المستدرك على تفسير البغوي (1)
محمد خير رمضان يوسف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمد، وعلى آلهِ وأصحابهِ أجمعين، وبعد:
فإن "
معالم التنزيل" المعروف بتفسير البغوي، للإمام محيي السنة الحسين بن مسعود البغوي، من قرى خراسان، المتوفى سنة 516 هـ، رحمهُ الله تعالى، تفسيرٌ مشهور، ولقيَ قبولاً في عصرنا وفي عصورٍ سابقة، ويعتبرُ من التفاسيرِ المأثورة، وإن لم يكنْ في درجةِ مأثورِ تفاسيرِ الطبري وابن كثير والسيوطي (الدرّ المنثور)، ففيه ما هو غيرُ مسند، وما هو بالرأي أيضًا.
وهو تفسيرٌ متميِّزٌ بحقّ، وواضحٌ مفيدٌ للقارئ، فهو جهدُ عالمٍ، فقيه، مفسِّر، محدِّث، له آثارٌ علميةٌ راسخة، ولذلكَ استأثرَ باهتمامي، وجعلتهُ مرجعًا للتفسيرِ الذي وضعته (الواضح في التفسير) بتوفيقِ الله، وإنْ لم يكنْ أساسيًا.
وعند اشتغالي بـ(
تفسير ما لم يفسِّرهُ ابن كثير) لاحظتُ أن البغويَّ رحمَهُ الله لم يفسِّرْ آياتٍ كثيرة، ولم يشرحْ ألفاظًا عديدة، ولا يشيرُ إلى سابقِ تفسيرها. وبعدَ أن أنهيتهُ بدأتُ بالاستدراكِ على هذا التفسير، لتكتملَ الفائدةُ منهُ أكثرَ إنْ شاءَ الله.
وسببُ عدمِ تفسيرهِ كلِّه كما بدا لي هو:
• الوضوح: فبعضُ الآياتِ والألفاظِ واضحة، يتفقُ المفسِّرونَ على معناها، ويعرفُها القارئُ العادي، فلا يوردها لوضوحها. وهي كثيرة. وقد تركتها كما هي غالبًا، وإنْ كان كثيرٌ من المفسِّرينَ يؤدُّونها بألفاظٍ أخرى.
• سبقُ تفسيرِ الآيةِ أو اللفظ، فيتركُ تفسيره، وقد يشيرُ إلى ذلك وقد لا يشير، وغالبًا لا يشير.
• وقد يوردُ الآياتِ والأحاديثَ والآثارَ في موضوعها، أو سببَ نزولها، دونَ تفسيرها.
• كما يوردُ مفهومَ الآيةِ أحيانًا (المعنى الإجماليَّ لها، المغزَى)، وإنْ قلَّ ذلك. ولم أتابعْ تفسيرَهُ في كلِّ مرة.
• نشاطُ المؤلِّفِ وإقبالهُ على التفسيرِ من قلَّته. فقد لاحظتُ أنه أحيانًا لا يتركُ شيئًا من دونِ تفسير، ورجَّحتُ أنْ يكونَ ذلكَ مِن نشاطه، وأحيانًا لا يفسِّرُ كلَّ الآياتِ أو الألفاظ. والنشاطُ والفتورُ يعتري كلَّ شخص.
• وشغلتْ أواخرُ الآياتِ قسمًا كبيرًا مما لم يفسِّره.
والتفسيرُ ينبغي أن يتناولَ جميعَ أجزاءِ الآية، فليسَ في القرآنِ الكريمِ شيءٌ زائد، وإذا تكرَّرَ فلحِكمة.
وقد فسَّرَ الإمامُ الطبريُّ كلَّ شيءٍ في القرآنِ تقريبًا، ولذلك اعتمدتُ عليه كثيرًا؛ ولأنه يستنتجُ تفسيرَهُ من الآثارِ الواردة في الآية، ويقدِّمُ بذلكَ مختاراتهِ وترجيحاته.
ويُقالُ لكلا التفسيرين: تفسيرٌ بالمأثور.
المنهج:
والمنهجُ الذي اتبعتهُ في الاستدراكِ على تفسيرهِ رحمهُ الله، هو تفسيرُ كلِّ ما لم يتضحْ للقارئ أنه فُسِّر، من الأمورِ التي أبرزتها سابقًا، أو أن تفسيرهُ يعطي مدلولاً أوسعَ مما يتصوَّرهُ القارئُ العادي. هذا عدا الحروفِ المقطَّعة، والمتشابهاتِ مِن الآيات.
ولم أتتبَّعْ ما أوجزَ من تفسير، والأفضلُ توضيحهُ أكثر.
واستثنيتُ - كذلك - ما كان تفسيرهُ واضحًا، ولو لم يتتبَّعِ المؤلفُ ألفاظه، فقد تحقَّقَ الهدفُ الذي يريدهُ القارئ. وقد أفسِّرُ بعضَهُ بما أراهُ غيرَ كاف، فأوضِّحهُ أكثر.
وقد لا أوردُ التفسيرَ كلَّهُ إذا كان مطوَّلاً، بل أكتفي بما تتوضَّحُ به الألفاظُ أو الآيات، عند ذلك أُشيرُ إلى أنه مختصرٌ، أو منتخبٌ من مصدره.
وأولويةُ التفسيرِ هو مِن تفسيرهِ نفسهِ رحمهُ الله، فالهدفُ هو تكملةُ تفسيرهِ بمنهجه، فأُورِدُ التفسيرَ مما فسَّرهُ في موضعٍ آخر، فإنْ لم أجدهُ طلبتهُ مِن تفاسيرَ أخرى ذكرتها للقارئ. وقد يفوتني تتبُّعُ ما فسَّرَهُ سابقًا لأمور.
كما أُشيرُ إلى أن المؤلِّفَ قد يفسِّرُ كلمةً بما يحملُ رأيهُ في دلالةِ الآيةِ مِن خلاله، فأنقلُ التفسيرَ من مصدرٍ آخرَ يدلُّ على رأي المفسِّرِ الآخر.
والتفسيرانِ الأساسيانِ لهذا العملِ هما: تفسيرُ الإمامِ الطبري، وتفسيرُ الحافظِ ابنِ كثير، وهذا ما يشكِّلُ جلَّ هذا التفسير. وهما تفسيرانِ مأثوران، وأعلى درجةً منه.
كما استفدتُ من
تفسير (روح المعاني) للآلوسي، ومن (الواضح في التفسير) لمعدِّ هذا الكتاب.
وأضعُ المصدرَ في آخرِ تفسيرِ كلِّ آية. وقد أذكرهُ في أوَّلها. وموضعُ الاستشهادِ هو مكانُ تفسيرِ الآياتِ في التفاسيرِ نفسها، واستغنيتُ بذلك عن ذكرِ أرقامِ الأجزاءِ والصفحاتِ في الهوامش.
ولم أوردِ الأقوالَ والآثارَ والخلافات، على النهجِ الذي سرتُ عليه في (تفسير ما لم يفسِّرهُ ابن كثير).
وقد راعيتُ جاهدًا التوفيقَ بين النهجِ الأثريِّ للتفسير، وبين ما أقدِّمهُ لجيلٍ معاصرٍ بما يناسبهُ وما يفهمهُ ويستفيدُ منه.
ولم أزدْ على تلك التفاسيرِ إلا نادرًا، ولم أُدخِلْ في هذا التفسيرِ أمورًا محدَثة، ليبقى على نهجهِ الأثريِّ كما قلت، ولا علومًا مساندة للتفسير، فالأساسُ في هذا هو الأصل.
وأوردُ الآيةَ أو جزءًا منها، يسبقها رقمها، وأضعُ خطًّا تحت الكلمةِ أو الكلماتِ والجُمَلِ التي لم تفسَّرْ فيها.
فإذا لم تفسَّرِ الآيةُ كلُّها، أبقيتُها بدونِ خطّ.
وقد لا أشيرُ إلى كلمةٍ فسَّرها في آيةٍ طويلة، فأفسِّرُها كلَّها مع الكلمة.
وكثيرٌ من الآياتِ تمَّ تفسيرها وهي سهلٌ فهمها كما يبدو للقارئ، ولكن تفسيرها يُظهِرُ له ما لم يدركهُ من أسرارها.
وأنبِّهُ إلى أن معظمَ ما وردَ هنا هو تفسيرٌ لجزءٍ أو ألفاظٍ أو جملةٍ من الآية، فلا يصلحُ إلا مع متابعةِ الأصل، يعني أن هذا التفسيرَ مكمِّلٌ لتفسيرِ البغوي، وليس مستقلاً بذاته، فقد أفسِّرُ لفظةً في آيةٍ تكونُ مرتبطةً بما قبلها وما بعدها فسَّرها المؤلف. والأفضلُ أن يطبعَ معه، بهامشه. وقد أذنتُ بذلك لمن شاء، مع إثباتِ هذه المقدِّمة، وعدمِ الزيادةِ أو النقصِ في الكتاب، إلا ما كان من الرسمِ العثماني للآياتِ الكريمة.
وقد اعتمدتُ في عملِ هذا المستدركِ على
تفسير البغوي الذي أصدرتهُ دار طيبة بالرياض محققًا.
والحمدُ لله.
محمد خير رمضان يوسف
الرياض
الأول من شهر شوال 1435هـ
♦ ♦ ♦
سورة الفاتحة
3- ﴿
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 1].
فسَّرَهُ في البسملة، وانتهَى إلى أن (الرحمن) مَن تصلُ رحمتهُ إلى الخلقِ على العموم، و(الرحيم) مَن تصلُ رحمتهُ إليهم على الخصوص.
قال: فالرحمنُ عامُّ المعنى خاصُّ اللفظ، والرحيمُ عامُّ اللفظِ خاصُّ المعنى.
والرحمةُ إرادةُ اللهِ تعالى الخيرَ لأهله..
الالوكة