منتديات الحقلة

منتديات الحقلة (http://www.alhaqlah.com/index.php)
-   سير نبي الرحمة واهم الشخصيات الإسلامية (http://www.alhaqlah.com/forumdisplay.php?f=90)
-   -   سعد بن معاذ رضي الله عنه (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=126330)

ッ ѕмιℓє 19-01-2021 06:38 PM

سعد بن معاذ رضي الله عنه
 
سعد بن معاذ رضي الله عنه


الحمد لله، الحمد لله على كلِّ ما يُولِيهِ ربُّنا ويُسْديه، وما يتفضل به ويعطيه، حمدًا يليق بجلاله وكماله ويُرضيه، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ [هود: 123]، سبحانه لم يزَلْ فردًا بلا شبيه، وليس في الورى شيءٌ يضاهيه، لا كون يحصره، لا عون ينصره، لا عين تبصره، لا فكر يحويه، لا دهر يخلقه، لا نقص يلحقه، لا شيء يسبقه، لا عقل يدريه، لا عد يجمعه، لا ضد يمنعه، لا حد يقطعه، لا قطر يحويه.



حارت جميعُ الورى في كُنهِ قُدرتِه *** فليس تدرك معنى من معانيه



﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾ [النساء: 87]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.



تبارَكَ الله في علياء عزته
وجل معنى فليس الوهم يدنيه
جلاله سرمديٌّ لا زوال له
وملكه دائمٌ لا شيء يفنيه


﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾ [الانشقاق: 6]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله؛ نبيٌ سلَّم الحجرُ عليه، وحنَّ الجذع إليه، ونبع الماء من بين أصابع يديه، وناشده الحمام أن يرُدَّ عليه فرخَيْه، ولاح خاتَمُ النبوة بين كتفيه، فصلى الله وسلم وبارك وأنعم عليه، وعلى آله وأصحابه وتابعيه، وسلم تسليمًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه.



أما بعد: فــ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]، عجبًا لمن لم يرَ محسنًا غير الله كيف لا يميل بكليته إليه، عجبًا لمن يحتمي من بعض الأطعمة (مع حِلِّها) مخافة المرض، كيف لا يحتمي من الذنوب (مع حرمتها) مخافة النار، عجبًا لقوم يعملون لدارٍ يرحلون عنها كلَّ يوم، ويُهمِلون دارًا يرحلون إليها كلَّ يوم، من زرع خيرًا حصد أجرًا، ومن أيقن بالمعاد استكثر من الزاد، ومن أحسن عمله بلغ أمَلَه، ﴿ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [غافر: 40].



معاشر المؤمنين الكرام: حديثنا اليوم عن رجلٍ بهر الناسَ بشجاعته، وفاق الكثير بحنكته وحسن قيادته، وبَزَّهم ببيانه ورأيه وحكمته، كان رضي الله عنه من أقوى الناس جَنانًا، وأصدقهم هدًى وبيانًا، يعشق العزة، ويأبى الضيم، قائدٌ همامٌ وأسدٌ ضرغام، تسابقت الملائكة للصلاة عليه، واهتزَّ لموته عرش الرحمن، مات ولمَّا يبلغ الأربعين، إنه الصادق الصدوق، عدوُّ اليهود، وسيد الأوس: سعد بن معاذ الأشهليُّ الأوسي الأنصاري، البطل الشهير، وصاحب العقل الكبير، الأمير القائد، والبطل المجاهد، الذي خرج من رعيلٍ قال عنهم المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((الأنصار لا يُحِبُّهم إلا مؤمنٌ، ولا يبغضهم إلا منافقٌ، فمن أحَبَّهـم أحَبَّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله)) متفق عليه، إنهم القوم الذين تبوؤوا الدار والإيمان، يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ويؤثِرون على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة، من كانوا للدين حماةً بررة، وللنبي صلى الله عليه وسلم بطانة وأنصارًا، من دعا لهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بدعائه المبارك: ((اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار)).



ذكر ابن إسحاق أن أسعد بن زُرارة رضي الله عنه، وهو ممن أسلم في بيعة العقبة الأولى، خرج بمصعب بن عمير رضي الله عنه الداعية الكبير وسفير الإسلام الأول، يريد به دعوة بني عبد الأشهل، فدخل به حائطًا من حوائطهم فجلسا فيه، واجتمع إليهم رجالٌ ممن أسلم يتدارسون شيئًا من القرآن، فأقبل عليهم سعد بن معاذ مغضبًا، يلوح الشرُّ في وجهه، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير: أيْ مصعبُ، جاءك والله سيدُ قومه، إنْ يتبعك لا يتخلَّفْ عنك منهم اثنان، فلما وقف عليهما قال لأسعد بن زرارة: يا أبا أمامة، أما والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، أتغشانا في دارنا بما نَكرَهُ؟! فقال له مصعب: أوَ تقعد فتسمع؟ فإنْ رضيتَ أمرًا ورغبت فيه قَبِلتَه، وإن كرهته كفَفْنا عنك ما تكره، قال سعد: أنصفت، ثم ركَزَ حرْبَتَه وجلس، فعرض عليه مصعبٌ الإسلامَ، وقرأ عليه القرآن، قال: فعرَفْنا والله في وجهه الإسلامَ قبل أن يتكلم؛ لإشراقة وجهه وتسهله، ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أردتم الدخول في هذا الدين؟ قال: تغتسل وتتطهَّر وتطهِّر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلي ركعتين، وما أن أسلم رضي الله عنه حتى تحوَّل إلى داعية، توجَّه مباشرةً إلى قومه فقال: يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدُنا، وأيمنُنا نقيبة، قال: فإنَّ كلامكم عليَّ حرامٌ رجالكم ونساؤكم حتى تؤمنوا بالله ورسوله، قال: فوالله ما بقي في دار بني عبد الأشهل رجلٌ ولا امرأةٌ إلا وأسلَموا.



وفي معركة بدرٍ الخالدة، وقبل المواجهة، استشار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة، فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال وأحسَنَ، ثم قام عمر رضي الله عنه وقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو رضي الله عنه فتكلم وأحسن، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أشيروا عليَّ أيها الناس))، ففطن قائد الأنصار سعد بن معاذ رضي الله عنه لمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: ((أجل))، قال: فقد آمَنَّا بك وصدَّقناك، وشهدنا أن ما جئتَ به هو الحقُّ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع والطاعة، فامضِ يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرَضتَ بنا هذا البحرَ فخُضته لَخُضناه معك، ما تَخلَّفَ منا رجلٌ واحدٌ، وما نكره أن تلقى بنا عدوَّنا غدًا، إنَّا لَصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ في اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينُك، فسِرْ بنا على بركة الله، فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعدٍ، ونشطه ذلك ثم قال: ((سيروا وأبشروا؛ فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم)).



الله أكبر يا عباد الله! لقد سطر سعدٌ رضي الله عنه بهذه الكلمات الطيبة البيعة الصادقة، واليقين الثابت لنصرة دين رسوله صلى الله عليه وسلم مهما كلف الأمر.



وفي يوم الخندق إذ يشتد الخَطْبُ على المسلمين، وتضطرب الأنفس، وتُطوَّق المدينة بأكثر من عشرة آلاف مقاتل، فيحاول النبي صلى الله عليه وسلم التماسَ مَخرجٍ للمسلمين يفُكُّ به الحصار، ويزعزع به اجتماع الأحزاب الكافرة، فيعمد إلى مفاوضة غطفان ليصالحهم على ثلُث ثمار المدينة ويرجعوا بجيشهم، لكنه استشار قبلها سيدَي الأوسِ والخزرج: سعدَ بن معاذ، وسعد بن عبادة رضي الله عنهما، فقالا: يا رسول الله، إن كان الله أمَرَك بهذا فسمعًا وطاعة، وإن كان شيء تصنعه لنا، فلا حاجة لنا فيه؛ لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشِّرك بالله وعبادة الأوثان، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قِرًى (أي: ضيافة) أو بيعًا، فحين أكرَمَنا الله بالإسلام وهدانا له، وأعَزَّنا بك، نعطيهم أموالنا؟! والله لا نعطيهم إلا السيفَ، فصوَّب صلى الله عليه وسلم رأيهما، وقال: ((إنما هو شيء أصنعه لكم؛ لِما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة)).



لقد غطَّت قوة الإيمان على الحسابات العسكرية والخطط الإستراتيجية، التي إذا بولغ فيها زعزعت العقيدة، وأورثت الوهن والجبن والخذلان، ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].



بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم.



الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.



معاشر المؤمنين الكرام: وفي يوم الخندق يصاب سعد بن معاذٍ رضي الله عنه بسهم في ذراعه، فيقطع أكحله فينزف دمًا غزيرًا، وتدنو لحظات موته، لكنه لا يفقد الأمل، ولا يتذرَّع بالوجع، بل يصنع الطموح في وقت الألم والجروح، ويسمو للقمم بعلو الهمم، ويبقي العزيمة ولا يرضى الهزيمة؛ فيدعو بدعاء عجيب: اللهم إن كنت أبقيتَ من حرب قريشٍ شيئًا فأَبْقِني لها، فإنه لا قوم أحب إليَّ من أن أجاهدهم فيك من قوم آذَوا نبيَّك وكذَّبوه وأخرَجوه، اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة، ولا تُمِتْني حتى تقر عيني من بني قُرَيظة.



وقد أخرج البخاري ومسلم أن بني قريظة حين نقضوا العهد وحاصرهم الرسول صلى الله عليه وسلم، نزلوا على حُكمِه، فأرسل إلى سعد رضي الله عنه، فجيء به محمولًا على حمار وهو متعبٌ من جرحه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أَشِرْ عليَّ في هؤلاء))، قال سعد: إني أعلم يا رسول الله أن الله قد أمرك فيهم بأمرٍ أنت فاعله، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أجل، ولكن أَشِرْ))، قال سعد: لو وليتُ أمرهم لقتلتُ مُقاتِلتَهم، وسَبَيْتُ ذَراريَّهم، فقال صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، لقد أشرتَ عليَّ فيهم بالذي أمرني الله به))، وفي رواية: ((لقد حكَمتَ فيهم بحُكمِ الله من فوق سبع سموات)).



لقد كان سعدٌ رضي الله عنه أعرَفَ الناس باليهود، وإن قومًا نكثوا عهدهم في أحْلك الظروف ومع خير البرية لا ينفع فيهم إلا الاستئصال، وقد كان حكم سعد رضي الله عنه موافقًا لحكم الله تعالى من فوق سبع سموات، وهذا الذي أقَرَّه النبي صلى الله عليه وسلم ونفذه.



ويشتدُّ بسعد المرضُ، فيجعل له النبي صلى الله عليه وسلم قُبَّةً في المسجد؛ ليعوده فيها من قريب، ويزداد الجرح وتنفجر الدماء حتى سالت من وراء الخيمة، فمات رضي الله عنه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يجرُّ رداءه ويسرع في مشيته، والصحابة يَتعادَوْن من حوله، وهو يقول صلى الله عليه وسلم: ((أخاف أن تسبقنا المـــلائكة إليه))، فسار صلى الله عليه وسلم في جنازته، فلما وُضع في قبره تغيَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سبَّح ثلاثًا، فسبَّح الصحابة الذين معه، ثم كبَّر فكبَّروا حتى ارتج البقيع، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((هذا العبد الصالح الذي اهتزَّ عرش الرحمن لمــوته، وفُتحت له أبواب السماء، ونزل سبعون ألفًا من الملائكة لتشييعه! لقد ضُمَّ عليه القبر ضمةً، لو نجا منها أحدٌ لنجا منها سعد)).



لقد عاش سعدٌ في الإسلام سبع سنوات فقط، فاهتز لموته عرش الرحمن، ونزل لموته رضي الله عنه سبعون ألف ملَكٍ ما وطئوا الأرض قبلها، كما جاء في الأثر، ومنا من يعيش أضعاف هذه المدة، إلا أن الأرض التي يمشي عليها ربما تلعنه كلما مشى عليها، وتفرح حتى الجمادات بموته، فوالله إنها لمصيبة أن يعيش المسلم منا سنواتٍ طويلة وما قدَّم لحياته شيئًا، حتى إذا قَدِمَ على ربه قال: ﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 24].



ترى ما السر العظيم الذي أدرك به سعدٌ رضي الله عنه هذه المناقبَ العظمية؟ لا شك يا عباد الله: أنه الصدق مع الله، أنه الإخلاص لله، واليقين الثابت بموعود الله، وصدق المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.



فسلام الله عليك يا سعد بن معاذ في الخالدين، وسلام الله عليك إلى يوم الدين، ورضي الله عنك وأرضاك، رضي الله عنك وأرضاك.



ويا بن آدم، عش ما شئت فإنك ميت، وأَحْبِبْ من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به، البِرُّ لا يَبْلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.

ابو يحيى 20-01-2021 06:40 AM

رد: سعد بن معاذ رضي الله عنه
 
جزاك الله خيرا

على طرح الرائع

ッ ѕмιℓє 21-01-2021 08:40 PM

رد: سعد بن معاذ رضي الله عنه
 
يسلمووو للمرور الكريم
ودي

الجوهره 25-02-2021 04:09 AM

رد: سعد بن معاذ رضي الله عنه
 
بارك الله فيك وجزاك الفردوس الاعلى ان شاء الله


الساعة الآن 09:42 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Ramdan √ BY: ! Omani ! © 2012
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Forum Modifications Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع المواضيع والمُشاركات المطروحه في منتديات الحقلة تُعبّر عن ثقافة كاتبها ووجهة نظره , ولا تُمثل وجهة نظر الإدارة , حيث أن إدارة المنتدى لا تتحمل أدنى مسؤولية عن أي طرح يتم نشره في المنتدى

This Forum used Arshfny Mod by islam servant