انَّ المتأمِّل في الأحاديث القدسيَّة، وفي صنعتها اللغويَّة الروحانيَّة، يجد فيها من النفحات الربَّانية ومن الفيض الإلهي الذي يقرِّب ويختصر المسافات بين الله - عز وجل - وعباده كثيرًا؛ وذلك من خلال النداءات والخطابات الرائعة المرصَّعة بها ما لا يجده في غيرها من الأحاديث التي تتعلَّق بالأحْكام أو بالترغيب والترهيب، وهذه وقفات مع بعض صحيح هذه الأحاديث الجليلة التي لا يملك الإنسان إلاَّ أنْ يتأمَّلَ في تفاصيلها الرصينة، وفي كلماتها ذات الروحانية المُلفِتة، فتخشع نفسُه، وتذل كبرياءُ رُوحه، وتخضع رقبتُه لله الجليل الكريم، الكبير المتعال.
جاء في الحديث القدسي الذي يرويه أنس بن مالك -رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((قال الله: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أُبالي، يا ابن آدم، لو بلغتْ ذنوبُك عنانَ السماء ثم استغفرْتَني، غفرتُ لك ولا أُبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتُك بقرابها مغفرة)) [1].
وكم هو عجبي من هذا الحديث العظيم الذي يُلخِّص فيه الله - عز وجل - العلاقة بينه - وهو المولَى العظيم - وبين ابن آدمَ ذلك العبد الضعيف العاصي المذنب، فأيُّ عظمة هذه التي تجعل ربَّنا - تبارك وتعالى - يقابل كلَّ تلك المعاصي والآثام التي نقترفُها ليلاً ونهارًا بمغفرة تجبُّ كلَّ الذنوب، وتغسلُ كل الأدناس والأدران؛ تلك المعاصي بكل أشكالها وأنواعها؛ كبيرها وصغيرها، جُلّها ودِقها، عظيمها وحقيرها، سرّها وعلانيتها، قديمها وحديثها، إلا ما كان شِرْكًا.
والله اعلم
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك