عرض مشاركة واحدة
قديم 22-09-2015   #6


طالبة العلم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1561
 تاريخ التسجيل :  20 - 06 - 2014
 أخر زيارة : 15-06-2023 (11:13 AM)
 المشاركات : 24,997 [ + ]
 التقييم :  17
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Green
رد: هكذا حج الصالحون والصالحات



( 6 ) الصالحون... وقوة العبادة في الحج
- قال أبو إسحاق السبيعي: حج مسروق – هو: ابن الأجدع – فما نام إلا ساجدا.
- قال محمد بن سوقة عن أبيه أنه حج مع الأسود فكان إذا حضرت الصلاة أناخ ولو على حجر، قال: وحج نيفا وسبعين.
- وقال ضمرة بن ربيعة: حججنا مع الأوزاعي سنة خمسين ومائة، فما رأيته مضطجعا في المحمل في ليل ولا نهار قط، كان يصلي، فإذا غلبه النوم، استند إلى القتب.
- وقال عبد العزيز بن أبي حازم: عادلني صفوان بن سليم إلى مكة فما وضع جنبه في المحمل حتى رجع.
- قال محمد بن إسحاق: قدم علينا عبد الرحمن بن الأسود حاجا، فاعتلت إحدى قدميه، فقام يصلي حتى أصبح على قدم، فصلى الفجر بوضوء العشاء.
قلت: تقدم التعريف بعبد الرحمن وبيان أنه سافر ثمانين ما بين حجة وعمرة لم يجمع بينهما، وقال الحكم بن عتيبة: لما احتضر عبد الرحمن بن الأسود بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أسفا على الصوم والصلاة!، قال: ولم زل يقرأ القرآن حتى مات.
- قال أبو يحيي: صبحت سلم بن سالم في طريق مكة فما رأيته وضع جنبه في المحمل إلا ليلة واحدة ومد رجليه ثم استوى جالسا.
- وقال نافع: كان ابن عمر رضي الله عنهما أنه إذا قدم إلى مكة طاف بالنهار خمسة، وبالليل سبعة، وكان يحب أن ينصرف على وتر من طوافه.
- وكان المغيرة بن الحكيم الصنعاني يحج من اليمن ماشيا، وكان له ورد بالليل يقرأ فيه كل ليلة ثلث القرآن فيقف فيصلي حتى يفرغ من ورده ثم يلحق بالركب متى لحق بهم، فربما لم يلحقهم إلا في آخر النهار.
- كان أبو بكر محمد بن واسع – زين القراء – يصلي في طريق مكة ليله أجمع غي محمله، يومئ إيماء، ويأمر حاديه أن يرفع صوته خلفه، حتى يشغل عنه بسماع صوت الحادي فلا يتفطن له.
- قال أبو سليمان المكتب: صحبت كرزا إلى مكة فكان إذا نزل أخرج ثيابه فألقاها في الرحل ثم تنحى للصلاة، فإذا سمع رغاء الإبل أقبل.
- وقال سفيان بن عيينة: سمعت ابن شبرمة يقول قلت لابن هبيرة:
لو شئت كنت ككرز في تعبـــــده *** أو كابن طارق حول البيت في الحرم
قد حال دون لذيذ العيش خوفهما *** وسارعا في طلاب الفوز والكـــــــــرم
فقال لي ابن هبيرة: من كرز ومن ابن طارق؟ قلت: أما كرز فكان إذا قدم مكة طاف ليله ونهاره، وأما ابن طارق يطوف في كل يوم وليلة سبعين أسبوعا.
قال سفيان: فحدثني ابن المبارك قال: قدمت البصرة فسمع بي شعبة فأتاني، فسمع هذه الأبيات، فقلت: يا أبا بسطام، أنت تسمع هذا؟ قال: لو كنت في أقاصي البصرة في بني يشكر لأتيتك حتى أسمع هذا منك.
وقد عقد ابن أبي شيبة في «مصنفه» بابا قال فيه: «من كان يستحب إذا دخل الرجل مكة أن لا يخرج حتى يقرأ القرآن».
- ثم ذكر قول إبراهيم النخعي: كان يعجبهم إذا قدموا مكة أن لا يخرجوا منها حتى يختموا القرآن بها.
- وقال الحسن: كان يعجبهم إذا قدموا للحج أو العمرة أن لا يخرجوا حتى يقرءوا ما معهم من القرآن.
- وقال إبراهيم: قرأ علقمة القرآن في ليلة بمكة: طاف بالبيت سبعا، ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بالمئين، ثم طاف سبعا، ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بالمثاني، ثم طاف سبعا، ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بقية القرآن.
- وقال أبو الفرج الإسفراييني: كان الخطيب البغدادي معنا في الحج فكان يختم كل يوم قريب الغياب قراءة ترتيل، ثم يجتمع عليه الناس وهو راكب فيقولون: حدثنا، فيحدث.
التعليق: القوة في العبادة مطلوبة شرعا قال تعالى: (خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 63]، وقال تعالى: (خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا) [البقرة: 93]، وقال تعالى: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ) [الأعراف: 145]، وقال تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) [مريم: 12].
وتتأكد هذه القوة والعزم والحزم مع فضيلة الزمان والمكان وهو متوفر في هذه الشعيرة العظيمة «الحج»، وقد رأيت – أخي الحاج – كيف كانت عبادة سلفنا الصالح في الحج وقوتهم في ذلك لأنهم يستشعرون عظمة الزمان والمكان، وأن الحسنات تضاعف، والعبادة فيه أفضل من غيره، وقد وقف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة يدعو الله عز وجل من زوال الشمس إلى غروبها مبتهلا بالذكر والدعاء والإنابة والخشوع، رافعا يديه حتى إنه سقط زمام راحلته فأمسكه بإحدى يديه وهو رافع الأخرى، ولم يمل ولم يتعب من طول القيام والدعاء.. إنها القوة في العبادة، واللذة في المناجاة!.
ومما يلفت النظر أن بعض الحجاج لا يراعي حرمة الزمان والمكان، ولا يستشعر أنه خرج من بيته وأهله وماله وبلده للحصول على الأجر والثواب، ولا يفرق بين كونه محرما أو غير محرم، فتراه يقضي وقته في قيل وقال، وقصص وفكاهات، وربما تناولوا فلانا وفلانا بالغيبة والسخرية، وربما أشغلهم الشيطان بالحديث عن أمور الدنيا والإغراق في ذلك والجدال والخصام، وربما حصل تبادل السباب بينهم، ولا شك أن من لم يشغل نفسه بالطاعة شغلته بالمعصية.
فما أحسن أن يعاهد الحاج نفسه من أول لحظة على القوة في العبادة ومجاهدة النفس على ذلك عسى أن يكون من المقبولين المقربين!.
قال ابن رجب: «وقد كان السلف يواظبون في الحج على نوافل الصلاة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب على قيام الليل على راحلته في أسفاره كلها ويوتر عليها – ثم ذكر بعض الآثار المذكورة سابقا وقال: - سلام الله على تلك الأرواح، رحمة الله على تلك الأشباح، ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل: نزلوا بمكة في قبائل هاشم *** ونزلت بالبيداء أبعد منزل». قال ابن مفلح: «بات عند الإمام أحمد رجل فوضع عنده ماء، قال الرجل: فلم أقم بالليل، ولم أستعمل الماء، فلما أصبحت قال لي: لم لا تستعمل الماء؟ فاستحييت وسكت، فقال: سبحان الله! سبحان الله! ما سمعت بصاحب حديث لا يقوم بالليل. وجرت هذه القصة معه لرجل آخر فقال: أنا مسافر، قال: وإن كنت مسافرا، حج مسروق فما نام إلا ساجدا، قال الشيخ تقي الدين: فيه أنه يكره لأهل العلم ترك قيام الليل، وإن كانوا مسافرين».
فيا حجاج بيت الله حجوا كما حج الصالحون، واجتهدوا في العبادة، وأنواع الطاعات فإنما هي أيام يسيرة يوشك أن تنقضي، وربما لا يتيسر لك – أخي الحاج – تكرارها..