عرض مشاركة واحدة
قديم 05-07-2016   #4
مـراقبة القسم *****


وردة الجنوب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1891
 تاريخ التسجيل :  25 - 04 - 2015
 أخر زيارة : 08-10-2016 (03:25 PM)
 المشاركات : 3,422 [ + ]
 التقييم :  137
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Black
رد: قصص الانبياء عيسي عليه السلام







وقوله: {فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمان صوما فلن أكلم اليوم إنسيا}. وهذا من تمام كلام الذي ناداها من تحتها قال: {فكلي واشربي وقري عينا، فإما ترين من البشر أحدا} أي فإن رأيت أحدا من الناس {فقولي} له أي بلسان الحال والإشارة {إني نذرت للرحمان صوما} أي صمتا، وكان من صومهم في شريعتهم ترك الكلام والطعام. قاله قتادة والسدي وابن أسلم.
ويدل على ذلك قوله: {فلن أكلم اليوم إنسيا} فأما في شريعتنا فيكره للصائم صمت يوم إلى الليل.
وقوله تعالى: {فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا، يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} ذكر كثير من السلف ممن ينقل عن أهل الكتاب أنهم لما افتقدوها من بين أظهرهم ذهبوا في طلبها فمروا على محلتها والأنوار حولها، فلما واجهوها وجدوا معها ولدها فقالوا لها: {يا مريم لقد جئت شيئا فريا} أي أمرا عظيما منكرا، وفي هذا الذي قالوه نظر، مع أنه كلام ينقض أوله آخره وذلك لأن ظاهر سياق القرآن العظيم يدل على أنها حملته بنفسها وأتت به قومها وهي تحمله. قال ابن عباس: وذلك بعدما تعالت من نفاسها بعد أربعين يوما.
والمقصود أنهم لما رأوها تحمل معها ولدها {يا مريم لقد جئت شيئا فريا} والفرية هي الفعلة المنكرة العظيمة من الفعال والمقال.
ثم قالوا لها {يا أخت هارون} قيل شبهوها بعابد من عباد زمانهم كانت تساميه في العبادة وكان اسمه هارون. قاله سعيد بن جبير. وقيل أرادوا بهارون أخا موسى شبهوها به في العبادة وأخطأ محمد بن كعب القرظي في زعمه أنها أخت موسى وهارون نسبا فإن بينهما من الدهور الطويلة ما لا يخفى على أدنى من عنده من العلم ما يرده عن هذا القول الفظيع، وكأنه غره أن في التوراة أن مريم أخت موسى وهارون ضربت بالدف يوم نجا الله موسى وقومه وأغرق فرعون وملأه، فاعتقد أن هذه هي هذه.
وهذا في غاية البطلان والمخالفة للحديث الصحيح مع نص القرآن كما قررناه في التفسير مطولا ولله الحمد والمنة.
وقد ورد الحديث الصحيح الدال على أنه قد كان لها أخ اسمه هارون وليس في ذكر قصة ولادتها وتحرير أمها لها ما يدل على أنها ليس لها أخ سواها. والله أعلم.
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن إدرس، سمعت أبي يذكره، عن سماك، عن علقمة بن وائل، عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله إلى نجران فقالوا: أرأيت ما تقرأون: {يا أخت هارون} وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ قال فرحت فذكرت ذلك لرسول الله فقال: "ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم".
وكذا رواه مسلم والنسائي والترمذي من حديث عبد الله بن إدريس، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديثه وفي رواية: "ألا أخبرتهم أنهم كانوا يتسمون بأسماء صالحيهم وأنبيائهم".
وذكر قتادة وغيره أنهم كانوا يكثرون من التسمية بهارون حتى قيل إنه حضر بعض جنائزهم بشر كثير منهم ممن يسمى بهارون أربعون ألفا. فالله أعلم.
والمقصود أنهم قالوا: {يا أخت هارون} ودل الحديث على أنها قد كان لها أخ نسبي اسمه هارون وكان مشهورا بالدين والصلاح والخير، ولهذا قالوا: {ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} أي لست من بيت هذا شيمتهم ولا سجيتهم لا أخوك ولا أمك ولا أبوك، فاتهموها بالفاحشة العظمى ورموها بالداهية الدهياء.
فذكر ابن جرير في تاريخه أنهم اتهموا بها زكريا وأرادوا قتله ففر منهم فلحقوه وقد انشقت له الشجرة فدخلها وأمسك إبليس بطرف رداءه فنشره فيها كما قدمناه. ومن المنافقين من أتهمها بابن خالها يوسف بن يعقوب النجار.
فلما ضاق الحال وانحصر المجال وامتنع المقال، عظم التوكل على ذي الجلال، ولم يبقى إلا الإخلاص والإتكال {فأشارت إليه} أي خاطبوه وكلموه فإن جوابكم عليه وما تبغون من الكلام لديه، فعندما {قالوا} من كان منهم جبارا شقيا: {كيف نكلم من كان في المهد صبيا} أي كيف تحيلين في الجواب على صبي صغير لا يعقل الخطاب، وهو مع ذلك رضيع في مهده ولا يميز بين مخض وزبدة، وما هذا منك إلا على سبيل التهكم بنا والاستهزاء والتنقص لنا والازدراء، إذ لا تردين علينا قولا نطقيا، بل تحيلين في الجواب على من كان في المهد صبيا.
فعندها {قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا، وجعلني مباركا أين ما كنت ?وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا، وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا، والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا}.
هذا أول كلام تفوه به عيسى بن مريم، فكان أول ما تكلم به أن {قال إني عبد الله} اعترف لربه تعالى بالعبودية وأن الله ربه فنزه جناب الله عن قول الظالمين في زعمهم أنه ابن الله، بل هو عبده ورسوله وابن أمته، ثم برأ أمه مما نسبها إليه الجاهلون وقذفوها به ورموها بسببه بقوله: {آتاني الكتاب وجعلني نبيا} فإن الله لا يعطي النبوة من هو كما زعموا لعنهم الله وقبحهم، كما قال تعالى {وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما} وذلك أن طائفة من اليهود في ذلك الزمان قالوا إنها حملت به من زنى في زمن الحيض، لعنهم الله فبرأها الله من ذلك وأخبر عنها أنها صديقة واتخذ ولدها نبيا مرسلا أحد أولي العزم الخمسة الكبار ولهذا قال: {وجعلني مباركا أين ما كنت} وذلك أنه حيث كان دعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له ونزه جنابه عن النقص والعيب من اتخاذ الولد والصاحبة تعالى وتقدس {وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا} وهذه وظيفة العبيد في القيام بحق العزيز الحميد بالصلاة، والإحسان إلى الخليقة بالزكاة، وهي تشتمل على طهارة النفوس من الأخلاق الرذيلة وتطهير الأموال الجزيلة بالعطية للمحاويج على اختلاف الأصناف وقرى الأضياف والنفقات على الزوجات والأرقاء والقرابات وسائر وجوه الطاعات وأنواع القربات.
ثم قال: {وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا} أي وجعلني برا بوالدتي وذلك أنه تأكد حقها عليه لتمحض جهتها إذ لا والد له سواها، فسبحان من خلق الخليقة وبراها وأعطى كل نفس هداها، {ولم يجعلني جبارا شقيا} أي لست بفظ ولا غليظ، ولا يصدر مني قول ولا فعل ينافي أمر الله وطاعته.
{والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} وهذه المواطن الثلاثة التي تقدم الكلام عليها في قصة يحيى بن زكريا عليهما السلام.






 
التعديل الأخير تم بواسطة طالبة العلم ; 25-09-2016 الساعة 12:18 PM

رد مع اقتباس