عرض مشاركة واحدة
قديم 11-08-2017   #2


هدوء الليل غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2062
 تاريخ التسجيل :  25 - 08 - 2015
 أخر زيارة : 26-08-2019 (06:17 PM)
 المشاركات : 17,147 [ + ]
 التقييم :  159
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: أهمية التوحيد وثمراته





تابع أهمية التوحيد وثمراته

2- التوحيد فطرة الله التي فطر الناس
عليها:
قال - تعالى -: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30]؛ "﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ ﴾؛ أي: انصبه ووجِّهه ﴿ لِلدِّينِ ﴾ الذي هو الإسلام والإيمان والإحسان؛ بأن تتوجَّه بقلبك وقصدك وبدنك إلى إقامة شرائع الدين الظاهرة؛ كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، ونحوها، وشرائعه الباطنة؛ كالمحبة، والخوف، والرجاء، والإنابة، والإحسان في الشرائع الظاهرة والباطنة، بأن تعبد الله فيها كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك، وخصَّ الله إقامة الوجه؛ لأن إقبال الوجه تبعٌ لإقبال القلب، ويترتَّب على الأمرين سعيُ البدن، ولهذا قال: ﴿ حَنِيفًا ﴾؛ أي: مُقْبِلاً على الله في ذلك، معرِضًا عمَّا سواه، وهذا الأمر الذي أمرناك به هو ﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾، ووضع في عقولهم حسنها، واستقباح غيرها.

فإن جميع أحكام الشرع، الظاهرة والباطنة، قد وضع الله في قلوب الخلق كلهم الميلَ إليها، فوضع في قلوبهم محبة الحق وإيثار الحق، وهذه حقيقة الفِطَر، ومَن خرج عن هذا الأصل، فلِعارِضٍ عرض لفطرته أفسدها؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كل مولود يُولَد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه)).

﴿ لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾؛ أي: لا أحد يبدِّل خلق الله، فيجعل المخلوق على غير الوضع الذي وضعه الله ﴿ ذَلِكَ ﴾ الذي أمرناك به ﴿ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾؛ أي: الطريق المستقيم الموصل إلى الله، وإلى دار كرامته، فإنَّ مَن أقام وجهه للدين حنيفًا فإنه سالك الصراط المستقيم في جميع شرائعه وطرقه؛ ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾، فلا يتعرَّفون الدين القيم، وإن عرفوه لم يسلكوه"[5].

"والنفس بفطرتها إذا تُرِكت كانت مُقِرَّة لله بالإلهية، مُحبَّةً لله، تعبدُه لا تُشرك به شيئًا، ولكن يفسدها وينحرف بها عن ذلك ما يُزيِّنُ لها شياطين الإنس والجن بما يوحي بعضُهم إلى بعضٍ زخرف القول غرورًا، فالتوحيد مركوزٌ في الفِطَر والشرك طارئ ودخيل عليها"[6].

"فإن الله فَطَرَ القلوب على قبول الحق والانقياد له والطمأنينة به، والسكون إليه ومحبته، وفطرها على بغض الكذب والباطل والنفور عنه والريبة به وعدم السكون إليه، ولو بقيت الفِطَر على حالها لما آثرت على الحقِّ سواه، ولما سكنت إلاَّ إليه، ولا اطمأنَّت إلا به، ولا أحبَّت غيره"[7].

"فسدِّد وجهك واستمِرَّ على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم الذي هداك الله لها، وكمَّلها لك غاية الكمال، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها، فإنه - تعالى - فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره؛ كما تقدَّم عند قوله - تعالى -: ﴿ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ﴾ [الأعراف: 172]، وفي الحديث: ((إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم))[8].

"فأخبر أنه فطر عباده على إقامة الوجه حنيفًا، وهي عبادة اللّه وحده لا شريك له، فهذه من الحركة الفطرية الطبيعية المستقيمة المعتدلة للقلب، وتركها ظلم عظيم اتَّبع أهلُه أهواءَهم بغير علم، ولا بُدَّ لهذه الفطرة والخلقة - وهي صحة الخلقة - من قوت وغذاء يمدُّها بنظير ما فيها مما فطرت عليه علمًا وعملاً؛ ولهذا كان تمام الدين بالفطرة المكمَّلة بالشريعة المنزَّلة، وهي مأدُبة الله كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن مسعود‏:‏ ((‏إنَّ كل آدبٍ يحبُّ أن تُؤتى مأدُبته، وإن مأدُبَة الله هي القرآن‏)‏)، ومثله كماءٍ أنزله الله من السماء، كما جرى تمثيله بذلك في الكتاب والسُّنَّة،‏ والمحرِّفون للفطرة المغيِّرون للقلب عن استقامته، هم ممرضون القلوبَ مسقمون لها، وقد أنزل الله كتابه شفاءً لما في الصدور‏"[9].

"ولهذا كان بطلان الشرك وقبحه معلومًا بالفطرة السليمة والعقول الصحيحة، والعلم بقبحه أظهر من العلم بقبح سائر القبائح"[10].

"ولكن لا عبرة بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا، وإنَّما يعتبر الإيمان الشرعي المأمور به المكتسَب بالإرادة والفعل، ألاَ ترى أنه يقول: ((فأبواه يهوِّدانه))؟ فهو مع وجود الإيمان الفطري فيه محكومٌ له بحكم أبويه الكافرين، وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يقول الله - تعالى -: إني خلقتُ عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم))، ويحكى معنى هذا عن الأوزاعي، وحماد بن سلمة، وحُكِي عن عبدالله بن المبارك أنه قال: معنى الحديث: أن كل مولود يولد على فطرته؛ أي: على خلقته التي جُبِل عليها في علم الله - تعالى - من السعادة أو الشقاوة، فكلٌّ منهم صائرٌ في العاقبة إلى ما فطر عليها، وعامل في الدنيا بالعمل المُشَاكِل لها، فمن أمارات الشقاوة للطفل أن يولد بين يهوديَّين أو نصرانيَّين، فيحملانه - لشقائه - على اعتقاد دينهما، وقيل: معناه: أن كل مولودٍ يولد في مبدأ الخلقة على الفطرة؛ أي: على الجبلَّة السليمة والطبع المتهيِّئ لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمرَّ على لزومها؛ لأن هذا الدين موجودٌ حسنُه في العقول، وإنَّما يعدل عنه مَن يعدل إلى غيره؛ لآفةٍ من آفات النشوء والتقليد، فلو سَلِم من تلك الآفات لم يعتقد غيره"[11].


وفقنا الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح وجعلنا من أهل التوحيد الخالص.




 

رد مع اقتباس