إن أرفع وأكرم ما في الإنسان، أنه إنسان، ولو بحثنا وفتشنا ونقبنا في كل قواميس ومعاجم اللغة في العالم، لما وجدنا أرقى وأرفع وأكرم من صفة الإنسان.. للإنسان، لأنه خلق بأحسن تقويم… قال تعالى “لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم”(التين:4) أي في الصفات الخلقية الإنسانية التي تميزه عن باقي المخلوقات..وقال تعالى “وصوركم فأحسن صوركم” (التغابن:3) في المواصفات الخلقية الشكلية..وإن أفضل ما يمكن أن يمدح به إنسان أن يوصف بأنه إنسان.. لكن قد يتبادر للبعض بأن هذه الصفة..هي صفة جميع الناس، لا ميزه فيها لأحد على آخر. وفي الحقيقة هذه الصفة والسمة (الإنسان) من أفضل ما يمكن أن تكون لإنسان، لأننا عندما نقول فلان إنسان، فإن ذلك يعني أنه يجمع الصفات التي أحبها الله للإنسان..كصفة الحب والرحمة والعطف والشفافية والعاطفة.. إلخ. وأي صفة تدل على المعاني الإنسانية في الفطرة البشرية، تكون ذات بعد عالمي، فلا تخص أمه بعينها، لأنها أخلاق البشرية جمعاء..لقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” (الموطأ، حديث رقم:36)
فالإنسان كصفة ” مشتقه من لفظ إنسان، والتي اكتسب من استعمالها مع الأيام مجموعة من المعاني فصار بها الإنسان (إنسانا) فتقول إن فلاناً(إنسان) أي يتصف بصفات تجعله أهل لحمل ذلك الوصف والصفات المنبثقة من الإنسان التي تعارف على تسميتها بالصفات الإنسانية أو الصفات الخلقية.
هي بمجملها الصفات المشتقة من التسمية التي ارتضاها الله للإنسان (يا أيها الإنسان) وهي إنسانيته التي تميزه عن سائر الأحياء (ولقد كرمنا بني أدم) وتجعله المخلوق المحفوف بعناية الله، بما له من صفات وسمات إنسانيه، تجعله أهل لحمل هذا اللقب المحبوب.
أي ان الصفات الإنسانية، هي مجموع لصفة الخلق الحسن التي يتصف بها الشخص، وهي ذاتها مجموع الأخلاق الحسنه التي تعارفت عليها الأمم، والتي تحدث عنها القرآن الكريم بقوله تعالى ” وإنك لعلى خلقٍٍ عظيم”..وذكرها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بقوله “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.وقد روى ابن حبان في صحيحة مرفوعا” ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال أطولكم أعمارا وأحسنكم أخلاقا” كما روى أيضا ابن حبان في صحيحة والحاكم مرفوعا: “إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم”
وجل أهمية الصفات الإنسانية،منفعة وخدمة الناس جميعا، دون انتقائية أو تحيز، كما عبر عن ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله “الخلق عيال الله أحبهم إليه أنفعهم لعياله”(رواه مسلم)
وقوله عليه الصلاة والسلام: ” إنكم لا تقدرون على أن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم”.
مما يؤكد بأن الصفات الإنسانية، هي الأخلاق العامة، التي جاء الإسلام ليؤكدها ويرسخها عملياً.. فالصفات الإنسانية، أو الأخلاق العامة، تفضي بمجموعها إلى نفع للناس.. فصفة أو خلق النفع للآخرين هو القاعدة للعمل الإنساني في الواقع، وهو المعيار الأساس لتقويم الناس، وأعمال الناس، سواء أكان العمل صادراً عن أفراد، أو كان صادراً عن أحزاب أو حركات أو تنظيمات، لأن العمل على نفع الناس، كل الناس دون استثناء، وتقديم الخدمة لهم هو المعيار التحصيلي للصفات الأخلاقية الإنسانية، أو للأخلاق الإسلامية العامة.. فهي كالثمرة التي يعم نفعها للجميع، لأن النفع يشمل ويعم الخلق جميعا باعتبارهم عيال الله، مهما كان هؤلاء الناس، ومهما أساءوا أو انحرفوا أو أفسدوا باعتبار أن الإساءة لا تمنع الناس حقهم، ولا تحرمهم من النفع، ولا التعامل معهم بإنسانية وأخلاق سامية، لأنها هدف عام وليس منةٍ من أحد على أحد.
وبهذا الفهم للأخلاق الإسلامية، وللصفات الإنسانية، ينهض المسلم عامه ليتمثل هذه الصفات، ومن باب أولى أن تصبح هذه الصفات هي صفات القائد الحق، خاصة صفة خلق خدمة الناس جميعا، دون تمييز.. باعتبار ذلك محصلة الأخلاق والصفات الإنسانية.. حيث لا تتحيز هذه الخدمة وهذا النفع، بل تفيض على جميع الناس، ويعم الخير والنفع الخلق جميعا باعتبارهم عيال الله.. لأن حب الله لأي جماعة مرهون بتقديم النفع لخلق الله جميعا دون تحيز، فالأعمال والمصالح التي تتعلق بالناس هي الأكثر تلامساً لمشاعرهم ودخولا لقلوبهم.
ومن أهمية وجود الصفات الإنسانية أنها تفضي إلى العلاقات الإنسانية التي تركز على العنصر البشري أكثر من التركيز على الجوانب المادية..كما أنها تعمل على إثارة الدوافع الفردية بهدف الإنتاج والتنظيم في جو يسوده التفاهم والثقة المتبادلة..فرضاء الأفراد وارتياحهم في أعمالهم إنما هو نتيجة للشعور بالتقدير والشعور بالانتماء والمشاركة.
والصفات (الأخلاق الإنسانية العامة) في الإنسان.. لا يختلف عليها الناس، ولا ينكرونها..ولا يستأثر بها أحد دون الآخر، لأنها ملك للتاريخ البشري.. فهي قديمة قدم الإنسان على الأرض..وهي المعيار والمقياس لكل الأمم والشعوب.
والصفات الإنسانية تعتبر لدى الفرد، ولدى المجتمعات قاطبة، هي الميزة التي تميز الأفراد عن بعضهم البعض، وهي التي تشكل عنوان الشخصية، وتشكل الهوية الإنسانية للمجتمع، لكونها المعيار والمقياس الأنسب الذي يقوم به الناس بشكل عام وخاص..وهذه الصفات الإنسانية.. باعتبارها الأخلاق السامية الإسلامية العامة هي أيضا المعيار والمقياس التي حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ” إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا” (الترمذي، حديث: 1941)
وعن أبي هريرة قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال:” تقوى الله، وحسن الخلق” (الترمذي، حديث-1927)