عرض مشاركة واحدة
قديم 15-10-2017   #28
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ 2 أسابيع (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم



التقريع : التعنيف ، . والتوبيخ : اللوم والتهديد والتعبير.
وهذا الأسلوب دواء لمن أخطأ فأصرَّ على الخطأ ، يستوي فيه من أخطأ في موقف ، وأصرَّ عليه غيرَ عارف بخطئه ، ومن عرف أنه مخطىء فأصرّ عليه معانداً ، وإن كان الثاني أشدَّ زلة ، إذاً فالتوبيخ والتقريع نتيجة لتكرار الخطأ دون الرغبة في تركه إلى الصحيح من القول والفعل .
وقد يكون هذا الأسلوب :
1 ـ للمصرّين على مواقفهم فكرةً وعملاً ـ وأنت تعلم أنهم لا يرعوون ـ لإقامة الحجة عليهم ، كي لا يتنصّلوا فيما بعد من مواقفهم هذه .
2 ـ لتتخذ العقوبة المناسبة في حقهم معتمداً على القاعدة التي تقول : ( قد أعذر من أنذر ) فيكون موقفهم في تذرّعهم ضعيفاً .
3 ـ لتنبّه الآخرين أن لا يقعوا فيما وقع فيه غيرهم من الأخطاء والتصرفات الذميمة .
وهذا الأسلوب ـ عادة ـ يأتي بعد فضح المواقف التي اتسم بها من حاد عن الصواب ، فاستحق العقاب . واستحق الوصف الذي لا يرضاه أولو الألباب .
ولا نقصد هنا بأسلوب التقريع والتوبيخ الأساليب البلاغية التي جاءت إنما نقصد إلى :
أ ـ التعجب مما صدر عنهم من تصرفات .
ب ـ إظهار التصرف الذي كان عليهم أن يلتزموه فخالفوه ، مثال ذلك قوله تعالى : { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)}(البقرة) .
فالتعجب من أمرهم للناس بالبرّ والنأي عنه ، فحريٌّ بالعاقل أن يكون أول الناس في التزام ما يأمر به لأنه قدوة ، ولأنه يدلُّ على صدقه فيما يدعو إليه وصواب ما يفعله .
وقوله تعالى : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا
أ ـ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ
ب ـ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)} (البقرة) .
وقوله جلّ شأنه : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً
1 ـ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ
2 ـ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ
3 ـ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) } (البقرة) .
وحين يظهرون الإيمان أمام المؤمنين خداعاً ، ويتواصون سرّاً أن يخفوا صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ، فلا يظهروها للمسلمين كي لا تكون حجة للمسلمين عليهم ـ معشر اليهود ـ في عدم اتباعه صلى الله عليه وسلم ، يقول الله تعالى كاشفاً سترهم موبخاً إياهم موضحاً حقيقة الأمر : { أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) }(البقرة) .
ومما استحق عليه اليهود التوبيخ والتعنيف ، ما أخبرنا به الله تعالى في كتابه قائلاً :
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ
أ ـ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ
ب ـ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)}(البقرة) .
{ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ
أ ـ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ
ب ـ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا
أ ـ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
ب ـ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)}(البقرة) .
فهم يفعلون غير ما تأمرهم بهم الديانة اليهودية التي يزعمون أنهم ينتمون إليها .
ومن صفات اليهود الفاضحة التي استحقوا عليها التوبيخ :
أ ـ { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) }(البقرة) .
ب ـ { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)}(البقرة) .
جـ ـ {. . . . فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)}(البقرة) .
الاستكبار على أنبيائهم ، وتكذيبهم وقتل الكثير منهم ، والتشدّق بفسادهم وكفرهم والجرأة على الله ، والكفر به .

وحين دُعُوا إلى الإيمان بالرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ادَّعوْا أنهم يؤمنون فقط بما أنزل عليهم في التوراة ، ويؤمنون برسلهم فقط ، وهم كاذبون في دعواهم ، لأنهم كانوا يقتلون أنبياءهم ، ولو كانوا يؤمنون بهم وبرسالتهم ما قتلوهم ، فيقول سبحانه موبخاً : (( فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)}(البقرة) .

وانظر معي إلى هذا النداء التوبيخيّ الفاضح ، وهذا الاستفهام الدامغ : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) }(آل عمران) .
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)}(آل عمران).

وتأمل معي تفجير الموقف التوبيخي ، والأسباب التي سبقته فأدّت إليه .
قال تعالى :
أ ـ { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49)
ب ـ انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50)
جـ ـ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ
1ـ بِالْجِبْتِ
2ـ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)}(النساء) .

والمنافقون قال الله تعالى فيهم :
{ ..فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) }(النساء) . أتدري لماذا ؟ إنهم ادّعوا أن اتباعهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم يصيبهم بالبلاء والجهد ، مع أن الله سبحانه وتعالى جعل الحسنة والسيئة والنعمة والنقمة كلها من عند الله {.. قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (78)}(النساء).

واقرأ معي هذه الصفات الخسيسة التي اتسم بها اليهود :
{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ
لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ
مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ
وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ
لَمْ يَأْتُوكَ ( يقبلون كلام من لا يحضر مجلسك تكبّراً وعناداً وإفراطاً في العداوة والبغضاء ـ يهود خيبر ـ)
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ
يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ
( إن أمركم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالجلد فاقبلوا)
وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ...}(من الآية 41 المائدة)
(إن أمركم بالرجم فلا تقبلوا)
{ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ...}( من الآية 42 المائدة).
(السحت : الحرام من الرشوة والربا ، وما شابه ذلك )
فهذه الصفات جعلتهم أهل فتنة ، قلوبهم فاسدة ، لهم خزي في الدنيا ، وعذاب في الآخرة .

أما المنافقون الذين يسرعون إلى مرضاة اليهود والنصارى ـ وما أكثرهم هذه الأيام ـ فقد جعلوا أنفسهم منهم إذْ جعلوهم أولياء لهم ، فهؤلاء إذاً نفوسهم مريضة ، ضالّون ، ظالمون ، سيندمون حيث لا ينفع الندم :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ
فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)}(المائدة) .
وهؤلاء الكفار من اليهود والنصارى يدعون أن لله ولداً ، فيقرعهم سبحانه ، ويصفهم بالكذب : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)}(التوبة).
(يضاهئون : يشابهون ويماثلون)،
والعبودية اتّباع وتنفيذ ورضا ، فالرهبان والأحبار يحرفون الكلم من بعد مواضعه وأتباعهم ينفذون ما خططوه لهم ،قال تعالى: { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ }(من الآية 31التوبة) .
وهم { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) }(التوبة) .
والله سبحانه { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)}(التوبة) . فأشار الله سبحانه إلى الكفار من أهل الكتاب المناوئين لدينه موبخاً واصفاً إياهم بالشرك والكفر .

وتدّبر معي هذا التوبيخ الشديد لمن نكث عهده فبخل وفسَد وأعرض :
{ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)
فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76)
فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)}(التوبة) .

ويسخر المنافقون من صدقة قليلة دفعها رجل مؤمنٌ فقير ، فيسخر الله منهم
{ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) }(التوبة) .
وهؤلاء المنافقون لا يغفر الله لهم أبداً أبداً { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ...))
لماذا ؟!
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) }(التوبة).
إنها روعة في نفي المغفرة لهؤلاء مع بيان سبب شدة النفي ، وتهديد لمن تحدثه نفسه أن يكون مثلهم .
ولما فرح المخلفون عن غزوة تبوك وقالوا لا تنفروا في الحرّ بيّن الله تعالى لهم أن نار جهنم أشد حراً لكنهم لا يفقهون ثم وبخهم وقرَّعهم بقوة قائلاً : { فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) }(التوبة) .

ونرى هنا توبيخاً لمن يذكر الله في الشدّة وينساه في الرخاء بل ينكر فضله متناسياً ما كان ، قال تعالى :
{ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)}(يونس) .
أما فرعون المتأله المستكبر الذي سام بني إسرائيل سوء العذاب فإنه حين يغرقه الله وتغرغر روحه يقول : إنّه أسلم لله . . فكيف كان التوبيخ والتقريع ؟ قال تعالى : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)}(يونس) .
اعترف بإله بني إسرائيل وأنكر ألوهيّة نفسه التي أضلَّ بها قومه ورعيّته ، وأقرَّ أنه واحد من المسلمين لا يزيد عنهم ولا ينقص . . وليته قالها قبل هذه اللحظة ، فلن ينفعه هذا الإيمان الذي جاء متأخراً :
أ ـ { آَلْآَنَ
ب ـ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ
جـ ـ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً
وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)}(يونس) .
( أتتوب في وقت لا تقبل فيه التوبة) .

وكفّار مكة لم يقدِّروا فضل الله عليهم إذ جعل حياتهم فيها آمنةً رغداً تحترمهم القبائل ، وتؤمُّ بيتهم الحرام وتحرس قوافلهم ، وجعل لهم رحلة الشتاء إلى اليمن ، ورحلة الصيف إلى الشام ، فجعلوا له شركاء ، وضلوا عن سبيله . . { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30)}(إبراهيم) .

ولم أر توبيخاً أشدُّ من توبيخ مَنْ جعل لله سبحانه ولداً ، اقرأ معي هذه الجمل التي تعصف بالقلوب ، وتزلزل البنيان من القواعد ، غضباً ممن اعتدى على كمال الله وجلاله ، ووحدانيّة الله في ألوهيته :
{ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88)
أ ـ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)
ب ـ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90)
جـ ـ أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91)
د ـ وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92)
هـ ـ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)
ز ـ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94)
ح ـ وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)}(مريم) .
( إدّاً : منكراً فظيعاً)
وتدبّر معي التضَجّر من الإشراك على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام ، وممن يتخذون من دون الله آلهة : { أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)}(الأنبياء) .
حقاً إنهم لا يعقلون .
لقد اعترفوا حين تحدثت الفطرة بأن هذه الآلهة المزعومة لا تعقل ، ولا تنطق فهم حين عبدوها كانوا أقلَّ منها عقلاً ، فكيف يعبد الإنسان شيئاً صنعه بيده ؟!!
{ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63)
فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64)
ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)}(الأنبياء) .

ويكون التوبيخ على أشده حين يفتري مَنْ يفتري دون برهان ، ولا دليل ولا مزعة من ظنّ مقبول ، فهم حين يجعلون ملائكة الرحمن إناثاً يسألهم الله موبخاً : { أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) }(الزخرف) .
وحين ادّعوا أن الله تعالى أمرهم أن يعبدوا ملائكته ـ وحاشاه سبحانه ـ أن يأمرهم بذلك أقام عليهم الحجة { مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) }(الزخرف) .

وحين سمّوا أصنامهم بما يحلو لهم وقالوا هي بنات الله سخر ـ سبحانه ـ منهم ووبخهم قائلاً :
{ أ َلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21)
تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)
إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ
إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ
وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)}(النجم) .

وفي سورة الرحمن توبيخ يقرع أسماع أعداء الله ، يستمر من أوّل السورة إلى آخرها قرعاً مدوياً بترتيب متلاحق يخلع الأفئدة إحدى وثلاثين مرة : { فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) }(الرحمن) . . إنه تعنيف شديد وتهديد رهيب ، ولوم ما بعده لوم .

ولاحظ التوبيخ التصويري في قوله تعالى : { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36)
عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37)
أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38)
كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39)
فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40)
عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) }(المعارج) .
(مهطعين : مسرعين مادي أعناقهم ) ، فهؤلاء الكفار يتجمعون حول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جماعات متفرقة ، يصيخون إليه مائلين رؤوسهم متعجبين مما يقول ، هؤلاء يجيبهم الله تعالى باستفهام إنكاري فيه تقريع وتوبيخ ، فلا يطمع أحدهم أن يدخله الله جنات النعيم بعد أن كذّب خاتم المرسلين ، ثم يردعهم بقوله سبحانه { كَلَّآ } ، ليس الأمر كما يطمعون . لقد خلقهم الله من الأشياء المستقرة ، من نطفة ثمّ من علقة ، ثم من مضغة ، فمِنْ أين يتشرّفون بدخول جنات النعيم على شركهم وكفرهم ؟!! .

وفي أول سورة المطففين توبيخ لمن يأخذ أكثر مما يستحق ، ويعطي أقل مما يجب أن يعيطه ، وهذه دونيّة الفساد ما بعدها دونيّة : { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)
الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2)
وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)
أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4)
لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5)
يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)
كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)}(المطففين) .

والقرآن بأسلوبه العجيب يعطي هؤلاء المعاندين المستكبرين ما يستحقونه من تحقير يناسب نفوسهم وجِبِلَّتَهُمْ الفاسدة ، نسأل الله العفو والعافية .

يتبع





 

رد مع اقتباس