عرض مشاركة واحدة
قديم 22-09-2015   #7


طالبة العلم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1561
 تاريخ التسجيل :  20 - 06 - 2014
 أخر زيارة : 15-06-2023 (11:13 AM)
 المشاركات : 24,997 [ + ]
 التقييم :  17
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Green
رد: هكذا حج الصالحون والصالحات



( 7 ) الصالحون .. والكرم والبذل والعطاء في الحج
- قال سليمان بن الربيع: انطلقت في رهط من نساك أهل البصرة إلى مكة فقلنا: والله لا نرجع حتى نلقى رجلا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يحدثنا بحديث، فلم نزل نسأل حتى حدثنا أن عبد الله بن عمرو نازل في أسفل مكة، فعمدنا إليه، فإذا نحن بثقل عظيم، ويرتحلون ثلاثمائة راحلة؛ منها مائة راحلة، ومائتا زاملة، فقلنا: لمن هذا الثقل؟ فقالوا: لعبد الله بن عمرو، فقلنا: أكل هذا له؟ ! – وكنا نحدث أنه من أشد الناس تواضعا -، فقالوا لنا: أما هذه المائة راحلة فلإخوانه يحملهم عليها، وأما المائتان فلمن نزل عليه من أهل الأمصار ولأضيافه، فعجبنا من ذلك! فقالوا: لا تعجبوا من هذا فإن عبد الله رجل غني، وإنه يرى حقا عليه أن يكثر من الزاد لمن نزل عليه من الناس، فقلنا: دلونا عليه، فقالوا: إنه في المسجد الحرام، قال: فانطلقنا نطلبه حتى وجدناه في دبر الكعبة جالسا بين بردتين وعمامة ليس عليه قميص، قد علق نعليه في شماله....
- وقال مصعب بن ثابت: لقد بلغني – والله – أن حكيم بن حزام حضر يوم عرفة معه مائة رقبة، ومائة بدنة، ومائة بقرة، ومائة شاة، قال: هذا كله لله فأعتق الرقاب، وأمر بذلك.
- وقال خلاد بن عبد الرحمن: سألت سعيد بن جبير: أي الحاج أفضل؟ قال: من أطعم الطعام وكف لسانه. قال الثوري: سمعنا أنه من بر الحج. قلت: ويروى هذا مرفوعا ولا يصح.
- وقال مالك بن أنس: حج سعيد بن المسيب وحج معه ابن حرملة فاشترى سعيد كبشا فضحى به، واشترى ابن حرملة بدنة بستة دنانير فنحرها، فقال له سعيد: أما كان لك فينا أسوة؟ فقال: إني سمعت الله يقول: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) [الحج: 36] فأحببت أن آخذ الخير من حيث دلني الله عليه، فأعجب ذلك ابن المسيب منه، وجعل يحدث بها عنه.
- قال سفيان بن عيينة: حج صفوان بن سليم ومعه سبعة دنانير فاشترى بها بدنة، فقيل له: ليس معك إلا سبعة دنانير تشتري بها بدنة! قال: إني سمعت الله عز وجل يقول: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) [الحج: 36].
- وقال إبراهيم النخعي: كان علقمة والأسود يحجان مع عبد الله بن الحارث أخي الأشتر فكان يكفيهم نفقتهم.
- وقال محمد بن سيرين: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يحج بعضهم ببعض فيجزي ذلك عنهم.
- قال علي بن الحسن بن شقيق: كان عبد الله بن المبارك إذا كان وقت الحج اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو فيقولون: نصحبك يا أبا عبد الرحمن، فيقول لهم: هاتوا نفقاتكم، فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق ويقفل عليها، ثم يكتري لهم ويخرجهم من مرو إلى بغداد، ولا يزال ينفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام وأطيب الحلواء، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي وأكمل مروءة، حتى يصلوا إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا صاروا إلى المدينة قال لكل رجل منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من طرفها؟ فيقول: كذا، ثم يخرجهم إلى مكة فإذا وصلوا إلى مكة وقضوا حجهم قال لكل واحد منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة؟ فيقول: كذا وكذا فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة فلا يزال ينفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو، فإذا صاروا إلى مرو جصص أبوابهم ودورهم، فإذا كان بعد ثلاثة أيام صنع لهم وليمة وكساهم فإذا أكلوا وشربوا دعا بالصندوق ففتحه، ودفع إلى كل رجل منهم صُرة بعد أن كتب عليها اسمه.
- وقال عبد الرحمن بن عمر: كان عبد الرحمن بن مهدي يحج كل سنة وسمعته يقول: ما أحب أن يخلو مني الموسم - قال عبد الرحمن بن عمر: وظننت أنه كان يجهز ويعطي في الحج -.
- وقال عمرو بن قيس: حج خيثمة بن عبد الرحمن مع نفر من أصحابه فلما كانت ليلة جمع سمع رجلا يحدث رجلا أن رجلا جعفيا ذهبت نفقته وضلت راحلته فأتاه خيثمة فقال له: هل عرفت رحل هذا الرجل الذي أصيب وأين نزل منا؟ قال: نعم، موضع كذا وكذا، فأخبره بموضعه، فلما كان بعد الظهر من يوم النحر أتى الموضع فسأل عن الرجل فإذا هو برجل لا يعرفه، فسأل عما أصيب فأخبره فدفع إليه صرة كانت فيها ثلاثون دينارا وأثوابا كانت معه، فقال: تجهز بها إلى أهلك.
- قال إبراهيم الهروي: حج سعيد الجوهري فجعل معه أربعمائة رجل من الزوار سوى حشمه يحج بهم، وكان فيهم إسماعيل بن عياش، وهشيم بن بشير وكنت أنا معهم في إمارة هارون الرشيد.
التعليق: الكرم والبذل والعطاء والجود من الصفات المحمودة ولذا يوصف الله تعالى بالجود ففي الحديث الذي أخرجه الترمذي والبزار وغيرهما عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله جواد يحب الجود» والحديث وإن كان في إسناده مقال لكن له شواهد تقويه.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس ففي «الصحيحين» عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس.
وجوده صلى الله عليه وسلم يتضاعف في الأزمنة والأمكنة الفاضلة ففي حديث جابر الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها.
فتأمل كيف أهدى النبي صلى الله عليه وسلم مائة بدنة، وكثير من الناس اليوم يشق عليه إهداء شاة واحدة حتى إنه يختار النسك المفضول على الفاضل تفاديا للهدي!!.
وقد ذكر الله في كتابه هذا المعنى فجعل الحج محلا للتعاون والبذل والإحساس بالآخرين وسد حاجة الفقراء والجوعى، يقول الله سبحانه: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [الحج: 28]، وفي الآية الأخرى يقول: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الحج: 36]، والقانع هو الذي لا يسأل الناس إلحافا مع جوعه وإملاقه، والمعتر هو الفقير الذي يتكفف الناس.
أخي الحاج... احرص على البذل والعطاء والجود في الحج فقد توفر لك شرف الزمان والمكان والحال، ومن صور البذل والعطاء والجود في الحج:
- تحجيج الفقراء الذين لا يستطيعون الحج، والإنفاق عليهم كما تقدم عن الصالحين فعل ذلك.
- إطعام الطعام، وفي الإطعام أجر عظيم. قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) [الإنسان: 8].
- توزيع الماء البارد (السقيا)، حيث كثرة الزحام والعطش.
- الصدقة بالمال: فإن الإنفاق من أعظم القربات وأجل الطاعات، والآيات والأحاديث في فضل الصدقة كثيرة جدا، ومن بين هذا الجمع المبارك: الفقير وأصحاب الحاجات، ففي إعطائهم سد لجوعتهم وتفريج لكربتهم وإغناء لهم عن السؤال، حتى وإن كانت بالقليل من المال، قال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة».
قلت: وصور البذل والعطاء والجود والسخاء في الحج كثيرة من طلبها بصدق وفق لها. فيا حجاج بيت الله حجوا كما حج الصالحون، وابذلوا وتصدقوا وإياكم والبخل والشح، فإن للصدقة تأثيرا عجيبا في دفع البلاء قال ابن القيم: «فإن للصدقة تأثيرا عجيبا في دفع أنواع البلاء؛ ولو كانت من فاجر أو من ظالم بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعا من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه...».