عرض مشاركة واحدة
قديم 15-10-2017   #27
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ 2 أسابيع (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم



يقولون تحدّاه : نازعه في أمر ، وباراه فيه وغالبه ، ويقولون كذلك : تعمّد الشيء .
ففي التحدي ثقة بالنفس وعلوّ في الهمة ، وإحساس بالاقتدار فوق ما يستطيعه الأخرون .
وفي القرآن الكريم كثير من التحدي للناس على اختلاف أنواعهم ، وللكفار المعاندين بشكل عام ، والمناوئين المعاندين بشكل خاص ، والمتقولين الزاعمين ما لا يستطيعونه بشكل أخص .
وقد يكون التحدي للإعجاز ، وقد يكون للسخرية ، ولفضح الزاعمين . ولهذا الأسلوب إيجابيات كثيرة منها :

1ـ أن يقف المتخرصون عند حدودهم ، فلا يدّعوا ما ليس لهم .
2ـ أن لا يغتروا بأنفسهم فيحسبوا لكل شيء حسابه .
3ـ أن يتنبّه المخدوعون بهم فينفضّوا عنهم وينبذوهم .
4ـ أن يفكر هؤلاء وغيرهم تفكيراً منطقيّاً ينأى بهم عما يسيء إليهم . . .

ومن أمثلة ذلك : أن الكفار من الوثنيين وأهل الكتاب زعموا أن هذا القرآن لم ينزل من عند الله بل " تقوّله " الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وحاشاه فهو الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى ، فيتحدّاهم القرآن الكريم .

1ـ أن يأتوا بمثله : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)}(الإسراء) .
2ـ فلما عجزوا وهذا دأب الأفاكين تحدّاهم بأقلّ من ذلك فقال تعالى: { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)}(هود) .
3ـ فلما عجزوا ـ وسيعجزون لأنه كلام الله ـ تحداهم بأن يأتوا بأقل من ذلك فقال : { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)}(البقرة) .
وقال أيضاً : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ . . . }(يونس) .

لن يستطيع الإنس والجنّ مجتمعين أن يفعلوا ذلك ، وهاقد مرت إحدى وثلاثون عاماً وأربع مائة وألف عام ، وما زال التحدي قائماً فشتان ما بين القدير والضعيف .
وقد حاول الأقزام المتنبئون فكان ما قالوه سخافة ، تدعو إلى السخرية والرثاء .

ـ وينكر الكفار أن يعودوا إلى الحياة بعدما أرمّوا ، فينبههم في الآيات التالية إلى أمرين اثنين :
الأوّل : أن الله خلقهم ولم يكونوا شيئاً وسيعيدهم من شيء ، فأي الأمرين أشدَّ ؟! أليس الخلق أصعب ، وليس هناك مستحيل على الله سبحانه .
الثاني : التنبيه إلى الخسارة المؤكدة لمن كفر .
قال تعالى : { يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)}(النازعات) .
وقال تعالى : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)}(يس) .
وقال تعالى : { قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34)}(يونس) .
وقال تعالى : { وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)}(الإسراء) .
وقال تعالى : { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)}(التغابن) .

ـ ويتحدى اليهود أن يتمنّوا الموت حين زعموا أنهم اولياء الله ولا يعذّبهم فقال : { قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)}(الجمعة) .
ـ لن يترك الله تعالى الإنسان يفعل ما يشاء ، ولا بدَّ من الحساب والعقاب ، أو الثواب ، والله قادر على كل شيء ، يعيد الإنسان كما كان حتى بصمات أصابعه ، قال تعالى : { أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) }(القيامة) .
وقال : { أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)}(القيامة) .

ـ ومما نجد فيه تحدياً ساخراً إنفاق الكفار أموالهم ضدَّ المسلمين ، وخسارتهم في مكرهم هذا : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
أ ـ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
ب ـ فَسَيُنْفِقُونَهَا
جـ ـ ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً
د ـ ثُمَّ يُغْلَبُونَ
هـ ـ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)}(الأنفال) .
أرأيت إلى هذا التعقيب الرائع الذي يصور المكر السيء الذي يحيق بأصحابه ؟ .

ـ وانظر معي إلى الهيمنة الإلهية القادرة الجبارة في قوله سبحانه : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)} (الأنفال) .
وقوله : { أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)}(هود) .
وقوله سبحانه : { يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22)} (العنكبوت) .
فإلى أين يهربون وما لهم لا يحكمون ، وكيف يتجرأون على الله سبحانه من عظيم قدير .

ـ أما الإشراك بالله فهي مظاهر عدة يظهر فيه التحدي والغضب بآن وواحد فهم يجعلون لله ولداً ـ سبحانه أن يكون له ولد ـ فيأمر الله تعالى نبيّه أن يباهل نصارى نجران في ذلك فيأبون خوفاً من الحقيقة واعترافاً ضمنياً بها : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)} (آل عمران) .

ونرى الغضب يسح على النصارى الكاذبين سحّاً ، ويسيل سيلاً ، فما ينبغي لله ـ سبحانه ـ الكامل ، المطلق الكمال ـ أن يحتاج إلى ولد :
{ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88)
لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)
تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91)
وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)
لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94)
وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)}(مريم) .
والعجيب أنهم يزعمون أن إشراكهم بالله برضى منه ـ سبحانه ـ ومشيئته !!
{ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149)}(الأنعام) .
إنّه بيَّنَ الحقَّ لكم وسبيله ، والباطل وطرقه الملتوية وودعكم تختارون فتنالون ما تستحقون إما ثواباً ، وإما عقاباً .

ويدعي الكفار أن الجِنّة ـ والعياذ بالله ـ أنسباء الله سبحانه ، وقد نكح منهم ، فولدت له الملائكة فيخزيهم مبكتاً : { وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159)}(الصافات)
وسيحاسب الله تعالى الجنّ يوم القيامة كما يحاسب البشر . وهل يحاسب أحد أنسباءه ؟ نعوذ بالله من الظلم والظلمات . وإذا كان لله شركاء وعندكم بيّنة على ذلك فهاتوها ، ووضحوا ما صنعته هذه الآلهة المزعومة ؟
أ ـ { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ
ب ـ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)
جـ ـ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)
د ـ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)}(الأحقاف) .
ويطلب الله تعالى الدليل مرات ومرات من المشركين كي يثبت الحجة عليهم:
{ هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)}(الكهف) وليس أظلم من المفتري الكذّاب . . .

ـ ومن التحدي الذي يسرُّ المسلمين وبذهب حزنهم بشرى الله نعالى بنصرهم ونصر دينهم رغم الكافرين المعاندين والمشركين الضالين ، يقول تعالى :
{ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ
وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ
وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)}(التوبة) .
ويقول جلَّ شأنه : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171)
إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172)
وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174)
وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175)
أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176)
فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177)
وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178)
وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179)}(الصافات) .

نقف مليّاً في تحدّ عجيب غير التحدي الذي سقناه آنفاً ، فما مرَّ كان تحدياً من الله تعالى للكافرين المشركين ، أما السحرة الذين أعدّهم فرعون تحدياً لموسى عليه السلام فقد سارعوا إلى الحق والإيمان حين علم أن ما يدعوهم إليه نبي الله عين الصواب ، وزبدة الحياة ، فتحدّوا فرعون وثبتوا على إيمانهم على الرغم من ضعفهم أمام جبروته وطغيانه ، فمن ذاق الإيمان عرف ، ولم يرض بغيره ، وبذل روحه في سبيله .
{ وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ
قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113)
قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)
قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115)
قَالَ أَلْقُوا
فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ
فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)
فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118)
فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119)
وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120)
قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122)
قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ
إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123)
لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)
قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125)
وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا
رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)} (الأعراف) .

ـ وهذا سيدنا موسى يقف أمام فرعون ، معه سلاح الإيمان غير هياب ولا وجل ، يعلن كلمة التوحيد تصك أذن الجبار المتكبر ، فنرى ونسمع محاورة قوية بين فرعون الظالم وموسى المؤمن. من أقوى الأساليب الحوارية .
{ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)
قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)
قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23)
قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24)
قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25)
قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26)
قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27)
قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28)
قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)
قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30)
قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31)}(الشعراء) .
{ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)} (الأعراف) .
تحدّ كالجبال الراسيات يلقم فرعون الحجة تلو الأخرى . . ولا يكون التحدي إلا :
1ـ بالحجة الدامغة والدليل الواضح .
2ـ بالإيمان الصحيح الحقيق بما تحمله .
3ـ بالثقة في الله ، والقوة النفسيّة .

وأخيراً ، فالتحدي قوة يجب أن يتسلح بها الداعية عن وعي وإدراك . إن الإخلاص لله سبحانه أقوى حجة وأبلغ دليل .

يتبع






 

رد مع اقتباس