أيها الإخوة المسلمون: إنَّ على كل مسلم يرجو مرضاة الله - سبحانه وتعالى - ويستعد للقدوم على الله - عز وجل - في ساعة من ساعات الليل والنهار أن يراجع نفسه مع وقته وحياته وعمره، أن يتأمل حاله مع وقته الذي هو حياته، هو عمره، كيف يقضيه ؟ وبماذا يعمره ؟ بماذا يملؤه ؟ بماذا يملأ ساعاتِ الليل والنهار التي يُنعم الله - عز وجل - بها عليه في كل يوم من الأيام ؟ إنها أسئلة مهمة، والأهم منها حسن التعامل مع الإجابة عليها، والتوفيق لاستثمارها؛ لبناء حياة أفضل، ومستقبل مشرق يوم القدوم على الله - عز وجل.إنَّ على كل مسلم أن يدرك أن الوقت سريع الانقضاء، فهو يمر مر السحاب، ويجري جري الريح، سواء أكان زمن مسرة وفرح، أم كان زمن اكتئاب وتَرَح، ومهما طال عمر الإنسان في هذه الحياة الدنيا، ومهما عُمر فيها من سنوات وعقود، فهو قصير، ما دام الموت نهاية كل حي.
.
أيها الإخوة المسلمون: إنَّ مَن ينظر لِواقعنا مع أوقاتنا يجد تفريطا كبيراً، وإهمالاً عظيماً، حيث تضييع، الأوقات وتبديد الساعات في غير ما يُرضي رب الأرض والسماوات . قال ابن القيم ضياع الوقت أشد من الموت ؛ لأن الموت يقطعك عن الدنيا وضياع الوقت يقطعك عن الله )، والوقت رأس مالك؛لأن عمرك الذي قدره الله لك أراد أن تنال به عز الدنيا ونعيم الآخرة، فإذا ضيعته ضاعت حقيقة دنياك وسلبت آخرتك، ولا خسارة على العبد أعظم من ضياع وقته.
.
قال رسول صلى الله عليه وسلم : اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل مرضك ، وحياتك قبل موتك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك [ صحيح الجامع]. فهل يعد ضياع هذه الغنائم من سعادة المسلم ؟ إذ بالوقت يستطيع المسلم أن يستغل كل ما ذكر في الحديث، ولو تصفحنا القرآن الكريم والسنة المطهرة لبان لنا ندم المضيعين لأوقاتهم، قال تعالى:[ يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى * يقول ياليتني قدمت لحياتي] إنها حياة الآخرة قد سلبت وضيعت، وقال عليه الصلاة والسلام:" لاتزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ماذاعمل فيه" رواه الترمذي .فهل ترى يا أخا الإسلام أنك بخير وعافية في يوم القيامة يوم أن تفحص الأعمال وتزلزل الأقدام، فلا نجاة هناك إلا لمن حفظ أوقاته. ومن هنا تعلم أن حاجتنا جميعا معشر المسلمين لحفظ الأوقات شديدة،
.
ونكون قد حفظنا أوقاتنا إذا قمنا بالآتي:
1) أن تعلم قيمة الوقت فهو العمر، وهو أغلى من كل نفيس في هذه الدنيا ، ولهذا يقولون الوقت من ذهب) وهو ينقضي بسرعة ، وما مضى منه فلن يعود أبدا. أرأيت ماللوقت من أهمية بالغة فكل ساعة هي محسوبة عليك . فإذا كان من ضيع الساعات والدقائق على خطر، فكيف بمن ضيع الأيام ؟ بل كيف بمن ضيع الشهور والسنين ؟
.
2) يجب عليك أن تعلم أن الله وزع الأعمال الصالحة على جميع أعضائك، فلله حق على عينيك، وسمعك ولسانك، وقلبك وعقلك، وجميع جوارحك.فإذا أردت أن تكون محافظا على وقتك فاشغل كل عضو بما خلقه الله له. فعلى الأعضاء أداء أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعليها اجتناب نواهيه سبحانه ونواهي رسوله صلى الله عليه وسلم، وعليها شكره سبحانه، والقيام بأداء كل عضو لما عليه ، لابد أن يكون مضبوطا بالضوابط الشرعية، من اتباع صادق، وإخلاص متحقق، وصبر جميل . ولا يمكن أن يقوم المسلم بهذا إلا إذا تفقه في الإسلام ، وعلم الواجبات والمنهيات بتفاصيلها ، وهذا سهل بالتدرج ، وصعب جدا على من أراد ذلك دفعة.
.
3) استغل وقت الرخاء فإنه من أعظم العز والنصر لك في وقت الشدائد، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:" تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة " فالعافية رخاء والمرض شدة، فكن على الأعمال الصالحة في حال عافيتك أحرص منها في وقت مرضك، والحياة رخاء والموت شدة ، والغنى رخاء والفقر شدة ، والشباب رخاء والمشيب شدة ، والأمن رخاء والخوف شدة، ووجود صحة السمع رخاء وأخذه شدة ، ووجود الرغبة في الأعمال الصالحة رخء والفتور شدة، وما إلى ذلك. فإذا استغل المسلم وقته في الرخاء لم تنزل به شدة إلا انفرجت أو خففت عنه، فما أعز استغلال الوقت في طاعة الله حال الرخاء، وما أكثر المحاربة من كثير من المسلمين للوقت في حال الرخاء، والله المستعان.
.
4) مؤاثرة الآخرة على الدنيا، فلابد لمن أراد النجاة دنيا وأخرى أن يؤاثر أخراه على دنياه، والناس بعكس ذلك إلا من رحم الله، قال الله: [ بل تؤثرون الحياة الدنيا * والأخرة خير وأبقى ] وقال تعالى: [وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ]، سبأ (37)
.
5) احذر تأخير العمل الصالح بدون عذر شرعي ، فإن العجز والكسل داء عضال، فاجتنبهما، ولا تقل سوف أعمل في الغد أو بعد أيام.
.
6) لابد من ملازمة أصحاب الهمم العالية الذين لا يرضون بشيء من تضييع الأوقات، فإن لم يتيسر ذلك ففي القراءة في الكتب التي لفت حول استغلال الوقت وأحوال المستغلين له، ففي ذلك مايدفع المسلم إلى التقدم إلى الله ، والإقبال عليه.قال صلى الله عليه وسلم ( تركتُ فيكم شيئَينِ ، لن تضِلوا بعدهما : كتابَ اللهِ ، و سُنَّتي،و لن يتفرَّقا حتى يَرِدا عليَّ الحوضَ )(صحيح الألباني)
.
الحسرة على ضياعه الوقت
قال حسن البصري : يحق لمن يعلم أن الموت مورده ، وأن الساعة موعده ، وأن القيام بين يدي الله تعالى مشهده ، أن يطول حزنه" إنَّ على كل مسلم أن يدرك أن الوقت سريع الانقضاء، فهو يمر مر السحاب، ويجري جري الريح، سواء أكان زمن مسرة وفرح، أم كان زمن اكتئاب وتَرَح، ومهما طال عمر الإنسان في هذه الحياة الدنيا، ومهما عُمر فيها من سنوات وعقود، فهو قصير، ما دام الموت نهاية كل حي.
.
إذا علم المسلم هذه الحقيقة عن الوقت أدرك أن الوقت أغلى ما يملك في هذه الدنيا، وأنفس ما عني الإنسان بحفظه، ومَن جهِل قيمة الوقت، من جهل قيمة الساعات، من جهل قيمة الدقائق واللحظات فسيأتي عليه حينٌ يعرف فيه قدر الوقت ونفاسته، ولكن، بعد فوات الأوان !.وفي الذكر الحكيم عرض لمشاهد الندامة والحسرة التي تمتلئ بها قلوب أقوام لم يعرفوا للوقت قيمته، لم يعرفوا للزمان أهميته، فكم يندم المفرط في استثمار ساعات يومه ودقائق نهاره ! كم يندم المفرط في استثمار ساعات وقته حينما تحين ساعة الاحتضار، حينما يستدبر الإنسان، الدنيا، حينما يستقبل الآخرة، فيتمنى لو منح مهلة من الزمن، وأعطي فرصة من العمر، وأُخّر إلى أجل قريب؛ ليصلح ما أفسد، ويتدارك ما فات!. وفي هذا يقول المولى - عز وجل - محذرا عباده من هذه الساعة من تضييع فرص الحياة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 9 - 11]، هذا موقف من مواقف الندامة والحسرة، لمضيِّعي الأوقاتِ وقاتليها.
.
والموقف الآخَر من مواقف الحسرة والندامة موقفٌ عظيمٌ يوم الجزاء والحساب، يوم تُوَفَّى كلُّ نفسٍ ما عمِلَتْ، وتُجزَى كل نفس بما كسبت، يوم يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، في تلك اللحظات يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى الدنيا، من أجل ماذا؟ ليبدؤوا عملا صالحا؛ ولكن أنى لهم ذلك، وقد انتهى زمن العمل، وبدأ وقت الحساب؟.﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾ [فاطر : 36 ، 37].
.
أيها الإخوة المسلمون: إن علينا أن نحرص على المحافظة على أوقاتنا، ونسعى جادين للاستفادة التامة منها بما ينفعنا في ديننا ودنيانا وأخرانا؛ وإذا كان الليل والنهار يعملانِ في كُلِّ واحدٍ مِنَّا فإنَّ من الواجبِ العملَ فيهما، وإنَّ من علامات المـَقْتِ إضاعةَ الوقتِ.ووالله ليأتينَّ يومٌ يعضُّ فيها المفرِّطون المبدِّدون لأوقاتهم القاتلون لزمانهم، يعضون فيه أصابع الندم على ساعاتٍ مرَّتْ بهم دون ذكر لله، على أوقات مرت عليهم وهم في غفلة عن حقوق الله.يوم تُعرَضُ عليهم صحائفُ أعمالهم، وسِجِلَّات أعمالهم، ودواوين أعمالهم، فلا يرون في تلك الصحف والسجلات والدواوين إلا ما يوجب الخزي والفضيحة، ويبعث على الألم والحسرة: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49].
.
نسأل الله - عز وجل - بمنِّه وكرمه أن يعاملنا بلطفه وكرمه، وأن يرزقنا حسن التعامل مع أوقاتنا، وأن يجعل يومنا خيرا من أمسنا، ومستقبلنا خيرا من حاضرنا، وأن يوفقنا لفعل الخيرات، وترك المنكرات، وأن يأخذ بنواصينا ونواصي ذريتنا وأحبابنا إلى ما يحبه ويرضاه، إن ربي لطيف رحيم.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك