منتديات الحقلة

منتديات الحقلة (http://www.alhaqlah.com/index.php)
-   المنتدى الاسلامي العام (http://www.alhaqlah.com/forumdisplay.php?f=2)
-   -   أحوال القلب وعلاجه. (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=124275)

ابو يحيى 20-04-2019 09:39 PM

أحوال القلب وعلاجه.
 



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحوال القلب وعلاجه.

إنَّ القلب مضغة صغيرة في صدر الإنسان عظيمة الخطر كبيرة الأثر ، صلاحه صلاح للبدن كله وللجوارح جميعها، وفساده فساد للبدن كله وللجوارح جميعها . عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما يقول : سمعت رسول الله يقول : ((... أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ؛ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ )) [1].
فما أعظم خطر هذه المضغة وما أكبر أثرها !! فكل حركة وسكون تقع من الإنسان وكل فعل أو ترك فرعٌ عن مراد هذه المضغة ، بل لا يمكن للجوارح أن تتخلف عن ذلك ، كما قال بعض السلف " القلب ملك والأعضاء جنوده ، فإذا طاب الملك طاب الجند ، وإذا فسد الملك فسد الجند " ، وما أحوج الإنسان إلى العناية بهذه المضغة إصلاحاً وتنقية وتزكية وتطهيراً ، ومن الدعوات المأثورة في هذا الباب : عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ... اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا )) [2]. وإن أهم ما ينبغي مراعاته في هذا المقام معرفة الغاية التي خُلقت القلوب لأجلها وأوجدت لتحقيقها ألا وهي توحيد الله وإخلاص الدين له .

والقلوب في هذا الأمر على قسمين :

الأول : قلب مشغول بالله عاقل للحق مفكر في العلم مجتهد في تحقيق هذه الغاية ، وهو بهذا يكون قد وضع في موضعه الصحيح ، وحينئذ يكون له وجهان : وجهٌ مقبلٌ على الحق علماً وعملاً سعياً وإذعاناً رغبة وطلباً تحقيقاً وتطبيقاً . ووجهٌ معرض عن الباطل منصرف عنه حذراً من الوقوع فيه ، ويقال له : القلب الزاكي، والقلب الطاهر ، والقلب السليم ، لأن هذه الأسماء تدل على سلامة القلب من الشر وبُعده عن الخبث وخلاصه من الآفات .
الثاني : قلبٌ منصرف إلى الباطل منحرف عن الغاية التي أوجد لأجلها وخُلق لتحقيقها ، وله وجهان : وجهٌ مقبلٌ على الباطل مشغول به ، ووجهٌ معرض عن الحق غير قابل له ، وهما في الحقيقة آفتان : آفة الصدود عن الحق ، وآفة الإقبال على الباطل ، ولكلٍّ منهما أضراره الجسيمة ونتائجه الوخيمة .

والباطل الذي ينشغل به القلب عن هذه الغاية نوعان :

أولاً : نوع يشغل القلب عن الحق ويزاحم الخير الذي فيه دون أن يعانده ويصادمه ، كالأفكار والهموم والغموم والأحزان الناشئة عن علائق الدنيا وشهوات النفس .
ثانياً : نوع يعاند الحق الذي في القلب ويصادمه ويصد عنه ، مثل الآراء والأهواء المردية من الكفر والنفاق والبدع ونحو ذلك .
فالأول يزاحم القلب ، والثاني يصادم ما فيه [3].



وعلاج الأول : بالعودة بالقلب إلى التوحيد الخالص والإيمان الصحيح الذي خُلق القلب لأجله ، وعدم شغله بأمر آخر .
ومن الأحاديث الواردة في ذلك : ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ )) [4]. وعن أسماء بنت عُميس رضي الله عنها قالت : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَلَا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ أَوْ فِي الْكَرْبِ ؟ اللَّهُ اللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا)) [5]. وعن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]أنه قال : ((دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ : اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ)) [6]. وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ((دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ : لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ)) [7].

وجميع هذه الكلمات الواردة في هذه الأحاديث كلمات إيمان وتوحيد وإخلاص لله عز وجل وبُعد عن الشرك كله كبيره وصغيره ، وفي هذا أبين دلالة على أنَّ أعظمَ علاج للكرب هو تجديدُ الإيمان وترديد كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ، فإنه ما زالت عن العبد شدةٌ ولا ارتفع عنه همٌّ وكربٌ بمثل توحيد الله وإخلاص الدين له وتحقيق العبادة التي خُلق العبد لأجلها وأوجد لتحقيقها ، فإن القلب عندما يُعمَر بالتوحيد والإخلاص ويُشغل بهذا الأمر العظيم الذي هو أعظم الأمور وأجلُّها على الإطلاق تذهب عنه الكربات وتزول عنه الشدائد والغموم ، ويسْعَدُ غاية السعادة .

قال ابن القيم رحمه الله : " التوحيد مفزع أعدائه وأوليائه ، فأمَّا أعداؤه فينجيهم من كرب الدنيا وشدائدها: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65] ، وأما أولياؤه فينجيهم من كربات الدنيا والآخرة وشدائدها . ولذلك فزع إليه يونس, فنجَّاه الله من تلك الظلمات , وفزع إليه أتباع الرسل فنجوا به مما عُذِّب به المشركون في الدنيا وما أعِدَّ لهم في الآخرة . ولما فزع إليه فرعون, عند معاينة الهلاك وإدراك الغرق, لم ينفعه , لأن الإيمان عند المعاينة لا يقبل ؛ هذه سنة الله في عباده ، فما دُفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد ، ولذلك كان دعاء الكرب بالتوحيد ، ودعوة ذي النون التي ما دعا بها مكروب إلا فرَّج الله كربه بالتوحيد ، فلا يُلقي في الكرب العظام إلا الشرك ، ولا ينجِّي منها إلا التوحيد, فهو مفزَع الخليقة وملجؤها وحصنها وغياثها . وبالله التوفيق"[8] ا.هـ .

وعلاج الثاني بالهداية لهذا الدين الحنيف والتوفيق للدخول فيه ، قال الله تعالى {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ }[الزمر:22] .

وكل منحرف عن هذا الدين منصرف عن الهدى ؛ فقلبه مريض ولا شفاء له إلا بالدخول في هذا الدين ، وفي غاية الظمأ والعطش لا يرويه إلا معِين هذا الدين الصافي ومنهله العذْب .

قال أحد المهتدين لهذا الدين : " إنَّ غير المسلمين على اختلاف نحَلهم ومللهم ظمأى ، بل يكادون يهلكون من شدة الظمأ ، وذلك لأنهم لم يجدوا ما يروي ظمأهم في عقيدتهم البالية - محرَّفة كانت أو مؤلفة من ورث عقولهم - ، ويا لله العجب كلما شربوا منها ازدادوا ظمأً ، وما كنتُ إلا واحداً من هؤلاء ، ووالله ما ارتويت إلا من بعد أن نهلت من نهر هذا الدين العذب الصافي {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الجاثية:36] "[9]. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
*********
________________
[1] متفق رواه البخاري (52) ومسلم (1599) .
[2] رواه مسلم (2722) .
[3] انظر (طريق الوصول) لابن سعدي ص (162-163) .
[4] رواه البخاري (6346) ، ومسلم (2703) .
[5] رواه أبو داود (1525) ، وابن ماجه (3882) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح الترغيب) (1824).
[6] رواه أبو داود (5090) ، وحسنه الألباني رحمه الله في (صحيح الجامع) (3388).
[7] رواه الترمذي (3505) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح الجامع ) (3383) .
[8] (الفوائد ) ص ( 95-96) .
[9] من مذكرة لمحمد حسين عبد الله الصيني .


أحوال القلب وعلاجه... للدكتور: عبدالرزاق العباد البدر-حفظه الله

قاهر الصعاب 25-04-2019 01:25 AM

رد: أحوال القلب وعلاجه.
 
طرح راقي ومميز

ابا :يحيى
تحياتي

ابو يحيى 25-04-2019 04:36 PM

رد: أحوال القلب وعلاجه.
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قاهر الصعاب (المشاركة 901051)
طرح راقي ومميز

ابا :يحيى
تحياتي





شكرا لمرورك الذي عطر المكان

ونشر بشذاه أركان موضوعي
فبارك الله فيك

ليث نجم 25-04-2019 09:13 PM

رد: أحوال القلب وعلاجه.
 
أحسنت بارك الله فيك وجميل ما أوردت
شكرا لك وتسلم ويعطيك العافية ...

طالبة العلم 26-04-2019 11:39 AM

رد: أحوال القلب وعلاجه.
 
مشكوووووور والله يعطيك العافيه

أسماء 26-04-2019 08:51 PM

رد: أحوال القلب وعلاجه.
 
جزاك الله خيراً

ابو يحيى 26-04-2019 09:31 PM

رد: أحوال القلب وعلاجه.
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ليث نجم (المشاركة 901129)
أحسنت بارك الله فيك وجميل ما أوردت




شكرا لك وتسلم ويعطيك العافية ...




شكرا لمرورك الذي عطر المكان

ونشر بشذاه أركان موضوعي
فبارك الله فيك

ابو يحيى 26-04-2019 09:34 PM

رد: أحوال القلب وعلاجه.
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طالبة العلم (المشاركة 901209)
مشكوووووور والله يعطيك العافيه



الله يعطيك العافية





الساعة الآن 11:42 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Ramdan √ BY: ! Omani ! © 2012
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Forum Modifications Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع المواضيع والمُشاركات المطروحه في منتديات الحقلة تُعبّر عن ثقافة كاتبها ووجهة نظره , ولا تُمثل وجهة نظر الإدارة , حيث أن إدارة المنتدى لا تتحمل أدنى مسؤولية عن أي طرح يتم نشره في المنتدى

This Forum used Arshfny Mod by islam servant