عرض مشاركة واحدة
قديم 15-10-2017   #71
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم




التدرج في التربية أسلوب يدلُّ على حكمة صاحبه ، وقدرته على التلطف في مخاطبة العقول والأفهام ، فينتقل من فكرة إلى فكرة ، معتمداً على المحاكمة العقلية ، والحجة المقنعة ، والبرهان الواضح .
والإنسان يحمل أفكاراً يؤمن بها ـ ولو كانت باطلة ـ ويعتقد بصحتها ـ وإن كانت زائفة ـ فإذا جبهْتَـَهُ بخطئه أنكر دون وعي ، ودافع دون هوادة ، وهاجم دون بيّنة واتخذ منك عدواً يجب قراعه ومصاولته ، وبذلك ينقطع حبل الوصال بينك وبينه ، فلا تصل معه إلى نتيجة .
وكثير من الناس يعيشون في أرض مليئة بالهوام السامة ، وهو معرّضون للدغة ثعبان أو لسعة عقرب . . فماذا يفعلون . . إنهم يستقون السمَّ لتصبح أجسادهم معتادة عليهم ، فتتحمّل أذى تلك الحشرات . ولكنهم حين يتناولون هذا السمَّ يأخذونه أولاً جرعات خفيفة ، ثم يزيدونها إلى قدر معلوم . . ولو أخذوه دفعة واحدة لماتوا سريعاً ، فقضوا على أنفسهم قبل أن تقضي عليهم سموم الحشرات والحيوانات . . .
والقرآن الكريم سجّل لنا كثيراً من وقائع هذا الأسلوب الحكيم .

ـ فهذا سيدنا إبراهيم أراه الله تعالى مرة بعد مرَّة جمالَ خلق السموات ، والأرض ، من بديع النظام وغريب الصنع ، وجلّى له بواطن أمورها وظواهرها ليزداد يقينه بالله تعالى حين يعرف سنته في خلقه وآياته الدالة على ربوبيته ، ليقيم بها الحجة على المشركين الضالين .
وأراد سيدنا إبراهيم أن يزيل الغشاوة عن عيون قومه ، والران عن قلوبهم ، فيعبدون الله وحده ، وينبذون الآلهة المزعومة الأخرى ، فرآهم يعبدون كوكب المشتري الذي لا يضرُّ ولا ينفع ، فقال مثلما يقولون : هذا ربّي وهو موقن أنّه ليس رباً ، لكنّه يريد أن يستدرجهم لسماع حجته على بطلان عبوديتهم لهذا الكوكب ، فأوهمهم أنه موافق لهم ـ على زعمهم ـ فلما غاب هذا الكوكب نقض ربوبيّته ، فما ينبغي لإله أن يغيب عن عبيده ، فغيابه نقص فيه ، وضعف شديد . وسيبحث العباد عن إله غيره يبقى معهم ويرعاهم ، لكنّه لم يقل ابتداء : إن هذا ليس إلهاً لأنه أراد أن يعرّض بجهل قومه دون أن يستفزّهم ، وينبههم إلى ما غاب عنهم من تفكير صحيح وتقدير سليم دون أن يحرّك مشاعر العداء نحوه ، فقال : لا أحبُّ الآفلين . .
وبهذا رمى بذرة الشك في نفوسهم . . . وقوله عليه السلام صحيح ، فالإله الذي يحتجب لا يدري شيئاً من أمر عباده .
ثم انتقل في الليلة التالية إلى القمر ، فضوءه أسطع ، وحجمه حسب ما يرونه أكبر فهو على هذا الأساس أحقُّ أن يعبد . . فلما أفل هذا أيضاً قال إبراهيم مُسمعاً مَنْ حوله من قومه : لئن لم يهدني ربي ويوفقني لإصابة الحقِّ في توحيده فلسوف أكون كبقية الناس ضالاً بعيداً عن عبادة الله الحق . وهذا تعريض يقرب من التصريح بضلال قومه ، فالناس الليلة الماضية أنِسوا بقدحه في الإله الأوّل وتعريضه به ، وما عرَّض إبراهيم عليه السلام هذه الليلة بضلالهم إلا بعد أن وثق بإصغائهم إلى تمام المقصود واستماعهم إلى آخره ، وازدادت بذرة الشك نموّاً في نفوسهم ، فالإله الغائب لا يدري حقاً بما يحل بعباده ، بل إنّه أصلاً ليس إلهاً .
وحين بزغت الشمس وملأ ضوؤها المكان وخرج الناس إلى أعمالهم ، وامتلأت الطرقات بالناس ، والحقول بالمزارعين ، قال إبراهيم مشيراً إليها : الذي أراه الآن ربي أليس كذلك ، إنه أكبر من النجم والقمر ، وأشدُّ تأثيراً .
قال هذا يجاريهم حتى يستأصل بعد ذلك الإشراك من نفوسهم . . فلما غابت كعادتها قال كلمته التي يريدها دون أن يخاف ردّة فعلهم الشديدة ، فغياب الشمس أشدُّ وحشة من غياب المشتري والقمر ، فالظلمة بعد النور الساطع أشدُّ وأقسى من الظلمة بعد الضوء الخفيف . قال : يا قوم إني بريء مما تشركون .
ألا ترون أنه حاور وداور وتلطف في القول ، وأرخى لخصمه العِنان حتى وصل إلى ما أراد بألطف وجه ، وأحسن طريق ، متبرئاً من تلك المعبودات التي جعلوها أرباباً وآلهة مع الله ..
وبعد أن تبرّأ من معبوداتهم وترك في نفوسهم الشك فيها ، أعلن اتجاهه إلى الله تعالى وحده، ثم تبرّأ من المشركين أنفسهم .
قال تعالى : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)}(الأنعام) .

ـ وهؤلاء إخوة يوسف أرادوا أن يقنعوا أباهم أن الذئب أكله ، وحسبهم أنه إذا لم يقتنع فسوف يرضى بالأمر الواقع ، والزمن كفيل أن ينسي الأبَ ابنه الحبيب فماذا فعلوا ؟ وكيف خططوا ؟ :
1 ـ جاءوا أباهم في الليل . . والليل يستر النظرات الكاذبة والحركات المصطنعة .
2 ـ تصنّعوا البكاء منذ دخلوا الدار وسمع أبوهم حركاتِهم وأصواتـَهم ، فدخل في روعه أن هناك مصيبة حصلت ، وأن عليه أن يتجمَّل لها .
3 ـ فلما دخلوا عليه هكذا ، ورأوا منه تلهفاً ولم يجد يوسف بينهم تحببوا إليه بقولهم :{ يا أبانا } ، وهذه كلمة سحرية تستدر عطف الآباء ومغفرتهم لأبنائهم .
4 ـ لم يرموا بالخبر فوراً إنما بدأوا بمقدمات توصل إلى المقصود ، فقد ذهبوا يستبقون ، ونيّتُهم سليمة تجاه أخيهم ، وباعتباره صغيراً فقد تركوه عند متاعهم يحرسها ، وجاء ذئب فأكله . ولما كنا بعيدين لم نسمع استغاثته وصراخه .
5 ـ فلما ألقوا إليه بالخبر أرادوا أن يقطعوا الشك باليقين فقالوا مؤكدين صدقهم مستَبِقين اعتراضه ، ونحن نعلم أنك لا تصدّقنا ولو كنا عندك صادقين ، فكيف وأنت تتهمنا في ذلك ؟ ولك العذر في هذا لغرابة ما وقع ، وعجيب ما اتفق لنا في ذلك الأمر .
ولما أرادوا أن يزيدوا ما فعلوه حبكة وتأييداً وقعوا في مأزق فضحهم وكشف كذبهم وادعاءهم .
فقميصه ملطخ بدمٍ لم يتغلغل في كل قطعة منه ، وكأن الذئب كان مؤدباً عاقلاً ، فجعله يخلع قميصه قبل أن يأكله ، فلم يتمزّق كي يُنتفع به ، فعلم الوالد أنها مؤامرة وصرّح لهم بذلك ، ثم وكل أمره إلى الله .
قال تعالى : { وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ..}(يوسف) .

ـ وهذا موسى عليه السلام يظن ـ لكونه نبيَّ عصره ـ أنه أعلم أهل الأرض في زمانه . فلما قيل له : إن الرجل الصالح ((الخضر)) أكثر منه علماً أراد أن يلقاه فيتعلم منه ، إلا أن الخضر اعتذر إليه ، فلا يمكنه مصاحبته ، فهو سيقوم بأعمال يعترض عليها موسى لأن ظاهرها غير مقبول ، وليس الخضر مستعداً دائماً أن يشرح له ما يفعله . لكنَّ موسى أصرَّ على صحبته والاستفادة منه ، وتعهّد أنّه لن يعترض إلّا أن يشرح له الخضر نفسه في الوقت الذي يريد ، وأسقط في يد الرجل الصالح ، فاعتذاره لم يُجْدِ ، فموسى نبي الله ، ومن أولي العزم الكرام عليهم صلوات الله جميعاً وسلامه ، فانطلقا ، وركبا في السفينة ، وخرقها الخضر قبل أن ينزل ، فاعترض موسى على سوء العمل هذا ، فكيف نجزي أهل الخير شراً ؟!! ذكَّره الخضر قائلاً :
{ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا } ، أجابه موسى : { لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا } وحين قتل الخضرُ الولدَ اعترض موسى فهذا عمل منكر لا يفعله المسلم ، ذكّره الخضر ، فزاد { لك } في الجملة التالية .{ أَلَمْ أَقُلْ لك إنّك لن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا } أجابه موسى ، وقد شعر بالحرج هذه المرّة : { إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)}(الكهف) وحين دخلا قرية بخيلة لم تستضفهما أقام الخضر جداراً مائلاً كاد يقع فقال موسى : { لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا } وهنا كان من حقِّ الخضر أن يفارق موسى ، وعلى موسى أن يرضى الفراق لأنّه لم يستطع الالتزام بالسكوت . . فافترقا بعد أن قص الخضر عليه أسباب أفعاله السابقة . فكان التدرج عند الخضر في جوابه كل مرّة بما فيه من عتاب . وكان التدرج عند موسى في إيجاباته عقب كل حادثة بما فيه من إقرار(راجع سورة الكهف 66 ـ 82) .

ـ ويقول الله سبحانه وتعالى : { فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ..(4)}(محمد) .
فالجهاد الحربي يتطلّب قتالاً عنيفاً وخشونة وغلظة في التعامل مع العدو .
1 ـ وأول القتال ضرب يقطع الهامات ويقتل العدوَّ حيث كان فلا رحمة مع الأعداء الذين إن ظهروا علينا فلن يرحمونا . .
2 ـ فإذا انكشفت الأعداء وظهر الضعفُ فيهم وبدأوا الهرب أو الاستسلام وخضِّدَتْ شوكتهم فلا بأس من اتخاذ الأسرى ، فحربنا ليست لإبادة الناس ، إنما لإخضاعهم ، فيسمحوا لنا بنشر ديننا دون مضايقة .
3 ـ ويظل هؤلاء الأسرى في بلاد المسلمين حتى تنتهي المعركة وهنا يمكن لنا تسريح الأسرى حسبما يقتضي الأمر :
أ ـ فإما مبادلة أسرانا بأسراهم .
ب ـ إنْ لم يكن لنا أسرى عندهم أخذنا من بعضهم الفداء ، ومنَنَّا على الآخرين بحريتهم دون مقابل .
إذاً فالقتل أولاً لكل من يقف أمام جيش المسلمين ، ثم الاحتفاظ بالأسرى حتى الغلبة ، ثم فكاك الأسرى بطرق مختلفة . إنه تدرّج واضح ومنطقي .

ـ يقول الله سبحانه وتعالى :
{ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)}(الحجرات) .
والمؤمنون إخوة متراحمون لا يجوز القتال بينهم ، فإن حصل لأمرٍ ما فيجب :
أولاً : الإصلاح بين الطرفين .
ثانياً : قد يرفض أحد الطرفين الصلح ، ويرى نفسه صاحب حقٍّ ولا يرضى بحكم الأمير ، ويصرّ على القتال دونما حق .
ثالثاً : يكون المسلمون كلهم يداً واحدةً على الباغين ، ويقاتلونهم ليعودوا إلى الحق ويفيئوا إليه .
رابعاً : على الحاكم أن يعدل حينما يُصلح ، دون التأثر بإساءة من لم يعودوا إلى الحق إلا مرغمين .

ـ وحين هاجر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمؤمنون إلى المدينة ، وحصل بعد صلح الحديبية أنّ أمَّ كلثوم بنت عقبة بن معيط جاءت مهاجرة إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فخرج في إثرها أخواها عمارة والوليد يقولان للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ردّها علينا بالشرط . فقال : كان الشرط في الرجال لا في النساء . فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة موضحاً ما يجب على المسلمين أن يفعلوه مع النساء إن جئن مهاجرات :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)}(الممتحنة) .
انظر معي إلى التدرّج :
1 ـ جاءت المهاجرة فاستُحلِفَت أنها ما هاجرت بغضاً لزوجها ، ولا طمعاً في زوج أو دنيا ، وأنها ما خرجت إلا حباً لله ورسوله ، ورغبةً في دين الإسلام .
2 ـ إذا تحققتم من إيمانهنّ بعد امتحانهنّ فلا تردوهن إلى أزواجهن الكفار ، فلا تحل المرأة المؤمنة للمشرك ، ولا للمؤمن نكاح المشركة
3 ـ وحتى لا يجتمع على الرجل الكافر خسران الزوجة والمهر ، يُعطى مهرها الذي دفعه لها إذا أسلمت .
4 ـ للمسلم بعد ذلك أن يتزوجها بعد أن يدفع مهرها .

ـ ونقف عند هذه الآية الرائعة في المسامحة والمغفرة ، يقول الله تعالى :
{ . . . . وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)}(التغابن) .
العفوُ : أن تمتنع عن عقوبة من أساء دون أن تنسى الإساءة ، أو تتناساها .
الصفح : أن تمتنع عن عقوبة من أساء وتتناسى الإساءة دون أن تنساها .
المغفرة : أن تمتنع عن عقوبة من أساء ، وتنسى أنه أساء إليك .
وهذه مقامات لا يرتفع إليها إلا ذوو الفضل والإحسان .
فالعفو مطلوب ، وأحسن منه الصفح ، وأحسن منهما المغفرة ، نسأل الله أن يجعلنا أهلاً لعفوه وصفحه ومغفرته ، إنه سميع الدعاء .

ـ وأخيراً نتأمّلُ الطريقة الحكيمة في تدرج تحريم الخمر .
فقد كان الجاهليون يعتبرون شربها من صفات الوجاهة التي تدلُّ على غنى مَنْ شربها وعلوِّ كعبه وكانوا يصرّحون بشربها .
فهذا طرفة يجعلها من أسباب رغبته في العيش فيقول :
ولــولا ثـلاث هـنَّ مـن عـيـشـة الـفـتـى * وجـدّك لـم أحـفَـل مــتـى قــام عــوّدي
فـمـنـهــن سـبــقـي الـعـاذلات بــشـربـة * كُـمَـيْـتٍ مـتـى مـا تُـعلَ بـالـمـاءِ تُـزبِـد
وهذا عنترة يفخر أنّه يشربها ويتلذذ بها ، ويستهلك ماله فيها دون أن يتعتعه السكر ويفقد وعيه :
فـإذا شـربـتُ فـإنـنـي مـسـتـهـلـك * مـالـي ، وعـرضـي وافـر لـم يَـكـلَـمِ
فلما جاء الإسلام ورأى تعلُّقَ العرب بها حرّمها على فترات .
فلما عرف المسلمون أن الخمر لا تليق بالمسلم الحقّ سألوا عن مكانها في عالم المسلمين ، لكنَّ القرآن أقرّ أنّ غالبيّة مَنْ أسلم يصعب عليهم تركها ابتداءً، فكان الجواب : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا..(219)}(البقرة) . والمسلم مثال الاتزان ـ هكذا يجب أن يكون ـ فالأحرى به أن يتخفف منها لا سيّما أن الإثم أكبر من النفع ، فكانت هذه الخطوة الأولى . .
ثم جاءت الخطوة الثانية ، فالصلاة خشوع وفهم وتدبّر لما تقرأ ، ووقوف بين يدي الله تعالى ، والخمر تذهب الفكر والعقل ، فهل يليق بالمسلم أن يقف بين يدي الله سبحانه يصلي ولا يعرف ما يقول ؟! لا بدَّ من تجنبها في أوقات الصلاة ، فما عاد راغبها يشربها إلا بعد صلاة الفجر وصلاة العشاء فهناك متسع بعد هاتين الصلاتين وهكذا انحصر تعاطيها .
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ...(43)}(النساء) .
وحين يريد المسلم أن يصلي صلاة الفجر أو يقوم الليل فعليه أن يبعد الخمر عن تفكيره ، فأصبح المسلمون زاهدين فيها وصاروا جاهزين لقبول تحريمها ، فأنزل الله تعالى تحريمها
قائلاً :
{ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)}(المائدة)
قال المسلمون : انتهينا يا رب انتهينا .
فالخمر كما يصنفها القرآن مع غيرها من الموبقات :
1 ـ خبث ونجس وقذر من الشيطان،وعلى المسلم أن يعصي الشيطان ويبتعد عن القذر والنجس.
2 ـ إن متعاطي الخمر يذهب عقله ، ولاعب القمار إذا ربح ساء أدبه ، وإذا خسر استشاط غضبه ، وفي الأمرين ذهاب العقل ، ومَنْ ذهب عقله لم يدر ما يفعل ولا ما يقول وقد يؤذي الآخرين ويصبح مطيّة للشيطان ـ وهو عدوٌّ للإنسان ـ فيزرع العداوة والبغضاء في المجتمع وتزداد الإحن وتكثر الشحناء .
3 ـ الاستفهام { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } أبلغ ما ينهى به، كأنّه قيل وقد تُلي عليكم ما فيها من المفاسد التي توجب الانتهاء ، فهل أنتم منتهون أم باقون على حالكم ؟.
فكان جواب المسلمين : انتهينا يا رب انتهينا يا رب . وسفحوها في أزقة المدينة .

يتبع




 

رد مع اقتباس