث.
الألوكة
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك