عرض مشاركة واحدة
قديم 22-09-2015   #2


طالبة العلم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1561
 تاريخ التسجيل :  20 - 06 - 2014
 أخر زيارة : 15-06-2023 (11:13 AM)
 المشاركات : 24,997 [ + ]
 التقييم :  17
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Green
رد: صفة حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- كأنك معه



الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة
قطع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الطريق بين مكة والمدينة في ثمانية أيام تعرض فيها لنصب الطريق ووعثاء السفر، ولذلك لما قرب من مكة بات قريباً منها يستريح هناك، ويتهيأ لدخولها نهاراً، فبات عندبئر "ذي طوى" في المكان المعروف اليوم بجرول أو آبار الزاهر، فلما أصبح -صلى الله عليه وسلم- اغتسل ثم دخل مكة من ثنية كداء، وهي التي تنزل اليوم على جسر الحجون، وذلك ضحوة يوم الأحد جهاراً نهارا؛ً ليراه الناس فيقتدوا به، فأناخ راحلته -صلى الله عليه وسلم- عند المسجد، ثم دخل من الباب الذي كان يدخل منه يوم كان بمكة، باب بني شيبة، دخل -صلى الله عليه وسلم- الحرم فإذا هو على ملة أبيه إبراهيم ليس حول الكعبة صنم ولا يطوف بها عريان ولم يحج إليها مشرك، دخل النبي الحرم فيا لله ما الذي كان يتداعى في خاطره تلك الساعة، وساحة الحرم تتفسح أمام عينيه.
هذه الساحة التي شهدت دعوته وبلاغه وبلاءه، وصبره على أذى قومه وجراءتهم عليه.. أما دخل الحرم ليصلي فيه قبل نحو عشر سنين فألقوا سلا الجزور على ظهره وهو ساجد، أما دخل الحرم فقام إليه ملأ من قريش فأخذوا مجامع ردائه فخنقوه به حتى جاء أبو بكر فخلصه منهم وهو يقول: {أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله}..؟!
هل تذّكّر -صلى الله عليه وسلم- في تلك الساعة أحواله تلك في مكة، وهو يدخل الحرم وليس فيه ولا معه إلا مؤمن به متبع لدينه، وقد صدقه ربه وعده، وأظهره على الدين كله.
إننا لا نستطع الجزم بالذي كان يتداعى في خاطره ويجول في خلده، ولكننا نستشعر من حاله أن تلك الذكريات كانت تتراءى له، وأنه كان على حال من التأثر وهو يَدِفُّ إلى الكعبة المشرفة، فإنه لما وصل الحجر استلمه وكبر ثم فاضت عيناه بالبكاء، ثم وضع شفتيه عليه فقبله وسجد عليه، وكان به حفيا، وكان موقفاً تسكب فيه العبرات.
طاف -صلى الله عليه وسلم- بالبيت سبعة أشواط، مضطبعاً بردائه، رمل في الأشواط الثلاثة الأولى، وحُفظ من دعائه بين الركنين {ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار}.
فلما فرغ من طوافه مشى إلى مقام أبيه إبراهيم وهو يقرأ {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} ثم صلى ركعتين قرأ في الأولى: {قل يا أيها الكافرون} وفي الثانية: {قل هو الله أحد}. ثم عاد -صلى الله عليه وسلم- إلى الحجر فقبله، ومسحه بيديه ثم مسح بهما وجهه، ثم توجه إلى الصفا فصعده وهو يقرأ {إن الصفا والمروة من شعائر اللهأبدأ بما بدأ الله به، حتى نظر إلى البيت فاستقبله ورفع يديه الشريفتين وهو يهتف: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، وصدق عبده، وهزم الأحزاب وحده، ودعا في مقامه ذلك ما شاء الله أن يدعو، ثم نزل فلما انصبت قدماه في بطن الوادي أسرع -صلى الله عليه وسلم- واشتد في السعي وهو يقول: (لا يقطع الأبطح إلا شداً، اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي)، واشتد – صلى الله عليه وسلم – في السعي وهو الأيد القوي، حتى إن إزاره ليدور على ركبتيه من شدة السعي، وكان في الثالثة والستين من عمره المبارك، فلما وصل إلى المروة رقيها واستقبل البيت وكبر وهلل ورفع يديه ودعا وصنع كما صنع على الصفا، وفي هذه الأثناء فشا الخبر في مكة وتنادى الناس: رسول الله في المسجد...، رسول الله على الصفا.. رسول الله على المروة...
ولفظت البيوت من فيها، جاءت القلوب المشوقة، والعيون الظامئة، تريد أن ترى محيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى خرج العواتق والإماء يقلن: هذا رسول الله، هذا رسول الله! وازدحم الناس عليه ينظرون إلى وجهه المنور، فلما كثروا حوله وكان -صلى الله عليه وسلم- كريماً سهلاً لا يضرب الناس بين يديه، ولا يقال: إليك إليك، ولا عنك عنك، أمر براحلته فركبها ليشرف للناس، ويروه كلهم شفقة عليهم ورأفة ورحمة بهم،، فأتم سعيه راكباً ، فلما قضى سعيه أمر من لم يسق الهدي من أصحابه أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة، فتعاظم الصحابة رضي الله عنهم ذلك، وشق عليهم، حتى قال جابر: كبر ذلك علينا وضاقت به صدورنا، تعاظموه لأنهم خرجوا من المدينة لا يذكرون إلا الحج وقد لبوا به فكيف يفسخونه إلى عمرة؟ ثم كيف يؤدون العمرة في أشهر الحج وأيامه، وكانوا يرون في الجاهلية العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور؟ ثم كيف يحلون ويتمتعون بما يتمتع به المحل وليس بينهم وبين يوم عرفة إلا أربعة أيام؟ حتى قالوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيُّ الحل؟ قال: (الحل كله)، قالوا: أيذهب أحدنا إلى منى وذكره يقطر منياً؟!.
وأما أنه شق عليهم؛ فإنهم يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامهم لم يحل وإنما لزم إحرامه، وهم الذين أشربت قلوبهم حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحب متابعته فيما يأتي ويذر، ولذا تباطؤوا في إجابته طمعاً أن يشركوه في حاله التي هو عليها من عدم الحل، ورأى النبي – صلى الله عليه وسلم- تباطؤهم وترددهم، فغضب من ذلك ودخل على عائشة تعرف من حاله الغضب حتى ظنت أن أحداً آذاه وأغضبه فقالت: من أغضبك أدخله الله النار؟!. قال: (أو ما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذ هم يترددون)، ثم قام -صلى الله عليه وسلم- فيهم فقال: (قد علمتم أني أتقاكم لله عز وجل، وأصدقكم وأبركم ، ولولا هدي لحللت كما تحلون، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدى فحُلّوا)، فطابت قلوبهم وقرت أعينهم بمقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك وحَلّوا وسمعوا وأطاعوا كما هو شأنهم أبداً مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرضي الله عنهم وأرضاهم.
ثم سار – صلى الله عليه وسلم – بمن معه حتى نزل بالأبطح شرق مكة وهو مكان فسيح واسع يشمل اليوم ما يسمى العدل والمعابدة إلى الحجون، فنزل بالناس وأقام بهم أربعة أيام، يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء، وكان رفيقاً بالناس، ومن رفقه بهم أنه لم يذهب إلى المسجد الحرام والكعبة المشرفة خلال تلك المدة؛ لأنه لو ذهب لسارت معه هذه الجموع العظيمة، ولشق ذلك عليهم ولكن صلى بهم هناك في الأبطح، ، وكان -صلى الله عليه وسلم- قريباً من الناس والناس قريبون منه، يهابه كل أحد ويدنو منه كل أحد؛ يسعهم بالخلق العظيم الذي جبله عليه ربه، فكان -صلى الله عليه وسلم- في قبة حمراء في الأبطح، فإذا توضأ لصلاته خرج بلال ببقية وضوئه فيفيضها على الناس، فمن أصاب منها شيئاً تمسح به، ومن لم يصب منها أصاب من بلل صاحبه، يبغون بركة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم يخرج فيصلي بهم فحدث أبو جحيفة رضي الله عنه عن مشهد من مشاهده مع النبي -صلى الله عليه وسلم- أيامه تلك فقال: خرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالهاجرة وعليه حلة حمراء مشمراً كأني أنظر إلى بريق ساقيه، فصلى بالناس ركعتين، فلما قضى صلاته قام الناس إليه فجعلوا يأخذون بيديه فيمسحون بها وجوههم، فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحةً من المسك.
وتتابع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الأبطح من لم يدركه في الطريق ، وكان ممن أتاه هناك عليّ بن أبي طالب وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهما قادمين من اليمن، محرمين بإحرامٍ كإحرام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما دخل علي رضي الله عنه على زوجه فاطمة بنت رسول الله وكانت قد حلت من عمرتها، وجدها قد لبست ثياباً مصبوغة، واكتحلت، وطيبت بيتها، فعجب من حالها، وحلِّها من إحرامها، وسألها عن ذلك، فقالت: أبي أمرني بذلك، فذهب عليّ محرشاً أباها عليها كما يصنع الشببة من الأزواج، فأخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن فاطمة قد حلت واكتحلت ولبست ثياباً صبيغاً وزعمت أنك أمرتها بذلك يا رسول الله، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (صدقت، صدقت، صدقت، أنا أمرتها به) ثم قال لعلي رضي الله عنه: (بم أهللت؟) قال قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك، وكان معه الهدي فقال له: (فلا تحل)، وجاء أبو موسى الأشعري رضي الله عنه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له: (بما أهللت؟) قال: بإهلالٍ كإهلال النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: (هل سقت الهدي؟) قال: لا، قال: (فطف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حل).
وهكذا بقي -صلى الله عليه وسلم- في الأبطح قريباً من الناس، دانياً إليهم، معلماً ومبيناً ما يعرض لهم، فروي عنه أنه خطب الناس في اليوم السابع فأخبرهم بمناسكهم، وعلمهم أحكام حجهم، حتى إذا كان يوم التروية ركب -صلى الله عليه وسلم- إلى منى ضحى وأحرم الذين كانوا قد حلوا معه من الأبطح مهلين بالحج حين توجهوا إلى منى وانبعثت رواحلهم نحوها، فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر يقصر الرباعية ركعتين، ويصلي كل صلاة في وقتها، وكأنما كان هذا النفير إلى منى يوم التروية تهيئة وإعداداً للنفير إلى عرفات.