عرض مشاركة واحدة
قديم 11-08-2017   #4


هدوء الليل غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2062
 تاريخ التسجيل :  25 - 08 - 2015
 أخر زيارة : 26-08-2019 (06:17 PM)
 المشاركات : 17,147 [ + ]
 التقييم :  159
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: أهمية التوحيد وثمراته





السلام عليكم و رحمة الله وبركاته

تابع أهمية التوحيد وثمراته :

4- التوحيد من أجله أرسل الله الرسل:

قال - تعالى -: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]؛ "أي: قلنا للجميع: لا إله إلا الله؛ فأدلَّة العقل شاهدةٌ أنه لا شريك له، والنقل عن جميع الأنبياء موجود، والدليل إمَّا معقولٌ وإما منقولٌ، وقال قتادة: لم يُرْسَل نبيٌّ إلا بالتوحيد، والشرائع مختلفة في التوراة والإنجيل والقرآن، وكلُّ ذلك على الإخلاص والتوحيد"[16].

"فإن قيل: إذا كان الدَّليل العقلي والدليل النقلي قد دلاَّ على بطلان الشرك، فما الذي حمل المشركين على الشرك، وفيهم ذوو العقول والذكاء والفطنة؟ أجاب - تعالى - بقوله : ﴿ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلاَّ غُرُورًا ﴾ [فاطر: 40]؛ أي: ذلك الذي مشوا عليه ليس لهم فيه حجة، وإنَّما ذلك توصية بعضهم لبعض به، وتزيين بعضهم لبعض واقتداء المتأخِّر بالمتقدِّم الضالِّ، وأماني منَّاها الشياطين، وزيَّنت لهم سوءُ أعمالهم، فنشأت في قلوبهم، وصارت صفة من صفاتها، فعسر زوالها، وتعسَّر انفصالُها، فحصل ما حصل، من الإقامة على الكفر، والشرك الباطل المضمحلِّ"[17].

"فكلُّ نبيٍّ بعثه الله يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والفطرة شاهدة بذلك أيضًا، والمشركون لا برهان لهم، وحجتهم داحضةٌ عند ربهم، وعليهم غضبٌ، ولهم عذابٌ شديد"[18].

وقال - سبحانه -: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36].

"يخبر - تعالى - أن حجته قامت على جميع الأمم، وأنَّه ما من أمَّة متقدِّمة أو متأخِّرة، إلا وبعث الله فيها رسولاً، وكلُّهم متَّفقون على دعوة واحدة ودين واحد؛ وهو: عبادة الله وحده لا شريك أَنِ ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾}، فانقسمت الأمم بحسب استجابتها لدعوة الرسل وعدمها - قسمين، ﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ ﴾ فاتبعوا المرسلين علمًا وعملاً، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلاَلَةُ ﴾ فاتَّبع سبيل الغي"[19].

"{﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴾؛ أي: بأن اعبدوا الله ووحِّدوه، ﴿ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾؛ أي: اتركوا كلَّ معبود دون الله؛ كالشيطان، والكاهن، والصنم، وكل مَن دعا إلى الضلال، ﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ ﴾؛ أي: أرشده إلى دينه وعبادته، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلاَلَةُ ﴾؛ أي: بالقضاء السابق عليه حتى مات على كفره"[20].

"فدلَّت الآية على أن الحكمة في إرسال الرسل هي عبادة الله وحده وتَرْك عبادة ما سواه، وأن أصل دين الأنبياء واحد وهو الإخلاص في العبادة لله، وإن اختلفت شرائعهم"[21].

"وهذا هو معنى (لا إله إلا الله)، لأنها مركبة من نفي وإثبات؛ فنفيها هو خلع جميع المعبودات غير الله - تعالى - في جميع أنواع العبادات، وإثباتها هو إفراده - جل وعلا - بجميع أنواع العبادات بإخلاص، على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله - عليهم صلوات الله وسلامه.

وأوضح هذا المعنى كثيرًا في القرآن عن طريق العموم والخصوص، فمن النصوص الدالَّة عليه مع عمومها قوله - تعالى -: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وقوله: ﴿ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾ [الزخرف: 45]، ونحو ذلك من الآيات.

ومن النصوص الدالَّة عليه مع الخصوص في أفراد الأنبياء وأممهم قوله - تعالى -: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 59]، وقوله - تعالى -: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 59]، وقوله - تعالى -: ﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 73]، وقوله: ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 85]، إلى غير ذلك من الآيات.

واعلم أن كل ما عُبِد من دون الله فهو طاغوت، ولا تنفع عبادة الله إلا بشرط اجتناب عبادة ما سواه؛ كما بيَّنه - تعالى - بقوله: ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾ [البقرة: 256]، وقوله: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106]، إلى غير ذلك من الآيات.

قوله - تعالى -: ﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلاَلَةُ ﴾ [النحل: 36]، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أن الأمم التي بعث فيها الرسل بالتوحيد منهم سعيد، ومنهم شقي؛ فالسعيد منهم يهديه الله إلى اتباع ما جاءت به الرسل، والشقي منهم يسبق عليه الكتاب فيكذِّب الرسل، ويكفر بما جاؤوا به، فالدعوة إلى دين الحق عامَّة، والتوفيق للهدى خاصٌّ؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس: 25]، فقوله: ﴿ فَمِنْهُمْ ﴾؛ أي: من الأمم المذكورة في قوله: ﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلاَلَةُ ﴾، وقوله: ﴿ مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ ﴾؛ أي: وفَّقه لاتباع ما جاءت به الرسل"[22].

"يقول - تعالى ذكره -: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا ﴾ أيُّها الناس ﴿ فِي كُلِّ أُمَّةٍ ﴾ سلفت قبلكم ﴿ رَسُولاً ﴾، كما بعثنا فيكم بـ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ وحده لا شريك له وأفردوا له الطاعة وأخلصوا له العبادة، ﴿ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ يقول: وابعدوا من الشيطان، واحذروا أن يغويكم ويصدَّكم عن سبيل الله فتضلُّوا ﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ ﴾ يقول: فممن بعثنا فيهم رسلنا من هدى الله، فوفَّقه لتصديق رسله والقبول منها، والإيمان بالله والعمل بطاعته، ففاز وأفلح ونجا من عذاب الله، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلاَلَةُ ﴾ يقول: وممَّن بعثنا رسلنا إليه من الأمم آخرون حقَّت عليهم الضلالة، فجاروا عن قصد السبيل، فكفروا بالله وكذَّبوا رسله واتَّبعوا الطاغوت، فأهلكهم الله بعقابه، وأنزل عليهم بأسه الذي لا يُرَدُّ عن القوم المجرمين"[23].

"فيكف يسوغ لأحد من المشركين بعد هذا أن يقول: ﴿ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [النحل: 35]، فمشيئته - تعالى - الشرعية عنهم منتفية؛ لأنَّه نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله، وأمَّا مشيئته الكونية وهي تمكينهم من ذلك قدرًا، فلا حُجَّة لهم فيها؛ لأنه - تعالى - خلق النار وأهلها من الشياطين والكَفَرَة، وهو لا يرضى لعباده الكفر، وله في ذلك حجة بالغة وحكمة قاطعة"[24]، "فالقرآن صريح في أن أساس دعوة جميع الرسل: التوحيد، وإفراد الله بالعبادة"[25].




 

رد مع اقتباس