عرض مشاركة واحدة
قديم 11-08-2017   #9


هدوء الليل غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2062
 تاريخ التسجيل :  25 - 08 - 2015
 أخر زيارة : 26-08-2019 (06:17 PM)
 المشاركات : 17,147 [ + ]
 التقييم :  159
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: أهمية التوحيد وثمراته





🖊تابع أهمية التوحيد وثمراته

9- التوحيد شرط في النصر والتمكين:

قال - تعالى -: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].

"ذكر - جلَّ وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات من هذه الأُمّة: ﴿ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في ٱلاْرْضِ ﴾؛ أي: ليجعلنهم خلفاء الأرض، الذين لهم السيطرة فيها، ونفوذ الكلمة، والآيات تدلُّ على أن طاعة الله بالإيمان به، والعلم الصالح سبب للقوَّة والاستخلاف في الأرض ونفوذ الكلمة؛ كقوله - تعالى -: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ ﴾ [الأنفال: 26]، وقوله - تعالى -: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 40- 41]، وقوله - تعالى -: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]، إلى غير ذلك من الآيات، وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة: ﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾؛ أي: كبني إسرائيل، ومن الآيات الموضحة لذلك قوله - تعالى -: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص: 5- 6]، وقوله - تعالى - عن موسى - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام -: ﴿ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 129]، وقوله - تعالى -: ﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ [الأعراف: 137]، إلى غير ذلك من الآيات..."[44].

"هذا وعدٌ من الله - تعالى - لرسوله - صلوات الله وسلامه عليه - بأنه سيجعل أمَّته خلفاء الأرض؛ أي: أئمَّة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، ﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ ﴾ من الناس ﴿ أَمْنًا ﴾ وحكمًا فيهم، وقد فعله - تبارك وتعالى - وله الحمد والمنَّة؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يمت حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها، وأخذ الجزية من مجوس هجر ومن بعض أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم، وصاحب مصر وإسكندرية وهو المقوقس، وملوك عمان، والنجاشي ملك الحبشة الذي تملك بعد أصحمة - رحمه الله - وأكرمه.

ثم لمَّا مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واختار الله له ما عنده من الكرامة - قام بالأمر بعده خليفتُه أبو بكر الصديق، فلمَّ شعث ما وَهَى بعد موته - صلى الله عليه وسلم - وأَطَّدَ جزيرة العرب ومهَّدها، وبعث الجيوش الإسلامية إلى بلاد فارس صحبة خالد بن الوليد - رضي الله عنه - ففتحوا طرفًا منها، وقتلوا خلقًا من أهلها، وجيشًا آخر صحبة أبي عبيدة - رضي الله عنه - ومَن اتَّبعه من الأمراء إلى أرض الشام، وثالثًا صحبة عمرو بن العاص - رضي الله عنه - إلى بلاد مصر، ففتح الله للجيش الشامي في أيامه بصرى ودمشق ومخاليفهما من بلاد حوران وما والاها، وتوفَّاه الله - عز وجل - واختار له ما عنده من الكرامة.

ومنَّ على أهل الإسلام بأن ألهم الصدِّيق أن يستخلف عمر الفاروق، فقام بالأمر بعده قيامًا تامًّا، لم يَدُرِ الفلك بعد الأنبياء على مثله في قوة سيرته وكمال عدله، وتمَّ في أيَّامه فتح البلاد الشامية بكمالها، وديار مصر إلى آخرها، وأكثر إقليم فارس، وكسر كسرى وأهانه غاية الهوان، وتقهقر إلى أقصى مملكته، وقصر قيصر، وانتزع يده عن بلاد الشام، وانحدر إلى القسطنطينية، وأنفق أموالهما في سبيل الله، كما أخبر بذلك ووعد به رسول الله، عليه من ربه أتم سلام وأزكى صلاة.

ثم لمَّا كانت الدولة العثمانية امتدَّت الممالك الإسلامية إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها، ففتحت بلاد المغرب إلى أقصى ما هنالك الأندلس وقبرص، وبلاد القيروان، وبلاد سبتة ممَّا يلي البحر المحيط، ومن ناحية المشرق إلى أقصى بلاد الصين، وقتل كسرى وبادَ ملكُه بالكلية، وفتحت مدائن العراق وخراسان والأهواز، وقتل المسلمون من الترك مَقْتَلَة عظيمة جدًّا، وخذل الله ملكهم الأعظم خاقان، وجُبِي الخراج من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وذلك ببركة تلاوته ودراسته وجمعه الأمة على حفظ القرآن، ولهذا ثبت في "الصحيح" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: ((إن الله زَوَى لي الأرض، فرأيتُ مشارقها ومغاربها، ويبلغ ملك أمتي ما زُوِي لي منها))، فها نحن نتقلَّب فيما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، فنسأل الله الإيمان به وبرسوله، والقيام بشكره على الوجه الذي يرضيه عنا... وقال الإمام أحمد: حدثنا عبدالرزاق، أخبرنا سفيان، عن أبي سلمة، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بشِّر هذه الأمة بالسَّنا والرِّفعة والدين، والنصر والتمكين في الأرض، فمَن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب))، وقوله - تعالى -: ﴿ يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [النور: 55]، قال الإمام أحمد: حدثنا عفَّان، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس، أن معاذ بن جبل حدثه قال: بينا أنا رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمار ليس بيني وبينه إلاَّ آخرة الرحل، قال: ((يا معاذ))، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: ثم سار ساعة، ثم قال: ((يا معاذ بن جبل))، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: ((يا معاذ بن جبل))، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: ((هل تدري ما حقُّ الله على العباد؟)) قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإن حقَّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا))، قال: ثم سار ساعة، ثم قال: ((يا معاذ بن جبل))، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: ((فهل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟))، قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإن حقَّ العباد على الله ألاَّ يعذبهم))؛ أخرجاه في الصحيحين من حديث قتادة.

وقوله - تعالى -: ﴿ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55]؛ أي: فمَن خرج عن طاعتي بعد ذلك فقد خرج عن أمر ربه، وكفى بذلك ذنبًا عظيمًا، فالصحابة - رضي الله عنهم - لمَّا كانوا أقوم الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بأوامر الله - عز وجل - وأطوعهم لله - كان نصرهم بحسبهم أظهروا كلمة الله في المشارق والمغارب، وأيَّدهم تأييدًا عظيمًا، وحكموا في سائر العباد والبلاد، ولمَّا قصَّر الناس بعدهم في بعض الأوامر نقص ظهورهم بحسبهم، ولكن قد ثبت في الصحيحين من غير وجهٍ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرُّهم مَن خذلهم ولا مَن خالفهم إلى يوم القيامة))، وفي رواية: ((حتى يأتي أمر الله وهم كذلك))، وفي رواية: ((حتى يقاتلوا الدجال))، وفي رواية: ((حتى ينزل عيسى ابن مريم وهم ظاهرون))، وكلُّ هذه الروايات صحيحة، ولا تعارُض بينها"[45].

"وقال - سبحانه -: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، فهم منصورون، والعاقبة لهم، ولكن لا بُدَّ قبل النصر من معاناة وتعب وجهاد؛ لأن النصر يقتضي منصورًا ومنصورًا عليه؛ إذًا فلا بُدَّ من مغالبة، ولا بُدَّ من محنة، ولكن كما قال ابن القيم[46]:
وَالْحَقُّ مَنْصُورٌ وَمُمْتَحَنٌ فَلاَ ♦♦♦ تَعْجَبْ فَهَذِي سُنَّةُ الرَّحْمَنِ

فلا يلحقك العجز والكسل إذا رأيت أن الأمور لم تتمَّ لك بأول مرة، بل اصبر، وكرِّر مرَّة بعد أخرى، واصبر على ما يقال فيك من استهزاء وسخرية؛ لأن أعداء الدين كثيرون.

ولا يثني عزمك أن ترى نفسك وحيدًا في الميدان، فأنت الجماعة وإن كنت واحدًا ما دمت على الحق، ولهذا ثِقْ بأنك منصور؛ إمَّا في الدنيا، وإمَّا في الآخرة"[47].


🍀وفقنا الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح وجعلنا من أهل التوحيد الخالص.




 

رد مع اقتباس