منتديات الحقلة

منتديات الحقلة (http://www.alhaqlah.com/index.php)
-   ارشيف الخيمة الرمضانية ومناسك الحج والعمرة الاعوام السابقة (http://www.alhaqlah.com/forumdisplay.php?f=122)
-   -   رمضان .. غرة مواسم الطاعات (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=116572)

ابو يحيى 12-06-2017 08:30 PM

رمضان .. غرة مواسم الطاعات
 

العمر من أجل ثروات العبد، واستمارة ديدن أهل الكياسة والإيمان، فأشد الحمق التغافل عن مواسم الطاعات، وأعظم الغبن تفويت مواطن القربات، ولولا فطنة أهل البصيرة لنفحات الله تعالى في تلك المواسم لما وجد المقربون ولا السابقون، ورغم أنف عبد أدرك رمضان ولم يغفر له، وخاب من فوت بركات الصيام في اللغو والرفث، فثواب رمضان أنفع حصاد السنين وأعظم بركة للمتقين، وكيف لا وقد تكفل لهم رب العالمين بالعتق من نار الجحيم.
نعوذ بالله من فضول الأعمال والهموم، التي تشغل العبد عن رب الكون، فكل ما شغل العبد عن الرب فهو مشؤوم، ومن فاته رضا مولاه فهو محروم، كل العافية في الذكر والطاعة، وكل البلاء في الغفلة والمخالفة، وكل الشفاء في الإنابة والتوبة.
قال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:7-8]
النصب: التعب بعد الاجتهاد، كما في قوله {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [88/2-3].
قال الشيخ أبو بكر الجزائري: "هذه خطة لحياة المسلم وضعت لنبي الإِسلام محمد -صلى الله عليه وسلم- ليطبقها أمام المسلمين ويطبقونها معهم حتى الفوز بالجنة والنجاة من النار، وهي: فإِذا فرغت من عمل ديني فانصب لعمل دنيوي، وإذا فرغت من عمل دنيوي فانصب لعمل ديني أخروي. فمثلا فرغت من الصلاة فانصب نفسك للذكر والدعاء بعدها، فرغت من الصلاة والدعاء فانصب نفسك لدنياك، فرغت من الجهاد فانصب نفسك للحج". [أيسر التفاسير] وهذه الآية من جوامع الكلم القرآنية لما احتوت عليه من كثرة المعاني الإيمانية.
عن محمد بن أبي عميرة -رضي الله عنه- وكان من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لو أنَّ رجلاً يخرُّ على وجهه من يوم وُلد إلى يوم يموت هرَماً في طاعة الله -عز وجل- لحقره ذلك اليوم، ولَودَّ أنه رُدَّ إلى الدنيا كيما يزداد من الأجر والثواب) [رواه أحمد وصححه الألباني].
قال غنيم بن قيس: "كنا نتواعظ في أول الإسلام: ابن آدم اعمل في فراغك قبل شغلك وفي شبابك لكبرك، وفي صحتك لمرضك، وفي دنياك لآخرتك، وفي حياتك لموتك".
قال أهل العلم: "والعبد العاقل، هو الذي يأخذ من حياته لمماته، ومن دنياه لأخراه، فالدنيا مزرعة الآخرة، وهي ساعة، فاجعلها طاعة، والنفس طماعة، فألزمها القناعة، وإلا فإن الأنفاس تعد، والرحال تشد، والتراب من بعد ذلك ينتظر الخد، وما عقبى الباقي غير اللحاق بالماضي، وعلى أثر من سلف يمشي من خلف، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من وعظ بنفسه، ومن رحمة الله تعالى علينا أن جعل لنا مواسم، فيها نفحات لمن يتعرض لها ويغتنمها، يفرح بها المؤمنون ويتسابق فيها الصالحون، ويرجع فيها المذنبون، ويتوب الله على من تاب، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، لسان حالهم يقول: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ} [طه: 84].
يقول الإمام ابن رجب -رحمه الله-: "فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرّب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات، فعسى أن تُصيبه نفحةٌ من تلك النفحات، فيَسعدَ بها سعادةً يأمنُ بعدها من النار وما فيها من اللفحات" [لطائف المعارف]
ويقول ابن القيم: "السنة شجرة والشهور فروعها والأيام أغصانها والساعات أوراقها والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرته ثمرة طيبة، ومن كانت أنفاسه في معصية فثمرته حنظل".
فاغتنموا مواسم الطاعات فأيامها معدودة، وانتهزوا فرص الأوقات فساعات الإسعاد محدودة، وجُدُّوا في طلب الخيرات فمناهل الرضوان مورودة، وقوموا على قدم السداد، واتقوا الله الذي إليه تحشرون.
وورد في الأثر عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "اطْلُبُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ كُلَّهُ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى, فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَيُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ".
ورمضان ساحة فريدة جمعت الكثير من صنوف الطاعات: صيام وصدقة وتلاوة قرآن وذكر وعاء وقيام والعشر الأواخر من أيامه بما فيها ليلة القدر والاعتكاف وصدقة الفطر .. فمن لا يطيق فضيلة فهو يجتهد في غيرها، ومن فاتته فرصة للخير فهو يغتنم أخرى.
إنه شهر الخير والرحمة, شهر النقاء والعفة، شهر الطهر والصفاء .. فيه تصفو القلوب، وتسمو النفوس, وترقى الأرواح .. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجان، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، ونادى مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة) [الترمذي والحاكم وصححه على شرط الشيخين]
وأيام رمضان ولياليه كلها مباركة، وهي أيام وليال يتضاعف فيها الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين. وتبلغ المنح الإلهية ذروتها في «ليلة القدر» التي هي خير من ألف شهر .. قال صلى الله عليه وسلم: «ليلة القدر ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين، إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى» [حسن الجامع الصغير:5473] .. إنها ليلة التكريم الإلهي لأمة سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم .. ليلة تضاعف فيها الطاعات ألف شهر لتصبح أعمال العبد المسلم في نهاية المطاف عند الوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة من العمل الصالح ما لا يمكن أن تدركه أمة أخرى.
لذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتهيأ للرمضان تهيئة خاصة فتصف السيدة عائشة –رضي الله عنها- حاله -صلى الله عليه وسلم- فتقول: "ولم أره في شهر أكثر صياماً منه في شعبان"، والعلة في هذا هي تهيئة النفس لاستقبال هذه الفريضة العظيمة وهذا الشهر الجليل.
إن الصوم ساحة تملك النفس، وضبط لغرائزها، وتقييد لجموحها وجنوحها، فضلا عن شعور جماعي بمعاناة الفقير والمعوذ، وإحساس عملي بآلام المحرومين وجوع الجائعين ومعاناة المحتاجين .. ففي الصوم يترفع المسلم عن شهواته ونزواته، وأن لا يرى في الحياة سوي متطلباته ورغباته، ولذلك شرفه الله تعالى بنسبته إلى نفسه من بين سائر العبادات، ووعد بإجزال الثواب الفريد لصاحبه، ففي الحديث الشريف: «كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله. قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فمه أطيب عند الله من ريح المسك» [رواه مسلم:2763]
إن شهر رمضان بمثابة حمام روحي ومغتسل سنوي يتطهر فيه المسلم من أوضار الذنوب والخطايا .. نهاره صائم، وليله قائم، وعمله دائم: فهو بين تلاوة للقرآن، وذكر للرحمن، وشتى مظاهر الجود والإحسان.
ألا ما أحوج أمتنا إلى أن تستفيد من هذا الشهر الفضيل، فهو موسم المتَّقين، ومتّجر الصالحين، وميدان المتسابقين، ومغتسل التائبين؛ ولهذا كان السلف إذا جاء رمضان يقولون: «مرحبًا بالمُطهِّر»! فهو فرصة للتطهر من الذنوب والسيئات، كما أنه فرصة للتزود من الصالحات والحسنات.

أنشودة الأمل 14-06-2017 06:16 AM

رد: رمضان .. غرة مواسم الطاعات
 

موضوع في قمة الروعه
لطالما كانت مواضيعك متميزة
لا عدمنا المميز و روعة الإختيار
دمت لنا ودام تألقك الدائم

وجزيل الشكر لك على المجهود
أنشودة الأمل





طالبة العلم 14-06-2017 11:32 AM

رد: رمضان .. غرة مواسم الطاعات
 
مشكور والله يعطيك الف عافيه

ابو يحيى 15-06-2017 07:41 PM

رد: رمضان .. غرة مواسم الطاعات
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أنشودة الأمل (المشاركة 818649)

موضوع في قمة الروعه
لطالما كانت مواضيعك متميزة
لا عدمنا المميز و روعة الإختيار
دمت لنا ودام تألقك الدائم
وجزيل الشكر لك على المجهود
أنشودة الأمل





شكرا لك على هذا المرور الرائع
ولا حرمنا الله من طلتك
وبارك الله فيك

ابو يحيى 15-06-2017 07:41 PM

رد: رمضان .. غرة مواسم الطاعات
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طالبة العلم (المشاركة 818709)
مشكور والله يعطيك الف عافيه

شكرا لك على هذا المرور الرائع
ولا حرمنا الله من طلتك
وبارك الله فيك


الساعة الآن 04:36 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Ramdan √ BY: ! Omani ! © 2012
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Forum Modifications Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع المواضيع والمُشاركات المطروحه في منتديات الحقلة تُعبّر عن ثقافة كاتبها ووجهة نظره , ولا تُمثل وجهة نظر الإدارة , حيث أن إدارة المنتدى لا تتحمل أدنى مسؤولية عن أي طرح يتم نشره في المنتدى

This Forum used Arshfny Mod by islam servant