السعدي :(.. تحقيق التوحيد تهذيبه وتصفيته من الشرك الأكبر والأصغر , ومن البدع القولية الاعتقادية , والبدع الفعلية العملية , ومن المعاصي , وذلك بكمال الإخلاص لله في الأقوال والأفعال والإرادات , وبالسلامة من الشرك الأكبر المناقض لأصل التوحيد , ومن الشرك الأصغر المنافي لكماله , وبالسلامة من البدع والمعاصي التي تكدر التوحيد وتمنع كماله , وتعوقه عن حصول آثاره .
فمن حقق توحيده بأن امتلأ قلبه من الإيمان والتوحيد والإخلاص , وصدقته الأعمال بأن انقادت لأوامر الله طائعة منيبة مخبتة إلى الله , ولم يجرح ذلك بالإصرار على شيء من المعاصي , فهذا الذي يدخل الجنة بغير حساب : ويكون من السابقين إلى دخولها وإلى تبوء المنازل منها .
ومن أخص ما يدخل في تحقيقه كمال القنوت لله وقوة التوكل على الله : بحيث لا يلتفت القلب إلى المخلوقين في شأن من شئونه , ولا يستشرف إليهم بقلبه , ولا يسألهم بلسان مقاله أو حاله , بل يكون ظاهره وباطنه وأقواله وأفعاله وحبه وبغضه , وجميع أحواله كلها مقصود بها وجه الله متبعا فيها رسول الله . والناس في هذا المقام العظيم درجات
( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ) [ سورة الأنعام : الآية 132 ]
وليس تحقيق التوحيد بالتمني ولا بالدعاوي الخالية من الحقائق , ولا بالحلي العاطلة , وإنما ذلك بما وقر في القلوب من عقائد الإيمان وحقائق الإحسان وصدقته الأخلاق الجميلة , والأعمال الصالحة الجليلة , فمن حقق التوحيد على هذا الوجه حصلت له جميع الفضائل ..).أ.هـ
العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله
القول السديد في مقاصد التوحيد .