عرض مشاركة واحدة
قديم 22-09-2015   #2


طالبة العلم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1561
 تاريخ التسجيل :  20 - 06 - 2014
 أخر زيارة : 15-06-2023 (11:13 AM)
 المشاركات : 24,997 [ + ]
 التقييم :  17
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Green
رد: هكذا حج الصالحون والصالحات



( 1 ) أعظم ما يلمس من هذه الآثار الواردة عن الصالحين في الحج
أعظم ما نلمس في هذه الآثار الواردة في الحج:
أ- عناية السلف بالتوحيد... ونبذ الشرك: نعم لا فائدة من حج لا يقوم على التوحيد.. ونبذ الشرك.. وفي كتاب الله «سورة الحج»، كلها تتحدث عن التوحيد والعبادة، ونبذ الشرك بجميع صوره، وتنعى على أولئك الذين يعبدون غير الله تعالى، أو يدعون من دونه ما لا يضرهم، ولا ينفعهم، بل يدعون من ضره أقرب من نفعه.
إن من يقول - وهو متلبس بشعيرة من أعظم الشرائع - «مدد يا رسول الله» أو «مدد يا علي».. أو يذبح لغير الله، ويتوسل بالأولياء والصالحين.. ويدعوهم من دون الله.. لم يستشعر أن الحج شرع في الأصل لتوحيد الله عز وجل قال تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [الحج: 26].
ففي هذه الآية الكريمة «يذكر تعالى عظمة البيت الحرام وجلاله، وعظمة بانيه وهو خليل الرحمن، فقال: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ) أي هيأناه له، وأنزلناه إياه، وجعل قسما من ذريته من سكانه، وأمره الله ببنيانه، فبناه على تقوى الله، وأسسه على طاعة الله، وبناه هو وابنه إسماعيل، وأمره أن لا يشرك به شيئا، بأن يخلص لله أعماله، ويبنيه على اسم الله (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) أي من الشرك والمعاصي، ومن الأنجاس والأدناس وإضافة الحرم إلى نفسه لشرفه وفضله، ولتعظم محبته في القلوب، وتنصب إليه الأفئدة من كل جانب، وليكون أعظم لتطهيره وتعظيمه، لكونه بين الرب (لِلطَّائِفِينَ) به والعاكفين عنده المقيمين لعبادة من العبادات من ذكر وقراءة وتعلم علم وتعليمه، وغير ذلك من أنواع القرب (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) أي: المصلين، أي: طهره لهؤلاء الفضلاء الذين همهم طاعة مولاهم، وخدمته والتقرب إليه عند بيته، فهؤلاء لهم الحق ولهم الإكرام، ومن إكرامهم تطهير البيت لأجلهم، ويدخل في تطهيره تطهيره من الأصوات اللاغية والمرتفعة التي تشوش المتعبدين بالصلاة والطواف، وقدم الطواف – في هذه الآية – على الاعتكاف والصلاة لاختصاصه بهذا البيت، ثم الاعتكاف لاختصاصه بجنس المساجد».
فلتوحيد أقيم هذا البيت منذ أول لحظة عرف الله مكانه لإبراهيم صلى الله عليه وسلم وأمره أن يقيمه على هذا الأساس: ألا تشرك بي شيئا.
وقال تعالى في سياق آيات الحج (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) [الحج: 31].
ففي هذه الآية الأمر بأن نكون «(حُنَفَاءَ لِلَّهِ) أي: مقبلين عليه وعلى عبادته معرضين عما سواه (غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ) فمثله (فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ) أي: سقط منها (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ) بسرعة (أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) أي: بعيد، كذلك المشركون، فالإيمان بمنزلة السماء محفوظة مرفوعة، ومن ترك الإيمان بمنزلة الساقط من السماء عرضة للآفات والبليات، فإما أن تخطفه الطير فتقطعه أعضاءه، كذلك المشرك إذا ترك الاعتصام بالإيمان تخطفته الشياطين من كل جانب ومزقوه وأذهبوا عليه دينه ودنياه. وإما أن تأخذه عاصفة شديدة من الريح فتعلوا به في طبقات الجو فتقذفه بعد أن تنقطع أعضاؤه في مكان بعيد جدا».
وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «فأهل بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك». فسمى جابر التلبية توحيدا لأنها تضمنت التوحيد والإخلاص، فالحاج يعلن التوحيد من أول لحظة يدخل فيها في النسك، ولا يزال يلبي بالتوحيد، وينتقل من عمل إلى عمل بالتوحيد، وفي هذا تربية النفس على توحيد الله والإخلاص له.
في موسم الحج تبرز عقيدة البراء من أهل الشرك والكفر فلا يجوز أن يدخلوا منطقة الحرم في كل وقت مهما كان المقصد قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 28].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه يبعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس: ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
ومما يشرع في يوم عرفة الإكثار من شهادة التوحيد بإخلاص وصدق ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير».
وقد أخرج ابن وضاح في كتابه «البدع» عن المعرور بن سويد قال: خرجنا حجاجا مع عمر بن الخطاب فعرض لنا في بعض الطريق مسجد فابتدره الناس يصلون فيه، فقال عمر: ما شأنهم؟ فقالوا: هذا مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: أيها الناس إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم مثل هذا حتى أحدثوها بيعا، فمن عرضت له فيه صلاة فليصل، ومن لم تعرض له فيه صلاة فليمض.
وفي رواية عن المعرور بن سويد قال: خرجنا مع عمر في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) و(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ) فلما قضى حجه ورجع رأى الناس يبتدرون! فقال: ما هذا؟ فقالوا: مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هكذا هلك أهل الكتاب اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا، من عرضت له منكم فيه الصلاة فليصل، ومن لم تعرض له منكم فيه الصلاة فلا يصل. وإسناد الأثر صحيح.
فتأمل كيف سد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب طرق الشرك، تحقيقا للتوحيد وحماية لجنابه، فأنكر التبرك بالأماكن التي لم يدل الشرع على فضلها وحرمتها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «المتابعة أن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعل: فإذا فعل فعلا على وجه العبادة شرع لنا أن نفعله على وجه العبادة، وإذا قصد تخصيص مكان أو زمان بالعبادة خصصناه بذلك كما كان يقصد أن يطوف حول الكعبة، وأن يلتمس الحجر الأسود، وأن يصلي خلف المقام، وكان يتحرى الصلاة خلف أسطوانة مسجد المدينة، وقصد الصعود على الصفا والمروة والدعاء والذكر هناك، وكذلك عرفة ومزدلفة وغيرهما.
وأما ما فعله بحكم الاتفاق ولم يقصده مثل أن ينزل بمكان ويصلي فيه لكونه نزله قاصدا لتخصيصه به بالصلاة والنزول فيه، فإذا قصدنا تخصيص ذلك المكان بالصلاة فيه أو النزول لم نكن متبعين بل هذا من البدع التي كان ينهى عنها عمر بن الخطاب كما ثبت بالإسناد الصحيح من حديث شعبة، عن سليمان التيمي، عن المعرور بن سويد قال: كان عمر بن الخطاب في سفر فصلى الغداة، ثم أتى على مكان، فجعل الناس يأتونه فيقولون: صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: إنما هلك أهل الكتاب أنهم اتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعا، فمن عرضت له الصلاة فليصل و إلا فليمض. فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد تخصيصه بالصلاة فيه بل صلى فيه لأنه موضع نزوله رأى عمر أن مشاركته في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب التي هلكوا بها، ونهى المسلمين عن التشبه بهم في ذلك، ففاعل ذلك متشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في الصورة، ومتشبه باليهود والنصارى في القصد الذي هو عمل القلب، وهذا هو الأصل فإن المتابعة في السنة أبلغ من المتابعة في صورة العمل».
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في «شرحه لحديث جابر بن عبد الله في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم» – وهو شرح نفيس جدير بالقراءة – قال: «لا يشرع صعود الجبل – جبل عرفة – ولا الصلاة فيه، ولا الصلاة عنده، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، والأصل في العبادات التوقيف حتى يقوم دليل على مشروعيتها، وبه نعرف ضلال كثير من الناس الذين يقصدون الجبل ويصعدون عليه ويصلون، وربما يضعون الحجارة بعضها على بعض لتكون علما، وربما يعلقون الخرق، ويكتبون الأوراق لإثبات أنهما بلغوا هذا المكان، وكل هذا من البدع».
ومما نلمس في هذه الآثار أيضا:
ب- تعظيم السلف لحرمات الله: عن مجاهد أن عبد الله بن عمرو كان له فسطاطان أحدهما في الحرم والآخر في الحل؛ فإذا أراد أن يصلي صلى في الذي في الحرم، وإذا كانت له الحاجة إلى أهله جاء إلى الذي في الحل فقيل له في ذلك فقال: إن مكة مكة.
- وعن طلق بن حبيب قال: قال عمر: يا أهل مكة اتقوا الله في حرم الله! أتدرون من كان ساكن هذا البيت؟ كان به بنو فلان فأحلوا حرمته فهلكوا، وكان به بنو فلان فأحلوا حرمته فهلكوا، حتى ذكر ما شاء الله من قبائل العرب أن يذكر ثم قال: لأن أعمل عشر خطايا بغيره أحب إلي من أن أعمل واحدة بمكة.
- وقال سفيان بن عيينة: حج علي بن الحسين رضي الله عنهما فلما أحرم واستوت به راحلته اصفر لونه وانتفض ووقعت عليه الرعدة ولم يستطع أن يلبي، فقيل له: لم لا تلبي؟ فقال: أخشى أن يقال لي: لا لبيك ولا سعديك. فلما لبى غشي عليه ووقع عن راحلته، فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه.
- وقال مالك بن أنس: ولقد أحرم علي بن الحسين فلما أراد أن يقول: لبيك، قالها فأغمي عليه حتى سقط من ناقته فهشم، ولقد بلغني أنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات، وكان يسمى بالمدينة «زين العابدين» لعبادته.
وهذا التعظيم امتثال لأمر الله عز وجل في قوله في سياق آيات الحج: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) [الحج: 30]، وقوله (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].
فتعظيم حرمات الله «من الأمور المحبوبة لله، المقربة إليه التي من عظمها وأجلها أثابه الله ثوابا جزيلا، وكانت خيرا له في دينه ودنياه وأخراه عند ربه، و حرمات الله: كل ماله حرمة وأمر باحترامه من عبادة أو غيرها كالمناسك كلها وكالحرم والإحرام وكالهدايا وكالعبادات التي أمر الله العباد بالقيام بها، فتعظيمها يكون إجلالها بالقلب، ومحبتها، وتكميل العبودية فيها غير متهاون ولا متكاسل ولا متثاقل».
فهل عظم حرمات الله من واقعها؟ ! وفي الحج أيضًا!! كم نرى في الحج من أخلاق وأفعال لو صدرت من غير الحاج لاستنكرت فكيف بالحاج؟ !...
إنه يجب على الحاج أن يراعي حرمة الزمان والمكان فيجتنب ما حرم الله عليه من المحرمات العامة من الفسوق بجميع أنواعه من كذب وغش وخيانة وغيبة ونميمة واستهزاء، ويجتنب الاستماع إلى المعازف والأغاني المحرمة، وشرب الدخان والتصوير وحلق اللحى وغير ذلك مما ينافي تعظين حرمات الله عز وجل ويلهي الحاج عن إكمال هذه الشعيرة العظيمة.
وليعلم الحاج أن المعصية منه أعظم إثما من المعصية من غيره، ويخشى ألا يرجع من ذنوبه كما ولدته أمه كما صرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه».. وهل هناك أعظم من هذه الخسارة؟ !! نسأل الله السلامة والعافية. وقال تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج: 25].
قال الإمام الحافظ أبو جعفر الطبري في تفسيره: «وأولى الأقوال التي ذكرناه في تأويل ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن ابن مسعود وابن عباس، من أنه معني بالظلم في هذا الموضع: كل معصية لله، وذلك أن الله عمّ بقوله: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ) ولم يخصص به ظلما دون ظلم في خبر ولا عقل، فهو على عمومه. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: ومن يرد في المسجد الحرام بأن يميل بظلم، فيعصى الله فيه، نذقه يوم القيامة من عذاب موجع له».
قال الإمام الشنقيطي: «والإلحاد في اللغة أصله الميل، والمراد بالإلحاد في الآية: أن يميل ويحيد عن دين الله الذي شرعه، ويعم ذلك كل ميل وحيدة عن الدين، ويدخل في ذلك دخولا أوليا الكفر بالله، والشرك به في الحرم، وفعل شيء مما حرمه، وترك شيء مما أوجبه ومن أعظم ذلك انتهاك حرمات الحرم، وقال بعض أهل العلم: يدخل في ذلك قول الرجل لا والله، وبلى والله... قال مقيده – عفا الله عنه وغفر له -: الذي يظهر في هذه المسألة أن كل مخالفة بترك واجب أو فعل محرم تدخل في الظلم المذكور، وأما الجائزات كعتاب الرجل امرأته أو عبده فليس من الإلحاد ولا من الظلم.
مسألة: قال بعض أهل العلم: من هم أن يعمل سيئة في مكة أذاقه الله العذاب الأليم بسبب همّه بذلك، وإن لم يفعلها، بخلاف غير الحرم المكي من البقاع فلا يعاقب فيه الهم، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لو أن رجلا أراد بإلحاد فيه بظلم وهو بعدن أبين لأذاقه الله من العذاب الأليم، وهذا ثابت عن ابن مسعود ووقفه عليه أصح من رفعه، والذين قالوا هذا القول استدلوا به بظاهر قوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) لأنه تعالى رتب إذاقة العذاب الأليم على إرادة الإلحاد بالظلم فيه ترتيب الجزاء على شرطه، ويؤيد هذا قول بعض أهل العلم: إن الباء في قوله بإلحاد لأجل أن الإرادة مضمنة معنى الهمّ أي: ومن يهمم فيه بإلحاد، وعلى هذا الذي قاله ابن مسعود وغيره».
إنه ينبغي للإنسان أن يستحضر أنه في مجيئه إلى مكة وإحرامه أنه إنما يفعل ذلك تلبية لدعاء الله، قال الله تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) فالأذان بأمر الله يعد أذانا من الله، فينبغي للمسلم أن يعظم حرمات الله.
وأنبه أن على الحاج خصوصا أن يجتنب محظورات الإحرام، وهي ثلاثة أقسام:
القسم الأول: عام للرجال والنساء: وهو حلق الشعر وتقليم الأظفار، والطيب، والمباشرة لشهوة، والجماع – وهو أعظم محظورات الإحرام، ومفسد للنسك، وموجب للفدية -، ولبس القفازين، وقتل الصيد البري الوحشي المأكول، والدلالة عليه، والإعانة على قتله، وعقد النكاح. أما قطع الشجر، فإنه ليس من محظورات الإحرام، ولكنه حرام في الحرم للحاج، وللمعتمر، ولغيرهما.
القسم الثاني: ما يخص الرجال: فهو ليس المخيط، وتغطية الرأس.
القسم الثالث: ما يخص النساء: فهو النقاب الذي فصل على الوجه، وجعل فيه نقب للعينين أو لأحدهما.
ومما نلمس في هذه الآثار أيضا:
ج- حرص السلف على متابعة النبي صلى الله عليه وسلم والإقتداء به: تأصل في نفوس سلفنا الصالح أن أي قول أو عمل لا يقبل إلا بشرطين: الأول: الإخلاص لله عز وجل، والثاني: المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم فظهر أثر هذين الشرطين في جميع أعمالهم ومن هذه الأعمال الحج، وقد نقلت عنهم آثار وأخبار كثيرة يتجلى فيها شدة المتابعة والعناية بذلك.
فمن الآثار الواردة في ذلك:
- عن سالم بن عبد الله أن أباه حدثه قال: قبل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال: أما والله لقد علمت أنك حجر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
- وحديث سالم بن عبد الله قال: كتب عبد الملك إلى الحجاج أن لا يخالف ابن عمر في الحج فجاء ابن عمر رضي الله عنهما وأنا معه يوم عرفة حين زالت الشمس، فصاح عند سرادق الحجاج فخرج وعليه ملحفة معصفرة فقال: ما لك يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: الرواح إن كنت تريد السنة قال: هذه الساعة! قال: نعم، قال: فأنظرني حتى أفيض على رأسي ثم أخرج، فنزل حتى خرج الحجاج، فسار بيني وبين أبي فقلت: إن كنت تريد السنة فاقصر الخطبة وعجل الوقوف!، فجعل ينظر إلى عبد الله، فلما رأى ذلك عبد الله قال: صدق.
- وحديث شعبة قال: أخبرنا أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي قال: تمتعت فنهاني ناس، فسألت ابن عباس رضي الله عنهما فأمرني، فرأيت في المنام كأن رجلا يقول لي: حج مبرور وعمرة متقبلة، فأخبرت ابن عباس فقال: سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: أقم عندي فأجعل لك سهما من مالي. قال شعبة: فقلت لم؟ فقال: للرؤيا التي رأيت.
والآثار الواردة في شدة متابعة السلف للرسول صلى الله عليه وسلم في مناسك الحج – وفي غيره من شرائع الدين – كثيرة، ومنثورة في كتب السنة والحديث، ولعل فيما تقدم كفاية.