عرض مشاركة واحدة
قديم 22-09-2015   #9


طالبة العلم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1561
 تاريخ التسجيل :  20 - 06 - 2014
 أخر زيارة : 15-06-2023 (11:13 AM)
 المشاركات : 24,997 [ + ]
 التقييم :  17
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Green
رد: هكذا حج الصالحون والصالحات



( 9 ) الصالحون... ويوم عرفة
- قال سالم: كتب عبد الملك إلى الحجاج أن لا يخالف ابن عمر في الحج، فجاء ابن عمر رضي الله عنهما وأنا معه يوم عرفة حين زالت الشمس، فصاح عند سرادق الحجاج، فخرج وعليه ملحفة معصفرة، فقال: ما لك يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: الرواح إن كنت تريد السنة قال: هذه الساعة! قال: نعم، قال: فأنظرني حتى أفيض على رأسي ثم أخرج، فنزل حتى خرج الحجاج، فسار بيني وبين أبي، فقلت: إن كنت تريد السنة فاقصر الخطبة وعجل الوقوف!، فجعل ينظر إلى عبد الله، فلما رأى ذلك عبد الله، قال: صدق.
- وقال داود بن أبي عاصم: وقفت مع سالم بن عبد الله بعرفة أنظر كيف يصنع، فكان في الذكر والدعاء حتى أفاض الناس.
- قال ابن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة، وهو جاث على ركبتيه، وعيناه تهملان، فالتفت إليّ، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالا؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر لهم.
- وروي عن الفضيل بن عياض أنه نظر إلى نشيج الناس وبكائهم عشية عرفة، فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقا – يعني: سدس درهم – أكان يردهم؟ قالوا: لا. قال: والله، للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق.
- وقال عمر بن الورد قال لي عطاء بن أبي رباح: إن استطعت أن تخلو بنفسك عشية عرفة فافعل.
- وكان حكيم بن حزام رضي الله عنه - يقف بعرفة ومعه مائة بدنة مقلدة، ومائة رقبة فيعتق رقيقه فيضج الناس بالبكاء والدعاء، يقولون: ربنا هذا عبدك قد أعتق عبيده ونحن عبيدك فأعتقنا. وجرى الناس مرة مع الرشيد نحو هذا.
- وقال يعلى بن حرملة: تكلم الحجاج يوم عرفة بعرفات فأطال الكلام فقال عبد الله بن عمر: ألا إن اليوم يوم ذكر فأمضى الحجاج، قال: فأعادها عبد الله مرتين أو ثلاثا ثم قال: يا نافع ناد بالصلاة فنزل الحجاج.
- عن سالم أن سعيد بن جبير أُفطر يوم عرفة لأتقوى على الدعاء.
- قال عبد الله بن بكر المزني: أفضت مع أبي من عرفة فقال لي: يا بني لولا أني فيهم لرجوت أن يغفر لهم.
قال الذهبي – تعليقا عليها – قلت: كذلك ينبغي للعبد أن يزري على نفسه ويهضمها.
- قال بشر بن الحارث: رأي فضيل بن عياض رجلا يسأل في الموقف فقال له: أفي هذا الموضع تسأل غير الله عز وجل؟ !.
- ورأى سالم بن عبد الله بن عمر سائلا يسأل الناس في عرفة فقال: يا عاجز أفي هذا اليوم تسأل غير الله تعالى؟ !.
- قال ابن رجب: «كانت أحوال الصادقين في الموقف بعرفة تتنوع فمنهم من كان يغلب عليه الخوف أو الحياء: وقف مطرف بن عبد الله وبكر المزني بعرفة، فقال أحدهما: اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي. وقال الآخر: ما أشرفه من موقف وأرجاه لإله لولا أني فيهم!. وقف الفضيل بعرفة والناس يدعون وهو يبكي بكاء الثكلى المحترقة قد حال البكاء بينه وبين الدعاء فلما كادت الشمس أن تغرب رفع رأسه إلى السماء وقال: واسوءتاه منك وإن عفوت. ومن العارفين من كان في الموقف يتعلق بأذيال الرجاء قال ابن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة، وهو جاث على ركبتيه، وعيناه تهملان، فالتفت إلي، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالا؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر لهم».
التعليق: إن يوم عرفة يوم مهيب، ومشهد عظيم، ومناسبة كريمة ليس في الدنيا مشهد أعظم منه روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟».
قال النووي: «هذا الحديث ظاهر الدلالة في فضل يوم عرفة، وهو كذلك».
وفي مثل هذا اليوم وهذا المكان أنزل الله سبحانه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3] ففي «الصحيحين» عن عمر بن الخطاب أن رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرءونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: أي آية؟ قال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي ، وهو قائم بعرفة يوم جمعة.
وفي مثل هذا اليوم وهذا المكان خطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبة عظيمة جامعة تحكي المبادئ الكبرى لهذا الدين، وأهم مقاصده، ولقد كانت عبارات توديعية بألفاظها ومعانيها وشمولها وإيجازها، استشهد الناس فيها على البلاغ.
إن أول شيء أكد عليه في النهي من أمر الجاهلية الشرك بالله، فلقد جاء بكلمة التوحيد: (لا إله إلا الله) شعار الإسلام وعلم الملة، كلمة تنخلع بها جميع الآلهة الباطلة، ويثبت بها استحقاق الله وحده للعبادة.
نعم إنه لا فائدة من حج لا يقوم على التوحيد.. ونبذ الشرك.. إن من يقول – وهو متلبس بشعيرة من أعظم الشعائر - «مدد يا رسول الله» أو «مدد يا علي».. أو يذبح لغير الله، ويتوسل بالأولياء والصالحين.. ويدعوهم من دون الله.. لم يستشعر أن الحج شرع في الأصل لتوحيد الله عز وجل، قال تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [الحج: 26].
وقد وقف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة يدعو الله عز وجل من زوال الشمس إلى غروبها مبتهلا بالذكر والدعاء والإنابة والخشوع رافعا يديه، حتى إنه سقط خطام ناقته فأمسكه بإحدى يديه وهو رافع الأخرى، ولم يمل ولم يتعب من طول القيام والدعاء... إنها القوة في العبادة واللذة في المناجاة. عن جابر رضي الله عنه قال: ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص.
وفي حديث أسامة بن زيد قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فرفع يديه يدعو فمالت به ناقته فسقط خطامها فتناول الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الأخرى.
قلت: ومع فضل صيام يوم عرفة وأنه يكفر سنتين كما في «صحيح مسلم» عن أبي قتادة الأنصاري صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: «يكفر السنة الماضية والباقية» إلا أنه لا يشرع للحاج صيامه من أجل أن يقوى على الدعاء، قال الشافعي رحمه الله: «ترك صوم عرفة للحاج أحب إلي من صوم يوم عرفة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك صوم يوم عرفة، والخير في كل ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن المفطر أقوى في الدعاء من الصائم وأفضل الدعاء يوم عرفة». وقال ابن عبد البر: «قول الشافعي أحسن شيء في هذا الباب».
وفي «الصحيحين» عن أم الفضل بنت الحارث أن ناسا اختلفوا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بعضهم هو صائم. وقال بعضهم: ليس بصائم. فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه.
أخي الحاج... رأيت كيف كان حال سيد الأولين والآخرين في هذا اليوم، وسمعت أخبار الصالحين في هذا المشهد المهيب العظيم ذل وانكسار.. دعاء وافتقار.. بكاء وخشوع... وصدق في الالتجاء والانطراح بين يدي الرب سبحانه وتعالى.. لذا باهى الله بأهل عرفات الملائكة فقال: انظروا إلى عبادي شُعثا غبرا، ما أراد هؤلاء؟ !... الله أكبر!!.
أخي الحاج... ما نصيبك من هذا الخير في هذا اليوم... أين الدعاء والذل لله.. أين البكاء والخشوع والانكسار بين يدي الله عز وجل..
ما هذه القسوة من بعض الحجيج الذين يتجرأون على معاصي الله في أعظم أيام الله؟ ! كم نرى في الحج من أخلاق وأفعال لو صدرت من غير الحاج لاستنكرت فكيف بالحاج وفي هذا اليوم؟ !!، ومن تلك الأفعال:
- صعود جبل عرفة، والصلاة فيه، والتبرك به، وتعليق الخرق وكتابة الأوراق لإثبات أنهم بلغوا هذا المكان، وكل هذا من البدع لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، والأصل في العبادات التوقيف حتى يقوم دليل على مشروعيتها.
- شرب الدخان – وللأسف هذا منتشر بين الحجاج -.
- التسول وسؤال الناس، وفي «صحيح البخاري» عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة: 197].
وتقدم أن الفضيل بن عياض رأى رجلا يسأل في الموقف فقال له: أفي هذا الموضع تسأل غير الله عز وجل؟ !.
فيا حجاج بيت الله حجوا كما حج الصالحون، وعظموا شعائر الله، واعرفوا لهذا اليوم قدره ومكانته، وأكثروا فيه من الذكر والدعاء والإنابة، وإياكم وفضول الكلام.. فإنما هي سويعات قليلة يوشك أن تنقضي ثم لا تعود أبدا.. فالمسارعة المسارعة!.
لفتة جميلة: قال الشيخ الأديب علي الطنطاوي: «لو كان يجوز أن يحضر هذا الموقف غير المسلم لاقترحت على الأمم المتحدة أن توفد من يدعي المساواة ومحاربة العنصرية والتمييز بين الناس، ليرى هذا المشهد الذي لم تبصر عين الشمس مثيلا له!.
مشهد متفرد ما رأى أحد ولن يرى مثله من هنا أعلن محمد صلى الله عليه وسلم حقوق الإنسان قبل أن تعلنها الثورة الفرنسية بأكثر من ألف عام.
أعلنها عملا سبق القول، وأعلنوها قولا ما بعده عمل!!. لما وقف في حجة الوداع في أكبر جمع إسلامي كان على عهده صلى الله عليه وسلم، فقرر حصانة الدماء والأموال والأعراض وحرمة التعدي عليها، وأن الناس سواء: ربهم واحد وأبوهم واحد (كلكم لآدم وآدم من تراب)، فلا يتكبر متكبر ولا يستعل مستعل، فما خلق الله واحدا من التبر وواحدا من الطين، بل الكل من التراب وإلى التراب، ثم إلى موقف الحساب، ثم إلى الثواب أو العقاب، ألغى شرف النسب والمال والجاه الموروث، فالكريم هو الكريم بمزاياه بأعماله، لا بأهله ولا بآله، ولا بثروته ولا بماله (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13]».
شعر جميل في وصف يوم عرفة وحال الحجيج فيه، قال ابن القيم رحمه الله في ميميته المشهورة:
وراحوا إلى التعريف يرجون رحمة *** ومغفرة ممن يجود ويكرم
فلله ذاك الموقف الأعظم الذي *** كموقف يوم العرض بل ذاك أعظم
ويدنوا به الجبار جل جلاله *** يباهي بهم أملاكه فهو أكرم
يقول عبادي قد أتوني محبة *** وإني بهم بر أجود وأرحم
فأشهدكم أني غفرت ذنوبهم *** وأعطيتهم ما أملوه وأنعم
فبشراكم يا أهل ذا الموقف الذي *** به يغفر الله الذنوب ويرحم
فكم من عتيق فيه كمل عتقه *** وآخر يستسعى وربك أرحم
وما رؤى الشيطان أغيظ في الورى *** وأحقر منه عندها وهو ألأم
وذاك لأمر قد رآه فغاظه *** فأقبل يحثو الترب غيظا ويلطم
لما عاينت عيناه من رحمة أتت *** ومغفرة من عند ذي العرش تقسم
بنى ما بنى حتى إذا ظن أنه *** تمكن من بنيانه فهو محكم
أتى الله بنيانا له من أساسه *** فخر عليه ساقطا يتهدم
وكم قدر ما يعلو البناء وينتهي *** إذا كان يبنيه وذو العرش يهدم