عرض مشاركة واحدة
قديم 10-11-2018   #2
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: خواتيم سورة البقرة



وقوله سبحانه وتعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}.
يخبر تعالى عن إيمان الرسول والمؤمنين معه، وانقيادهم وطاعتهم وسؤالهم مع ذلك المغفرة، فأخبر أنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله، وهذا يتضمن الإيمان بجميع ما أخبر الله به عن نفسه، وأخبرت به عنه رسله من صفات كماله ونعوت جلاله على وجه الإجمال والتفصيل، وتنزيهه عن التمثيل والتعطيل وعن جميع صفات النقص، ويتضمن الإيمان بالملائكة الذين نصت عليهم الشرائع جملة وتفصيلا، وعلى الإيمان بجميع الرسل والكتب، أي: بكل ما أخبرت به الرسل وتضمنته الكتب من الأخبار والأوامر والنواهي، وأنهم لا يفرقون بين أحد من رسله، بل يؤمنون بجميعهم، لأنهم وسائط بين الله وبين عباده، فالكفر ببعضهم كفر بجميعهم بل كفر بالله {وقالوا سمعنا} ما أمرتنا به ونهيتنا {وأطعنا} لك في ذلك، ولم يكونوا ممن قالوا سمعنا وعصينا، ولما كان العبد لا بد أن يحصل منه تقصير في حقوق الله تعالى وهو محتاج إلى مغفرته على الدوام، قالوا {غفرانك} أي: نسألك مغفرة لما صدر منا من التقصير والذنوب، ومحو ما اتصفنا به من العيوب {وإليك المصير} أي: المرجع لجميع الخلائق فتجزيهم بما عملوا من خير وشر.
وقوله سبحانه وتعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} الفرق بين الخطأ والنسيان: أن النسيان ذهول القلب عن ما أمر به فيتركه نسيانا، والخطأ: أن يقصد شيئا يجوز له قصده ثم يقع فعله على ما لا يجوز له فعله، فهذان قد عفا الله عن هذه الأمة ما يقع بهما رحمة بهم وإحسانا، فعلى هذا من صلى في ثوب مغصوب، أو نجس، أو قد نسي نجاسة على بدنه، أو تكلم في الصلاة ناسيا، أو فعل مفطرا ناسيا، أو فعل محظورا من محظورات الإحرام التي ليس فيها إتلاف ناسيا، فإنه معفو عنه، وكذلك لا يحنث من فعل المحلوف عليه ناسيا، وكذلك لو أخطأ فأتلف نفسا أو مالا فليس عليه إثم، وإنما الضمان مرتب على مجرد الإتلاف، وكذلك المواضع التي تجب فيها التسمية إذا تركها الإنسان ناسيا لم يضر.
{ربنا ولا تحمل علينا إصرا} أي: تكاليف مشقة {كما حملته على الذين من قبلنا} وقد فعل تعالى، فإن الله خفف عن هذه الأمة في الأوامر من الطهارات وأحوال العبادات ما لم يخففه على غيرها {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} وقد فعل وله الحمد، {واعف عنا واغفر لنا وارحمنا} فالعفو والمغفرة يحصل بهما دفع المكاره والشرور، والرحمة يحصل بها


صلاح الأمور {أنت مولانا} أي: ربنا ومليكنا وإلهنا الذي لم تزل ولايتك إيانا منذ أوجدتنا وأنشأتنا فنعمك دارة علينا متصلة عدد الأوقات، ثم أنعمت علينا بالنعمة العظيمة والمنحة الجسيمة، وهي نعمة الإسلام التي جميع النعم تبع لها، فنسألك يا ربنا ومولانا تمام نعمتك بأن تنصرنا على القوم الكافرين، الذين كفروا بك وبرسلك، وقاوموا أهل دينك ونبذوا أمرك، فانصرنا عليهم بالحجة والبيان والسيف والسنان، بأن تمكن لنا في الأرض وتخذلهم وترزقنا الإيمان والأعمال التي يحصل بها النصر4.
أحاديث في فضل آخر آيتين من هذه السورة:
عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه))5.
ومعنى (كفتاه): قال ابن حجر: "أي أجزأتا عنه من قيام الليل بالقرآن، وقيل أجزأتا عنه عن قراءة القرآن مطلقا سواء كان داخل الصلاة أم خارجها، وقيل معناه أجزأتاه فيما يتعلق بالاعتقاد لما اشتملتا عليه من الإيمان والأعمال إجمالا، وقيل معناه كفتاه كل سوء، وقيل كفتاه شر الشيطان، وقيل دفعتا عنه شر الإنس والجن، وقيل معناه كفتاه ما حصل له بسببهما من الثواب عن طلب شيء آخر، وكأنهما اختصتا بذلك لما تضمنتاه من الثناء على الصحابة بجميل انقيادهم إلى الله وابتهالهم ورجوعهم إليه وما حصل لهم من الإجابة إلى مطلوبهم، وذكر الكرماني عن النووي أنه قال: كفتاه عن قراءة سورة الكهف وآية الكرسي، كذا نقل عنه جازما به، ولم يقل ذلك النووي وإنما قال ما نصه: قيل معناه كفتاه من قيام الليل، وقيل من الشيطان، وقيل من الآفات، ويحتمل من الجميع".6
ومن الأحاديث:
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعطيت خواتيم سورة البقرة من بيت كنز من تحت العرش لم يعطهن نبي قبلي))7.
وعن عبد الله بن مسعود قال: "لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض، فيقبض منها وإليها، ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها قال: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى}[النجم: 16]، قال: فراش من ذهب، قال: فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئاً المقحمات"8.
ومعنى "المقحمات" الذنوب العظام الكبائر التي تهلك أصحابها وتوردهم النار وتقحمهم إياها، والتقحم الوقوع في المهالك، ومعنى الكلام: من مات من هذه الأمة غير مشرك بالله غفر له المقحمات.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه فرفع رأسه فقال: ((هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم)) فنزل منه ملك فقال: ((هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم)) فسلم وقال: ((أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته)9.
وقد وردت فيها أحاديث غير ما ذكر، لكن اكتفينا بما ذكرناه، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
.............................. ............
1 رواه الإمام أحمد (9344) ومسلم (125) واللفظ لأحمد.

2 تفسير العز بن عبد السلام (ص: 249).
3 تفسير القرطبي (3/422- 423).
4 تفسير السعدي (ص: 120).
5 رواه البخاري (4722)، ومسلم (808).
6 فتح الباري لابن حجر (9/56).
7 رواه الإمام أحمد (21344)، وقال محققو المسند: صحيح لغيره.
8 رواه الإمام أحمد (3665)، ومسلم (173).
9 رواه مسلم (806).


 

رد مع اقتباس