عرض مشاركة واحدة
قديم 15-10-2017   #76
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم



كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم

الأسلوب الأخير : الجُمل الموسيقية


الموسيقا في القرآن حركة متناغمة ، تتولّد عن التناسق في الجمل ، والفواصل القرآنية ، فتتحرك لها القلوب ، وتطرب لها الجوارح ، فتؤلف مع المعنى تساوقاً تهتز له النفوس الواعية فهماً وتآلفاً ، والنفوس العاديّة تآلفاً فقط . .
فالسورة القصيرة تتجلّى فيها الجمل الصغيرة التي تمتاز بما يلي :
1 ـ الوزن الواحد أو المتقارب .
2 ـ القافية الواحدة أو المنسجمة (كالميم والنون ) .
3 ـ الحروف المتقاربة همساً ، وجهراً وقلقلة ، وصفيراً . . وتكراراً ، وليناً .

ـ فالمثال على الميزة الأولى سورة الأعلى في قوله :
{ سَــبِّــحِ اسْــمَ رَبِّــكَ الْأَعْـــلَــى (1) الَّــــذِي خَــــلَـــقَ فَـسَــوَّى (2)
وَالَّـــذِي قَـــدَّرَ فَــهَــدَى (3) وَالَّـذِي أَخْـــرَجَ الْــمَـــرْعَــى (4)} ،
{ وَنُــيَــسِّــرُكَ لِلْــيُــسْــرَى ( 8 ) فَـذَكِّـرْ إِنْ نَـفَعَتِ الذِّكْرَى (9) }
{ سَـيَـذَّكَّـرُ مَـنْ يَـخْـشَـى (10) وَيَـتَــجَـنَّـبُــهَـا الْأَشْـقَـى (11)}
وكذلك سورة الغاشية :
{ وُجُــوهٌ يَــوْمَــئِــذٍ نَــاعِــمَــةٌ ( 8 ) لِــــــسَــعْــيِــــــهَــا رَاضـــــــِيَــــةٌ (9)
فِــي جَــنَّــةٍ عَــالــِيَــةٍ (10) لَا تَــسْـــمَــعُ فِـــيــهَــا لَاغِـــيَـــةً (11)
فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12)
{ فِــيــهَــا سُــرُرٌ مَــرْفُــوعَــةٌ (13) وَأَكْــــــــوَابٌ مَــــوْضُــــوعَـةٌ (14)
وَنَــمَــارِقُ مَــصْــفُــوفَـــةٌ (15) وَزَرَابِـــــيُّ مَـــــبْـــثُـــوثَـــةٌ (16)}
{ أَفَلَا يَنْظُرُونَ
إِلَـى الْإِبِـلِ كَــيْــفَ خُـلِـقَـتْ (17) وَإِلَى السَّـمَـاءِ كَـيْـفَ رُفِـعَتْ (18)
وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) }
{ فَــذَكِّــرْ إِنَّــمَا أَنْــتَ مُــذَكِّــرٌ (21) لَـسْـتَ عَــلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)
إِلَّا مَــنْ تَـوَلَّى وَكَـفَـرَ (23) فَـيُــعَـذِّبُــهُ اللَّهُ الْــعَـذَابَ الْأَكْــبَــرَ (24)
إِنَّ إِلَـيْــنَــا إِيَـابَــهُــمْ (25) ثُــمَّ إِنَّ عَــلَــيْــنَــا حِــسَابَهُمْ (26)}

ـ والمثال على الميزة الثانية ، سورة الإخلاص التي تنتهي فاصلاتها بحرف واحد هو الدال ، وهو حرف متفجر شديد ، فيه قلقلة كبرى .
وسورة الناس ، التي تنتهي بحرف السين في كل آياتها وهو حرف همس ، فيه صفير متقطع يوحى بالاستمرار لتعدده ، ويساعد على التنفيس .
وسورة الفلق التي تراوحت فاصلاتها بين القاف والباء والدال ، وهي من حروف القلقلة ، وفيها انفجار بعد احتباس ، جاءت أولاً بحرف القاف ، وهو حرف استعلاء يخرج من أعلى الحلق وآخره ، ثم حرف الباء من الشفة مع ملء الفم بالهواء ثم تفجيره ، ثم الدال يخرج من بين القواطع الأمامية ومقدمة اللسان ، وقد جاءت القاف وهي الأقوى أولاً ثم الباء وهي الأوسط في الانفجار والقوة ، ثم الدال . . ترتيب بديع . . .

ـ والمثال على الميزة الثالثة سورة التكاثر فيها الراء المتصفة بالتكرار وكأنها عجلة تدور ، وسورة العصر مثلها .
وسورة الفيل المنتهية كل آياتها بحرف اللام وهو حرف لَيِّنٌ يسبق حرف لين (مدّ) مما يوحي بكثرة الفيلة ، وشدة التضليل ، وكثافة الأبابيل من الطيور ، والحجارة المقذوفة ، والأثر الشديد الذي خلّفه الرمي في { مأكول } .
وسورة الهُمَزَة تتقارب فيها مخارج حروف الفاصلة . فالزاي والدال والميم مخارجها إما من الشفة أو قريباً من مقدّمة الفم ، وتتراوح بين صفير الزاي ، ودمدمة الميم ، وقلقلة الدال .
وسورة الماعون فيها حرف الشين المعروف بالتشفي في كلمتي قريش ، الشتاء ، كما أن فاصلتها تتراوح بين التاء والفاء ، وهما حرفا رخاوة وهمس .
فإذا جئنا إلى السور المتوسطة فإنها لا تقل موسيقية عن السورة الصغيرة ففيها يشيع القسم ، والتناسق في الوزن وحجم السورة ، وأحياناً وحدة الفاصلة كقوله تعالى في سورة الذاريات :
{ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ ( 8 ) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)} .
وقوله تعالى في سورة الطور: { وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ ( 8 ) يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10)} .
ففي هذه الآيات فواصل متشابهة وأوزان متقاربة أو واحدة ، مما يولد الموسيقا الداخلية في وجدان السامع ، فينفعل مع الكلمات وزناً ومعنى وهذا أسلوب من أساليب التعليم التي بدأ العلماء يتحدثون فيها ، وقد سبق القرآن إلى ذلك بأكثر من قرون وآباد .
وسورة الشعراء مثال صارخ على توافق أوزان الجمل وعلى تقارب الفاصلة ، فالسورة على ضخامة عدد آياتها (227) آية تجد الفاصلة فيها تتراوح بين النون والميم ، وهما حرفا إذلاق وتوسط في الرخاوة .
أما السور الكبيرة الطوال : فمثالها سورة الأعراف التي تجد فاصلتها تترواح بين النون وهو الأكثر والميم .
ولا نغوص كثيراً فيها إلا أننا نقف بك على أواخر سورة البقرة من الآية 282 إلى آخر السورة ، فإنك تستطيع أن تقف عند كل معنى من آية الدين مثال ذلك :
{ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا
وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ
ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ
وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ
وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا
. . . } وهكذا دون أن تشعر بانقطاع المعنى وتلمس موسيقا واضحة تنبع من الداخل .

واقرأ الآية الأخيرة من سورة البقرة لتلمح بوضوح الموسيقا الداخلية :
{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
لَهَا مَا كَسَبَتْ ، وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ
رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا ، إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا
}.
{ .... وَاعْفُ عَنَّا ، وَاغْفِرْ لَنَا ، وَارْحَمْنَا أَنْتَ ... } .
فأنت تلاحظ تقطيعاً عروضياً والعروض موسيقا صدحت ـ من خلاله ـ شعراء العرب ، فكان الشعر بحق ـ كما قال الفاروق عمر رضي الله عنه ـ ديوان العرب ، ووصل إلينا من شعرهم أضعافُ أضعافِ ما وصل من نثرهم فالشعر موسيقا ، والنثر ليس كذلك .
وأنت تقرأ القرآن تجد بعض أوزان الشعر ، وليس القرآن بالشعر ولكنّه نسيج وحده إنما فيه هذه الأوزان التي تجعلنا نتنغّم بها كما نتنغّم ببيت من الشعر .

ـ لاحظ معي هذه الآية 15 من سورة العلق :
{ كَلَّا ــ لَئِنْ ــ لَمْ ــ يَنْتَهِ ــ لَنَسْفَعَنْ ــ بِالنَّاصِيَةِ }
/5/5 ــ //5 ــ /5 ــ /5//5 ــ //5//5 ــ /5/5//5
مــســتَــفْــعِــلُـــن مــســتـــفـــعـــلـــن مُـتَـفْـعِـلُـن مـسـتـفـعـلـن
فهذا من مجزوء الرجز ، ولكنّه جاء في جزء من آيه .


ـ ولاحظ كذلك هذه الآيات من سورة المسد :
{ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)
مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)} فالوزن فيها واضح تماماً .

ـ واقرأ متمماً معي هذه الآية من سورة العلق :
{ نَاصِيَةٍ ــ كَاذِبَةٍ ــ خَاطِئَةٍ (16)}
/5///5 ــ /5///5 ــ /5///5
فاعِلَتُن ــ فاعِلَتُن ــ فاعِلَتُن

ومن الموسيقا في القرآن الكريم ظاهرة التكرار :
أ ـ { فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } في سورة الرحمن .
ب ـ { الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)}(الحاقة) ،
{ الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3)}(القارعة) وأمثالهما كثير .
جـ ـ تكرار بعض الآيات كقوله تعالى : { سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81)} (سورة الصافات ، الآيات : 79 ـ 81 ، وفي مدح إبراهيم 109 ـ 11 ، وفي مدح موسى وهارون 120 ـ 122 ، وفي مدح آل ياسين 130 ـ 132 ويمكن العودة إلى ظاهرة التكرار في هذا البحث لتعيش موسيقاه المعبرة .

ولو كنتَ ذا أذن موسيقية لرأيت في القرآن الكريم من هذا المنوال كمّاً هائلاً وموسيقا رائعة، فكن من الذين يتدبرون القرآن بكل أحواله تجد العجب العجاب .

ـ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

يتبع:خاتمة الموضوع





 

رد مع اقتباس