عرض مشاركة واحدة
قديم 26-05-2018   #1


الصورة الرمزية جريح الروح
جريح الروح غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1538
 تاريخ التسجيل :  12 - 06 - 2014
 أخر زيارة : 05-06-2019 (11:51 AM)
 المشاركات : 2,462 [ + ]
 التقييم :  10
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Cadetblue
قصة الستة أصفار



أصفار, الشبة, قصة

أصفار, الشبة, قصة

ستة أصفار


مال، أعمال، رجال، أوراق، أقوال،توقيعات على أوراق رسمية وشخصية، أعمال تنهمر كالمطر على شركة السيدة نفيسة، تلك الشركة الصغيرة التي ترعرعتْ على يد صحابتها بسرعة مذهلة، وأصبحتْ حديثَ مجالس رجال الأعمال، وقِبلة معاملاتهم؛ لما وجدوه من احترام للمواعيد، ودقةٍ في الأداء؛ إذ إن السيدة نفيسة تحترم نفسها، وتؤدي عملها بإتقان بالغ، وإبداع مذهل؛ فقد تربت على الجِدِّ والمثابرة وحب التفوق، وكانت تذهل معلماتِها حين تقدم دراساتها وأبحاثها وتحقيقاتها.

وعندما كبِرت نفيسة كانت توجز عباراتها، وتحدِّد أهدافها؛ فهي لا تحب الحديث عن نفسها كثيرًا، لكنها كانت تعشق الحديث مع نفسها:
كنت أحلم ببضع دولارات لا تتجاوز المئات، أضغطها في كفي الأيمن، وكانت تنتهي طموحاتي عندما يصطدم خيالي بسقف مئات الآلاف من الدولارات.

ومنذ أيام قليلة، وقعتُ على وريقة بيضاء صغيرة، ملأت موقع الصفر السادس من المليون، وإني لأستجدي أيامي أن تعود القهقرى، وتدس بين طياتها كل الأوراق؛ لتبخر ذاك الفيلم الأسود الذي رأيته على غير ميعاد.

وقلبت بين يدها ذاك الفيلم الأسود، باحثة فيه عن خط أبيض واحد فقط؛ عله يبعثر عتمة سواد الصورة الحالك، فلا تجد، وتعود بخيبة أمل، فتكسي الكون والحياة وشاحًا حالك السواد.

ستة أصفار، أتتني عبر وريقات ملونة ما بين الأبيض والأصفر، والوردي والأخضر والأحمر.

وفتحتْ بتراخٍ بعض أدراج مكتبها، وأخذت تقلب أوراقها، وتفكر في ماضي أيامها وحاضرها.

ستة أصفار، جعلتني محط أنظار، الكل يتحدث إليَّ، ويخطب ودِّي، يسعد من يضاحكني، ويبتهج من يؤانسني.

أحاول أن أصغي إلى أحاديث البلغاء، فلا أجمع منها كلمات تصلح لجملة مفيدة، أشيح بوجهي وأنظر إلى أشيائي الصماء، فأسمع أحاديثها في نبضات قلبي ووجيبه.

لهف نفسي، هل أستطيع التماسك لحظة واحدة بعد أن ألملم أشيائي وأخرج من مكتبي؟



وسارت خطوات وئيدة نحو مكتبها، ووقف موظفو شركتها ينظرون إليها نظرات شاردة، ويتحدثون إليها بعبارات متناثرة.

كانوا يحاولون مواراة حزنهم العميق؛ فقد تسربتْ نتائج تقريرات السيدة نفيسة المَرَضيَّة، التي أذهلت الجميع وأرجفتهم.

دخلت السيدة نفيسة مكتبها، وأغلقت الباب خلفها، وبدأت تلملم أشياءها التي أبتْ إلا أن تحدِّثها:
نفيسة، كم ضغطتِ على أزراري بأنامل نابضة واثقة لا تعرف الخطأ، وكوَّنت جملاً مفيدة، ورسمت تخطيطات رائعة.

نفيسة، أرجوك لِمَ تقومين بفصل أجزائي بأيدٍ مضطربة، وتنظرين إليَّ ولمن حولي كالذي تدور عيناه من الموت؟!

نفيسة، هل من عودة إلي، وإلى أرقامك، وصفقاتك، ومخططاتك؟



لا، فقد خططت عليك أيها الوفي الذكي غير الذي خطط لي، قل لي بربِّك: هل تملك خطًّا ناصع البياض يستطيع أن يبدد عتمة فيلمي الأسود؟

ثم نظرت إلى ساعتها، الوقت يمر مسرعًا أم بطيئًا؟ لا أدري، ساعات قليلة، ودقائق معدودة وتأتي سيارة العائلة لتنقلني إلى المستشفى، ثم إلى غرفة العمليات؛ لاستئصال...

وانكبت على مكتبها باكية، يرتجف كل كيانها.

دخلت والدتها على غير عادتها مكتب نفيسة، وأمسكت بيد مديرة الشركة أمام موظفيها الذين بللوا وجوههم بالدموع.

ونظرت إلى ساعة الحائط، وخاطبت ابنتها قائلة:
انظري، الوقت يمضي يا ابنتي، توكَّلي على الله، ولن يضيعك أبدًا، استمعي، هذا أذان العصر بدأ يصدح.

ساعة، وقت، كلمات كنت أستثمرها جيدًا، جمعت من خلالها ستة أصفار، أما الأذان، فكم تركته خلف ظهري، وأغمضت عينيها، تريد أن تهرب من الماضي والحاضر والمستقبل، تريد أن تقدم على لحظاتها الحاسمة، تريد أن... ولا تريد، أتقدم؟ أتحجم؟ أتبكي؟ أتدعو؟ أتودع؟ أتقبل؟ أتتجاهل؟ أتبصر؟ أتسمع؟ أتنسى؟!

وتقدمت والدتها بهدوء مصطنع، فقالت: نفيسة، ابنتي، هيا بنا.

جالت نظراتها في كل المواقع، ومسحت كل الوجوه، فقد أعياها البحث عن خيط أبيض واحد.

وإذا برجل ركيك الحال يدخل مبتسمًا مستبشرًا، داعيًا مبتهلاً مناديًا:
أين السيدة نفيسة؟ أريد أن أبشِّرها، دعوني أحدثها، دعوني!

ودخل الرجل ولم يوقف سيلَ كلماته المتدفق سوى إشارة السيدة نفيسة إلى أمها: أنْ امنحيه بعض المال؛ لكي يسكت، وقبل أن تقدم له أي شيء، قال: لا والله، ما لهذا جئتُ، جئت لأبشرك أن ولدي المحروق قد تعافى تمامًا بفضل الله أولاً، ثم بفضل نفقتك عليه أيتها السيدة الكريمة.

واستغرق في الدعوات والابتهالات، ووعد أن يدعوَ لها بجوار البيت العتيق، أما هي، فقد رفعت رأسها وخاطبت نفسها قائلة:
خيط أبيض واحد، وقف شامخًا خلف أصفاري الستة، فأغدق عليَّ بحارًا من الطمأنينة.

أسألك يا رب أن تتقبل قليل عملي وتضاعفه، وركزتْ بصرها على المليون، ودخلت غرفة العمليات وهي تقول:
"قد أوقدت شمعة عطائي، مشاعل رجائي".

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك


الموضوع الأصلي: قصة الستة أصفار || الكاتب: جريح الروح || المصدر: منتديات الحقلة

منتديات الحقلة

منتديات الحقلة: منتديات عامة اسلامية ثقافية ادبية شعر خواطر اخبارية رياضية ترفيهية صحية اسرية كل مايتعلق بالمرأة والرجل والطفل وتهتم باخبار قرى الحقلة والقرى المجاوره لها





rwm hgsjm Hwthv hgafm




rwm hgsjm Hwthv hgafm rwm hgsjm Hwthv hgafm



 

رد مع اقتباس